قال تعالى :
(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧))
هنا يأتى دور الحديث عن الأمثال الّتي يضربها الله في القرآن :
هذه الآية تشي بأنّ المنافقين الّذين ضرب الله لهم مثل الّذي استوقد نارا ، ومثل الصيّب الّذي فيه ظلمات ورعد وبرق ـ أضف إليهم اليهود وكذلك المشركين ـ قد اتّخذوا من ورود هذه الأمثال في هذه المناسبة ، وأمثال أخرى جاءت في السور المكّيّة كالّذي ضربه الله مثلا للذين كفروا بربّهم (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١). وكالّذي ضربه الله مثلا لعجز آلهتهم المدّعاة عن خلق الذباب : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)(٢).
فهؤلاء وهؤلاء قد وجدوا في هذه المناسبة منفذا للتشكيك في صدق الوحي بهذا القرآن ، بحجّة أنّ ضرب الأمثال هكذا بما فيها من تحقير لهم وسخريّة منهم لا تصدر عن الله ، وأنّ الله لا يذكر هذه الأشياء الصغار كالذباب والعنكبوت في كلامه المتعالي الحكيم! وكان هذا طرفا من هجمة التشكيك وإيجاد البلبلة في نفوس العامّة ، والّتي يقوم بها المنافقون واليهود في المدينة ، ومن قبلهم المشركون في مكّة.
فجاءت هذه الآيات دفعا لهذا الدسّ الخبيث ، وبيانا لحكمة الله في ضرب الأمثال ، وتحذيرا للمعاندين من عاقبة الاستدراج بها ، وتطمينا للمؤمنين أن ستزيدهم إيمانا وتثبيتا :
__________________
(١) العنكبوت ٢٩ : ٤١.
(٢) الحجّ ٢٢ : ٧٣.