إنّما يكون متحقّقا بالتحقّق الذي يليق بالذهن وإن كان اعتباريا بالنظر إلى ظرف الخارج.
فالتحقيق : أنّ كلّ موجود خاصّ ـ سواء كان في الخارج أو أحد المدارك العالية أو السافلة ـ إذا افيض من مبدأ الفيّاض بعد حصول شرائط وجوده لا بدّ أن يكون فيه أصل متحقّق يكون محقّقا للماهيّة ومنشأ لانتزاع (١) العامّ ؛ وما هو إلّا الوجود الخاصّ من دون فرق في ذلك بين الخارج والذهن حتّى أنّ العامّ الاعتباري بعد انتزاعه عن الخاصّ وحصوله بنفسه في الذهن يكون له وجود خاصّ ؛ لأنّه من حيث حصوله في مدرك خاصّ جزئي يكون جزئيا ؛ فيمكن انتزاع العامّ عنه أيضا ؛ وكذا الكلام في هذا العامّ ؛ فكلّ ما يقع في الذهن ـ سواء اخذ من موجود خارجي أو ذهني آخر ـ قابل للتجريدات والتحليلات الغير المتناهية بالنسبة إلى الوجود العامّ ولا يخرج من الخصوص والعموم باعتبارين ولو وقع عليه تجريدات غير متناهية أو يحصل بعدها.
وبالجملة : كلّ ما يدخل في العين أو الذهن له أصل متحقّق هو الوجود الخاصّ ؛ وهو مجهول الكنه غير ممكن التصوّر ؛ وله وجه انتزاعي معلوم التصوّر هو العامّ الاعتباري العارض للماهيّة.
فإن قيل : التصوّر هو حصول ماهيّة الشيء بنفسها في الذهن مجرّدة عن الوجود الخارجي الذي تترتّب عليه الآثار ، وليس للوجود ماهيّة كلّية ، ولا يمكن تجريده عن نفسه.
قلنا : هذا محال في الخاصّ دون العامّ الذي هو وجه من وجوهه وشأن من شئونه. فإنّه كما يعرض الماهيّة كذلك الماهيّة تعرضه ؛ لأنّه بعد حصوله في الذهن يكون شيئا من الأشياء ذوات الماهيّات ؛ فيكون معروضا لها ومتّحدا معها بضرب
__________________
(١). س : الانتزاع.