وهو الكلام ، وربما رجعوا به إلى العلم. قالوا : ولم يزل متولّدا عن الأب كتولّد الضياء عن الشمس ، وأقنوم روح القدس وهو الحياة ، ويقولون : بأن الله تعالى جوهر واحد على الحقيقة ، وثلاثة أقانيم في الحقيقة ، ولهم تفاصيل تطول مع تناقضها.
وأما الموضع الثالث :
وهو في الدلالة على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب إليه المخالفون
فلنا في ذلك مطلبان : أحدهما أن نتكلّم على قول كل فرقة من هؤلاء المخالفين بما يبطله على التعيين. والثاني : أن نستدلّ على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهبوا إليه على العموم.
أما المطلب الأول : فنقول وبالله التوفيق : أمّا قول الصفاتية فقد قدّمنا النّقض عليهم في فصل الكيفية ؛ فإنا دللنا هناك (١) بأربعة أدلة على إبطال قولهم على التعيين ، فلا نطوّل بإعادتها.
وأما قول الثنوية بقدم النور والظلمة فهو باطل ؛ لأن فرسان الكلام مختلفون فيهما. فعند بعضهم أن النور والظلمة عرضان ، وعند الآخرين أنّهما جسمان ، وقد دللنا على حدوث الأجسام والأعراض فيما تقدم ، فبطل كونهما قديمين. وقولهم مبنيّ على أنّ النّور ـ وهو فاعل الخير والحسن ـ لا يفعل (٢) الشرّ والقبيح ، والظلمة لا تفعل الخير والحسن بل تفعل الشرّ والقبيح ، وهو باطل ؛ لأن ضوء النهار قد يكون سببا لوجدان الضالّة ، وقد يكون سببا لظفر العدو بالإنسان ، وكذلك الظّلمة قد تكون سببا لستره من العدو ، وقضاء كثير من حوائجه التي يحبّها ويشتهيها ، كما قال الشاعر :
__________________
(١) في المسألة الخامسة في فصل : وإذا ثبت أنه تعالى يستحق هذه الصفات .. إلخ.
(٢) في الأصل و (د) ، (ه) : ولا يفعل ، وبقية النسخ بحذف الواو ، وهو الأظهر.