يغسل الموتى لورعه وزهده ، واجتهاده في العبادة ، ومتابعته السنة ، حج معنا أبو إسحاق ومعه ابنه أبو سعيد وحدثا جميعا ببغداد. ثم انصرفا وتوفي أبو سعيد ، وبقي أبو إسحاق يحدث ، ويشهد ، ويغسل الموتى ، إلى أن توفي في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ، وهو ابن مائة سنة وثلاث وسنين.
شاعر مفلق. فصيح مسهب ، مجيد حسن القول ، سائر الشعر ، وهو أحد الشعراء المخضرمين ، أدرك الدولتين الأموية والهاشمية ، وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور ومدحه فأجازه. وأحسن صلته ، وكان ممن اشتهر بالانقطاع إلى الطّالبيين.
أخبرنا أبو القاسم الأزهري ، وعبد الكريم بن محمّد بن أحمد الضّبيّ. قالا : أخبرنا علي بن عمر الحافظ. قال : هرمة بن هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر ، من ولده إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة الشّاعر مقدم في شعراء المحدثين. قدمه محمّد بن داود بن الجراح على بشّار وأبي نواس وغيرهما.
أخبرني أبو القاسم الأزهري ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة. قال : وفي هذه السنة ـ يعني سنة خمس وأربعين ومائة ـ تحول المنصور إلى مدينة السّلام واستتم بناءها سنة ست وأربعين ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم ، فكان فيمن وفد عليه إبراهيم بن هرمة. قال : فلم تكن في الدنيا خطبة أبغض إليّ من خطبة تقربني منه ، واجتمع الخطباء والشعراء من كل مدينة ، وعلى المنصور ستر يرى الناس من ورائه ولا يرونه ، وأبو الخصيب حاجبه قائم يقول : يا أمير المؤمنين هذا فلان الخطيب فيقول : اخطب. ويقول : هذا فلان الشّاعر. فيقول : أنشد. حتى كنت آخر من بقي فقال : يا أمير المؤمنين هذا ابن هرمة ، فسمعته يقول : لا مرحبا ولا أهلا. ولا أنعم الله به عينا. فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون! ذهبت والله نفسي ، ثم رجعت إلى نفسي فقلت : يا نفس هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت فقال أبو الخصيب : أنشد فأنشدته :
سرى ثوبه عنك الصّبي المتخايل |
|
وقرّب للبين الخليط المزايل |
__________________
(١) ٣١٦٠ ـ انظر : المنتظم ، لابن الجوزير ٩ / ٢١. والبداية والنهاية ١٠ / ١٦٩.