مقام الفناء المسمّى عند العرفاء بالولاية وفازت بمرتبة السابقين المقرّبين ووصلت إلى مشاهدة جمال ربّ العالمين وهم الذين أخرجوا أوّلا قوّتهم العقلية من القوّة إلى الفعل ؛ فانتقشت بالوجود / B ١٥٨ / كلّه على ترتيبه وأدركت الأوّل تعالى وما يتلوه من الملائكة القدسية والجواهر العقلية وما بعده من الموجودات الفلكية والعنصرية هذه النفوس وإن لم يحصل لهم وصول تامّ ما دامت متعلّقة بالبدن ؛ فلا يحصل لهم ما يمكن في حقّهم من العشق والابتهاج في الدنيا لابتلائهم بالبدن وعوائقها إلّا أنّها إذا فارقت البدن بالموت أو حصل له ما يحصل للمتمرّدين من جلباب البشرية ـ أعني ملكة خلع البدن ـ حيث ما شاء يحصل له غاية الابتهاج ؛ فيلحق بالملإ الأعلى ويصير من المقرّبين إلى زلفى وهنا لجّة الوصول وغاية سفر السالكين ونهاية مقصد المسافرين ، وهو معنى السعادة الحقيقية في حقّ الإنسان.
وبعد تلك المراتب الأربع مرتبة النفوس الناطقة الإنسانية المتوسّطة ؛ وهي مختلفة بحسب القرب والبعد من الكمال ، فعشق كلّ منها بالحقّ وابتهاجه بحسب كماله وفعليته في العلم والعمل.
وبعدها مرتبة النفوس الإنسانية الناقصة وهي القريبة بالنفوس الحيوانية وهي النفوس المنغمتة في عالم الطبيعة والمنغمرة في الشهوات واللذّات الحسّية والمنقلبة في المنقلبات الحيوانية وهي التي كفرت بأنعم الله وصرفت قواها الشهوية والغضبية في غير ما خلقت لأجله ؛ فضلّت ضلالا بعيدا وخسرت خسرانا مبينا.
ثمّ لا يخفى أنّ الفرق بين الحبّ والعشق أنّ العشق إنّما هو إفراط الحبّ ؛ فالحبّ ـ كما سبق ـ هو إدراك المؤثر من حيث هو مؤثر ؛ فإفراط هذا الإدراك هو العشق ؛ وكلّما كان الإدراك أتمّ والمدرك أشدّ خيرية كان العشق أشدّ ؛ وظاهر أنّ