بها» (١) ، ولهذا قال علماؤنا : تعظم المعصية لأجل ما يقارنها من التّأسّي في المستقبل وغير ذلك ، وكذلك الطاعة. والشيء قد يسمّى باسم الشيء إذا كان مثله عند أهل اللّغة ، كقول القائل : صغ هذا الخاتم صياغة فلان ، أي مثل صياغته. وقال الشاعر :
فلست مسلّما ما دمت حيّا |
|
على زيد بتسليم الأمير |
أي مثل تسليم الأمير ، ومثل ذلك قول الله تعالى : (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) [الواقعة : ٥٥] يعني مثل شربها. والهيم الإبل العطاش. فسقط قولهم.
ومن ذلك قول الله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] وهذا يدل على أنه يحمّلهم أثقال غيرهم ؛ ويدلّ على أنه يؤاخذهم بجريرة غيرهم. والجواب عن ذلك أنّ تفسيرهم هذا فاسد ؛ لدلالة العقل والقرآن والإجماع ، على ما تقدم تحقيقه ، ولوجه آخر وهو أنّ ظاهر الآية لا تعلّق لهم فيه ، وذلك لأنه تعالى ابتدأ فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) [العنكبوت : ١٢]. ثم قال : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) فقد صرح تعالى بأنهم يحملون أثقالهم ، وقوله : (وَأَثْقالاً) كلام مبهم ليس فيه أنه من أثقال غيرهم ؛ إذ لو كان كذلك لكان مناقضا لقوله في أوّل الآية (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ).
وعلى الجملة فالحمل هو التّحمّل لشيء له ثقل. والوزر في أصل اللغة أصله الثّقل (٢) فمتى جعلوا الحمل والوزر على غير ذلك كان تركا للظاهر
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه ١ / ٧٤ رقم ٢٠٣ ، ورقم ٢٠٥ ، ٢٠٦.
(٢) مختار الصحاح ٧١٩.