فإنّه لا يكون تكليفا ؛ لأنّ التكليف تعريض للثواب ، والملجأ غير معرّض للثواب ؛ لأنه لا يستحق الثواب إلا بأن يفعل الواجب لوجوبه ، والحسن لحسنه ، ويترك القبيح لقبحه ، والملجأ إنّما يكون منه ذلك لمكان الإلجاء فقط ، فهذا هو حد التكليف.
وأمّا المكلّف فهو فاعل التكليف. والمكلّف هو من أعلم بوجوب بعض الأفعال عليه ، وقبح بعضها منه ، وأنّ الأولى به أن يفعل بعضها ، وأنّ الأولى به أن لا يفعل بعضها ، مع مشقة تلحقه في ذلك ، أو في سببه ، أو ما يتصل به ، ما لم يكن ملجأ إلى شيء من ذلك. والذي يدل على صحة هذه الحدود أنه لا يسبق إلى الأفهام من قولنا : تكليف ومكلّف ومكلّف سوى ذلك ؛ ولذلك يطّرد المعنى فيه وينعكس ، وذلك أمارة صحة الحدّ. فثبت بذلك الموضع الأول ، وهو في حقيقة التكليف والمكلّف والمكلّف.
وأما الموضع الثاني
وهو في الدلالة على حسن التكليف على العموم ؛
فالذي يدل على ذلك أن التكليف تعريض لنفع عظيم لا ينال إلا به مع تعرّيه عن سائر وجوه القبح. وكلّ تعريض لنفع عظيم لا ينال إلا به مع تعريه عن سائر وجوه القبح فهو حسن.
وإنّما قلنا : إنّه تعريض لنفع عظيم لا ينال إلّا به مع تعرّيه عن سائر وجوه القبح. فالذي يدل على ذلك أنه تعالى إذا خلقنا ، وأحيانا ، وأكمل عقولنا ، وخلق فينا شهوة القبيح ، ونفرة الحسن ؛ فلا بدّ أن يكون له في ذلك غرض ؛ لأن تعرّيه عن الغرض يكشف عن كونه عبثا. والحكيم لا يفعل العبث كما تقدم.