لأجل أنّ المرتبط المتعلّق بها إنّما هو البدن المطلق والعلم الحضوري بعوارضه يتوقّف على توسّط القوى الحسّاسة ؛ وهذا العلم المتوقّف على توسّطها ـ أي أصل انكشاف هذه العوارض وظهورها ـ ليس إلّا العلم الحضوري للنفس وإن توقّف حصول هذا الظهور والانكشاف على أفعال للقوى وحصول شرائط بينها وبين تلك العوارض المدركة حتّى / A ١٥١ / ترتسم المحسوسات في تلك القوى فتشاهدها النفس فيها.
وعلى هذا لا تكون بين الإحساس والعلم الحضوري للنفس مغايرة حتّى يقال باشتمال الإحساس على زيادة لا يوجد في العلم الحضوري.
ثمّ لو سلّم أنّ الإحساس ليس علما حضوريا للنفس ، بل هو إدراك خاصّ لقوّة خاصّة ـ أي علم شهودي انكشافي لتلك القوّة ـ نقول : لا ريب في أنّ ما يشتمل عليه إحساس البدن بالقوّة الباصرة مثلا من الزيادة بالنسبة إلى العلم الحضوري للنفس به إنّما هو لوجود العلاقة والارتباط للنفس بالنسبة إلى البدن المطلق دون عوارضه ولو كان لها ارتباط بالنسبة إلى العوارض أيضا لكان علمه الحضوري بالبدن كالإحساس في التمامية والظهور أو أقوى منه.
وعلى هذا نقول : إنّ بين الواجب وبين جميع الأشياء الخارجية من المجرّدات والمادّيات من جواهرها (١) وأعراضها ولواحقها ومتعلّقاتها ارتباط العلّية والمعلولية ، وهو أقوى الارتباطات والعلاقات ؛ فيكون علمه الحضوري بجميعها في التمامية والظهور والجلاء أقوى من إحساسنا بمراتب ؛ فما يحصل للنفس من الإدراكات الحصولية والحضورية بواسطة قواها النظرية والباطنة والظاهرة يحصل للواجب بذاته لذاته من دون حاجة إلى شيء آخر لكمال قوّته وعلوّ قدرته ؛ فذاته عين العلم بالكلّ من الحقائق المجرّدة والمادّية والوجودات
__________________
(١). س : جوارها.