يعفو الله أكثر» (١) ، فجرى ذلك مجرى التفسير للآية. وكلّ ذلك يدل على صحة ما قلناه والله الهادي.
ومما يدل على ذلك قوله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) [الروم : ٤١] ، فإن قيل : وما تلك العقوبة؟ قلنا : كالقحط والغلاء والأمراض ، وما ينالهم من المحن والشدائد ؛ ولأن المتعارف أن الظلم إذا كثر انقطعت البركات وأسبابها ويخلّي الله بين عباده. ومتى قيل : أيكون ذلك عقوبة أو محنة؟ قلنا : كلاهما جائز. وقد قيل : بالعدل ينبت الله الزرع ، ويدرّ الضّرع ، وبالظّلم يكون القحط وضيق الرزق وإمساك المطر.
فصل في العوض والكلام فيه يقع في خمسة مواضع :
أحدها في معناه. والثاني في حكمه في الدوام والانقطاع. والثالث في مقداره. والرابع في أن الله تعالى ينتصف للمظلومين من الظالمين. والخامس في كيفية الانتصاف.
أما الموضع الأول : وهو في معناه فالعوض هو المنافع العظيمة المستحقّة المفعولة على وجه الجزاء عارية عن المدح والتعظيم. قلنا : المنافع العظيمة ، جنس الحد. قلنا : المستحقة ، فصلناه عن التّفضّل. قلنا : المفعولة على وجه الجزاء ، فصلناه عن الألطاف التي يستحقها العباد على الله تعالى. قلنا : عارية عن المدح والتعظيم ، فصلناه عن الثواب. والذي يدل على صحة هذا الحد أنه يكشف عن معنى المحدود ، ولهذا يطرّد المعنى فيه وينعكس وهو أمارة صحة الحد.
وأما الموضع الثاني : وهو في حكمه في الدوام والانقطاع ، فذهب أبو
__________________
(١) شعب الإيمان بلفظ : لا يصيب ابن آدم ٧ / ١٥٣ برقم ٩٨١٥. والدر المنثور ٥ / ٧٠٦.