جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) لي عليهم ، فيكون حجّة لي عليهم في أرضي على خلقي ، فقالت الملائكة : سبحانك (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) قالوا : فاجعله منّا فإنّا لا نفسد في الأرض ولا نسفك الدماء ، قال الله ـ جلّ جلاله ـ : يا ملائكتي (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) إنّي أريد أن أخلق خلقا بيدي ، أجعل ذرّيّته أنبياء مرسلين وعبادا صالحين ، وأئمّة مهتدين ، أجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ينهونهم عن المعاصي وينذرونهم عذابي ، ويهدونهم إلى طاعتي ، ويسلكون بهم إلى طريق سبيلي ، وأجعلهم حجّة لي عذرا أو نذرا ، وأبين النسناس من أرضي فاطهّرها منهم ، وأنقل مردة الجنّ العصاة عن بريّتي وخلقي وخيرتي وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض أن لا يجاوروا نسل خلقي ، وأجعل بين الجنّ وبين خلقي حجابا ؛ ولا يرى نسل خلقي الجنّ ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم ولا يجالسونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الّذين اصطفيتهم لنفسي أسكنتهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا أبالي ، فقالت الملائكة : يا ربّنا افعل ما شئت (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)» (١).
[٢ / ١٠٤٥] وروى عليّ بن إبراهيم بالإسناد إلى جابر بن يزيد عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهمالسلام قال : «إنّ الله تبارك وتعالى أراد أن يخلق خلقا بيده ، وذلك بعد ما مضى من الجنّ والنسناس (٢) في الأرض سبعة آلاف سنة ، وكان من شأنه خلق آدم فكشط (٣) عن أطباق السماوات وقال للملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنسناس ، فلمّا رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحقّ ، عظم ذلك عليهم وغضبوا وتأسّفوا على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم ، قالوا : ربّنا إنّك أنت العزيز القادر الجبّار القاهر العظيم الشأن ، وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلّبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام ، لا تأسف عليهم ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى ، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك ، قال : فلمّا سمع ذلك من
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٥١ ـ ٥٢ ؛ علل الشرائع ١ : ١٠٤ ـ ١٠٥ / ١ ، باب ٩٦ (علّة الطبايع والشهوات والمحبّات) ؛ القميّ ١ : ٣٦ ـ ٣٧ ، رواه مطوّلا ؛ البحار ١١ : ١٠٣ ـ ١٠٤ و ٦٠ : ٨٢ ـ ٨٣.
(٢) يقال : إنّه خلق في صورة الناس. قال كراع : والنسناس ـ فيما يقال ـ : دابّة في عداد الوحش تصاد وتؤكل. (لسان العرب مادة نسس).
(٣) كشط الغطاء عن الشيء : نزعه وكشف عنه.