الآخر ، فلا يجوز أن تقول : أحبّ أن تأكل طعامي ولا أريد ذلك ولا أرضاه ، ولا أن تقول أريد ذلك ولا أحبّه ولا أرضاه ؛ بل يعدّ من قال ذلك مناقضا لكلامه ، جاريا مجرى من قال : أريد ذلك ولا أريده ، [وأرضاه] (١) ولا أرضاه ، وأحبه ولا أحبه. فصحّ أنّ معنى هذه الالفاظ واحد.
وأما الموضع الثاني : وهو أنّ إرادة القبيح قبيحة
فالذي يدل على ذلك أنه لو كان مريدا للقبائح لكان حاصلا على صفة من صفات النقص ؛ وذلك لا يجوز. وإنّما قلنا : بأنه لو كان مريدا للقبائح ؛ لكان حاصلا على صفة من صفات النقص. فالذي يدل على ذلك أنا متى اعتقدنا في شخص من الأشخاص أنه من أهل الفضل والدين ، وكنا نركن إليه في أمورنا ، ونعتمد عليه في أحوالنا ، ثم حكى لنا من نفسه أنه يريد القبائح نحو ما يجري في الأرض من الظلم والجور والفساد ، فإن منزلته تسقط عندنا ، كما تسقط لو فعل ذلك ، وليس ذلك إلا لأنه أتى قبيحا ، وهي (٢) إرادته للقبائح ، وهذه قضية ظاهرة ؛ فإنّ العقلاء يعلمون ذلك بعقولهم ، فإذا كان الله تعالى مريدا للقبائح على قولهم كان حاصلا على صفة من صفات النقص. وهذا أمر لا خفى به. وإنّما قلنا : بأن ذلك لا يجوز على الله تعالى لما تقدم ذكره في فصل الرؤية من أنّ النقائص لا تجوز عليه تعالى.
وأما الموضع الثالث : وهو في الدلالة على أنه تعالى لا يريد القبائح.
فيدل على ذلك وجوه : منها قول الله سبحانه : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ
__________________
(١) ما بين القوسين محذوفة في (ب).
(٢) في (ب) ، (ج) : وهو.