وتعلّقوا بقوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١) [الإنسان : ٣٠] قالوا : فبيّن تعالى أنّ ما شاء العبد من طاعة أو معصية فإنّ الله تعالى يشاؤها (٢).
والجواب : أنّ قولهم باطل ؛ لأنّ ذلك مذكور في كتاب الله تعالى في مواضع محصورة : منها قوله تعالى في المدثر ٥٦ : (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ). ومنها : قوله في هل أتى [٢٩ ـ ٣٠] : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً* وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ). ومنها : قوله تعالى : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [في سورة التكوير : ١٢٨ ـ ٢٩] ، وهذا كلّه قاض بخلاف قولهم ؛ لأنه تعالى بيّن أنّهم لا يشاءون الذّكر ، ولا اتخاذ السبيل ، ولا الاستقامة ، إلّا أن يشاء الله ، وقد شاء الله ذلك ، وأذن به ، فقال : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] ، فجعل المشيّة في ذلك متعلقة بالمكلفين ، وفوّض الأمر إليهم ، وتوعّدهم على فعل المعاصي ، ونهاهم عن فعلها. وإذا ثبت ذلك فمشيئتهم متعلقة بهذه الأمور ، وجميع ذلك في الطاعات. ولا خلاف أنّ الطاعات كلّها بمشيئة الله تعالى ، وأنّ العبد لا يشاء شيئا من ذلك ما لم يشإ الله ذلك ؛ لأنه ما لم يؤته الاستطاعة لذلك ، ولم يمكّنه منه ، ولم يشأه منه ، ولم يهده إليه ، ولم يرده منه ، ولم يأمره به لم يمكنه أن يأتي بذلك ، ولا يكون ذلك طاعة إلّا بأمره ومشيئته وترغيبه ، فالآية حجة لنا عليهم والحمد لله تعالى.
وهكذا يكون الجواب في كل ما يوردونه من ذلك. ويدل على مذهبنا من
__________________
(١) تتمة الآية : (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) [البقرة : ١٥٣].
(٢) ينظر الفخر الرازي مج ١٦ ج ٣١ ص ٧٦.