يظاهره مهما ندبه ، ولا يسعف في الإيواء طلبه ، فاستوفينا ما استدعاه ذلك البيان الصريح وجلبه ، وخطه القلم الفصيح وكتبه ، وليعلم مقامكم وهو من أصالة النظر غنيّ عن الإعلام ، ولكن لابد من الاستراحة بالكلام ، والتنفث بنفثات الأقلام ، أننا إنما نجري أمورنا مع هذا العدو الكافر الذي رمينا بجواره ، وبلينا والحمد لله بمصادمة تيّاره ، على تعداد أقطاره ، واتساع براريه وبحاره ، بأن تكون الأمّة المحمدية بالعدوتين تحت وفاق ، وأسواق النّفاق غير ذات نفاق (١) ، والجماهير تحت عهد من الله تعالى وميثاق ، فمهما تعرفنا أن اثنين اختلف منهما بالعدوتين عقد ، ووقع بينهما في قبول الطاعة رد ، ساءنا واقعه ، وعظمت لدينا مواقعه ، وسألنا أن يتدارك الخرق راقعه ، لما نتوقعه من التشاغل عن نصرنا ، وتفرغ العدو إلى ضرنا ، فكيف إذا وقعت الفتنة في صقعنا وقطرنا ، إنما هي شعلة في بعض بيوتنا وقعت ، وحادثة إلى جهتنا أشرعت ، وإن كان لسوانا لفظهما فلنا معناها ، وعلى وطننا يعود جناها ، فنحن أحرص الناس على إطفائها وإخمادها ، وأسعى في إصلاح فسادها ، والمثابرة على كفها واستئسادها (٢) ، وما الظن بدار فسد بابها ، وآمال رثّت أسبابها (٣) ، وجزيرة لا تستقيم أحوال من بها إلا بالسكون ، وسلم العدو والمغرور المفتون ، حتى تقضى منه بإعانتكم الديون ، وإن اضطرابها إنما هو داء نستبصر (٤) من رأيكم فيه بطبيب ، وهدف خطب نرميه من عزمكم بسهم مصيب ، وأمر نضرع في تداركه إلى سميع للدعاء مجيب ، ونحن فيه يد أمام يدكم ، ومقصدنا فيه تبع لقصدكم ، وتصرفنا على حد إشارتكم جار ، وعزمنا إلى منتهى مرضاتكم متبار ، وعقدنا في مشايعة أمركم غير متوار ، وقد كنا لأول اتصال هذا الخبر ، القبيح العين والأثر ، بادرنا تعريفكم بجميع ما اتصل بنا في شأنه ، ولم نطو عنكم شيئا من إسراره ولا إعلانه ، وبعثنا رسولنا إلى بابكم العلي نعتدّ بسلطانه ، ونرتجي تمهيد هذا الوطن بتمهيد أوطانه ، وبادرنا بالمخاطبة من وجبت مخاطبته من أهل مربلة وأسطبونة نثبت بصائرهم في الطاعة ونقويها ، ونعدهم بتوجيه من يحفظ جهاتهم ويحميها ، وعجلنا إلى بعضها مددا من الرماة والسلاح ليكون ذلك عدّة فيها ، وعلمنا (٥) ما أوجب الله تعالى من الأعمال التي يزلف بها (٦) ويرتضيها ، وكيف لا نظاهر أمركم الذي هو العدة المذخورة ، والفئة الناصرة المنصورة ، والباطل سراب يخدع ، والحق إليه يرجع ، والبغي
__________________
(١) نفاق ـ بفتح النون : رواج.
(٢) استئسادها : الزيادة في شرها واندلاع لهبها.
(٣) رثت : بليت وتقطعت ، والأسباب جمع سبب ، وأصله : الحبل.
(٤) في ب «نستنصر».
(٥) في ب «وعلمنا ما أوجب الله».
(٦) يزلف : يقرب.