فشرعت لأجل جميع ما تقدم في الكتابة ، وأنا أسأل الله التوفيق للإصابة. وأنا أقدّم من ذلك ما يجب تقديمه : وهو علم التوحيد والعدل ؛ فإنه يجب تقديمه على الصلوات ؛ لأن بالتوحيد والعدل يعرف الله تعالى ورسوله دون غيرهما من العلوم. وما لم يعرف العابد المعبود لم يصح كونه عابدا له. ولا إشكال في أن العلم بصحة الفروع مبنيّ على تقدم (١) العلم بالأصول ؛ فمن لم يعرف الأصول ـ التي هي التوحيد والعدل ـ كان هالكا لكفره عند أهل العلم والفضل ، وكانت صلاته وصيامه عليه وبالا ، وذهبت سائر عباداته ضلالا ، كما قال تبارك وتعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف : ١٠٣ ، ١٠٤] فلهذا المعنى قلنا بوجوب تقديم الكلام في العقيدة ، ثم نتبعه الكلام في العبادة بمشيئة الله. ومنه تعالى نستمد التوفيق والتسديد والإعانة والتأييد ، ونسأله أن يأخذ بأزمّة قلوبنا إلى الهدى ، وأن يعصمنا عن الضلالة والردى ، إنه وليّ ذلك والقادر علي ما هنالك. فنقول وبالله التوفيق : «أما عقيدتنا أهل البيت فنحن نوردها على الوجه الذي يصلح».
فصل : فأوّل ذلك أنّا نعتقد أنّ أوّل ما يجب على البالغ العاقل من الأفعال الواجبات التي لا يعرى عن وجوبها مكلّف ـ هو التفكر في الأدلّة والبراهين الموصلة إلى معرفة ربّ العالمين. والواجب : هو ما للإخلال به مدخل في استحقاق الذم على بعض الوجوه. فإن قيل : دلّوا على أنه واجب ، ثم دلّوا على أنه أول الواجبات. قلنا : الذي يدل على ذلك أنّ العلم بالثواب والعقاب واجب ، والعلم بهما لا يتمّ إلا بعد العلم بالله تعالى ، وسائر المعارف المعبّر
__________________
(١) في (ب) : تقديم.