وأما الموضع الثاني : وهو أنها حسنة
فهذا هو اعتقادنا وهو (١) اعتقاد جميع المسلمين ، والخلاف في ذلك مع الملاحدة والثنوية والطبائعية والمجوس والمطرّفية ؛ فإنهم ذهبوا إلى أنها قبيحة وإن اختلفوا في وجه قبحها. والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب إليه المخالفون أنّها من جملة أفعال الله تعالى على ما تقدم. وقد دللنا فيما تقدم على أنّ أفعاله كلها حسنة.
وأما الموضع الثالث : وهو في وجه حسنها ؛ فهي على ضربين :
أحدهما الأمراض والآلام الحاصلة مع المؤمنين وغيرهم من المخلوقين غير المكلفين. وما هذه حاله فإنّا نعتقد أنه يحسن ؛ للعوض والاعتبار ؛ لأنها لو خلت عن العوض لكانت ظلما ؛ لأن حقيقة الظلم ثابتة فيها على ما تقدم بيانه. والظلم قبيح على ما تقدم. ولو خلت عن الاعتبار لكانت عبثا ؛ لأنه يحسن من الله تعالى الابتداء بجنس العوض ؛ إذ لا وجه يقتضي قبحه. وهو مقدور لله تعالى فجاز الابتداء به ، وإذا حسن (٢) الابتداء به وخلت الأمراض وسائر الآلام من الاعتبار ـ ثبت كونها عبثا لا فائدة فيها وذلك لا يقع في فعل الحكيم.
فصل في الاعتبار
والاعتبار : هو ما يدعو المكلّف إلى فعل الطاعة وترك المعصية ، أو إلى أحدهما. ويدل على ثبوته قول الله سبحانه : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الم السجدة : ٢١] والرجوع لا يكون إلا في حال الدنيا. وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ
__________________
(١) في (ب) : بحذف هو.
(٢) مراده : أن عوض الأمراض يمكن أن يتفضل الله به بدون الابتلاء بالمرض فيبقى المرض عبثا ؛ لأن الله قد جاد بالعوض بدون مقابل ؛ ولذلك قلنا : إن المرض إما للعوض أو للاعتبار.