ذلك فقوله : (وَما رَمَيْتَ) أي ما بلغت رميتك حيث بلغت بك ، ولكنّ الله بلّغ وملأ بها عيون الكفار.
وقيل : ولكنّ الله وفّقك وسدّد رميتك. وقيل : وما أصبت إذ أصبت ولكنّ الله أصاب ، وذلك ثابت في لغة العرب ؛ فإنهم يصفون الإصابة بلفظ الرّمي ؛ ولذلك قالوا في المثل : «ربّ رمية من غير رام». ومعلوم أنّ الرّمي لا يكون إلا من رام ، وإنما أرادوا إصابة من غير حاذق بالرمي. فمعنى ذلك أنّك لم تصبهم حيث رميت ولكن الله رماهم أي أصابهم. والإصابة من الله ، والرمي من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وإذا ثبت ذلك كانت الآية على خلاف مذهبهم أولى بالدلالة منها على موافقة مذهبهم ؛ لأن المعلوم أنّ الصحابة (رض) هم الذين قتلوا الكفّار في يوم بدر. والمعلوم أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي (١) رمى ؛ ولهذا أضاف الله تعالى الرمي إلى نبيّه بقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) [الأنفال : ١٧] ولهذا يضاف إلى السيّد ما يفعله غلامه ، فبطل قولهم.
ومما تعلقوا به قول الله سبحانه حكاية عن ابراهيم عليهالسلام : (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ* وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٥ ـ ٩٦] ، قالوا : فأخبر أنّه خلقهم وخلق أعمالهم مع كونها كفرا ومعصية (٢). والجواب : أنّ معناها (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) أيها القوم (وَما تَعْمَلُونَ) أي وما تعملون فيه ، وهو الأصنام ، ولم يرد أعمالهم وهي حركاتهم المعدومة ؛ لأن المعبود هو الخشب المنحوتة دون عملهم ؛ لأنّه احتجّ عليهم ، فلا يجوز أن يورد لهم حجة عليه ؛
__________________
(١) الذي محذوفة من (ب).
(٢) ينظر الرازي ١٣ / ١٥٠. وجامع البيان مج ١٢ ج ٢٣ ص ٨٩.