بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

سلوه أن يستوهب أمته من الله فما أعرف أحدا توسل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده عليهم‌السلام.

قال فرجعنا إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فجعلنا نحدثه بما كان منها فجعل يبكي ويدعو لها ثم قلت ليت شعري متى أرى فرج آل محمد عليه‌السلام قال يا بشار إذا توفي ولي الله وهو الرابع من ولدي في أشد البقاع بين شرار العباد فعند ذلك يصل إلى ولد بني فلان مصيبة سواء فإذا رأيت ذلك التقت حلق البطان ولا مرد لأمر الله.

بيان : المراد ببني فلان بني العباس وكان ابتداء وهي دولتهم عند وفاة أبي الحسن العسكري عليه‌السلام والبطان للقتب الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير ويقال التقت حلقتا البطان للأمر إذا اشتد.

١٠٢ ـ محص : التمحيص عن فرات بن أحنف قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من هؤلاء الملاعين فقال والله لأسوءنه في شيعته فقال يا أبا عبد الله أقبل إلي فلم يقبل إليه فأعاد فلم يقبل إليه ثم أعاد الثالثة فقال ها أنا ذا مقبل فقل ولن تقول خيرا فقال إن شيعتك يشربون النبيذ فقال وما بأس بالنبيذ أخبرني أبي عن جابر بن عبد الله أن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يشربون النبيذ فقال لست أعنيك النبيذ أعنيك المسكر.

فقال شيعتنا أزكى وأطهر من أن يجري للشيطان في أمعائهم رسيس وإن فعل ذلك المخذول منهم فيجد ربا رءوفا ونبيا بالاستغفار له عطوفا ووليا له عند الحوض ولوفا وتكون وأصحابك ببرهوت (١) عطوفا قال فأفحم الرجل وسكت ثم قال لست أعنيك المسكر إنما أعنيك الخمر فقال أبو عبد الله عليه‌السلام سلبك الله لسانك ما لك تؤذينا في شيعتنا منذ اليوم أخبرني أبي عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرئيل

__________________

(١) برهوت : بضم الهاء وسكون الواو وتاء فوقها نقطتان : واد في حضرموت فيه بئر يتصاعد منها لهيب الاسفلت مع صوت الغليان وروائح كريهة ، جاء أن فيه أرواح الكفار.

٣٨١

عن الله تعالى أنه قال يا محمد إنني حظرت الفردوس على جميع النبيين حتى تدخلها أنت وعلي وشيعتكما إلا من اقترف منهم كبيرة فإني أبلوه في ماله أو بخوف من سلطانه حتى تلقاه الملائكة بالروح والريحان وأنا عليه غير غضبان فهل عند أصحابك هؤلاء شيء من هذا.

أقول : روى البرسي في مشارق الأنوار مثله عن أبي الحسن الثاني عليه‌السلام (١).

بيان : الرسيس الشيء الثابت وابتداء الحب ويقال ولف البرق إذا تتابع والولوف البرق المتتابع اللمعان ولا يبعد أن يكون بالكاف من وكف البيت أي قطر قوله عطوفا كذا في النسخة التي عندنا وفي مشارق الأنوار (٢) مكوفا من الكوف بمعنى الجمع وهو الصواب.

١٠٣ ـ ختص : الإختصاص من أصحابه عليه‌السلام عبد الله بن أبي يعفور ـ أبان بن تغلب بكير بن أعين ـ محمد بن مسلم الثقفي محمد بن النعمان (٣).

١٠٤ ـ كا : الكافي العدة عن سهل عن العباس بن عامر عن أبي عبد الرحمن المسعودي عن حفص بن عمر البجلي قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام حالي وانتشار أمري علي قال فقال لي إذا قدمت الكوفة فبع وسادة من بيتك بعشرة دراهم وادع إخوانك وأعد لهم طعاما وسلهم يدعون الله لك قال ففعلت وما أمكنني ذلك حتى بعت وسادة واتخذت طعاما كما أمرني وسألتهم أن يدعوا الله لي قال فو الله ما مكثت إلا قليلا حتى أتاني غريم لي فدق الباب علي وصالحني من مال لي كثير كنت أحسبه نحوا من عشرة آلاف درهم قال ثم أقبلت الأشياء علي (٤).

١٠٥ ـ كا : الكافي علي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله

__________________

(١) مشارق أنوار اليقين ص ٢٢١ بتفاوت.

(٢) نفس المصدر ص ٢٢١ وفيه « واماما له على الحوض عروفا ».

(٣) الاختصاص ص ٨ وليس في المطبوع ذكر أبان بن تغلب مع الجماعة.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣١٤.

٣٨٢

بن حماد عن علي بن أبي حمزة قال : كان لي صديق من كتاب بني أمية فقال لي استأذن لي على أبي عبد الله عليه‌السلام فاستأذنت له فأذن له فلما أن دخل سلم وجلس ثم قال جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا وأغمضت في مطالبه (١) فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لو لا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم قال فقال الفتى جعلت فداك فهل لي مخرج منه قال إن قلت لك تفعل قال أفعل قال فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به وأنا أضمن لك على الله الجنة فأطرق الفتى طويلا ثم قال له قد فعلت جعلت فداك قال ابن أبي حمزة فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئا على وجه الأرض إلا خرج منه حتى ثيابه التي على بدنه قال فقسمت له قسمة واشترينا له ثيابا وبعثنا إليه بنفقة قال فما أتى عليه إلا أشهر قلائل حتى مرض فكنا نعوده قال فدخلت عليه يوما وهو في السوق (٢) قال ففتح عينيه ثم قال يا علي وفى لي والله صاحبك قال ثم مات فتولينا أمره فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فلما نظر إلي قال يا علي وفينا والله لصاحبك قال فقلت له صدقت جعلت فداك هكذا والله قال لي عند موته (٣).

١٠٦ ـ كا : الكافي علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن داود بن زربي قال أخبرني مولى لعلي بن الحسين عليه‌السلام قال : كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله عليه‌السلام الحيرة فأتيته فقلت جعلت فداك لو كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات فقال ما كنت لأفعل قال فانصرفت إلى منزلي فتفكرت

__________________

(١) أغمضت في مطالبه : أى تساهلت في تحصيله ولم أجتنب فيه الحرام والشبهات.

(٢) السوق : هو حالة نزع الروح من الميت.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٠٦.

٣٨٣

فقلت ما أحسبه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور والله لآتينه ولأعطينه الطلاق والعتاق والأيمان المغلظة أن لا أظلم أحدا ولا أجور ولأعدلن قال فأتيته فقلت جعلت فداك إني فكرت في إبائك علي فظننت أنك إنما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم وإن كل امرأة لي طالق وكل مملوك لي حر وعلي وعلي إن ظلمت أحدا أو جرت عليه وإن لم أعدل قال كيف قلت قال فأعدت عليه الأيمان فرفع رأسه إلى السماء فقال تناول السماء أيسر عليك من ذلك (١).

١٠٧ ـ كا : الكافي الحسين بن محمد عن محمد بن أحمد النهدي عن كثير بن يونس عن عبد الرحمن بن سيابة قال : لما أن هلك أبي سيابة جاء رجل من إخوانه إلي فضرب الباب علي فخرجت إليه فعزاني وقال لي هل ترك أبوك شيئا فقلت له لا فدفع إلي كيسا فيه ألف درهم وقال لي أحسن حفظها وكل فضلها فدخلت إلى أمي وأنا فرح فأخبرتها فلما كان بالعشي أتيت صديقا كان لأبي فاشترى لي بضائع سابريا [ سابري ] (٢) وجلست في حانوت فرزق الله عز وجل فيها خيرا وحضر الحج فوقع في قلبي فجئت إلى أمي فقلت لها إنه قد وقع في قلبي أن أخرج إلى مكة فقالت لي فرد دراهم فلان عليه فهيأتها وجئت بها إليه فدفعتها إليه فكأني وهبتها له فقال لعلك استقللتها فأزيدك قلت لا ولكن وقع في قلبي الحج وأحببت أن يكون شيئك عندك ثم خرجت فقضيت نسكي ثم رجعت إلى المدينة فدخلت مع الناس على أبي عبد الله عليه‌السلام وكان يأذن إذنا عاما فجلست في مواخير (٣) الناس وكنت حدثا فأخذ الناس يسألونه ويجيبهم.

فلما خف الناس عنه أشار إلي فدنوت إليه فقال لي ألك حاجة فقلت له جعلت فداك أنا عبد الرحمن بن سيابة فقال ما فعل أبوك فقلت هلك قال فتوجع وترحم قال ثم قال لي أفترك شيئا قلت لا قال فمن أين حججت

__________________

(١) نفس المصدر ج ٥ ص ١٠٧.

(٢) السابرى : ضرب من الثياب الرقاق تعمل بسابور موضع بفارس.

(٣) المواخير : جلس في مواخير الناس أي في مؤخرتهم.

٣٨٤

قال فابتدأت فحدثته بقصة الرجل قال فما تركني أفرغ منها حتى قال لي ـ فما فعلت [ في ] الألف قال قلت رددتها على صاحبها قال فقال لي قد أحسنت وقال لي ألا أوصيك قلت بلى جعلت فداك قال عليك بصدق الحديث وأداء الأمانة تشرك الناس في أموالهم هكذا وجمع بين أصابعه قال فحفظت ذلك عنه فزكيت ثلاثمائة ألف درهم (١).

١٠٨ ـ كا : الكافي العدة عن أحمد بن محمد عن الحجال عن ثعلبة عن سعيد بن عمرو الجعفي قال : خرجت إلى مكة وأنا من أشد الناس حالا فشكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فلما خرجت من عنده وجدت على بابه كيسا فيه سبعمائة دينار فرجعت إليه من فوري ذلك فأخبرته فقال يا سعيد اتق الله وعرفه في المشاهد وكنت رجوت أن يرخص لي فيه فخرجت وأنا مغتم فأتيت منى فتنحيت عن الناس وتقصيت حتى أتيت الماورقة (٢) فنزلت في بيت متنحيا من الناس ثم قلت من يعرف الكيس قال فأول صوت صوته إذا رجل على رأسي يقول أنا صاحب الكيس قال فقلت في نفسي أنت فلا كنت قلت ما علامة الكيس فأخبرني بعلامته فدفعته إليه قال فتنحى ناحية فعدها فإذا الدنانير على حالها ثم عد منها سبعين دينارا فقال خذها حلالا خير من سبعمائة حراما فأخذتها ثم دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فأخبرته كيف تنحيت وكيف صنعت فقال أما إنك حين شكوت إلي أمرنا لك بثلاثين دينارا يا جارية هاتها فأخذتها وأنا من أحسن قومي

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٣٤.

(٢) الماورقة : لم نعثر لهذه الكلمة على معنى مناسب سوى ما يستفاد من السياق من أنها اسم مكان لم نتحقق من موضعه وقد نقل انها وردت بصور مختلفة منها : الماروقة والماقوقة والمأفوقة وقد يكون في الكلمة تصحيف وأن الصواب فيها الماقوفة اسم مفعول من الوقف على غير القياس وأن المراد بها المنازل الموقوفة بمنى لمن لا فسطاط له ، كما ونقل أن في نسخة صحيحة من الكافي « الموقوفة » ومعناها ظاهر يغنى عن البيان.

٣٨٥

حالا (١).

١٠٩ ـ كا : الكافي الحسين عن أحمد بن هلال عن زرعة عن سماعة قال : تعرض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيلي فقالت له إن هذا العمري قد آذاني فقال لها عديه وأدخليه الدهليز فأدخلته فشد عليه فقتله وألقاه في الطريق فاجتمع البكريون والعمريون والعثمانيون وقالوا ما لصاحبنا كفو لن نقتل به إلا جعفر بن محمد وما قتل صاحبنا غيره وكان أبو عبد الله عليه‌السلام قد مضى نحو قباء فلقيته بما اجتمع القوم عليه فقال دعهم قال فلما جاء ورأوه وثبوا عليه وقالوا ما قتل صاحبنا أحد غيرك وما نقتل به أحدا غيرك.

فقال لتكلمني منكم جماعة فاعتزل قوم منهم فأخذ بأيديهم فأدخلهم المسجد فخرجوا وهم يقولون شيخنا أبو عبد الله جعفر بن محمد معاذ الله أن يكون مثله يفعل هذا ولا يأمر به انصرفوا.

قال فمضيت معه فقلت جعلت فداك ما كان أقرب رضاهم من سخط قال نعم دعوتهم فقلت أمسكوا وإلا أخرجت الصحيفة فقلت وما هذه الصحيفة جعلني الله فداك فقال أم الخطاب كانت أمة للزبير بن عبد المطلب فسطر (٢) بها نفيل فأحبلها فطلبه الزبير فخرج هاربا إلى الطائف فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف فقالوا يا أبا عبد الله ما تعمل هاهنا قال جاريتي سطر بها نفيلكم فخرج منه إلى الشام وخرج الزبير في تجارة له إلى الشام فدخل على ملك الدومة (٣) فقال له يا أبا عبد الله لي إليك حاجة قال وما حاجتك أيها الملك فقال رجل

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٣٨ وفيه [ الموقوفة ] مكان [ الماورقة ].

(٢) سطر : بالمهملات : أى زخرف لها الكلام وخدعها ، وفي بعض النسخ شطر بها ـ بالمعجمة ـ أى قصد قصدها ومن المحتمل قويا تصحيف الكلمة وصوابها « فسطا بها » من السطو بمعنى الوثوب عليها والقهر لها.

(٣) الدومة : بالضم وقد تفتح هي دومة الجندل ، قيل هي من أعمال المدينة حصن على سبعة مراحل من دمشق ، بينها وبين المدينة.

٣٨٦

من أهلك قد أخذت ولده فأحب أن ترده عليه قال ليظهر لي حتى أعرفه فلما أن كان من الغد دخل إلى الملك فلما رآه الملك ضحك فقال ما يضحكك أيها الملك قال ما أظن هذا الرجل ولدته عربية لما رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط فقال أيها الملك إذا صرت إلى مكة قضيت حاجتك فلما قدم الزبير تحمل [ عليه ] ببطون قريش كلها أن يدفع إليه ابنه فأبى ثم تحمل عليه بعبد المطلب فقال ما بيني وبينه عمل أما علمتم ما فعل في ابني فلان ولكن امضوا أنتم إليه فقصدوه وكلموه فقال لهم الزبير إن الشيطان له دولة وإن ابن هذا ابن الشيطان ولست آمن أن يترأس علينا ولكن أدخلوه من باب المسجد علي على أن أحمي له حديدة وأخط في وجهه خطوطا وأكتب عليه وعلى ابنه أن لا يتصدر في مجلس ولا يتأمر على أولادنا ولا يضرب معنا بسهم قال ففعلوا وخط وجهه بالحديدة وكتب عليه الكتاب وذلك الكتاب عندنا فقلت لهم إن أمسكتم وإلا أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم فأمسكوا.

وتوفي مولى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخلف وارثا فخاصم فيه ولد العباس أبا عبد الله عليه‌السلام وكان هشام بن عبد الملك قد حج في تلك السنة فجلس لهم فقال داود بن علي الولاء لنا وقال أبو عبد الله عليه‌السلام بل الولاء لي فقال داود بن علي إن أباك قاتل معاوية فقال إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظ أبيك فيه الأوفر ثم فر بجنايته (١) وقال والله لأطوقنك غدا طوق الحمامة فقال له داود بن

__________________

(١) هذا الحديث من حديث الغالية ، ويكفى في الاعراض عنه ان في طريقه أحمد ابن هلال وهو العبرتائى الذي وصفه الشيخ بانه كان غاليا متهما في دينه ، وقال فيه العلامة :

ورد فيه ذموم عن سيدنا أبى محمد العسكري عليه‌السلام ، وقال الميرزا محمد في رجاله الكبير : وعندي ان روايته غير مقبولة.

هذا من جهة السند ، واما نسبة الخيانة الى حبر الأمة عبد الله بن عباس ( رض ) فهى من أحاديث الوضاعين وقد اشترك في تركيزها عدة عوامل أهمها سلطان بنى أمية بادئ الامر وخصوم بني العباس أخيرا ، وقد استعرضنا في كتابنا الكبير في حياة عبد الله بن عباس ( رض ) في الجزء الرابع منه جميع النقود التي طعن بها في ساحة ابن عباس ( رض ) ومنها ـ وهو أهمها ـ حديث الخيانة المزعوم ، وقد ذكرنا صوره وأدلة القائلين به ، وناقشناه من حيث السند والدلالة مضافا الى ما ذكرناه من مكانة الحبر ابن عباس ( رض ) عند أئمة أهل البيت من معاصريه ، وشيعتهم ، وغير ذلك مما يكذب الحديث المزعوم ويبرى ساحة ذلك الحبر الجليل ، واسأل الله أن يوفقنا لطبعه ونشره ليعم نفعه.

٣٨٧

علي كلامك هذا أهون علي من بعرة في وادي الأزرق (١) فقال أما إنه واد ليس لك ولا لأبيك فيه حق قال فقال هشام إذا كان غدا جلست لكم فلما أن كان من الغد خرج أبو عبد الله عليه‌السلام ومعه كتاب في كرباسة وجلس لهم هشام فوضع أبو عبد الله عليه‌السلام الكتاب بين يديه فلما قرأه قال ادعوا إلي جندل الخزاعي وعكاشة الضميري وكانا شيخين قد أدركا الجاهلية فرمى الكتاب إليهما فقال تعرفان هذه الخطوط قالا نعم هذا خط العاص بن أمية وهذا خط فلان وفلان لفلان من قريش وهذا خط حرب بن أمية فقال هشام يا أبا عبد الله أرى خطوط أجدادي عندكم فقال نعم قال قد قضيت بالولاء لك قال فخرج وهو يقول

إن عادت العقرب عدنا لها

وكانت النعل لها حاضرة(٢)

__________________

(١) وادى الأزرق : بالحجاز.

(٢) هذا البيت من أبيات للفضل بن العباس بن عتبة اللهبى قالها في رجل من بني كنانة يقال له عقرب بن أبي عقرب وكان تاجرا حناطا وهو شديد المطل حتى ضرب المثل بمطله فقيل ( أمطل من عقرب ) فداين الفضل اللهبى وكان شديد الاقتضاء ، فمطله عقرب ثم مر به الفضل وهو يبيع حنطة له ويقول :

جاءت به ضابطة التجار

ضافية كقطع الاوتار

فقال الفضل يهجوه :

قد تجرت عقرب في سوقنا

يا عجبا للعقرب التاجرة

قد صافت العقرب واستيقنت

أن ما لها دنيا ولا آخرة

ان عادت العقرب عدنا لها

وكانت النعل لها حاضرة

ان عدوا كيده في استه

لغير ذى كيد ولا ثائرة

كل عدو يتقى مقبلا

وعقرب تخشى من الدابرة

كأنها اذ خرجت هودج

سدت كواه رقعة بائرة

لاحظ الأغاني ج ١٥ ص ٧ طبع الساسى ، والامثال للميدانى ص ١٣٣ طبع البهية بميدان الازهر بمصر ، وحياة الحيوان للدميرى طبع ايران مادة « عقرب » الامثال.

٣٨٨

قال : فقلت : ما هذا الكتاب جعلت فداك قال فإن نثيلة كانت أمة لأم الزبير ولأبي طالب وعبد الله فأخذها عبد المطلب فأولدها فلانا فقال له الزبير هذه الجارية ورثناها من أمنا وابنك هذا عبد لنا فتحمل عليه ببطون قريش قال فقال قد أجبتك على خلة على أن لا يتصدر ابنك هذا في مجلس ولا يضرب معنا بسهم فكتب عليه كتابا وأشهد عليه فهو هذا الكتاب (١).

أقول : قد مضى شرح الخبر في كتاب الفتن وسيأتي أحوال هشام بن الحكم في باب مفرد وقد مضى أحوال الهشامين في باب نفي الجسم والصورة وأحوال جماعة من أصحابه في باب مكارم أخلاقه ع.

١١٠ ـ ختص : الإختصاص ابن الوليد عن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير أن هشام بن سالم قال له ما اختلفت أنا وزرارة قط فأتينا محمد بن مسلم فسألناه عن ذلك إلا قال لنا قال أبو جعفر عليه‌السلام فيها كذا وكذا وقال أبو عبد الله عليه‌السلام فيها كذا وكذا (٢).

١١١ ـ ختص : الإختصاص ابن قولويه عن جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه قال : سألت عبد الله بن محمد بن خالد عن محمد بن مسلم قال كان رجلا شريفا موسرا فقال له أبو جعفر تواضع يا محمد فلما انصرف إلى الكوفة أخذ قوسرة من تمر مع الميزان وجلس على باب مسجد الجامع وجعل ينادي عليه فأتاه قومه فقالوا له فضحتنا فقال إن مولاي أمرني بأمر فلن أخالفه ولن أبرح حتى أفرغ من بيع ما في هذه القوسرة فقال له قومه أما إذ أبيت إلا أن تشتغل ببيع وشرى فاقعد في الطحانين

__________________

(١) الكافي ج ٨ ص ٢٥٨.

(٢) الاختصاص ص ٥٣.

٣٨٩

فقعد في الطحانين فهيأ رحى وجملا وجعل يطحن وذكر أبو محمد عبد الله بن محمد بن خالد البرقي أنه كان مشهورا في العبادة وكان من العباد في زمانه (١).

١١٢ ـ ختص : الإختصاص ابن الوليد عن الصفار عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ما أحد أحيا ذكرنا وأحاديث أبي إلا زرارة وأبو بصير المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية ولو لا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هدى هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا وفي الآخرة (٢).

١١٣ ـ ختص : الإختصاص ابن الوليد عن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام رحم الله زرارة بن أعين لو لا زرارة لاندرست أحاديث أبي (٣).

١١٤ ـ ختص : الإختصاص ابن الوليد عن ابن متيل عن النهاوندي عن أحمد بن سليمان الديلمي عن أبيه عن أبي بصير قال : أتيت أبا عبد الله عليه‌السلام بعد أن كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي مع أني لست أرى ما أصبر [ أصير ] إليه في آخرتي فقال يا أبا محمد إنك لتقول هذا القول فقلت جعلت فداك كيف لا أقوله فقال أما علمت أن الله تبارك وتعالى يكرم الشباب منكم ويستحيي من الكهول قلت جعلت فداك كيف يكرم الشباب منا ويستحيي من الكهول قال يكرم الشباب منكم أن يعذبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فإنا قد نبزنا نبزا انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت به الولاة دماءنا في حديث رواه فقهاؤهم هؤلاء قال فقال الرافضة قلت نعم.

__________________

(١) الاختصاص ص ٥١ وأخرجه الكشي في رجاله ص ١١٠.

(٢) نفس المصدر ص ٦٦ وأخرجه الكشي في رجاله ص ٩٠.

(٣) المصدر السابق ص ٦٦ وأخرجه الكشي في رجاله ص ٩٠.

٣٩٠

قال : فقال : والله ما هم سموكم بل الله سماكم أما علمت أنه كان مع فرعون سبعون رجلا من بني إسرائيل يدينون بدينه فلما استبان لهم ضلال فرعون وهدى موسى رفضوا فرعون ولحقوا موسى وكانوا في عسكر موسى أشد أهل ذلك العسكر عبادة وأشدهم اجتهادا إلا أنهم رفضوا فرعون فأوحى الله إلى موسى أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد نحلتهم ثم ذخر الله هذا الاسم حتى سماكم به إذ رفضتم فرعون وهامان وجنودهما واتبعتم محمدا وآل محمد يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني.

فقال : افترق الناس كل فرقة واستشيعوا كل شيعة فاستشيعتم مع أهل بيت نبيكم فذهبتم حيث ذهب الله واخترتم ما اختار الله وأحببتم من أحب الله وأردتم من أراد الله فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم من لم يلق الله بمثل ما أنتم عليه لم يتقبل الله منه حسنة ولم يتجاوز عنه سيئة يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني.

فقال : إن الله وملائكته يسقطون الذنوب من ظهور شيعتنا كما تسقط الريح الورق عن الشجر في أوان سقوطه وذلك قول الله « وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ » (١) فاستغفارهم والله لكم دون هذا العالم فهل سررتك يا أبا محمد قال قلت جعلت فداك زدني.

فقال : لقد ذكركم الله في كتابه فقال : « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » (٢) والله ما عنى غيركم إذ وفيتم بما أخذ عليكم ميثاقكم من ولايتنا إذ لم تبدلوا بنا غيرنا ولو فعلتم لعيركم الله كما عير غيركم في كتابه إذ يقول : « وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية : ٣.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية : ٢٣.

٣٩١

عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ » (١) فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني.

قال لقد ذكركم الله في كتابه فقال : « الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ » (٢) فالخلق والله أعداء غيرنا وشيعتنا وما عنى بالمتقين غيرنا وغير شيعتنا فهل سررتك يا أبا محمد؟.

قال : قلت : جعلت فداك زدني فقال لقد ذكركم الله في كتابه فقال : « وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » (٣) ـ فمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله النبيين ونحن الصديقين والشهداء وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله فو الله ما عنى غيركم فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني.

فقال لقد جمعنا الله وولينا وعدونا في آية من كتابه فقال قل يا محمد « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ » (٤) فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال ذكركم الله في كتابه فقال : « ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ » (٥) فأنتم في النار تطلبون وفي الجنة والله تحبرون فهل سررتك يا أبا محمد قال قلت جعلت فداك زدني.

قال : فقال : لقد ذكركم الله في كتابه فأعاذكم من الشيطان فقال : « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ » (٦) والله ما عنى غيرنا وغير شيعتنا فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال والله لقد ذكركم الله في كتابه فأوجب لكم

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٠٢.

(٢) سورة الزخرف ، الآية : ٦٧.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٧١.

(٤) سورة الزمر ، الآية : ٩.

(٥) سورة ص ؛ الآية : ٦٢.

(٦) سورة الحجر ، الآية : ٤٢.

٣٩٢

المغفرة فقال : « يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً » (١) قال يا أبا محمد فإذا غفر الله الذنوب جميعا فمن يعذب والله ما عنى غيرنا وغير شيعتنا وإنها لخاصة لنا ولكم فهل سررتك؟

قال قلت جعلت فداك زدني قال والله ما استثنى الله أحدا من الأوصياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين وشيعته إذ يقول « يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ » (٢) والله ما عنى بالرحمة غير أمير المؤمنين وشيعته فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال فقال علي بن الحسين عليه‌السلام ليس على فطرة الإسلام غيرنا وغير شيعتنا وسائر الناس من ذلك براء (٣).

١١٥ ـ ختص : الإختصاص أحمد بن محمد بن يحيى عن عبد الله الحميري عن أحمد بن هلال عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة قال : شهد أبو كدينة الأزدي ومحمد بن مسلم الثقفي عند شريك بشهادة وهو قاض ونظر في وجههما مليا ثم قال جعفريين فاطميين فبكيا فقال لهما ما يبكيكما فقالا نسبتنا إلى أقوام لا يرضون بأمثالنا أن نكون من إخوانهم لما يرون من سخف ورعنا ونسبتنا إلى رجل لا يرضى بأمثالنا أن نكون من شيعته فإن تفضل وقبلنا فله المن علينا والفضل قديما فينا فتبسم شريك ثم قال إذا كانت الرجال فلتكن أمثالكم يا وليد أجزهما هذه المرة ولا يعودا قال فحججنا فخبرنا أبا عبد الله عليه‌السلام بالقصة فقال وما لشريك شركه الله يوم القيامة بشراكين من نار (٤).

١١٦ ـ ختص : الإختصاص أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال : أقام محمد بن مسلم أربع سنين بالمدينة

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية : ٥٣.

(٢) سورة الدخان ، الآية ٤٢ ـ ٤٣.

(٣) الاختصاص ص ١٠٤ وأخرجه الكليني في الروضة ص ٣٣ بتفاوت بين الجميع.

(٤) نفس المصدر ص ٢٠٢ وأخرجه الكشي في رجاله ص ١٠٨.

٣٩٣

يدخل على أبي جعفر عليه‌السلام يسأله ثم كان يدخل على أبي عبد الله عليه‌السلام يسأله قال ابن أبي عمير سمعت عبد الرحمن بن الحجاج وحماد بن عثمان يقولان ما كان أحد من الشيعة أفقه من محمد بن مسلم (١).

١١٧ ـ ختص : الإختصاص أبو جعفر الأحول محمد بن النعمان مؤمن الطاق مولى لبجيلة وكان صيرفيا ولقبه الناس شيطان الطاق وذلك أنهم شكوا في درهم فعرضوه عليه فقال لهم ستوق (٢) فقالوا ما هو إلا شيطان الطاق وأصحابنا يلقبونه مؤمن الطاق كان من متكلمي الشيعة مدحه أبو عبد الله عليه‌السلام على ذلك (٣).

١١٨ ـ ختص : الإختصاص ذكر أبو النصر محمد بن مسعود أن ابن مسكان كان لا يدخل على أبي عبد الله عليه‌السلام شفقة أن لا يوفيه حق إجلاله فكان يسمع من أصحابه ويأبى أن يدخل عليه إجلالا له وإعظاما له عليه‌السلام وذكر يونس بن عبد الرحمن أن ابن مسكان كان رجلا مؤمنا وكان يتلقى أصحابه إذا قدموا فيأخذ ما عندهم (٤).

١١٩ ـ ختص : الإختصاص حريز بن عبد الله انتقل إلى سجستان وقتل بها وكان سبب قتله أن كان له أصحاب يقولون بمقالته وكان الغالب على سجستان الشراة (٥) وكان أصحاب حريز يسمعون منهم ثلب أمير المؤمنين عليه‌السلام وسبه فيخبرون حريزا ويستأمرونه في قتل من يسمعون منه ذلك فأذن لهم فلا يزال الشراة يجدون منهم القتيل بعد القتيل فلا يتوهمون على الشيعة لقلة عددهم ويطالبون المرجئة ويقاتلونهم فلا يزال الأمر هكذا حتى وقفوا عليه فطلبوهم فاجتمع أصحاب حريز إلى حريز

__________________

(١) المصدر السابق ص ٢٠٣ وأخرجه الكشي في رجاله ص ١١١.

(٢) ستوق : درهم زيف ملبس بالفضة.

(٣) الاختصاص ص ٢٠٤ وأخرجه الكشي في رجاله ص ١٢٢.

(٤) نفس المصدر ص ٢٠٧ وأخرجه الكشي في رجاله ص ٢٤٣.

(٥) الشراة : هم الخوارج سموا بذلك لقولهم شرينا أنفسنا في طاعة الله.

٣٩٤

في المسجد فعرقبوا (١) عليهم المسجد وقلبوا أرضه رحمهم الله (٢).

١٢٠ ـ ختص : الإختصاص محمد بن علي عن ابن المتوكل عن علي بن إبراهيم عن اليقطيني عن أبي أحمد الأزدي عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام إذ دخل المفضل بن عمر فلما بصر به ضحك إليه ثم قال إلي يا مفضل فو ربي إني لأحبك وأحب من يحبك يا مفضل لو عرف جميع أصحابي ما تعرف ما اختلف اثنان فقال له المفضل يا ابن رسول الله لقد حسبت أن أكون قد أنزلت فوق منزلتي فقال عليه‌السلام بل أنزلت المنزلة التي أنزلك الله بها فقال ـ يا ابن رسول الله فما منزلة جابر بن يزيد منكم قال منزلة سلمان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فما منزلة داود بن كثير الرقي منكم قال منزلة المقداد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال : ثم أقبل علي فقال : يا عبد الله بن الفضل إن الله تبارك وتعالى خلقنا من نور عظمته وصنعنا برحمته وخلق أرواحكم منا فنحن نحن إليكم وأنتم تحنون إلينا والله لو جهد أهل المشرق والمغرب أن يزيدوا في شيعتنا رجلا وينقصوا منهم رجلا ما قدروا على ذلك وإنهم لمكتوبون عندنا بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم وأنسابهم يا عبد الله بن الفضل ولو شئت لأريتك اسمك في صحيفتنا قال ثم دعا بصحيفة فنشرها فوجدتها بيضاء ليس فيها أثر الكتابة فقلت يا ابن رسول الله ما أرى فيها أثر الكتابة قال فمسح يده عليها فوجدتها مكتوبة ووجدت في أسفلها اسمي فسجدت لله شكرا (٣).

__________________

(١) عرقبوا عليهم المسجد : أى هدموه عليهم من قواعده أخذا من قولهم عرقب الفرس ضربه على قوائمه.

(٢) الاختصاص ص ٢٠٧ وأخرجه الكشي في رجاله ص ٢٤٤.

(٣) نفس المصدر ص ٢١٦ وأخرجه الكشي في رجاله ص ١٠٨.

٣٩٥

١٢

(باب)

*(مناظرات أصحابه عليه‌السلام مع المخالفين)*

١ ـ ج : الإحتجاج البرقي عن أبيه عن شريك بن عبد الله عن الأعمش قال : اجتمعت الشيعة والمحكمة عند أبي نعيم النخعي بالكوفة وأبو جعفر محمد بن النعمان مؤمن الطاق حاضر فقال ابن أبي خدرة أنا أقرر معكم أيتها الشيعة أن أبا بكر أفضل من علي وجميع أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأربع خصال ـ لا يقدر على دفعها أحد من الناس هو ثان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته مدفون وهو ثاني اثنين معه في الغار وهو ثاني اثنين صلى بالناس آخر صلاة قبض بعدها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ثاني اثنين الصديق من الأمة قال أبو جعفر مؤمن الطاق رحمة الله عليه يا ابن أبي خدرة وأنا أقرر معك أن عليا عليه‌السلام أفضل من أبي بكر وجميع أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الخصال التي وصفتها وإنها مثلبة لصاحبك وألزمك طاعة علي صلى الله عليه من ثلاث جهات من القرآن وصفا ومن خبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصا ومن حجة العقل اعتبارا ووقع الاتفاق على إبراهيم النخعي وعلى أبي إسحاق السبيعي وعلى سليمان بن مهران الأعمش.

فقال أبو جعفر مؤمن الطاق أخبرني يا ابن أبي خدرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أترك بيوته التي أضافها الله إليه ونهى الناس عن دخولها إلا بإذنه ميراثا لأهله وولده أو تركها صدقة على جميع المسلمين قل ما شئت فانقطع ابن أبي خدرة لما أورد عليه ذلك وعرف خطأ ما فيه فقال أبو جعفر مؤمن الطاق إن تركها ميراثا لولده وأزواجه فإنه قبض عن تسع نسوة وإنما لعائشة بنت أبي بكر تسع ثمن هذا

٣٩٦

البيت الذي دفن فيه صاحبك ولم يصبها من البيت ذراع في ذراع وإن كان صدقة فالبلية أطم وأعظم فإنه لم يصب له من البيت إلا ما لأدنى رجل من المسلمين فدخول بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بغير إذنه في حياته وبعد وفاته معصية إلا لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وولده فإن الله أحل لهم ما أحل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم قال إنكم تعلمون أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بسد أبواب جميع الناس التي كانت مشرعه إلى المسجد ما خلا باب علي عليه‌السلام فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأبى عليه وغضب عمه العباس من ذلك فخطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خطبة وقال إن الله تبارك وتعالى أمر لموسى وهارون : « أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً » وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء إلا موسى وهارون وذريتهما وإن عليا مني هو بمنزلة هارون من موسى وذريته كذرية هارون ولا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يبيت فيه جنبا إلا علي وذريته عليه‌السلام فقالوا بأجمعهم كذلك كان.

قال أبو جعفر ذهب ربع دينك يا ابن أبي خدرة وهذه منقبة لصاحبي ليس لأحد مثلها ومثلبة لصاحبك وأما قولك « ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ » أخبرني هل أنزل الله سكينته على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى المؤمنين في غير الغار قال ابن أبي خدرة نعم قال أبو جعفر فقد أخرج صاحبك في الغار من السكينة وخصه بالحزن ومكان علي عليه‌السلام في هذه الليلة على فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك في الغار فقال الناس صدقت فقال أبو جعفر يا ابن أبي خدرة ذهب نصف دينك وأما قولك ثاني اثنين الصديق من الأمة أوجب الله على صاحبك الاستغفار لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام في قوله عز وجل : « وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ » (١) إلى آخر الآية والذي ادعيت إنما هو شيء سماه الناس ومن

__________________

(١) الحشر : ١١.

٣٩٧

سماه القرآن وشهد له بالصدق والتصديق أولى به ممن سماه الناس وقد قال علي عليه‌السلام على منبر البصرة أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن آمن أبو بكر وصدقت قبله قال الناس صدقت.

قال أبو جعفر مؤمن الطاق يا ابن أبي خدرة ذهب ثلاث أرباع دينك وأما قولك في الصلاة بالناس كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تقم له وإنما إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة فلو كان ذلك بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما عزله عن تلك الصلاة بعينها أما علمت أنه لما تقدم أبو بكر ليصلي بالناس خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتقدم وصلى بالناس وعزله عنها ولا تخلو هذه الصلاة من أحد وجهين إما أن تكون حيلة وقعت منه فلما حس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك خرج مبادرا مع علته فنحاه عنها لكي لا يحتج بعده على أمته فيكونوا في ذلك معذورين وإما أن يكون هو الذي أمره بذلك وكان ذلك مفوضا إليه كما في قصة تبليغ براءة فنزل جبرئيل عليه‌السلام وقال لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فبعث عليا عليه‌السلام في طلبه وأخذها منه وعزله عنها وعن تبليغها فكذلك كانت قصة الصلاة وفي الحالتين هو مذموم لأنه كشف عنه ما كان مستورا عليه وذلك دليل واضح لأنه لا يصلح للاستخلاف بعده ولا هو مأمون على شيء من أمر الدين فقال الناس صدقت.

قال أبو جعفر مؤمن الطاق يا ابن أبي خدرة ذهب دينك كله وفضحت حيث مدحت فقال الناس لأبي جعفر هات حجتك فيما ادعيت من طاعة علي عليه‌السلام فقال أبو جعفر مؤمن الطاق :

أما من القرآن وصفا فقوله عز وجل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » (١) فوجدنا عليا عليه‌السلام بهذه الصفة في القرآن في قوله عز وجل : « وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ » (٢) يعني في الحرب والتعب « أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » فوقع الإجماع من الأمة بأن عليا

__________________

(١) براءة ١١٩.

(٢) البقرة : ١٧٧.

٣٩٨

عليه‌السلام أولى بهذا الأمر من غيره لأنه لم يفر عن زحف قط كما فر غيره في غير موضع فقال الناس صدقت.

وأما الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصا فقال إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ومن تقدمها مرق ومن لزمها لحق فالمتمسك بأهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هاد مهتد بشهادة من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والمتمسك بغيرهم ضال مضل قال الناس صدقت يا أبا جعفر.

وأما من حجة العقل فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم ووجدنا الإجماع قد وقع على علي عليه‌السلام أنه كان أعلم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان جميع الناس يسألونه ويحتاجون إليه وكان علي عليه‌السلام مستغنيا عنهم هذا من الشاهد والدليل عليه من القرآن قوله عز وجل : « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (١) فما اتفق يوم أحسن منه ودخل في هذا الأمر عالم كثير.

وقد كانت لأبي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة فمن ذلك ما روي أنه قال يوما من الأيام لمؤمن الطاق إنكم تقولون بالرجعة قال نعم قال أبو حنيفة فأعطني الآن ألف درهم حتى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا قال الطاقي لأبي حنيفة فأعطني كفيلا بأنك ترجع إنسانا ولا ترجع خنزيراً.

وقال له يوما آخر لم لم يطالب علي بن أبي طالب بحقه بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن كان له حق فأجابه مؤمن الطاق فقال خاف أن تقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة.

وكان أبو حنيفة يوما آخر يتماشى مع مؤمن الطاق في سكة من سكك الكوفة إذا بمناد ينادي من يدلني على صبي ضال فقال مؤمن الطاق أما الصبي

__________________

(١) يونس : ٣٥.

٣٩٩

الضال فلم نره وإن أردت شيخا ضالا فخذ هذا عنى به أبا حنيفة.

ولما مات الصادق عليه‌السلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له مات إمامك قال نعم أما إمامك فـ « مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ » (١).

٢ ـ ج : الإحتجاج إنه مر فضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه فقال لصاحب كان معه والله لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة فقال صاحبه الذي كان معه إن أبا حنيفة ممن قد علت حالته وظهرت حجته قال مه هل رأيت حجة ضال علت على حجة مؤمن ثم دنا منه فسلم عليه فردها ورد القوم السلام بأجمعهم فقال يا أبا حنيفة إن أخا لي يقول إن خير الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأنا أقول أبو بكر خير الناس وبعده عمر فما تقول أنت رحمك الله فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال كفى بمكانهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كرما وفخرا أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره فأي حجة تريد أوضح من هذا فقال له فضال إني قد قلت ذلك لأخي فقال والله لئن كان الموضع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا في هبتهما ونسيا عهدهما.

فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال له لم يكن له ولا لهما خاصة ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما فقال له فضال قد قلت له ذلك فقال أنت تعلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مات عن تسع نساء ونظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك وبعد ذلك فما بال عائشة وحفصة يرثان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة بنته تمنع الميراث فقال أبو حنيفة يا قوم نحوه عني فإنه رافضي خبيث (٢).

__________________

(١) الاحتجاج ص ٢٠٥.

(٢) نفس المصدر ص ٢٠٧.

٤٠٠