وأما الموضع الثاني : وهو في حكاية المذهب وذكر الخلاف :
فمذهبنا أنه تعالى واحد لا ثاني له يشاركه في القدم ولا في الإلهية ، وهذا هو قول المسلمين كافة. وأثبت قوم أكثر من قديم واحد. فالصّفاتية من الأشعرية أثبتت قدما (١) ، وزعمت أنها قائمة بذات الباري ، وهي القدرة والعلم والحياة والسمع والبصر والإرادة والكلام فبها يكون قادرا وعالما وحيّا وسميعا وبصيرا ومريدا ومتكلّما. قالوا : ولو لاها لما كان كذلك ، قالوا : وليست هي الله ولا هي غيره ولا بعضه ، وكلّ واحد منها ليس بالآخر ولا غيره ولا بعضه. والثّنوية أثبتت اثنين قديمين فاعلين مختلفين لا يقوم أحدهما بذات الآخر : أحدهما نور والآخر ظلمة. قالوا : وكلّ خير فمن النّور ، وكل شرّ فمن الظلمة. والمانوية (٢) فرقة منهم تقول (٣) : إنّ النور حيّ بحياة يقال لها : نسيم ، والظلمة حيّة بحياة ، يقال لها : همامة. والمجوس أثبتت قدم الشيطان مع الله تعالى ، وعبّرت عن الله تعالى بيزدان. وقالوا : ما حصل من خير فهو منه ، وعبّرت عن الشيطان بأهرمن ، وقالوا : هو جسم ، وقالوا : ما حصل من شرّ فهو منه. ومنهم من يثبت حدوث الشيطان ، ولهم ترّهات لا فائدة في ذكرها. والنصارى تقول بثلاثة أقنوم (٤) : الأبّ وهو ذات الباري عندهم ، وأقنوم الابن
__________________
(١) في (د) : قدماء.
(٢) نسبة إلى الحكيم السرياني : ماني بن واني أو ابن فاتك ، الذي ظهر في زمن سابور ابن اردشير ، ادعى النبوة فخالفته المجوس ، فأشاروا بقتله ؛ فقتله بهرام بن هرمز بن سابور «بعد عيسى عليهالسلام». ينظر في المانوية الملل والنحل للإمام المهدي ٦٨ ، والملل والنحل للشهرستاني ٦ / ١٩٤ بهامش ابن حزم.
(٣) في (ب) ، و (ج) : يقولون.
(٤) الأقنوم : اسم سرياني وهو عند النصارى الشيء المتفرد بالعدد ، والأقانيم عندهم ثلاثة : أقنوم الأب وهو ذات الباري ، وأقنوم الابن وهو الكلمة ، وأقنوم روح القدس وهو الحياة. ينظر الأساس ١ / ١٥٣.