واستمرَّ القتال ليلةً كاملة حتىٰ الصباح. فتطاعنوا حتىٰ تقصَّفت الرماح، وتراموا حتىٰ نفد النبل، وكان الأشتر في الميمنة وابن عبَّاس في الميسرة وعليٌّ عليهالسلام في القلب، والناس يقتتلون من كلِّ جانبٍ، حتىٰ أصبحوا والمعركة خلف أظهرهم.
لمَّا رأىٰ عمرو أنَّ أمر أهل العراق قد اشتدَّ وخاف الهلاك، قال لمعاوية : هل لك في أمرٍ أعرضه عليك، لا يزيدنا إلَّا اجتماعاً، ولا يزيدهم إلَّا فرقةً؟
قال : نعم.
قال : نرفع المصاحف، ثُمَّ نقول : هذا حكم بيننا وبينكم.
فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب الله عزَّ وجلَّ بيننا وبينكم، مَنْ لثغور الشام بعد أهله؟ مَنْ لثغور العراق بعد أهله؟
فلمَّا رآها الناس قالوا : نجيب إلىٰ كتاب الله.
فقال لهم عليٌّ عليهالسلام : « عباد الله امضوا علىٰ حقِّكم وصدقكم وقتال عدوِّكم، فإنَّ معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحَّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرَف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالاً ثُمَّ رجالاً، فكانوا شرَّ أطفال وشرَّ رجال، ويحكم والله ما رفعوها إلَّا خديعةً ووهناً ومكيدة ».
فقالوا له : لا يسعنا أن نُدعىٰ إلىٰ كتاب الله فنأبىٰ أن نقبله!
فقال لهم عليٌّ عليهالسلام : « فإنِّي إنَّما أُقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب، فإنَّهم قد عصو الله فيما أمره ونسوا عهده ونبذوا كتابه ».