بذلك وحكمنا. ورابعها بمعنى العلم كقوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] وإذا ثبت ذلك قلنا : معنى الكتب في الآية لا يجوز أن يكون بمعنى الفرض ؛ لأن القتل لا يفرض على المقتول ظلما ، ولا بمعنى الحكم ؛ لأن ذلك إنما يكون على سبيل الوجوب ، والمظلوم غير مستحقّ للقتل ، فلم يبق إلا أن يكون بمعنى الخبر ، وبمعنى العلم ؛ فيكون معناها أنّ من أخبر الله تعالى أنه يقتل ، أو من علم أنه سيقتل ؛ فإنّ مخبره يكون على ما أخبر وعلم إلا أنّ خبره وعلمه لا يؤثّر في المخبر عنه ، ولا في المعلوم على ما يأتي بيانه مفصّلا إن شاء الله تعالى في التكاليف. وعلى هذا النّسق يجري الكلام في سائر ما يتعلقون به من ذلك.
وأما الموضع الخامس : وهو في تعيين القدرية وبيان طرف مما جاء في
ذمهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعن صحابته (رض).
فاعلم أنّ القدرية هم المجبرة الضالّة الغوية دون الفرقة العدلية. والذي يدل على ذلك وجوه :
منها ما روي عن أنس بن مالك وحذيفة أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «صنفان من أمّتي لن تنالهما شفاعتي ، لعنهما الله على لسان سبعين نبيّا : القدرية والمرجئة». قيل : يا رسول الله من القدرية؟ قال : «الّذين يعملون بالمعاصي ويقولون : هي من قبل الله». قيل : فمن المرجئة؟ قال : «الّذين يقولون : الإيمان قول بلا عمل» (١). ومنها ما روي عن جابر بن عبد الله أنه قيل : يا رسول الله ومن القدرية؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «قوم يعملون بالمعاصي» ثمّ يقولون : إن الله
__________________
(١) أخرجه القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السّلام في خلاصة الفوائد ص ٢٩ ، ورسائل العدل والتوحيد ص ٢٧٦.