وحملها على إرادة الرجوع ليومه كما ذكروه مستبعد جدّا ؛ لظهور سياقها في خروج أهل مكة حجّاجا ، كما وقع التصريح به في الخبر الأخير ، والصحيح : « إن أهل مكة إذا خرجوا حجّاجا قصّروا ، وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتمّوا » (١).
وبالجملة : لا ريب في أن ظاهر هذه النصوص بل صريحها ، مع صحة جملة منها واستفاضتها : وجوب التقصير في الأربعة مطلقا ولو لم يرد الرجوع ليومه ، كما عليه العماني (٢) ، ومال إليه جملة من فضلاء متأخري المتأخرين (٣) ، وهو قوي متين.
وبه يجمع الأخبار المختلفة بالثمانية الظاهرة في الذهابية ، وبالأربعة المطلقة الظاهرة فيها كذلك ، وبالثمانية الملفقة من الأربعة ، بحمل القسمين الأولين منها على الثمانية المطلقة ولو كانت ملفّقة من الأربعة الذهابية والإيابية ، كما دلّت عليه المعتبرة الأخيرة.
لكن ربما يخدشه ندرة القول به وشذوذه بين القدماء والمتأخرين ؛ لإطباقهم ـ عدا العماني ـ على عدم وجوب التقصير ، وإن اختلفوا في جوازه وعدمه ، والمشهور بين المتأخرين كما مرّ هو الثاني ، وبين القدماء هو الأول مخيّرين بينه وبين التمام ، وإلى قولهم أشار بقوله :
( وقيل : من قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه تخيّر في القصر والإتمام ) والقائل الصدوقان والشيخان والديلمي (٤) ، وغيرهم ، بل عن الأمالي
__________________
(١) الكافي : ٥١٨ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٤٦٥ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٨.
(٢) حكاه عنه في المختلف : ١٦٢.
(٣) منهم : صاحب الوسائل ٨ : ٤٦٣ ، والفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ٢٥ ، والمحقّق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٦ ، وصاحب الحدائق ١١ : ٣٢٥.
(٤) الصدوق في الفقيه ١ : ٢٨٠ ، وقد نقل عن والده وعن المفيد العلاّمة في المختلف : ١٦٢ ،