وسميع بسمع ، وبصير ببصر ، ومريد بإرادة ، ومتكلم بكلام (١). وكلّ ذلك معان قديمة عندهم ، وقالوا : لا هي هو ولا هي غيره ، ولا هي بعضه ، ولا هي كلّه. وقالوا : لو لا هذه المعاني لما كان على هذه الصفات. والذي يدل على إبطال قولهم وجوه :
أحدها : أنّ في تصحيحها إبطالها ، وكلّ ما كان في تصحيحه إبطاله فهو باطل.
وإنما قلنا : إنّ في تصحيحها إبطالها من حيث إنها قديمة عندهم ، فكان يجب ثبوت هذه الصفات في الأزل ؛ لثبوت موجبها في الأزل ، وهو العلل القديمة ، وإذا كانت ثابتة [أي الصفات] في الأزل كانت ثابتة على سبيل الوجوب (٢) ؛ لأنه لا حالة قبل ذلك فتكون فيها جائزة ثم تجب ، وإذا كانت ثابتة له تعالى على سبيل الوجوب استغنت بوجوبها عن العلل القديمة ؛ فثبت أنه يكون في تصحيحها إبطالها ، وإنما قلنا بأنّ كلّ ما كان في تصحيحه إبطاله فهو باطل فذلك ظاهر لا يجهله عاقل.
__________________
محدثة ، ومقارنتها يعني تعدد القدماء ، وتأخرها يعني أن الله كان ضعيفا ثم قوي وجاهلا ثم علم وهكذا .. تعالى الله ، فقول الزيدية صفته ذاته تفسير سليم وموفق مع أنهم يوصفون بالمعطلة وليسوا معطلة وإنما فسروا الصفات تفسيرا يليق بجلال الله ويخرج المسلمين من المحاذير المذكورة مع الاتفاق أن لله صفات ورد بها الكتاب السنة ولا يمكن إمكان ذلك ، فافهم.
(١) انظر : رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري ص ٤ ـ ٢١.
(٢) لأنّ القديم واجب الوجود بسبب قدمه ، وإلا فهو محدث ، والقديم لا يحتاج لعلة ولا غيرها ؛ لأنه لم يسبق بشيء. ولتوضيح ذلك نقول : سلّمنا بأنّ العلل القديمة هي التي أوجدت الصفات لله ، وحينئذ فيجب أن تكون الصفات قديمة ؛ لأن الذي أوجدها قديم ، ثم نقول : ما دامت الصفات قديمة فلا تحتاج لمن يوجدها ؛ لأن القديم بطبعه واجب الوجود بدون شيء ، ولا يصح أن يسبقه شيء وإلا فليس بقديم فانتقض الا دعاء وبطل زعمهم بأن صفات الله لمعان قديمة ؛ لأنّا حاولنا تصحيحها فبطلت كالثوب المهلهل إذا رقعته انفتق ، والعلة كالشمس يصدر عنها المعلول وهو الضوء.