وكم لسواد الليل عندي من يد |
|
تخبّر أن المانوية تكذب (١) |
وكذلك فقد تكون الظّلمة سببا لوقوعه أو وقوع غيره في الآبار والنّيار (٢) ونحو ذلك من المضارّ ، فقد وقع الخير والشرّ من النور جميعا ، ووقعا من الظلمة جميعا. فبطل قولهم.
وأما قول المجوس فظاهر البطلان ؛ لأنّ الشيطان متى كان جسما استحال قدمه لما بيّنّا أنّ الأجسام محدثة ، ومتى كان محدثا فلا بدّ له من محدث ؛ لما قدّمنا من حاجة كلّ محدث إلى محدث ، ولو لم يحتج إلى محدث لكان العالم لا يحتاج إلى محدث ، ولكانت الشرور المحدثة لا تحتاج إلى محدث ، وفي ذلك الاستغناء عن الشيطان. وإذا قالوا : بأن محدثه هو الله تعالى ، لم يخل إمّا أن يقرّوا بعدله وحكمته أم لا ؛ فإن أقرّوا بعدله وحكمته فليس من الحكمة أن يخلق ما يغالبه ، وإن لم يكن حكيما جاز أن تضاف إليه هذه الشرور لخروجه عن حدّ الحكمة ، وفي ذلك الاستغناء عن الشيطان.
وأما قول النصارى : إنه تعالى جوهر واحد على الحقيقة وثلاثة أقانيم على الحقيقة فهو فاسد غير معقول أصلا ؛ فإنّ ما يكون واحدا لا يكون ثلاثة ، وما يكون ثلاثة لا يكون واحدا ، بل ذلك فاسد في العقول ، ويكفي في فساده وإبطاله كونه غير معقول ؛ فإنّ ما لا يكون معقولا لا يمكن اعتقاده ، وهذا لا يمكن اعتقاده ، ولا يصح جعله مذهبا (٣) ؛ وذلك لأنّ ما يصح جعله مذهبا هو ما يمكن اعتقاده ، ويمكن اشتراك العقلاء فيه ، ويصحّ اعتقاد خلافه. فأمّا ما لا يكون كذلك فلا يصح كونه مذهبا ، ولا يمكن إيراد الدلالة عليه ، فاتضح
__________________
(١) ديوان المتنبي ٤٦٦ : وكم لظلام الليل ...
(٢) النيار : كأنها جمع نار ، وفي (ب) : والتبار ، وهو الهلاك كما ذكره في الهامش.
(٣) في (ب) : مذهبا لهم.