وأما الموضع الثاني :
وهو في الهدى والضّلال. ففيه فصلان :
أحدهما في الهدى. والثاني في الضلال.
أما الفصل الأول ـ وهو في الهدى
فالكلام فيه يقع في موضعين : أحدهما في تعيين معانيه. والثاني في كيفية إضافته إلى الله تعالى ، وكيفية حمل ما في القرآن من ذلك.
أما الموضع الأول : وهو في تعيين معانيه ؛ فله معان خمسة : أحدها الهدى بمعنى البيان ، والدلالة ، يحكيه قول الله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٨٥] أي دلالة. وثانيها الهدى بمعنى الفوز والنجاة والثواب ، يحكيه قوله تعالى : (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) [محمد : ٥] أي ينجيهم ويثيبهم. وثالثها بمعنى زيادة التوفيق والتسديد ، يحكيه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ١٧] ، أي زادهم توفيقا وتسديدا بشرح صدورهم ، وهو اللطف. ورابعها الهدى بمعنى خلق العلوم الضرورية ، يقال : جعله مهتديا إذا خلق فيه الهداية ، وهي خلق العلوم الضرورية ، كما يقال : جعله متحركا إذا خلق فيه الحركة. وخامسها الهدى بمعنى الحكم والتسمية ، يحكيه قوله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [النساء : ٨٨] ، وعليه يدل قول شاعر الخوارج في علي عليهالسلام :
ما زال يهدي قومه ويضلّنا |
|
جهلا وينسبنا إلى الكفّار |