التحدّي في خطوات
لقد تحدّى القرآن ـ في وقته ـ عامّة العرب ، وهم أهل فصاحة وبيان. وذلاقة لسان. وقد لمسوه بأناملهم فوجدوه صعبا على سهولته ، وممتنعا على مرونته. فحاولوا معارضته. ولكن لا بالكلام ، لعجزهم عنه وضحالة مقدرتهم تجاه شوكته. فعمدوا إلى مقارعته بالسيوف وبذل الأموال والنفوس ، فلم يستطيعوا مقابلته في هذا الميدان أيضا. فباؤوا بالفشل والفضيحة مع الأبد.
وربما كانوا بادئ ذي بدء استهانوا من شأنه حيث قولهم : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(١).
وقالوا : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ)(٢). وقالوا : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ)(٣). وقالوا : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ)(٤). إلى أمثالها من تعابير تنمّ عن سخف أوهامهم.
ولكن سرعان ما تراجعوا عن مقابلته وانقلبوا صاغرين ، وقد ملكتهم روعة هذا الكلام الخارق المعجز ، وتحدّاهم في مراحل :
أوّلا : فليأتوا بحديث مثله كملا : (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ)(٥).
ثانيا : حدّد لهم لو يأتون بعشر سور مثله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ)(٦).
ثالثا : امتهانا بشأنهم تنازل أن لو استطاعوا أن يأتوا بسورة واحدة : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)(٧).
وأخيرا حكم عليهم حكمه الباتّ : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا)(٨) : أن ليس باستطاعتهم ذلك مهما حاولوه وأعدّوا له واستعدّوا ، لأنّه يفوق كلام البشر كافّة!!
__________________
(١) الأنفال ٨ : ٣١.
(٢) المدثّر ٧٤ : ٢٥.
(٣) النحل ١٦ : ١٠٣.
(٤) الأنعام ٦ : ٩١.
(٥) الطور ٥٢ : ٣٣ ـ ٣٤.
(٦) هود ١١ : ١٣ ـ ١٤.
(٧) يونس ١٠ : ٣٨ ـ ٣٩.
(٨) البقرة ٢ : ٢٤.