أمر بالطاعة ، ونهى عن المعصية ، فوجد في ملكه ما نهى عنه ، ولم يوجد ما أمر به ، فكما أنّ ذلك لا يدل على ضعفه وعجزه فكذلك في مسألتنا.
وتعلّقوا بقول الله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) [الأنعام : ١١٢] ، وبقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) ، وبقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩] ، وبقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) [البقرة : ٢٥٣] ، إلى قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) [البقرة : ٢٥٣]. قالوا : فأعلمنا أنه لو شاء أن لا تكون هذه المعاصي لما كانت ، فدلّ على أنه قد شاء كونها وفعلها (١).
والجواب : أنه لا تعلّق لهم بالظاهر لأنه ليس فيه أكثر من أنّه تعالى لو شاء ألّا يفعلوا ذلك لما فعلوه. وهذا مما لا خلاف فيه ، ولكن من أين أنّه يدل على أنه قد شاء ما فعلوه ، وليس في الآية منه ذكر ، وهو موضع (٢) الخلاف. وإنما الآية تفيد نفي العجز عن الله تعالى ، وأنّه لو شاء لقهر العباد فلم يفعلوا ما يكره ؛ لكن لو منعهم عن ذلك لبطل التكليف ؛ لأنّ من شرائط حسن التكليف زوال الإلجاء والمنع على ما يأتي بيانه. وهذا المعنى ثابت في اللغة. فإنّ قائل أهل اللغة لو قال لغيره : لو شئت لمنعتك مما فعلت ، ولو أردت لم تفعل كذا وكذا. فهذه الألفاظ لا تفيد إرادة القائل لما يفعله ذلك الغير ، ولا تستعمل في ذلك حقيقة ولا مجازا ، وإنما تفيد نفي العجز عن قائله في منعه منه وهذا ظاهر.
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي مج ٧ ج ١٣ ص ١٦٤ ، وقال : وأصحابنا يحتجون به على أن الكفر والإيمان بإرادة الله تعالى ، والمعتزلة يحملونه على مشيئة الإلجاء. والطبري مج ٧ ج ١١ ص ٢٢٤.
(٢) في (ب) و (ج) : ذكر موضع.