(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ).
هي ألوان من النعيم من ثمار نكهة وازواج مطهّرة وجنّات زاهرة وعيون جارية. جاءت متشابهة. هي بظاهرها تشبه نعيم الدنيا في زهرتها. ولكنّها تشابهت عليهم. فهناك الفارق كبير. واللذائذ هناك تفترق عن لذائذ الدنيا بكثير. إذ لا تنقصها عيب ولا تنغض الالتذاذ بها خوف الفساد والزوال. وهم فيها خالدون. ينالها من لذّة دائمة وعيش هنيء ينعم بها أولو النهى وأصحاب العقول الراجحة. ويحرم عنها المتشاكسون.
وبعد فينبغي بنا ونحن على أهبة عرض أحاديث الباب ، أن نقدّم بحثا موجزا عن مسألة التحديّ مع إلمامة بوجوه إعجاز القرآن ، ونوكل التفصيل إلى مباحثنا عن الإعجاز في التمهيد.
حديث التحدّي
حديث التحدّي حديث طريف مذيّل كثر الكلام فيه من نواحي شتّى ، وقد بحثنا عنها في مجال مسبق (١). وبقي أن نتحدّث هنا عن ترتيبها حسب النزول ، ممّا أجملنا الكلام فيه هناك.
لا شكّ أنّ التحدّي نحو مقارعة مع الخصم العنود ، إظهارا لعجزه وربما امتهانا بشأنه. فكان من الطبيعى أن يقع التحدّي من الأشدّ إلى الأخفّ ، فقد تحدّاهم القرآن أوّلا لو أن يأتوا بحديث مثله (٢) ، في مثل الحجم النازل منه (٣) وعلى كيفيّته الخاصّة البارعة.
ثمّ تنازل إلى عشر سور مثله مفتريات ـ كما زعموا ـ (٤). وأخيرا تحدّاهم بما لو يأتون بسورة مثله (٥) ومن مثله (٦).
هذا ما يقتضيه طبع القضيّة. غير أنّ هنا سؤالا ، نظرا إلى أن سورة يونس الّتي وقع التحدّي فيها بسورة مثله ، كان رقم نزولها : ٥١. قبل سورة هود الّتي وقع التحدّي فيها بعشر سور مثله ، حيث رقم
__________________
(١) في الجزء الرابع من التمهيد. وسوف نلخّصها في نهاية الفصل.
(٢) في سورة الطور ٥٢ : ٣٤. ورقم نزولها بمكة : ٤٥.
(٣) في حجم ٤٥ سورة كانت نازلة لحدّ ذاك الوقت.
(٤) في سورة هود ١١ : ١٣. ورقم نزولها بمكة : ٥٢.
(٥) في سورة يونس ١٠ : ٣٨. ورقم نزولها بمكة : ٥١.
(٦) البقرة ٢ : ٢٣.