قال ابن اللبانة رحمه الله تعالى : ولم يزل المعتمد بخير إلى أن كانت سنة خمس وسبعين وأربعمائة ، ووصل اليهودي ابن شاليب لقبض الجزية المعلومة مع قوم من رؤساء النصارى ، وحلّوا بباب من أبواب إشبيلية ، فوجه لهم المعتمد المال ، مع جماعة من وجوه دولته ، فقال اليهودي : والله لا أخذت هذا العيار ، ولا آخذه منه إلا مشجرا ، وبعد هذا العام لا آخذ منه إلا أجفان البلاد ، ردوه إليه ، فرد المال إلى المعتمد ، وأعلم بالقصة ، فدعا بالجند ، وقال : ائتوني باليهودي وأصحابه ، واقطعوا حبال الخباء ، ففعلوا وجاؤوا بهم ، فقال : اسجنوا النصارى ، واصلبوا اليهودي الملعون ، فقال اليهودي : لا تفعل ، وأنا أفتدي منك بزنتي (١) مالا فقال : والله لو أعطيتني العدوة والأندلس ما قبلتهما منك (٢) ، فصلب ، فبلغ الخبر النصراني فكتب فيهم ، فوجّه إليه بهم ، فأقسم النصراني أن يأتي من الجنود بعدد شعر رأسه حتى يصل إلى بحر الزقاق ، وأمير المسلمين يوسف بن تاشفين إذ ذاك محاصر سبتة ، فجاز المعتمد إليه ، ووعده بنصرته ، فرجع وحث ملوك الأندلس على الجهاد ، ثم وصل ابن تاشفين ، فكانت غزوة الزلّافة المشهورة ، ورجع ابن تاشفين إلى المغرب ، ثم جاز بعد ذلك إلى الأندلس ، وتوهم ابن عباد أنه إذا أخذ البلاد يأخذ أموالها ويترك الأجفان ، فعزم ابن تاشفين على أن يخلع ملوك الأندلس ، ودارت إذ ذاك مكايد جمة ، ثم وجه ابن تاشفين من سبتة إلى المعتمد يطلب منه الجزيرة الخضراء وفيها ابنه يزيد ، فكتب إليه معتذرا عنها ، فلم يكن إلا كلمح البصر وإذا بمائة شراع قد أطلت على الجزيرة ، فطير ابنه الحمام إليه ، فأمره بإخلائها ، فظهر عند ذلك ابن تاشفين ، وقيل : إنه لم يجز المرة الأولى حتى طلب من المعتمد الجزيرة لتكون عدة له ، وكان ذلك بدسيسة بعض أهل الأندلس نصحا لابن تاشفين ، ثم شرع ابن تاشفين في خلع ملوك الأندلس وقتالهم ، وأرسل إلى كل مملكة جماعة من أهل دولته وأجناده يحاصرونها ، وأرسل إلى حضرة المعتمد إشبيلية ، وشرع في قتالها ، والناس قد ملوا الدولة العبّادية وسئموها ، على ما جرت به العادة من حب الجديد ، لا سيما وقد ظهر من ابن عباد من التهتك في الشرب والملاهي ما لا يخفى أمره ، فتمنى أكثر الناس الراحة من دولتهم ، ولما اشتدّ مخنّق المعتمد وجه عن النصارى (٣) ، فأعدّ لهم ابن تاشفين من لقيهم في الطريق ، فهزمهم ، وجهز ابن تاشفين
__________________
(١) بزنتي مالا : أي بوزني مالا.
(٢) في ه «قبلتها منك».
(٣) كذلك في أصول النفح ، ولعل فيه تحريفا. وقد يكون الأصل : «وجه إلى النصارى» أو نحو ذلك. لا سيما أن ابن خلكان وكتب التاريخ قد ذكرت أن المعتمد لما أحس ما ينوي ابن تاشفين وجه إلى الأذفونش ملك النصارى يطلب نصرته.