الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [الأنعام : ١٤٨] ، وفي هذه الآية دلالة على أنه تعالى لا يريد المعاصي من وجوه خمسة : أحدها أن الله تعالى حكى صريح مذهب المجبرة عن المشركين ، وردّ عليهم ، وكذّبهم بقوله : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). الثاني قوله تعالى : (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) والبأس هو العذاب ، والعذاب لا يستحقّ إلا على الباطل. والثالث قوله : (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) ، وهذا مما لا يقال إلا للمبطل ؛ لأنّ المبطل يقول ما لا يعلمه. والرابع قوله تعالى : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) ، ولا شك أنّ هذا ذم لهم على اتّباع الظن الذي لا يغني من (١) الحق شيئا. والخامس قوله تعالى : (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [الأنعام : ١٤٨] ـ أي تكذبون. يدل عليه قوله تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠] ـ أي لعن الكذابون (٢). فكان ذلك دليلا على عظم خطإ من يقول بهذه المقالة.
ومنها قوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر : ٧] ، وقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة : ٢٠٥] ، فنفى إرادة الكفر والفساد عن نفسه ؛ لأنّ الرضى والمحبة راجعان إلى الإرادة كما تقدم بيانه حيث بيّنّا أنّها ألفاظ مترادفة على معنى واحد. ومنها : قوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) [غافر : ٣١]. ومنها : قوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) [آل عمران : ١٠٨] ، فالله تعالى نفى عن نفسه إرادة كلّ ظلم على العموم ، وإثبات ما نفاه الله تعالى عن نفسه لا يجوز ؛ لأنه يكون تكذيبا للصادق وذلك لا يجوز ، ولأنّ إثبات ما نفاه الله تعالى عن نفسه يكون نقصا
__________________
(١) في (ب) : عن.
(٢) في (ب) : الكاذبون.