سلمة الغنويّ : قلت لأبي العتاهية : ما الذي صرفك عن قول الغزل إلى قول الزهد؟ قال : إذا والله أخبرك ، إني لما قلت :
الله بيني وبين مولاتي |
|
أهدت لي الصّد والملالات |
منحتها مهجتي وخالصتي |
|
فكان هجرانها مكافاتي |
هيّمني حبّها وصيرني |
|
أحدوثة في جميع جاراتي |
رأيت في المنام في تلك الليلة كأن آتيا أتاني فقال : ما أصبت أحدا تدخله بينك وبين عتبة يحكم لك عليها بالمعصية إلّا الله تعالى؟ فانتبهت مذعورا وتبت إلى الله تعالى من ساعتي من قول الغزل.
أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا أبو علي عيسى بن محمّد بن أحمد بن عمر الطوماري ، حدّثنا أبو العبّاس المبرد عن الرياشي. قال : أقبل أبو العتاهية ومعه سلة محاجم ، فجلس إلينا وقال : لست أبرح أو تأتوني بمن أحجمه ، فجئنا ببعض عبيدنا ، فحجمه ثم أنشأ يقول :
ألا إنّما التّقوى هي العزّ والكرم |
|
وحبّك للدّنيا هو الذّلّ والعدم |
وليس على عبد تقىّ نقيصة |
|
إذا صحّح التّقوى وإن حاك أو حجم |
أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، حدّثنا محمّد ابن أحمد بن البراء قال : حدثت عن يحيى بن معين قال : سمعت أبا العتاهية ينشد :
ألا إنّما التّقوى هي العزّ والكرم |
|
وحبّك للدّنيا هو الذّلّ والسّقم |
وذكر البيت الثاني مثل ما تقدم.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدّثنا محمّد بن علي بن حبيش ، حدّثنا أحمد بن محمّد ابن إسحاق الورّاق ، حدّثنا أحمد بن عبد الله الكوفيّ ، حدّثنا ابن أبي شيخ قال : بكرت إلى سكة ابن نيبخت في حاجة ، فرأيت أبا نواس في السكة ، فجلست إليه فمر بنا أبو العتاهية على حمار ، فسلم ثم أومأ برأسه إلى أبي نواس وأنشأ يقول :
لا ترقدنّ لعينك السّهر |
|
وانظر إلى ما تصنع الغير |
انظر إلى غير مصرّفة |
|
إن كان ينفع عينك النّظر |
وإذا سألت فلم تجد أحدا |
|
فسل الزّمان فعنده الخبر |
أنت الّذي لا شيء تملكه |
|
وأحقّ منك بمالك القدر |
قال : فنظر لي أبو نواس ثم قال : (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) [الطور ١٥].