بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

من حديد فلا يصدع رأسه أبدا ولو لا ذلك لما جاء في الحديث أن الدنيا لا تساوي عند الله جل وعز جناح بعوضة ولو لا ذلك ما سقى كافرا منها شربة من ماء ولو لا ذلك لما جاء في الحديث لو أن مؤمنا على قلة جبل ـ لابتعث الله له كافرا أو منافقا يؤذيه ولو لا ذلك لما جاء في الحديث أنه إذا أحب الله قوما أو أحب عبدا صب عليه البلاء صبا فلا يخرج من غم إلا وقع في غم ولو لا ذلك لما جاء في الحديث ما من جرعتين أحب إلى الله عز وجل أن يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا من جرعة غيظ كظم عليها وجرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء واحتساب ولو لا ذلك لما كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعون على من ظلمهم بطول العمر وصحة البدن وكثرة المال والولد ولو لا ذلك ما بلغنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا خص رجلا بالترحم عليه والاستغفار استشهد فعليكم يا عم وابن عم وبني عمومتي وإخوتي بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله جل وعز والرضا بالصبر على قضائه والتمسك بطاعته والنزول عند أمره أفرغ الله علينا وعليكم الصبر وختم لنا ولكم بالأجر والسعادة وأنقذنا وإياكم من كل هلكة بحوله وقوته إنه سميع قريب وصلى الله على صفوته من خلقه محمد النبي وأهل بيته (١).

أقول : وهذا آخر التعزية بلفظها من أصل صحيح بخط محمد بن علي بن مهجناب البزاز تاريخه في صفر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وقد اشتملت هذه التعزية على وصف عبد الله بن الحسن بالعبد الصالح والدعاء له وبني عمه بالسعادة وهذا يدل على أن الجماعة المحمولين كانوا عند مولانا الصادق عليه‌السلام معذورين وممدوحين ومظلومين وبحبه عارفين.

أقول : وقد يوجد في الكتب أنهم كانوا للصادقين عليه‌السلام مفارقين وذلك محتمل للتقية لئلا ينسب إظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمة الطاهرين.

ومما يدل عليه ما رويناه بإسنادنا إلى أبي العباس أحمد بن نصر بن سعد من

__________________

(١) الإقبال ص ٤٩ ـ ٥١.

٣٠١

كتاب الرجال مما خرج منه وعليه سماع الحسين بن علي بن الحسن وهو نسخة عتيقة بلفظه قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن سعيد الكندي قال هذا كتاب غالب بن عثمان الهمداني وقرأت فيه أخبرني خلاد بن عمير الكندي مولى آل حجر بن عدي قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام قال هل لكم علم بآل الحسن الذين خرج بهم مما قبلنا وكان قد اتصل بنا عنهم خبر فلم نحب أن نبدأه به فقلنا نرجو أن يعافيهم الله فقال وأين هم من العافية ثم بكى عليه‌السلام حتى علا صوته وبكينا ثم قال حدثني أبي عن فاطمة بنت الحسين قالت سمعت أبي صلوات الله عليه يقول يقتل منك أو يصاب منك نفر بشط الفرات ما سبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون وإنه لم يبق من ولدهم غيرهم.

أقول : وهذه شهادة صريحة من طرق صحيحة بمدح المأخوذين من بني الحسن عليه وعليهم‌السلام وأنهم مضوا إلى الله جل جلاله بشرف المقام والظفر بالسعادة والإكرام.

ومن ذلك ما رواه أبو الفرج الأصفهاني (١) عن يحيى بن عبد الله الذي سلم من الذين تخلفوا في الحبس من بني الحسن فقال حدثنا عبد الله بن فاطمة الصغرى عن أبيها عن جدتها فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدفن من ولدي سبعة بشط الفرات لم يسبقهم الأولون ولم يدركهم الآخرون فقلت نحن ثمانية فقال هكذا سمعت فلما فتحوا الباب وجدوهم موتى وأصابوني وبي رمق وسقوني ماء وأخرجوني فعشت.

ومن الأخبار الشاهدة بمعرفتهم بالحق ما رواه أحمد بن إبراهيم الحسيني في كتاب المصابيح بإسناده أن جماعة سألوا عبد الله بن الحسن وهو في المحمل الذي حمل فيه إلى سجن الكوفة فقلنا يا ابن رسول الله محمد ابنك المهدي فقال يخرج محمد من هاهنا وأشار إلى المدينة فيكون كلحس الثور أنفه حتى يقتل ولكن

__________________

(١) مقاتل الطالبيين ص ١٩٣.

٣٠٢

إذا سمعتم بالمأثور وقد خرج بخراسان فهو صاحبكم.

أقول : لعلها بالموتور وهذا صريح أنه عارف بما ذكرناه.

ومما يزيدك بيانا ما رويناه بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي عن جماعة عن هارون بن موسى التلعكبري عن ابن همام عن جميل عن القاسم بن إسماعيل عن أحمد بن رياح عن أبي الفرج أبان بن محمد المعروف بالسندي نقلناه من أصله قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام في الحج في السنة التي قدم فيها أبو عبد الله عليه‌السلام تحت الميزاب وهو يدعو وعن يمينه عبد الله بن الحسن وعن يساره حسن بن حسن وخلفه جعفر بن الحسن قال فجاءه عباد بن كثير البصري فقال له يا أبا عبد الله قال فسكت عنه حتى قالها ثلاثا قال ثم قال له يا جعفر قال فقال له قل ما تشاء يا أبا كثير قال إني وجدت في كتاب لي علم هذه البنية رجل ينقضها حجرا حجرا قال فقال كذب كتابك يا أبا كثير ولكن كأني والله بأصفر القدمين حمش الساقين ضخم البطن رقيق العنق ضخم الرأس على هذا الركن وأشار بيده إلى الركن اليماني يمنع الناس من الطواف حتى يتذعروا منه ثم يبعث الله له رجلا مني وأشار بيده إلى صدره فيقتله قتل عاد وثمود « وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ » قال فقال له عند ذلك عبد الله بن الحسن صدق والله أبو عبد الله عليه‌السلام حتى صدقوه كلهم جميعا.

أقول : فهل تراهم إلا عارفين بالمهدي وبالحق اليقين.

ومما يزيدك بيانا أن بني الحسن عليه‌السلام ما كانوا يعتقدون فيمن خرج منهم أنه المهدي وإن تسموا بذلك إن أولهم خروجا وأولهم تسميا بالمهدي محمد بن عبد الله بن الحسن

وقد ذكر يحيى بن الحسين الحسني في كتاب الأمالي بإسناده عن طاهر بن عبيد عن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أنه سئل عن أخيه محمد أهو المهدي الذي يذكر فقال إن المهدي عدة من الله تعالى لنبيه صلوات الله عليه وعده أن يجعل من أهله مهديا لم يسم بعينه ولم يوقت زمانه وقد قام أخي لله بفريضة عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أراد الله تعالى

٣٠٣

أن يجعله المهدي الذي يذكر فهو فضل الله يمن به « عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ » وإلا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره.

وروى في حديث قبله بكراريس من الأمالي عن أبي خالد الواسطي أن محمد بن عبد الله بن الحسن قال يا أبا خالد إني خارج وأنا والله مقتول ثم ذكر عذره في خروجه مع علمه أنه مقتول.

وكل ذلك يكشف عن تمسكهم بالله والرسول ص.

وروي في حديث علم محمد بن عبد الله بن الحسن أنه يقتل أحمد بن إبراهيم في كتاب المصابيح في الفصل المتقدم.

هذا آخر ما أخرجناه من كتاب الإقبال (١).

٢٦ ـ كا : الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن عثمان أبي إسماعيل السراج عن عبد الله بن وضاح وعلي بن أبي حمزة عن إسماعيل بن الأرقط وأمه أم سلمة أخت أبي عبد الله عليه‌السلام قال : مرضت في شهر رمضان مرضا شديدا حتى ثقلت واجتمعت بنو هاشم ليلا للجنازة وهم يرون أني ميت فجزعت أمي علي فقال لها أبو عبد الله عليه‌السلام خالي اصعدي إلى فوق البيت فابرزي إلى السماء وصلي ركعتين فإذا سلمت قولي ـ اللهم إنك وهبته لي ولم يك شيئا اللهم وإني أستوهبكه مبتدئا فأعرنيه قال ففعلت فأفقت وقعدت ودعوا بسحور لهم هريسة فتسحروا بها وتسحرت معهم (٢).

أقول : روى أبو الفرج الأصفهاني (٣) بأسانيده المتكثرة إلى الحسين بن زيد قال : إني لواقف بين القبر والمنبر إذا رأيت بني حسن يخرج بهم من دار مروان مع أبي الأزهر يراد بهم الربذة فأرسل إلي جعفر بن محمد فقال ما وراك قلت

__________________

(١) الإقبال ص ٥١.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٤٧٨.

(٣) مقاتل الطالبيين ص ٢١٩ وفيه تفاوت.

٣٠٤

رأيت بني الحسن يخرج بهم في محامل فقال اجلس فجلست قال فدعا غلاما له ثم دعا ربه كثيرا ثم قال لغلامه اذهب فإذا حملوا فأت فأخبرني قال فأتاه الرسول فقال قد أقبل بهم فقال جعفر عليه‌السلام فوقف وراء ستر شعر أبيض من ورائه فطلع بعبد الله بن الحسن وإبراهيم بن الحسن وجميع أهلهم كل واحد منهم معاد له مسود فلما نظر إليهم جعفر بن محمد عليه‌السلام هملت عيناه حتى جرت دموعه على لحيته ثم أقبل علي فقال يا أبا عبد الله والله لا تحفظ لله حرمة بعد هذا والله ما وفت الأنصار ولا أبناء الأنصار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما أعطوه من البيعة على العقبة.

ثم قال جعفر عليه‌السلام حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له خذ عليهم البيعة بالعقبة فقال كيف آخذ عليهم قال خذ عليهم يبايعون الله ورسوله قال ابن الجعد في حديثه على أن يطاع الله فلا يعصى وقال الآخرون على أن يمنعوا رسول الله وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم قال فو الله ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم ثم لا أحد يمنع يد لامس اللهم فاشدد وطأتك على الأنصار.

وبإسناده إلى علي بن إسماعيل أن عيسى بن موسى لما قدم قال جعفر بن محمد عليه‌السلام أهو هو قيل من تعني يا أبا عبد الله قال المتلعب بدمائنا والله لا يحلأ منها بشيء (١).

وبإسناده إلى سعيد الرومي مولى جعفر بن محمد قال : أرسلني جعفر بن محمد عليه‌السلام أنظر ما يصنعون فجئته فأخبرته أن محمدا قتل وأن عيسى قبض على عين أبي زياد فنكس طويلا ثم قال ما يدعو عيسى إلى أن يسيء بنا ويقطع أرحامنا فو الله لا يذوق هو ولا ولده منها شيئا (٢).

__________________

(١) مقاتل الطالبيين ص ٢٧٢ بتفاوت يسير وحلاء عن الحوض صد ومنع من وروده.

(٢) نفس المصدر ص ٢٧٣. وفيه « فأبلس » بدل « فنكس » وزيادة قوله « أبدا » في آخره.

٣٠٥

وروى بإسناده عن مخول بن إبراهيم قال : شهد الحسين بن زيد حرب محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن ثم توارى وكان مقيما في منزل جعفر بن محمد عليه‌السلام وكان جعفر رباه ونشأ في حجره منذ قتل أبوه وأخذ عنه علما كثيرا.

وبإسناده عن عباد بن يعقوب قال : كان الحسن بن زيد يلقب ذا الدمعة لكثرة بكائه (١).

٢٧ ـ ن : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين البزاز قال حدثنا أبو منصور المطرز قال سمعت الحاكم أبا أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الأنماطي النيسابوري يقول بإسناد متصل ذكره محمد أنه لما بنى المنصور الأبنية ببغداد جعل يطلب العلوية طلبا شديدا ويجعل من ظفر به منهم في الأسطوانات المجوفة المبنية من الجص والآجر فظفر ذات يوم بغلام منهم حسن الوجه عليه شعر أسود من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام فسلمه إلى البناء الذي كان يبني له وأمره أن يجعله في جوف أسطوانة ويبني عليه ووكل به من ثقاته من يراعي ذلك حتى يجعله في جوف أسطوانة بمشهده فجعله البناء في جوف أسطوانة فدخلته رقة عليه ورحمة له فترك في الأسطوانة فرجة يدخل منها الروح (٢) وقال للغلام لا بأس عليك فاصبر فإني سأخرجك من جوف هذه الأسطوانة إذا جن الليل.

ولما جن الليل جاء البناء في ظلمته وأخرج ذلك العلوي من جوف تلك الأسطوانة وقال له اتق الله في دمي ودم الفعلة الذين معي وغيب شخصك فإني إنما أخرجتك في ظلمة هذه الليلة من جوف هذه الأسطوانة لأني خفت إن تركتك في جوفها أن يكون جدك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة خصمي بين يدي الله عز وجل ثم أخذ شعره بآلات الجصاصين كما أمكن وقال له غيب شخصك وانج

__________________

(١) المصدر السابق ص ٣٨٧.

(٢) الروح : نسيم الريح.

٣٠٦

بنفسك ولا ترجع إلى أمك قال الغلام فإن كان هذا هكذا فعرف أمي أني قد نجوت وهربت لتطيب نفسها ويقل جزعها وبكاؤها إن لم يكن لعودي إليها وجه فهرب الغلام ولا يدرى أين قصد من أرض الله ولا إلى أي بلد وقع قال ذلك البناء وقد كان الغلام عرفني مكان أمه وأعطاني العلامة شعره فانتهيت إليها في الموضع الذي كان دلني عليه فسمعت دويا كدوي النحل من البكاء فعلمت أنها أمه فدنوت منها وعرفتها خبر ابنها وأعطيتها شعره وانصرفت (١).

٢٨ ـ قل : إقبال الأعمال إنا روينا دعاء النصف من رجب عن خلق كثير قد تضمن ذكر أسمائهم كتاب الإجازات وسوف أذكر كل رواياته فمن الروايات في ذلك أن المنصور لما حبس عبد الله بن الحسن وجماعة من آل أبي طالب وقتل ولديه محمدا وإبراهيم أخذ داود بن الحسن بن الحسن وهو ابن داية أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام لأن أم داود أرضعت الصادق عليه‌السلام منها بلبن ولدها داود وحمله مكبلا بالحديد قالت أم داود فغاب عني حينا بالعراق ولم أسمع له خبرا ولم أزل أدعو وأتضرع إلى الله جل اسمه وأسأل إخواني من أهل الديانة والجد والاجتهاد أن يدعوا الله تعالى وأنا في ذلك كله لا أرى في دعائي الإجابة.

فدخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات عليهما يوما أعوده في علة وجدها فسألته عن حاله ودعوت له فقال لي يا أم داود وما فعل داود وكنت قد أرضعته بلبنه فقلت يا سيدي وأين داود وقد فارقني منذ مدة طويلة وهو محبوس بالعراق فقال وأين أنت عن دعاء الاستفتاح وهو الدعاء الذي تفتح له أبواب السماء ويلقى صاحبه الإجابة من ساعته وليس لصاحبه عند الله تعالى جزاء إلا الجنة فقلت له كيف ذلك يا ابن الصادقين فقال لي يا أم داود قد دنا الشهر الحرام العظيم شهر رجب وهو شهر مسموع فيه الدعاء شهر الله الأصم وصومي الثلاثة الأيام البيض وهي يوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر واغتسلي في يوم الخامس عشر وقت الزوال (٢).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا (ع) ج ١ ص ١١١.

(٢) الإقبال ص ١٤٧ ـ ١٤٨.

٣٠٧

ثم علمها عليه‌السلام دعاء وعملا مخصوصا سيأتي شرحهما في موضعه (١).

ثم قال السيد رضي الله عنه فقالت أم جدنا داود رضوان الله عليه فكتبت هذا الدعاء وانصرفت ودخل شهر رجب وفعلت مثل ما أمرني به يعني الصادق عليه‌السلام ثم رقدت تلك الليلة فلما كان في آخر الليل رأيت محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وكل من صليت عليهم من الملائكة والنبيين ومحمد صلى الله عليه وعليهم يقول يا أم داود أبشري وكل من ترين من إخوانك وفي رواية أعوانك وإخوانك وكلهم يشفعون لك ويبشرونك بنجح حاجتك وأبشري فإن الله تعالى يحفظك ويحفظ ولدك ويرده عليك قالت فانتبهت فما لبثت إلا قدر مسافة الطريق من العراق إلى المدينة للراكب المجد المسرع المعجل حتى قدم علي داود فسألته عن حاله فقال إني كنت محبوسا في أضيق حبس وأثقل حديد وفي رواية وأثقل قيد إلى يوم النصف من رجب.

فلما كان الليل رأيت في منامي كأن الأرض قد قبضت لي فرأيتك على حصير صلاتك وحولك رجال رءوسهم في السماء وأرجلهم في الأرض يسبحون الله تعالى حولك فقال لي قائل منهم حسن الوجه نظيف الثوب طيب الرائحة خلته جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبشر يا ابن العجوزة الصالحة فقد استجاب الله لأمك فيك دعاءها فانتبهت ورسل المنصور على الباب فأدخلت عليه في جوف الليل فأمر بفك الحديد عني والإحسان إلي وأمر لي بعشرة آلاف درهم وحملت على نجيب وسوقت بأشد السير وأسرعه حتى دخلت المدينة قالت أم داود فمضيت به إلى أبي عبد الله فقال عليه‌السلام إن المنصور رأى أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام في المنام يقول له أطلق ولدي وإلا ألقيك في النار ورأى كأن تحت قدميه النار فاستيقظ وقد سقط في يديه فأطلقك يا داود (٢).

__________________

(١) ذكرها الشيخ المجلسي في كتاب الدعاء ج ٢٠ ص ٣٤٥ ونقلهما عن الاقبال ص ١٤٩ ـ ١٥٢.

(٢) الإقبال ص ١٥٣.

٣٠٨

بيان : سقط في يديه على بناء المجهول أي ندم ومنه قوله تعالى « وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ » (١).

٢٩ ـ كتاب الإستدراك : بإسناده إلى الأعمش أن المنصور حيث طلبه فتطهر وتكفن وتحنط قال له حدثني بحديث سمعته أنا وأنت من جعفر بن محمد في بني حمان قال قلت له أي الأحاديث قال حديث أركان جهنم قال قلت أوتعفيني قال ليس إلى ذلك سبيل قال قلت حدثنا جعفر بن محمد عن آبائه عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ـ لجهنم سبعة أبواب وهي الأركان لسبعة فراعنة ثم ذكر الأعمش نمرود بن كنعان فرعون الخليل ومصعب بن الوليد فرعون موسى وأبا جهل بن هشام والأول والثاني والسادس يزيد قاتل ولدي ثم سكت فقال لي الفرعون السابع قلت رجل من ولد العباس يلي الخلافة يلقب بالدوانيقي اسمه المنصور قال فقال لي صدقت هكذا حدثنا جعفر بن محمد عليه‌السلام قال فرفع رأسه وإذا على رأسه غلام أمرد ما رأيت أحسن وجها منه فقال إن كنت أحد أبواب جهنم فلم أستبق هذا وكان الغلام علويا حسينيا فقال له الغلام سألتك يا أمير المؤمنين بحق آبائي إلا عفوت عني فأبى ذلك وأمر المرزبان به فلما مد يده حرك شفتيه بكلام لم أعلمه فإذا هو كأنه طير قد طار منه قال الأعمش فمر علي بعد أيام فقلت أقسمت عليك بحق أمير المؤمنين لما علمتني الكلام فقال ذاك دعاء المحنة لنا أهل البيت وهو الذي دعا به أمير المؤمنين عليه‌السلام لما نام على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم ذكر الدعاء قال الأعمش وأمر المنصور في رجل بأمر غليظ فجلس في بيت لينفذ فيه أمره ثم فتح عنه فلم يوجد فقال المنصور أسمعتموه يقول شيئا فقال الموكل سمعته يقول يا من لا إله غيره فأدعوه ولا رب سواه فأرجوه نجني الساعة فقال والله لقد استغاث بكريم فنجاه.

أقول : مضت الأخبار المناسبة للباب في باب أسماء الملوك عند الأئمة عليهم‌السلام.

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٤٩.

٣٠٩

١٠

(باب)

*( مداحيه صلوات الله عليه)*

١ ـ الفحام عن المنصوري عن عم أبيه عن علي بن محمد العسكري عن آبائه عن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : كنت عند سيدنا الصادق عليه‌السلام إذ دخل عليه أشجع السلمي (١) يمدحه فوجده عليلا فجلس وأمسك فقال له سيدنا

__________________

(١) الاشجع السلمى : هو ابن عمرو : أبو الوليد او أبو عمرو من ولد الشريد بن مطرود السلمى ، كان شاعرا مفلقا مكثرا سائر الشعر معدودا في فحول الشعراء في طبقة أبى نواس وأبى المتاهية وبشار وأمثالهم مدح الخلفاء وولاة العهود والوزراء والامراء وغيرهم وأخذ جوائزهم وحظى عندهم ، ودخل على الإمام الصادق عليه‌السلام فمدحه كما في الأصل وأجازه الامام عليه‌السلام وقد رثى الإمام الرضا عليه‌السلام بقصيدة عصماء ذكرها أبو الفرج الأصبهاني في مقاتله ص ٥٦٨ أولها :

يا صاحب العيس يحدى في أزمتها

اسمع وأسمع غدا يا صاحب العيس

اقرأ السلام على قبر بطوس ولا

تقرا السلام ولا النعمى على طوس

الى آخر ما ذكره من أبياتها وهي ٢٢ بيتا ، قال أبو الفرج هكذا انشدنيها على ابن الحسين بن علي بن حمزة عن عمه ـ محمد بن علي بن حمزة العلوى ـ وذكر انها لما شاعت غير أشجع ألفاظها فجعلها في الرشيد. وقال ايضا : هذه القصيدة ذكر محمد ابن علي بن حمزة انها في علي بن موسى الرضا « عليه‌السلام ».

وقد أورد الصولى في كتاب الاوراق ابياتا من هذه القصيدة وذكر انها في رثاء الرشيد وهذا مما يؤيد مقالة العلوى ـ كما مر ـ ان القصيدة في رثاء الرضا « عليه‌السلام » ولما شاعت غير الاشجع ألفاظها فجعلها في الرشيد.

وتجد في الأغاني ج ١٧ ـ ص ٣٠ الى ٥١ مفصل اخباره واشعاره ، كما تجد له ذكرا في الأغاني ج ٤ ص ١٨٥ وج ٦ ص ٧٣ وج ٢١ ص ٨٤ وفي تاريخ بغداد ج ٧ ص ٤٥ وتاريخ ابن عساكر ج ٣ ص ٥٩ ـ ٦٣ وذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء ص ١٤٢ في شعراء أهل البيت المتكلفين وذلك انه عدهم أربع طبقات : المجاهرون والمقتصدون والمتقون والمتكلفون. فعد من المتكلفين الاشجع السلمى.

وقد ترجمه سيد الأعيان في كتابه ج ١٢ ص ٣٤٦ الى ص ٣٩٩.

٣١٠

الصادق عليه‌السلام عد عن العلة واذكر ما جئت له فقال له :

ألبسك الله منه عافية

في نومك المعتري وفي أرقك

يخرج من جسمك السقام كما

أخرج ذل السؤال من عنقك

فقال يا غلام أيش معك قال أربعمائة درهم قال أعطها للأشجع قال فأخذها وشكر وولى فقال ردوه فقال يا سيدي سألت فأعطيت وأغنيت فلم رددتني قال حدثني أبي عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال خير العطاء ما أبقى نعمة باقية وإن الذي أعطيتك لا يبقي لك نعمة باقية وهذا خاتمي فإن أعطيت به عشرة آلاف درهم وإلا فعد إلي وقت كذا وكذا أوفك إياها قال يا سيدي قد أغنيتني وأنا كثير الأسفار وأحصل في المواضع المفزعة فتعلمني ما آمن به على نفسي قال فإذا خفت أمرا فاترك يمينك على أم رأسك واقرأ برفيع صوتك « أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ » (١) قال أشجع فحصلت في واد تعبث فيه الجن فسمعت قائلا يقول خذوه فقرأتها فقال قائل كيف نأخذه وقد احتجز بآية طيبة (٢).

٢ ـ دعوات الراوندي : مرسلا مثله.

٣ ـ ما : الأمالي للشيخ الطوسي المفيد عن محمد بن عمران عن عبيد الله بن الحسن عن محمد بن رشيد قال آخر شعر قاله السيد بن محمد رحمه‌الله قبل وفاته بساعة وذلك أنه أغمي عليه واسود لونه ثم أفاق وقد ابيض وجهه وهو يقول

أحب الذي من مات من أهل وده

تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك

ومن مات يهوى غيره من عدوه

فليس له إلا إلى النار مسلك

أبا حسن تفديك نفسي وأسرتي

ومالي وما أصبحت في الأرض أملك

أبا حسن إني بفضلك عارف

وإني بحبل من هواك لممسك

__________________

(١) سورة آل عمران الآية : ٨٣.

(٢) أمالي الشيخ الطوسي ص ١٧٦.

٣١١

وأنت وصي المصطفى وابن عمه

وإنا نعادي مبغضيك ونترك

مواليك ناج مؤمن بين الهدى

وقاليك معروف الضلالة مشرك

ولاح لحاني في علي وحزبه

فقلت لحاك الله إنك أعفك

ومعنى أعفك أحمق (١) بيان قال الجوهري (٢) لحيت الرجل لحاء ولحيا إذا لمته وقولهم لحاه الله أي قبحه ولعنه.

٤ ـ ما : الأمالي للشيخ الطوسي جماعة عن أبي المفضل عن يحيى بن علي بن عبد الجبار عن علي بن الحسين بن أبي حرب عن أبيه قال : دخلت على السيد ابن محمد الحميري عائدا في علته التي مات فيها فوجدته يساق به ووجدت عنده جماعة من جيرانه وكانوا عثمانية وكان السيد جميل الوجه رحب الجبهة عريض ما بين السالفتين (٣) فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ثم لم تزل تزيد وتنمي حتى طبقت وجهه يعني اسودادا فاغتم لذلك من حضره من الشيعة وظهر من الناصبة سرور وشماتة فلم يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد أيضا وتنمي حتى أسفر وجهه وأشرق وافتر السيد ضاحكا وأنشأ يقول :

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ص ٣١ وأخرج الحديث والشعر الشيخ الجليل أبو جعفر الطبري في بشارة المصطفى ص ٩٢ طبع النجف ( الطبعة الأولى ) بزيادة في الأبيات وهى عنده ثلاثة عشر بيتا ، وأخرجها أيضا الكشي في رجاله ص ١٨٥ والأبيات عنده سبعة كما في الأصل بتقديم وتأخير وصاحب الروضات في كتابه ص ٣٠ ونحوه السيد الأمين في الأعيان ج ١٢ ص ٢٠٧ والامينى في الغدير ج ٢ ص ٢٧٤ لكن القاضي نور الله في مجالسه ج ٢ ص ٥١٤ ذكر الأبيات بنحوهما في الأصل في الترتيب. وبيتان منها في مناقب ابن شهرآشوب ج ٣ ص ٢٤.

(٢) الصحاح ج ٦ ص ٢٤٨١ طبع دار الكتاب العربى.

(٣) السالفتين : صفحتا العنق عند معلق القرط.

٣١٢

كذب الزاعمون أن عليا

لن ينجي محبه من هنات

قد وربي دخلت جنة عدن

وعفا لي الإله عن سيئاتي

فأبشروا اليوم أولياء علي

وتولوا علي حتى الممات

ثم من بعده تولوا بنيه

واحدا بعد واحد بالصفات

ثم أتبع قوله هذا أشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا أشهد أن محمدا رسول الله حقا حقا أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا حقا أشهد أن لا إله إلا الله ثم أغمض عينه بنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة طفئت أو حصاة سقطت فانتشر هذا القول في الناس فشهد جنازته والله الموافق والمفارق (١).

٥ ـ كش : رجال الكشي محمد بن رشيد الهروي قال : حدثني السيد وسماه وذكر أنه خير (٢) قال سألته عن الخبر الذي يروى أن السيد اسود وجهه عند موته فقال الشعر الذي يروى له في ذلك حدثني أبو الحسن بن أيوب المروزي قال روي أن السيد ابن محمد الشاعر اسود وجهه عند الموت فقال هكذا يفعل بأوليائكم يا أمير المؤمنين قال فابيض وجهه كأنه القمر ليلة البدر فأنشأ يقول :

«أحب الذي من مات من أهل وده» إلى آخر الأبيات (٣).

__________________

(١) أمالى ابن الشيخ الطوسي ص ٤٣ وأخرج الحديث والشعر الاربلى في كشف الغمة ج ١ ص ٥٤٩ والروضاتى في روضات الجنات ص ٣٠ وابن شهرآشوب في المناقب ج ٣ ص ٢٣ والقاضي نور الله في مجالسه ج ٢ ص ٥١٥ وسيد الأعيان في كتابه ج ١٢ ص ٢٠٦ والشيخ الامينى في الغدير ج ٢ ص ٢٧٤ وذكر الأبيات الحافظ المرزبانى في أخبار السيد الحميري ص ٤٧ طبع النجف الأشرف ـ قال حدثنا بعض أصحابنا عن محمد بن يزيد النحوى عن بعض الاشياخ انه رأى السيد ابن محمد في النوم فقال له ما فعل الله بك؟ فقال : غفر لى ثم انشأ يقول : وذكر الشعر.

(٢) الظاهر سقوط واسطة في السند ممن يضاف الى السيد كغلام السيد أو صاحب السيد أو ابن السيد ممن له المام بحال السيد وكان حاضرا عند موته ، وهو محذوف اما لنسيان الكشي لاسمه أو أن الهروى نسيه واكتفى بوصف كونه خيرا.

(٣) رجال الكشي ص ١٨٥ وقد تقدمت الأبيات مع ذكر مصادرها قريبا فراجع.

٣١٣

٦ ـ ما : الأمالي للشيخ الطوسي المفيد عن محمد بن عمران المرزباني عن محمد بن يحيى عن جبلة بن محمد بن جبلة عن أبيه قال : اجتمع عندنا السيد ابن محمد الحميري وجعفر بن عفان الطائي (١) فقال له السيد ويك تقول في آل محمد عليهم‌السلام :

__________________

(١) هو أبو عبد الله الطائى المكفوف كان من شعراء الكوفة ، وله اشعار كثيرة في معان مختلفة وقد ذكره الكشي في رجاله ص ١٨٧ باسم جعفر بن عثمان الطائى ، وقد ذكر السيد الأمين في أعيان الشيعة ج ١٦ ص ٥٨ أنه ورد في نسخة من الخلاصة للعلامة الحلى عنده مخطوطة مقابلة على نسخة ولد ولد المصنف نقله عن الكشي جعفر بن عفان لا عثمان. أقول ذكره الكشي وروى عن زيد الشحام دخول جعفر المذكور على الإمام الصادق عليه‌السلام فقربه وأدناه واستنشده شعره في رثاء الحسين عليه‌السلام وبكائه لما أنشده وقال : يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقربون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه‌السلام ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر ، ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها وغفر لك ، فقال يا جعفر ألا أزيدك؟ قال نعم يا سيدى قال : ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكى وأبكى به الا أوجب الله له الجنة وغفر له وذكر سيد الأعيان من شعره في أهل البيت عليهم‌السلام في كتابه. ومما ذكره رده على مروان بن أبي حفصة قوله :

أنى يكون وليس ذلك بكائن

لبنى البنات وراثة الاعمام

ونقل ذلك عن الأغاني وقد ذكره أبو الفرج في الأغاني ج ٩ ص ٤٥ بسنده عن محمد ابن يحيى بن أبي مرة التغلبى قال مررت بجعفر بن عفان الطائى يوما وهو على باب منزله فسلمت عليه فقال لي : مرحبا يا أخا تغلب اجلس فجلست فقال لي : أما تعجب من ابن أبى حفصة لعنه الله حيث يقول :

أنى يكون وليس ذاك بكائن

لبنى البنات وراثة الاعمام

فقلت : بلى والله انى لا تعجب منه وأكثر اللعن له فهل قلت في ذلك شيئا؟ فقال :

نعم قلت :

لم لا يكون وان ذاك لكائن

لبنى البنات وراثة الاعمام

للبنت نصف كامل من ماله

والعم متروك بغير سهام

ما للطليق وللتراث وانما

صلى الطليق مخافة الصمصام

توفى جعفر بن عفان الشاعر المذكور في حدود سنة ١٥٠.

٣١٤

ما بال بيتكم تخرب سقفه

وثيابكم من أرذل الأثواب

فقال جعفر ما أنكرت من ذلك فقال له السيد إذا لم تحسن المدح فاسكت أتوصف آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بمثل هذا ولكني أعذرك هذا طبعك وعلمك ومنتهاك وقد قلت أمحو عنهم عار مدحك

أقسم بالله وآلائه

والمرء عما قال مسئول

إن علي بن أبي طالب

على التقى والبر مجبول

وإنه كان الإمام الذي

له على الأمة تفضيل

يقول بالحق ويعني به

ولا تلهيه الأباطيل

كان إذا الحرب مرتها القنا

وأحجمت عنها البهاليل

يمشي إلى القرن وفي كفه

أبيض ماضي الحد مصقول

مشي العفرنى بين أشباله

أبرزه للقنص الغيل

ذاك الذي سلم في ليلة

عليه ميكال وجبريل

ميكال في ألف وجبريل في

ألف ويتلوهم سرافيل

ليلة بدر مددا أنزلوا

كأنهم طير أبابيل

فسلموا لما أتوا حذوه

وذاك إعظام وتبجيل

كذا يقال فيه يا جعفر وشعرك يقال مثله لأهل الخصاصة والضعف فقبل جعفر رأسه وقال أنت والله الرأس يا أبا هاشم ونحن الأذناب (١).

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ص ١٢٤ وأخرج الحديث الشيخ أبو جعفر الطبري في بشارة المصطفى ص ٦٤ بسنده عن الشيخ أبى علي بن الشيخ الطوسي عن أبيه شيخ الطائفة الى آخر اسناده كما في أماليه وعنه صاحب الروضات فيها ص ٢٩ وذكر أبو الفرج الأصبهاني في أغانيه ج ٧ ص ٢٤٧ طبعة دار الكتب بمصر عن إسحاق بن محمد قال : سمعت العتبى يقول : ليس في عصرنا هذا أحسن مذهبا في شعره ولا أنقى ألفاظا من السيد ، ثم قال لبعض من حضر : أنشدنا قصيدته اللامية التي أنشدتناها اليوم فأنشده قوله :

هل عند من أحببت تنويل

أم لا فان اللوم تضليل

٣١٥

إيضاح : قال الفيروزآبادي (١) البهلول كسرسور الضحاك والسيد الجامع لكل خير وأسد عفرنى شديد والأشبال جميع الشبل وهو ولد الأسد وقال القنص محركة ابنا معد بن عدنان (٢) وإبل أو بقر غيل بضمتين كثيرة أو سمان.

٧ ـ ما : الأمالي للشيخ الطوسي المفيد عن المرزباني قال وجدت بخط محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني الحمدوني الشاعر قال : سمعت الرياشي ينشد للسيد ابن محمد الحميري

إن امرأ خصمه أبو حسن

لعازب الرأي داحض الحجج

لا يقبل الله منه معذرة

ولا يلقنه حجة الفلج (٣).

__________________

أم في الحشى منك جوى باطن

ليس تداويه الاباطيل

علقت يا مغرور خداعة

بالوعد منها لك تخييل

ريا رداح النوم خصمانة

كأنها ادماء عطبول

يشفيك منها حين تخلو بها

ضم الى النحر وتقبيل

وذوق ريق طيب طعمه

كأنه بالمسك معلول

فى نسوة مثل المها خرد

تضيق عنهن الخلاخيل

يقول فيها :

أقسم بالله وآلائه

و المرء عما قال مسئول

ان علي بن أبي طالب

على التقى والبر مجبول

فقال العتبى : أحسن والله ما شاء ، هذا والله الشعر الذي يهجم على القلب بلا حجاب اه وروى حديث أبى الفرج السيد الأمين في الأعيان ج ١٢ ص ١٤٦ كما روى الشيخ الامينى حديث الأمالي في الغدير ج ٢ ص ٢٦٨ وذكر أبيات المدح فقط كما في الأصل الاربلى في كشف الغمة ج ١ ص ٥٢٣.

(١) القاموس ج ٣ ص ٣٣٩.

(٢) في القاموس : قناصة وقنص محركة ابنا معد بن عدنان.

(٣) أمالي الشيخ ص ١٤٤ وذكر البيتين الاربلى في كشف الغمة ج ١ ص ٥٢٨ والقاضي نور الله في مجالسه ج ٢ ص ٥١٣ والأمين في أعيان الشيعة ج ١٢ ص ٢٣٧ وغيرهم.

٣١٦

٨ ـ ك‍ : إكمال الدين ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان بن سليمان عن محمد بن إسماعيل عن حيان السراج قال سمعت السيد ابن محمد الحميري يقول كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي ابن الحنفية رضي الله عنه قد ضللت في ذلك زمانا فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به ـ فقلت له يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليه‌السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن يقع فقال عليه‌السلام ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما قال السيد فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه وقلت قصيدة أولها

فلما رأيت الناس في الدين قد غووا

تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا

تجعفرت باسم الله والله أكبر

وأيقنت أن الله يعفو ويغفر

ودنت بدين غير ما كنت دينا

به ونهاني واحد الناس جعفر

فقلت فهبني قد تهودت برهة

وإلا فديني دين من يتنصر

وإني إلى الرحمن من ذاك تائب

وإني قد أسلمت والله أكبر

فلست بغال ما حييت وراجع

إلى ما عليه كنت أخفي وأظهر

ولا قائلا حي برضوى محمد

وإن عاب جهال مقالي فأكثروا

ولكنه ممن مضى لسبيله

على أفضل الحالات يقفى ويخبر

مع الطيبين الطاهرين الأولى لهم

من المصطفى فرع زكي وعنصر

إلى آخر القصيدة وقلت بعد ذلك :

٣١٧

أيا راكبا نحو المدينة حسرة

عذافرة يطوي بها كل سبسب

إذا ما هداك الله عاينت جعفرا

فقل لولي الله وابن المهذب

ألا يا أمين الله وابن أمينه

أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي

إليك من الأمر الذي كنت مبطنا

أحارب فيه جاهدا كل معرب

وما كان قولي في ابن خولة مطنبا

معاندة مني لنسل المطيب

ولكن روينا عن وصي محمد

وما كان فيما قال بالمتكذب

بأن ولي الله يفقد لا يرى

سنين كفعل الخائف المترقب

فتقسم أموال الفقيد كأنما

تغيبه بين الصفيح المنصب

فيمكث حينا ثم ينبع نبعة

كنبعة جدي من الأفق كوكب

يسير بنصر الله من بيت ربه

على سؤدد منه وأمر مسبب

يسير إلى أعدائه بلوائه

فيقتلهم قتلا كجران مغضب

فلما روي أن ابن خولة غائب

صرفنا إليه قولنا لم نكذب

وقلنا هو المهدي والعالم الذي

يعيش به من عدله كل مجدب

فإذ قلت لا فالحق قولك والذي

أمرت فحتم غير ما متعصب

وأشهد ربي أن قولك حجة

على الناس طرا من مطيع ومذنب

بأن ولي الأمر والعالم الذي

تطلع نفسي نحوه بتطرب

له غيبة لا بد من أن يغيبها

فصلى عليه الله من متغيب

فيمكث حينا ثم يظهر حينه

فيملأ عدلا كل شرق ومغرب

بذاك أدين الله سرا وجهرة

ولست وإن عوتبت فيه بمعتب

وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية (١).

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة ج ١ ص ١١٢ ـ ١١٥ وذكر المرزبانى في أخبار السيد ص ٤٠ طبع النجف الأشرف بيتا من قصيدته الرائية وهو قوله ( تجعفرت باسم الله والله أكبر ـ الخ ) اما ابن المعتز فقد ذكره في طبقاته ص ٧ وزاد عليه قوله :

ويثبت مهما شاء ربى بأمره

و يمحو ويقضى في الأمور ويقدر

٣١٨

٩ ـ شا : الإرشاد وفيه يقول السيد الحميري وقد رجع عن قوله بمذهب الكيسانية لما بلغه إنكار أبي عبد الله عليه‌السلام مقاله ودعاؤه إلى القول بنظام الإمامة ثم ذكر الأبيات مع اختصار (١).

بيان : العذافرة العظيمة الشديدة من الإبل والسبسب المفازة أو الأرض المستوية البعيدة وقال الفيروزآبادي (٢) الصفيح السماء ووجه كل شيء عريض وهنا يحتمل الوجهين وعلى الثاني يكون المراد الحجر الذي يفرش على القبر واللبن التي تنضد على اللحد ويقال جرن جرونا تعود الأمر ومرن وما في قوله غير ما متعصب زائدة وقوله طرا أي جميعا.

١٠ ـ يج : الخرائج والجرائح روي أن الباقر عليه السلام دعا للكميت لما أراد أعداء آل محمد أخذه وإهلاكه وكان متواريا فخرج في ظلمة الليل هاربا وقد أقعدوا على كل طريق جماعة ليأخذوه إذا ما خرج في خفية فلما وصل الكميت إلى الفضاء وأراد أن يسلك طريقا فجاء أسد منعه من أن يسري منها فسلك جانبا آخر فمنعه

__________________

وقصيدته الرائية مشهورة أخرجها أو بعضها كل من أبى جعفر الطبري في بشارة المصطفى ص ٣٤٣ والقاضي نور الله في مجالسه ج ٢ ص ٥٠٦ وصاحب الروضات ص ٢٩ والطبرسي في إعلام الورى ص ٢٧٩ وابن شهرآشوب في المناقب ج ٣ ص ٣٧١ والشيخ المفيد في الفصول المختارة ص ٩٤ طبع النجف الطبعة الأولى.

وأشار الى القصيدة الكشي في رجاله ص ١٨٦ وابن حجر في لسان الميزان ج ١ ص ٤٣٦ والمسعودي في مروج الذهب ج ٢ ص ١٠٢ طبع مصر سنة ١٣٤٦ وأبو الفرج في الأغاني ج ٧ ص ٢٣١ ، وغيرهم.

أما قصيدته البائية فقد ذكرها المرزبانى في أخبار السيد ص ٤٣ وذكر بعضها الاربلى في كشف الغمة ج ٣ ص ٤٥٠ والطبرسي في إعلام الورى ص ٢٧٩ وابن شهرآشوب في المناقب ج ٣ ص ٣٧١ وأبو جعفر الطبري في بشارة المصطفى ص ٣٤٣ وأخرجها عن بعضهم السيد الأمين في الأعيان ج ١٢ ص ١٥٧ والشيخ الامينى في الغدير ج ٢ ص ٢٤٦.

(١) الإرشاد ص ٣٠٣.

(٢) القاموس ج ١ ص ٢٣٤.

٣١٩

منه أيضا وكأنه أشار إلى الكميت أن يسلك خلفه ومضى الأسد في جانب الكميت إلى أن أمن وتخلص من الأعداء وكذلك كان حال

السيد الحميري دعا له الصادق عليه‌السلام لما هرب عن أبويه وقد حرشا السلطان عليه لنصبهما فدله سبع على طريق ونجا منهما (١).

١١ ـ قب : المناقب لابن شهرآشوب داود الرقي بلغ السيد الحميري أنه ذكر عند الصادق عليه‌السلام فقال السيد كافر فأتاه وقال يا سيدي أنا كافر مع شدة حبي لكم ومعاداتي الناس فيكم قال وما ينفعك ذاك وأنت كافر بحجة الدهر والزمان ثم أخذ بيده وأدخله بيتا فإذا في البيت قبر فصلى ركعتين ثم ضرب بيده على القبر فصار القبر قطعا فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته فقال له الصادق عليه‌السلام من أنت قال أنا محمد بن علي المسمى بابن الحنفية فقال فمن أنا قال جعفر بن محمد حجة الدهر والزمان فخرج السيد يقول تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا (٢).

١٢ ـ قب : المناقب لابن شهرآشوب عثمان بن عمر الكواء في خبر أن السيد قال له اخرج إلى باب الدار تصادف غلاما نوبيا على بغلة شهباء معه حنوط وكفن يدفعها إليك قال فخرجت فإذا بالغلام الموصوف فلما رآني قال يا عثمان إن سيدي جعفر بن محمد يقول لك ما آن أن ترجع عن كفرك وضلالك فإن الله عز وجل اطلع عليك فرآك للسيد خادما فانتجبك فخذ في جهازه (٣).

١٣ ـ قب : المناقب لابن شهرآشوب الأغاني قال عباد بن صهيب كنت عند جعفر بن محمد فأتاه نعي السيد فدعا له وترحم عليه فقال له رجل يا ابن رسول الله وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرجعة فقال عليه‌السلام حدثني أبي عن جدي أن محبي آل محمد لا يموتون إلا تائبين وقد تاب ورفع مصلى كان تحته فأخرج كتابا من السيد

__________________

(١) الخرائج والجرائح ص ٢٦٤.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٣٧٠.

(٣) نفس المصدر ج ٣ ص ٣٧٠.

٣٢٠