استحال المجيء والإتيان والانتقال على الله تعالى بدلالة ، يجب أن نقضي بتعليق المجيء والإتيان بغيره تعالى ، وهو أمره وعذابه. وقد فسّر عبد الله بن العباس رحمهالله قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) الآية. قال : أراد إتيانه إليهم بوعده ووعيده ، فإنّ الله يكشف لهم من أمره ما كان مستورا عنهم (١).
وروي عن الحسن في قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) قال : عنى به وجاء وعد ربك بالحكم بالثواب والعقاب (٢). ومثله مروي عن الضحاك. وقال الضحاك في قوله تعالى : (وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) قال : إذا نزل أهل السموات إلى الأرض يوم القيامة كانوا تسعة صفوف محيطين بالأرض ومن فيها (٣). وكذلك قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : ٣١] لا يدل على أنه تعالى مشبه للواحد منّا في كونه مشتغلا ؛ فإن قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) ورد مورد التهديد كما ، يقول الواحد منا أنا أفرغ لك وإن لم يكن معه شغل ، والمعنى سنقصد إلى جزائكم أيّه الثقلان (٤). الثقلان : الجنّ ، والإنس (٥).
ومما تعلقوا به في أنه تعالى كائن في السماء قول الله تعالى : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ* أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك : ١٦ ـ ١٧] (٦).
__________________
(١) وينظر في معناه الطبرسي ٢ / ٦٠. والكشاف ١ / ٢٥٣. ومتشابه القرآن ١ / ١٢٠.
(٢) ينظر الخارن مع البغوي ٦ / ٤٢٦.
(٣) في الدر المنثور عن أبي حاتم عن الضحاك قال : جاء أهل السموات كل سماء صفّا. ٦ / ٥٨٧. والخازن البغوي ٢٦ / ٤٢٦. وجامع البيان ١٥ / ٢٣٥.
(٤) في (ب) : بحذف الثقلان الثانية.
(٥) ينظر الكشاف ٤ / ٤٤٨.
(٦) ينظر كتاب التوحيد لابن خزيمة ١١٠ ، وكتاب الشريعة لمحمد بن الحسين الآجري ٣٠٣.