وقد تعارف لدى فقهائنا المتأخرين ـ رضوان الله عليهم ـ تخريج هذه المسائل على قاعدة الإلزام ، أي إلزام غير الإمامي بأحكام نحلته.
ولكن حيث إنّ هذه القاعدة لم تثبت عندنا بطريق معتبر ، فلا بُدّ من تطبيق تلك المسائل على القواعد البديلة لقاعدة الإلزام ، كقاعدة المقاصّة النوعية ( خذوا منهم كما يأخذون منكم في سننهم وقضاياهم ) وقاعدة الإقرار ( أي إقرار غير الإمامي على مذهبه ومعاملته بموجب أحكامه ).
مسألة ٤٦ : يصحّ لدى الإمامية النكاح من غير إشهاد ، ولكنّ العامة اختلفوا في ذلك ، فمنهم من وافق الإمامية في ذلك ، ومنهم من ذهب إلى فساد النكاح بدون الإشهاد ، وهم الحنفية والشافعية والحنابلة ، ومنهم من ذهب إلى فساده بدون الإعلان ، وهم المالكية ، ولكنّ القائلين بفساده على طائفتين : فمنهم من يرى في الأنكحة التي اختلف الفقهاء في صحّتها وفسادها ـ كالعقد المذكور ـ أنّه ليس لأحد أن يتزوّج المرأة قبل أن يطلّقها المعقود له أو يفسخ نكاحها ، وهؤلاء هم المالكية وأكثر الحنابلة ، فإذا كان الزوج من هؤلاء لم يمكن الزواج بالمرأة قبل أن يطلّقها أو يفسخ نكاحها. ومنهم من يرى في الأنكحة المختلف فيها أنّه يجوز الزواج من المرأة من غير حاجة إلى فسخ أو طلاق ، وهؤلاء هم الشافعية والحنفية.
فمتى كان الزوج منهم جاز الزواج بالمرأة بعد انقضاء عدّتها ـ إذا كانت ممّن تجب عليها العدّة عندهم ـ إقراراً للزوج على مذهبه ، وكذا يجوز للمرأة إذا كانت إمامية أن تتزوّج بعد انقضاء عدتها على تقدير وجوب العدّة عليها عندهم ، ولكنّ الأولى ـ في الصورتين ـ خروجاً عن الشبهة ومراعاةً للاحتياط ـ التوصل إلى طلاقها ولو من قبل الحاكم الشرعي إذا كان الزوج ممتنعاً منه.