بهذا الخُلق الكريم عامل أمير المؤمنين عليهالسلام أشدَّ مناوئيه..
ثمّ دعا عليّ عليهالسلام جماعة من قادة جنده، فقال لهم : « ائتوا هذا الرجل وادعوه إلىٰ الله والىٰ الطاعة والجماعة ».
ففعلوا ما أمرهم به، لكنَّ معاوية قال لهم بعد أن سمع كلامهم : انصرفوا من عندي، فليس بيني وبينكم إلَّا السيف، وغضب القوم، وخرجوا، فأتوا عليَّاً عليهالسلام فأخبروه بذلك..
واحتدم القتال بين الطرفين، فاقتتلوا يومهم كلَّه قتالاً شديداً لم يشهد له تاريخ الحروب مثيلاً، ثُمَّ تقدَّم الإمام عليٌّ عليهالسلام بمن معه يتقدَّمهم عمَّار بن ياسر، ولمَّا برز لعمر بن العاص قال عمَّار : «لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاث مرّات، وهذه الرابعة ما هي بأبرَّ وأنقىٰ» (١) يعني : راية معاوية.
وقال حبَّة بن جُوَين العُرَني : قلتُ لحذيفة بن اليمان : حدِّثنا فإنَّا نخاف الفتن.
فقال : عليكم بالفئة التي فيها ابن سُميَّة، فإنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم، قال : « تقتله الفئة الباغية الناكبة (الناكثة) عن الطريق، وإنَّ آخر رزقه ضَياح من لبن »، وهو الممزوج بالماء من اللبن، قال حبَّة : فشهدته يوم قُتل وهو يقول : ائتوني بآخر رزقٍ لي في الدنيا، فأُتي بضياحٍ من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء ـ فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة ـ فقال :
اليوم ألقىٰ الأحبَّة |
|
محمَّداً وحزبه |
_______________________
١) الكامل في التاريخ ٣ : ١٨٧ وانظر سير أعلام النبلاء ٢ : ٢٦٥.