في حقيقة الإيمان
الإيمان ـ في حقيقته ـ هو الإيقان عن عقد قلب ، بحيث أوجب ارتياح النفس إليه والاطمئنان به عن صدق وإخلاص ، وباعثا مباشرا على العمل بمقتضاه عن جدّ واجتهاد ، من غير حاجة إلى بعث خارجيّ أو زاجر من خارج النفس.
كمن أيقن بحضور محبوبه أو ضالّته المنشودة لدى الباب ، فيعمد لفوره لمقابلته برحابة من الصدر ، والتماس أعتابه بكلّ خضوع وإجلال ، من غير حاجة إلى بعث من خارج نفسه. وهكذا من أيقن بوجود عدوّ ضارّ قد كمن له في الطريق ، فيحاول لحينه الفرار أو مقابلته بما يطمئنّ بالغلبة عليه.
هذا هو الإيمان الصادق والإيقان عن إخلاص. ومن ثمّ فيكون الإيمان بذاته باعثا مباشرا على العمل ، ويكون العمل الجادّ ، كاشفا حقّا عن محض الإيمان ، لا أنّه هو ولا كونه جزءا من ماهيّته وحقيقته ، بل لازمه المباشر الكاشف عنه.
فما ورد من أنّ الإيمان هو الاعتقاد بالجنان والعمل بالأركان والقول باللسان ، فهو بيان لأسّ الإيمان مع الكاشف عنه ، حسب المتعارف المعهود.
وما ورد من استعمال اللفظة في القرآن ، يدلّ على هذا التفكيك ، وأنّ العمل لازم الإيمان ومنبعث عنه وليس متّحدا معه لا مفهوما ولا مصداقا. وفي كثير من الآيات جاء الحثّ على الإيمان والعمل الصالح توأمين : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً)(١). وأنّ الإيمان بلا عمل ، (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً)(٢). لأنّ العمل أثر ملازم للإيمان ، وإذا فقد الأثر ، كان دليلا على فقدان صاحب الأثر. قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ)(٣) يعني : إن صحّ أنّكم آمنتم ، فليكن دليلا على صدق الإيمان ، هو استجابة الرسول فيما يدعوكم إليه ، من العمل بمقتضى الإيمان. وهكذا قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا)(٤) ، أي يا أيّها الّذين آمنوا بإظهار الشهادتين ، فليكن إظهاركم هذا نابعا عن عقد قلب باعث على العمل بمقتضاه.
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦٩.
(٢) النور ٢٤ : ٣٩.
(٣) الأنفال ٨ : ٢٤.
(٤) النساء ٤ : ١٣٦.