ولأنّه أضاف إليهم فعلهم وهو النّحت. ومثل هذا موجود في اللغة ؛ فإنّ قائل أهل اللغة يقول : فلان يعمل بابا ، والمراد به يعمل عملا في الباب ؛ فأطلق اسم العمل على المعمول فيه ، وعلى هذا نزّل قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) [الأعراف : ١١٧] يعني العصيّ والحبال المأفوكة دون نفس الإفك. ونمط الآية هو قوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) يعني المنحوت. كذلك قوله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) يريد المعمول. ومثل ذلك قوله تعالى : (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) [طه : ٦٩] وإنما تلقف المصنوع. فإنّ فعلهم وهو الحركة قد صار معدوما ؛ ولأنّه لو حمل قوله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) على أنّ المراد به العمل لأدّى ذلك إلى تناقض الآية في نفسها ، بل إلى تناقض القرآن فإنّ إبراهيم عليهالسلام بيّن في الآية أنّهم نحتوها ، فلو أراد أن الله خلق نحتهم كما قالته الجبرية كان بذلك مناقضا. وقد ثبت أن القرآن لا يتناقض ولا يتعارض ، ولا يدخله الباطل (١).
وتعلّقوا بقوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (٢) [الفرقان : ٢]. والجواب : أن هذه خاصة في أفعاله تعالى وهي الأجسام والأعراض التي لا يقدر عليها سواه ، كالحرارة والبرودة والطعوم والألوان ونحو ذلك ، فأمّا الفواحش والمخازي والظلم والكذب فأيّ تقدير فيه ، أو أيّ حكمة في فعله؟ بل فاعله مذموم. ولو قيل للقدري : يا سارق أو يا كاذب أو يا ظالم أو يا زاني ـ لأنف على نفسه واغتمّ ، فكيف يرضى بإضافة ذلك إلى ربه تعالى أو يحسّنه عقله؟ ـ لو لا الزيغ العظيم والضلال البعيد ـ فبطل قول الجبرية. وعلى قود هذا الكلام يجري الكلام في سائر ما يتعلقون به في ذلك.
__________________
(١) ينظر الكشاف ٤ / ٥١. ومتشابه القرآن ٢٥ / ٥٨٠. والألوسي مج ١٣ ج ٢٣ ص ١٨١. وجامع البيان مج ١٢ ج ٢٣ ص ٨٩. والطبرسي مج ٨ ج ٢٣ ص ٣١٨.
(٢) ذكر الرازي في تفسيره مج ١٢ ج ٢٤ ص ٤٧ أنه تعالى خالق لأفعال العباد.