وفي كلام له آخر في قوله تعالى : (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف : ١٠٦] قال : يشبّهون الله بخلقه فأشركوا من حيث لا يعلمون (١). وعن ابن مسعود أنه قال : (ما عرف الله من شبّهه بخلقه). والأخبار في هذا الجنس كثير. وفي هذا كفاية إن شاء الله تعالى.
فصل فيما يتعلّق به المشبّهة من الآيات التي فيها ذكر الأعضاء من ذلك قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة : ١١٦] وما يجانسها من الآيات التي فيها ذكر النّفس. ونحن نذكر أوّلا معاني النفس في اللغة (٢) ، ثم نذكر معنى الآية ، وما تحتمل من المعاني ، ويجوز حملها عليه ، ونبطل أن يكون ما عدا ذلك مرادا بالآية. فنقول : أما النّفس فإنها تقع على معان : منها الدّم ؛ ولذلك سمّيت المرأة نفساء ، ونفست بخروج الدم عنها عقيب الولادة. وثانيها معنى الروح قال الله تعالى : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) [الأنعام : ١٩٣] أي : أرواحكم. وثالثها الأنفة ، يقال : لفلان نفس ، أي أنفة. ورابعها بمعنى الإرادة والشهوة. يقال : نفسه في كذا ، أي إرادته وشهوته. وخامسها بمعنى العين التي تصيب الإنسان. يقال : أصابت فلانا نفس ، أي عين. وسادسها مقدار الدّبغة يقال : جعلت في هذا الأديم نفسا أو نفسين من الدباغ. وسابعها نفس الإنسان وغيره الذي يكون به الحياة. قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥]. وثامنها أن تكون إخبارا عن ذات الشيء وعينه فيقال : نفس الرأي ، وعين الرأي ، أي ذاته ، ويكون ذلك
__________________
(١) غريب القرآن للإمام زيد بن علي عليهالسلام ص ١٦٥. والكشاف ٢ / ٥٠٨. والرازي مج ٩ ج ١٨ ص ٢٢٨.
(٢) ينظر في معنى النفس في اللغة : التاج ٩ / ١٤ ، والعين ٧ / ٢٧٠ ، واللسان ٦ / ٢٣٣.