والجواب : أن ما ذكروه فاسد لدلالة العقل والكتاب والإجماع :
أما العقل : فقد دللنا على أنه سبحانه لا يجوز أن يفعل ما هو ظلم. والأخذ بجرم الغير ظلم ؛ فهو غير فاعل له.
وأما الكتاب ـ فقوله تعالى : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) [العنكبوت : ١٢] ؛ فبيّن أنهم لا يحملون من خطايا الغير شيئا.
وقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤] إلى غير ذلك مما تقدم ذكره.
وأما الإجماع : فهو أن المتعارف أنّ من حمل من ثقل غيره فإن ذلك يكون تخفيفا عنه ، وكذلك من حمل عين (١) وزره سقط عنه. والإجماع منعقد بين الأمة على خلاف ذلك ؛ وإذ قد دللنا على فساد تأويلهم فلنبيّن معنى الآية فنقول : إنّ معناها أنهم يحملون مثل أوزار أتباعهم ؛ لإغوائهم إيّاهم وإضلالهم لهم ، وذلك لأنّهم فعلوا فعلين : أحدهما ضلالهم في أنفسهم ، والآخر إغواؤهم لأتباعهم ؛ فاستحقّوا قسطين من العذاب ، وتحمّلوا حملين من الوزر. وأما إضافة ذلك إلى الأتباع بقوله : (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل : ٢٥] فإنّما فعل ذلك ؛ للتمييز بين ما يحملونه من الوزر في أنفسهم ، وبين ما يحملون لإضلالهم إيّاهم ، ولو أضاف إليهم لم يكن بين الأمرين فرق. وذلك شبيه بقوله تعالى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) [المائدة : ٢٩] ، على ما تقدم تفسيره. ومثل ذلك قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سنّ سنّة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من وزرهم شيء (٢)». وروي : «ومثل وزر من عمل
__________________
(١) في (ب) : غيره ، وبناء عليه فتضبط من حمّل غيره وزره. وهو واضح.
(٢) أخرجه أحمد بن حنبل ٧ / ٥٦ برقم ١٩١٧٧ عن جرير عن أبيه ، ومجمع الزوائد ١ / ١٦٧ ، وابن ماجة ١ / ٧٤ رقم ٢٠٤ ، ٧٥ ، ٢٠٧. بلفظ : من أوزارهم.