فصل : في شبه الحشوية التي يحتجون بها :
الشبهة الاولى :
قولهم : إن معاوية كاتب الوحي (١) وذلك يقتضي الفضيلة. وجوابها : أنّ كتابة الوحي لا تدل على فضله ؛ لنقضه لذلك بفعله ؛ إذ قد كتب الوحي لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ولا شك ولا إشكال في كفره ونفاقه. ومن الظاهر عند العلماء أنه كان يكتب الوحي مكان غفور رحيم ، عليم حليم ، فيقول : أمرهما سواء (٢) ، فلمّا أملى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) فلما بلغ آخر الآية تعجّب ابن أبي سرح فقال : تبارك الله أحسن الخالقين ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : فهكذا أنزل فشكّ ابن أبي سرح وارتد ثم أسلم» (٣). وقيل : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هدر (٤) دمه ، فلما كان يوم الفتح شفع فيه عثمان بن عفان فشفّعه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وولّاه عثمان في ولايته مصر فأثار الفتنة حتى قتل عثمان. وأخبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّ الارض لا تقبله ، فلما مات دفن فلفظته الأرض ولم تقبله ، فلو كانت كتابة الوحي دلالة على الفضل على كل
__________________
(١) الصحيح أنه ما كتب الوحي ، وإنما كتب إلى الملوك كما ذكر ذلك ابن أبي الحديد وغيره. ولو سلمنا بكتابة الوحي فذلك أعظم حسرة ، وأكبر حجة على كاتب وحي يرتكب العظائم في حق الإسلام والمسلمين ، فلو فعل ذلك عامر بن الطفيل أو نحوه لهان الأمر.
(٢) أخرج ذلك بن الأثير في أسد الغابة ٣ / ٢٦٠ قال : كان يكتب الوحي لرسول الله ثم ارتد مشركا ، وصار إلى قريش بمكة فقال لهم : إني كنت أصدق محمدا حيث أريد ، كان يملي علي عزيز حكيم ، فأقول : أو عليم حكيم ، فيقول : نعم كل صواب.
(٣) في هامش (ب) ينظر في ذلك. فالذي يظهر أن هذه القصة لا تصح أصلا.
(٤) في (ب) ، و (ج) : نذر. وفي هامش (ب) : هدر.