من العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في التاريخ وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين علىٰ ما تخفيه من أسرار، أن يصطفي الله لعبد اصطفاه، حتىٰ موضع مولده، ليجمع له ـ مع طهارة مولده ـ شرف المحل، محل الولادة، ويخصّه بمكرمةٍ ميَّزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشر.
هكذا كان مولد عليِّ بن أبي طالب سلام الله عليه، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة.
وكان ذلك يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة (١). قبل البعثة بعشر سنين (٢). حوالي عام ٦٠٠م (٢٣ قبل الهجرة)، وقيل : «ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل» (٣).
ولعلّه في مثل هذا اليوم الذي وُلِد فيه أمير المؤمنين، قد وُلِد الألوف من البشر، لكنَّ ولادته مثَّلت حدثاً عجيباً تجلَّت به الأسرار، وتلبَّست بالحكمة الربَّانية.
كانت مثاراً للدهشة الأبدية، فقد وضعت فاطمة وليدها في البيت العتيق! في مكان عبادة لا ولادة، أليس ذلك بالشيء العظيم ؟!
ويسجل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّ عليهالسلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها، وعن قريب سينهض هذا
_______________________
١) أنظر إعلام الورىٰ ١ : ٣٠٦، إرشاد المفيد ١ : ٥، عليٌّ وليد الكعبة / الأوردبادي : ٣ منشورات مكتبة الرضوي، كشف الغمَّة / العلَّامة المحقِّق الأربلي ١ : ٥.
٢) الإصابة / ابن حجر ٢ : ٥٠٧.
٣) كشف الغمَّة ١ : ٥٩.