بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أنا ابن ضبعان الكريم المفضل

من عصبة يبرون من دين علي

كذاك كانوا في الزمان الأول.

فخرج إليه الأحوص بن شداد الهمداني وهو يقول :

أنا ابن شداد على دين علي

لست لعثمان بن أروى بولي

لأصلين القوم فيمن يصطلي

بحر نار الحرب حتى تنجلي

فقال للشامي ما اسمك قال منازل الأبطال قال له الأحوص وأنا مقرب الآجال ثم حمل عليه وضربه فسقط قتيلا ثم نادى هل من مبارز فخرج إليه داود الدمشقي وهو يقول :

أنا ابن من قاتل في صفينا

قتال قرن لم يكن غبينا

بل كان فيها بطلا جرونا

مجربا لدى الوغى كمينا

فأجابه الأحوص يقول :

يا ابن الذي قاتل في صفينا

ولم يكن في دينه غبينا

كذبت قد كان بها مغبونا

مذبذبا في أمره مفتونا

لا يعرف الحق ولا اليقينا

بؤسا له لقد مضى ملعونا.

ثم التقيا فضربه الأحوص فقتله ثم عاد إلى صفه وخرج الحصين بن نمير السكوني وهو يقول :

يا قادة الكوفة أهل المنكر

وشيعة المختار وابن الأشتر

هل فيكم قوم كريم العنصر

مهذب في قومه بمفخر

يبرز نحوي قاصدا لا يمتري

فخرج إليه شريك بن خزيم (١) التغلبي وهو يقول :

يا قاتل الشيخ الكريم الأزهر

بكربلاء يوم التقاء العسكر

أعني حسينا ذا الثنا والمخفر (٢)

وابن النبي الطاهر المطهر

__________________

(١) وقيل : شريك بن حدير ، وقيل حذيم.

(٢) وفي رواية : اعنى حسينا ذا السنا والمفخر.

٣٨١

وابن علي البطل المظفر

هذا فخذها من هزبر قسور

ضربة قوم ربعي مضري.

فالتقيا بضربتين فجدله التغلبي صريعا فدخل على أهل الشام من أهل العراق مدخل عظيم.

ثم تقدم إبراهيم ونادى ألا يا شرط الله ألا يا شيعة الحق ألا يا أنصار الدين قاتلوا المحلين وأولاد القاسطين لا تطلبوا أثرا بعد عين هذا عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ثم حمل على أهل الشام وضرب فيهم بسيفه وهو يقول :

قد علمت مذحج علما لا خطل

أني إذا القرن لقيني لا وكل

ولا جزوع عندها ولا نكل

أروع مقداما إذا النكس فشل

أضرب في القوم إذا جاء الأجل

واعتلى رأس الطرماح البطل

بالذكر البتار حتى ينجدل.

وحمل أهل العراق معه واختلطوا وتقدمت رايتهم وشبت فيهم نار الحرب ودهمهم العسكر بجناحيه والقلب إلى أن صلوا بالإيماء والتكبير صلاة الظهر واشتغلوا بالقتال إلى أن تحلى صدر الدجى بالأنجم الأزهر وزحف عليهم عسكر العراق فرحا بالمصاع وحرصا على القراع ووثوقا بما وعدهم الله به من النصر وحسن الدفاع وانقضوا عليهم انقضاض العقبان على الرخم وجالوا فيهم جولان السرحان على الغنم وعركوهم عرك الأديم ودحوا بهم إلى عذاب الجحيم وأذاقوهم أسنة الرماح النازعة للمهج والأرواح فلم تزل الحرب قائمة والسيوف لأجسادهم منتهبة فولى عسكر الشام مكسورا عليه ذلة الخائب الخجل وارتياع الخائف الوجل وعسكر العراق منصورا وعلى وجههم مسحة المسرور الثمل وتبعوهم إلى متون النجاد وبطون الوهاد والنبل ينزل عليهم كصيب العهاد.

ثم انجلت الحرب وقد قتل أعيان أهل الشام مثل الحصين بن نمير وشراحبيل بن ذي الكلاع وابن حوشب وغالب الباهلي وأبي أشرس بن عبد الله الذي كان على خراسان وحاز إبراهيم ره فضيلة هذا الفتح وعاقبة هذا المنح الذي انتشر في الأقطار ودام دوام الأعصار ولقد أحسن عبد الله بن الزبير

٣٨٢

الأسدي يمدح إبراهيم الأشتر فقال :

الله أعطاك المهابة والتقى

وأحل بيتك في العديد الأكثر

وأقر عينك يوم وقعة خازر

والخيل تعثر في القنا المتكسر

من ظالمين كفتهم أيامهم

تركوا لحاجلة وطير أعثر

ما كان أجرأهم جزاهم ربهم

يوم الحساب على ارتكاب المنكر

قال الرواة رأينا إبراهيم بعد ما انكسر العسكر وانكسف العثير قوما منهم ثبتوا وصبروا وقاتلوا فلقطهم من صهوات الخيل وقذفهم في لهوات الليل حتى صبغت الأرض من دمائهم ثيابا حمرا وملأ الفجاج ببأسه ذعرا وتساقطت النسور على النسور وأهوت العقبان على أجسادهم وهي كالعقيق المنثور واصطلح على أكل لحمهم الذئب والسبع والسيد والضبع.

قال إبراهيم وأقبل رجل أحمر في كبكبة يغري الناس كأنه بغل أقمر لا يدنو منه فارس إلا صرعه ولا كمي إلا قطعه فدنا مني فضربت يده فأبنتها وسقط على شاطئ الخازر فشرقت يداه وغربت رجلاه فقتلته ووجدت رائحة المسك تفوح منه وجاء رجل نزع خفيه وظنوا أنه ابن زياد من غير تحقيق فطلبوه فإذا هو على ما وصف إبراهيم فاجتزوا رأسه واحتفظوا طول الليل بجسده فلما أصبحوا عرفه مهران مولى زياد فلما رآه إبراهيم قال الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي وقتل في صفر وقال قوم من أصحاب الحديث يوم عاشوراء وعمره دون الأربعين وقيل تسع وثلاثون سنة وأصبح الناس فحووا ما كان وغنموا غنيمة عظيمة ولقد أجاد أبو السفاح الزبيدي بمدحته إبراهيم وهجائه ابن زياد فقال :

أتاكم غلام من عرانين مذحج

جريء على الأعداء غير نكول

أتاه عبيد الله في شر عصبة

من الشام لما أرضيوا بقليل

فلما التقى الجمعان في حومة الوغى

وللموت فيهم ثم جر ذيول

فأصبحت قد ودعت هندا وأصبحت

مولهة ما وجدها بقليل

وأخلق بهند أن تساق سبية

لها من أبي إسحاق سر حليل

٣٨٣

تولى عبيد الله خوفا من الردى

وخشية ماضي الشفرتين صقيل

جزى الله خيرا شرطة الله إنهم

شفوا بعبيد الله كل غليل

يعني بقوله هند بنت أسماء بن خارجة زوجة عبيد الله لما قتل حملها عتبة أخوها إلى الكوفة وبقوله أبي إسحاق هو المختار.

وهرب غلام لعبيد الله إلى الشام فسأله عبد الملك بن مروان عنه قال لما جال الناس تقدم فقاتل ثم قال ايتني بجرة فيها ماء فأتيته فشرب وصب الماء بين درعه وجسده وصب على ناصية فرسه ثم حمل فهذا آخر عهدي به.

قال يزيد بن مفرغ (١) يهجو ابن زياد :

إن المنايا إذا حاولن طاغية

هتكن عنه ستورا بعد أبواب

إن الذي عاش غدارا بذمته

ومات هزلا قتيل الله بالراب (٢)

ما شق جيب ولا ناحتك ناحية

ولا بكتك جياد عند أسلاب

هلا جموع نزار إذ لقيتهم

كنت امرأ من نزار غير مرتاب

أو حمير كنت قيلا من ذوي يمن

أن المقاويل في ملك وأحباب

وكان المختار قد سار من الكوفة يتطلع أحوال إبراهيم واستخلف في الكوفة السائب بن مالك فنزل ساباط ثم دخل المدائن ورقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأمر الناس بالجد في النهوض إلى إبراهيم قال الشعبي كنت معه فأتته البشرى بقتل عبيد الله وأصحابه فكاد يطير فرحا ورجع إلى الكوفة في الحال مسرورا بالظفر.

وذكر أبو السائب عن أحمد بن بشير عن مجالد عن عامر أنه قال الشيعة يتهموني ببغض علي عليه السلام ولقد رأيت في النوم بعد مقتل الحسين عليه السلام كأن

__________________

(١) قال الفيروزآبادي : ويزيد بن ربيعة بن مفرغ كمحدث شاعر ، جده راهن على أن يشرب عسا من لبن ففرغه شرابا.

(٢) الزاب : نهر بالموصل ، ونهر باربل ، ونهر بين سوراء وواسط.

٣٨٤

رجالا نزلوا من السماء عليهم ثياب خضر معهم حراب يتبعون قتلة الحسين عليه السلام فلما لبثت أن خرج المختار فقتلهم.

وذكر عمر بن شبة قال حدثني أبو أحمد الزبيري عن عمه قال قال أبو عمر البزاز كنت مع إبراهيم بن الأشتر لما لقي عبيد الله بن زياد بالخازر فعددنا القتلى بالقصب لكثرتهم قيل كانوا سبعين ألفا قال وصلبه (١) إبراهيم منكسا فكأني أنظر إلى خصييه كأنهما جعلان وعن الشعبي أنه لم يقتل قط من أهل الشام بعد صفين مثل هذه الوقعة بالخازر وقال الشعبي كانت يوم عاشوراء سنة سبع وستين وبعث إبراهيم برأس عبيد الله بن زياد ورءوس الرؤساء من أهل الشام وفي آذانهم رقاع أسمائهم فقدموا عليه وهو يتغدى فحمد الله تعالى على الظفر فلما فرغ من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ثم رمي بها إلى غلامه وقال اغسلها فإني وضعتها على وجه نجس كافر.

وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني قال وضعت الرءوس عند السدة بالكوفة عليها ثوب أبيض فكشفنا عنها الثوب وحية تتغلغل في رأس عبيد الله ونصبت الرءوس في الرحبة قال عامر ورأيت الحية تدخل في منافذ رأسه وهو مصلوب مرارا.

ثم حمل المختار رأسه ورءوس القواد إلى مكة مع عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي وعبد الرحمن بن شداد الجشمي وأنس بن مالك الأشعري وقيل السائب بن مالك ومعها ثلاثون ألف دينار إلى محمد بن الحنفية وكتب معهم أني بعثت أنصاركم وشيعتكم إلى عدوكم فخرجوا محتسبين أسفين فقتلوهم فالحمد لله الذي أدرك لكم الثأر وأهلكهم في كل فج عميق وغرقهم في كل بحر وشفى الله ( صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) فقدموا بالكتاب والرءوس عليه فلما رآها خر ساجدا ودعا للمختار وقال جزاه الله خير الجزاء فقد أدرك لنا ثأرنا ووجب حقه على

__________________

(١) يعني عبيد الله بن زياد.

٣٨٥

كل من ولده عبد المطلب بن هاشم اللهم واحفظ لإبراهيم الأشتر وانصره على الأعداء ووفقه لما تحب وترضى واغفر له في الآخرة والأولى.

فبعث رأس عبيد الله إلى علي بن الحسين عليهما السلام فأدخل عليه وهو يتغدى فسجد شكرا لله تعالى وقال الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من عدوي وجزى الله المختار خيرا أدخلت على عبيد الله بن زياد وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه فقلت اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد وقسم محمد المال في أهله وشيعته بمكة ومدينة على أولاد المهاجرين والأنصار.

وروى المرزباني بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام أنه قال : ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رئي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتى قتل عبيد الله بن زياد وعن عبد الله بن محمد بن أبي سعيد عن أبي العيناء عن يحيى بن راشد قال قالت فاطمة بنت علي ما تحنأت (١) امرأة منا ولا أجالت في عينها مرودا ولا امتشطت حتى بعث المختار رأس عبيد الله بن زياد.

وروي أنه قتل ثمانية عشر ألفا ممن شرك في قتل الحسين عليه السلام أيام ولايته وكانت ثمانية عشر شهرا أولها أربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ست وستين وآخرها النصف من شهر رمضان من سنة سبع وستين وعمره سبع وستون سنة.

قال جعفر بن نما مصنف هذا الثأر اعلم أن كثيرا من العلماء لا يحصل لهم التوفيق بفطنة توقفهم على معاني الألفاظ ولا روية تنقلهم من رقدة الغفلة إلى الاستيقاظ ولو تدبروا أقوال الأئمة في مدح المختار لعلموا أنه من السابقين المجاهدين الذين مدحهم الله تعالى جل جلاله في كتابه المبين ودعاء زين العابدين عليه السلام للمختار دليل واضح وبرهان لائح على أنه عنده من المصطفين الأخيار ولو كان على غير الطريقة المشكورة ويعلم أنه مخالف له في اعتقاده لما كان يدعو له دعاء لا يستجاب ويقول فيه قولا لا يستطاب وكان دعاؤه عليه السلام له عبثا والإمام

__________________

(١) يقال : تحنأ : تخضب بالحناء.

٣٨٦

منزه عن ذلك وقد أسلفنا من أقوال الأئمة في مطاوي الكتاب تكرار مدحهم له ونهيهم عن ذمه ما فيه غنية لذوي الأبصار وبغية لذوي الاعتبار وإنما أعداؤه عملوا له مثالب ليباعدوه من قلوب الشيعة كما عمل أعداء أمير المؤمنين عليه السلام له مساوي وهلك بها كثير ممن حاد عن محبته وحال عن طاعته فالولي له عليه السلام لم تغيره الأوهام ولا باحته تلك الأحلام بل كشفت له عن فضله المكنون وعلمه المصون فعمل في قضية المختار ما عمل مع أبي الأئمة الأطهار وقد وفيت بما وعدت من الاختصار وأتيت بالمعاني التي تضمنت حديث الثأر من غير حشو ولا إطالة ولا سأم ولا ملالة وأقسمت على قارئيه ومستمعيه وعلى كل ناظر فيه أن لا يخليني من إهداء الدعوات إلي والإكثار من الترحم علي وأسأل الله أن يجعلني وإياهم ممن خلصت سريرته من وساوس الأوهام وصفت طويته من كدر الآثام وأن يباعدنا من الحسد المحبط للأعمال المؤدي إلى أقبح المآل وأن يحسن لي الخلافة على الأهل والآل ويذهب الغل من القلوب ويوفق لمراضي علام الغيوب فإنه أسمع سميع وأكرم مجيب ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) وصلاته على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين.

بيان : الشعاف رءوس الجبال وتنوق في الأمر بالغ وتجود قوله قبل أن يتزعزع كذا فيما عندنا من الكتاب بالزاءين المعجمتين يقال تزعزع أي تحرك والزعازع الشدائد من الدهر ولعل الأظهر أنه بالمهملتين من قولهم ترعرع الصبي إذا تحرك ونشأ ويقال تشعشع الشهر إذا بقي منه قليل وهو أيضا يحتمل أن يكون بالمهملتين يقال تسعسع الشهر أي ذهب أكثره وتسعسع حاله انحطت وتقول حنكت الفرس إذا جعلت في فيه الرسن وحنكت الصبي وحنكته إذا مضغت تمرا أو غيره ثم دلكته بحنكه ويقال حنكته السن وأحنكته إذا أحكمته التجارب والأمور ذكره الجوهري وقال رجل مقول أي لسن كثير القول والمقول اللسان انتهى.

والغرار بالكسر حد السيف وغيره وتقول استأديت الأمير على فلان

٣٨٧

فأداني عليه بمعنى استعديته فأعداني عليه وآديته أعنته ويقال عركه أي دلكه وحكه حتى عفاه وأرعد تهدد وتوعد كأبرق وشمس الفرس منع ظهره والمغرم بضم الميم وفتح الراء المولع بالشيء والهوادي أول رعيل من الخيل ويقال جششت الشيء أي دققته وكسرته وفرس أجش الصوت غليظه والهزيم بمعنى الهازم وهزيم الرعد صوته والقرا الظهر وفرس نهد أي جسيم مشرف وفرس أشق طويل وفرس مقلص بكسر اللام أي مشرف مشمر طويل القوائم وقوله قارئ اللجام لعل معناه جاذبه ومانعه عن الجري إلى العدو والرؤم المحب والمعنى محب الحرب الحريص عليه قوله بكل فتى أي أتيتك مع كل فتى وقوله لا يملأ الدرع نحره لعله كناية عن عدم احتياجه إلى لبس الدرع لشجاعته ويقال حششت النار أي أوقدتها والمحش بكسر الميم ما تحرك به النار من حديد ومنه قيل للرجل الشجاع نعم محش الكتيبة والمخراق الرجل الحسن الجسم والمتصرف في الأمور والمنديل يلف ليضرب به وهو مخراق حرب أي صاحب حروب.

قوله يفخذ الناس أي يدعوهم إلى نفسه فخذا فخذا وقبيلة قبيلة مخذلا عن سليمان واللدن اللين من كل شيء وخطر الرجل بسيفه ورمحه رفعه مرة ووضعه أخرى والرمح اهتز فهو خطار وهند السيف شحذه والبتر القطع والميل جمع أميل وهو الكسل الذي لا يحسن الركوب والفروسية والأغمار جمع غمر بالضم وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور والعزل بالضم جمع الأعزل وهو الذي لا سلاح معه ويقال رأب الصدع إذا شعبه ورأب الشيء إذا جمعه وشده برفق وسجم الدمع سجوما سال وعين سجوم والقرم السيد ولمع بالشيء ذهب والرسل محركة القطيع من كل شيء والجمع أرسال والأقيال جمع قيل وهو أحد ملوك حمير دون الملك الأعظم والخفرة بكسر الفاء الكثيرة الحياء وأغذ في السير أسرع والتهويم والتهوم هز الرأس من النعاس وقصعت الرجل قصعا صغرته وحقرته وقصعت هامته إذا ضربتها ببسط كفك والهتر

٣٨٨

بالكسر العجب والداهية وضرب هبر أي قاطع ويقال حيا الله طللك أي شخصك والوغد الدني الذي يخدم بطعام بطنه.

وقال الجزري فيه كان شعارنا يا منصور أمت أمر بالموت والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة مع حصول الغرض للشعار فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل انتهى واللجين مصغرا الفضة والعسجد الذهب وأجفل القوم هربوا مسرعين وأطل عليه أشرف وإضم كعنب جبل والوادي الذي فيه مدينة الرسول صلى الله عليه واله عند المدينة يسمى القناة ومن أعلى منها عند السد الشظاة ثم ما كان أسفل من ذلك يسمى إضما والمأزق المضيق ومنه سمي موضع الحرب مأزقا والبري بالضم جمع برة وهي حلقة من صفر تجعل في لحم أنف البعير والمراس بالكسر الشدة والممارسة والمعالجة والقوصرة بالتشديد وقد يخفف وعاء للتمر وتمطرت الطير أسرعت في هويها والخيل جاءت يسبق بعضها بعضا.

والجحفل الجيش ويقال جيش لجب أي ذو جلبة وكثرة والمطاولة المماطلة والغبين الضعيف الرأي وجرن جرونا تعود الأمر ومرن والكمين كأمير القوم يكمنونه في الحرب والهزبر الأسد وكذا القسور والخطل الفاسد المضطرب والوكل بالتحريك العاجز والنكل الجبان والأروع من الرجال الذي يعجبك حسنه والنكس بالكسر الرجل الضعيف والطرماح كسنمار العالي النسب المشهور والذكر أيبس الحديد وأجوده والمصاع المجالدة والمضاربة والثمل السكران والصيب السحاب والانصباب والعهاد بالكسر جمع العهد وهو المطر بعد المطر والخازر نهر بين الموصل وإربل والحاجلة الإبل التي ضربت سوقها فمشت على بعض قوائمها وحجل الطائر إذا نزا في مشيته كذلك والأعثر الأغبر وطائر طويل العنق والعثير بكسر العين وسكون الثاء الغبار والصهوة موضع اللبد من ظهر الفرس.

قوله على النسور أي الذين كانوا في الحرب كالنسور ويحتمل أن يكون بالثاء المثلثة من النثر بمعنى التفرق والسيد بالكسر الأسد والذئب ويقال

٣٨٩

قرى البعير العلف في شدقه أي جمعه وقرى البلاد تتبعها يخرج من أرض إلى أرض والقمرة لون إلى الخضرة والكمي كغني الشجاع أو لابس السلاح ويقال باحته الود أي خالصه.

٥٠

باب

جور الخلفاء على قبره الشريف وما ظهر من

المعجزات عند ضريحه ومن تربته وزيارته

صلوات الله عليه

١ ـ ما : ابن حشيش عن محمد بن عبد الله عن علي بن محمد بن مخلد عن أحمد بن ميثم عن يحيى بن عبد الحميد الحماني أملى علي في منزله قال : خرجت أيام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي الكوفة من منزلي فلقيني أبو بكر بن عياش فقال لي امض بنا يا يحيى إلى هذا فلم أدر من يعني وكنت أجل أبا بكر عن مراجعته وكان راكبا حمارا له فجعل يسير عليه وأنا أمشي مع ركابه فلما صرنا عند الدار المعروفة بدار عبد الله بن حازم التفت إلي وقال يا ابن الحماني إنما جررتك معي وجشمتك (١) أن تمشي خلفي لأسمعك ما أقول لهذه الطاغية قال فقلت من هو يا أبا بكر قال هذا الفاجر الكافر موسى بن عيسى فسكت عنه ومضى وأنا أتبعه حتى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى وبصر به الحاجب وتبينه وكان الناس ينزلون عند الرحبة فلم ينزل أبو بكر هناك وكان عليه يومئذ قميص وإزار وهو محلول الأزرار قال فدخل على حماره وناداني تعال يا ابن الحماني فمنعني الحاجب فزجره أبو بكر وقال له أتمنعه يا فاعل وهو معي فتركني فما زال يسير على حماره حتى دخل الإيوان فبصر بنا موسى وهو

__________________

(١) يقال : جشمته الامر وأجشمته اياه : كلفته إياه قال : « مهما تجشمنى فانى جاشم ».

٣٩٠

قاعد في صدر الإيوان على سريره وبجنبتي السرير رجال متسلحون وكذلك كانوا يصنعون.

فلما أن رآه موسى رحب به وقربه وأقعده على سريره ومنعت أنا حين وصلت إلى الإيوان أن أتجاوزه فلما استقر أبو بكر على السرير التفت فرآني حيث أنا واقف فناداني فقال ويحك فصرت إليه ونعلي في رجلي وعلي قميص وإزار فأجلسني بين يديه فالتفت إليه موسى فقال هذا رجل تكلمنا فيه قال لا ولكني جئت به شاهدا عليك قال فيما ذا قال إني رأيتك وما صنعت بهذا القبر قال أي قبر قال قبر الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وكان موسى قد وجه إليه من كربه وكرب جميع أرض الحائر وحرثها وزرع الزرع فيها فانتفخ موسى حتى كاد أن ينقد ثم قال وما أنت وذا قال اسمع حتى أخبرك.

اعلم أني رأيت في منامي كأني خرجت إلى قومي بني غاضرة فلما صرت بقنطرة الكوفة اعترضني خنازير عشرة تريدني فأغاثني الله برجل كنت أعرفه من بني أسد فدفعها عني فمضيت لوجهي فلما صرت إلى شاهي ضللت الطريق فرأيت هناك عجوزا فقالت لي أين تريد أيها الشيخ قلت أريد الغاضرية قالت لي تنظر هذا الوادي فإنك إذا أتيت إلى آخره اتضح لك الطريق فمضيت وفعلت ذلك فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك فقلت من أين أنت أيها الشيخ فقال لي أنا من أهل هذه القرية فقلت كم تعد من السنين فقال ما أحفظ ما مر من سني وعمري ولكن أبعد ذكري أني رأيت الحسين بن علي عليه السلام ومن كان معه من أهله ومن تبعه يمنعون الماء الذي تراه ولا تمنع الكلاب ولا الوحوش شربه.

فاستفظعت ذلك وقلت له ويحك أنت رأيت هذا قال إي والذي سمك السماء لقد رأيت هذا أيها الشيخ وعاينته وإنك وأصحابك الذين تعينون على ما قد رأينا مما أقرح عيون المسلمين إن كان في الدنيا مسلم فقلت ويحك وما هو؟ قال :

٣٩١

حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه قلت وما جرى قال أيكرب قبر ابن النبي ويحرث أرضه قلت وأين القبر قال ها هو ذا أنت واقف في أرضه فأما القبر فقد عمي عن أن يعرف موضعه.

قال أبو بكر بن عياش وما كنت رأيت القبر ذلك الوقت قط ولا أتيته في طول عمري فقلت من لي بمعرفته فمضى معي الشيخ حتى وقف بي على حير (١) له باب وآذن وإذا جماعة كثيرة على الباب فقلت للآذن أريد الدخول على ابن رسول الله فقال لا تقدر على الوصول في هذا الوقت قلت ولم قال هذا وقت زيارة إبراهيم خليل الله ومحمد رسول الله ومعهما جبرئيل وميكائيل في رعيل من الملائكة كثير.

قال أبو بكر بن عياش فانتبهت وقد دخلني روع شديد وحزن وكآبة ومضت بي الأيام حتى كدت أن أنسى المنام ثم اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة لدين كان لي على رجل منهم فخرجت وأنا لا أذكر الحديث حتى صرت بقنطرة الكوفة لقيني عشرة من اللصوص فحين رأيتهم ذكرت الحديث ورعبت من خشيتي لهم فقالوا لي ألق ما معك وانج بنفسك وكانت معي نفيقة فقلت ويحكم أنا أبوبكر بن عياش وإنما خرجت في طلب دين لي والله والله لا تقطعوني عن طلب ديني وتصرفاتي في نفقتي فإني شديد الإضافة فنادى رجل منهم مولاي ورب الكعبة لا يعرض له ثم قال لبعض فتيانهم كن معه حتى تصير به إلى الطريق الأيمن.

قال أبو بكر فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام وأتعجب من تأويل الخنازير حتى صرت إلى نينوى فرأيت والله الذي لا إله إلا هو الشيخ الذي كنت رأيته في منامي بصورته وهيئته رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء فحين رأيته ذكرت الأمر والرؤيا فقلت لا إله إلا الله ما كان هذا إلا وحيا ثم سألته كمسألتي إياه في المنام فأجابني بما كان أجابني ثم قال لي امض بنا فمضيت

__________________

(١) الحبر : البستان ، والمراد الحائر الحسيني عليه‌السلام.

٣٩٢

فوقفت معه على الموضع وهو مكروب فلم يفتني شيء من منامي إلا الآذن والحير فإني لم أر حيرا ولم أر آذنا.

فاتق الله أيها الرجل فإني قد آليت على نفسي أن لا أدع إذاعة هذا الحديث ولا زيارة ذلك الموضع وقصده وإعظامه فإن موضعا يؤمه إبراهيم ومحمد وجبرئيل وميكائيل لحقيق بأن يرغب في إتيانه وزيارته فإن أبا حصين حدثني أن رسول الله قال من رآني في المنام فإياي رأى فإن الشيطان لا يتشبه بي.

فقال له موسى إنما أمسكت عن إجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة التي ظهرت منك وتالله إن بلغني بعد هذا الوقت أنك تحدث بهذا لأضربن عنقك وعنق هذا الذي جئت به شاهدا علي فقال له أبو بكر إذا يمنعني الله وإياه منك فإني إنما أردت الله بما كلمتك به فقال له أتراجعني يا ماص وشتمه فقال له اسكت أخزاك الله وقطع لسانك فأزعل موسى على سريره ثم قال خذوه فأخذوا الشيخ عن السرير وأخذت أنا فو الله لقد مر بنا من السحب والجر والضرب ما ظننت أننا لا نكثر الأحياء أبدا وكان أشد ما مر بي من ذلك أن رأسي كان يجر على الصخر وكان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي وموسى يقول اقتلوهما ابني كذا وكذا بالزاني لا يكني وأبو بكر يقول له أمسك قطع الله لسانك وانتقم منك اللهم إياك أردنا ولولد نبيك غضبنا وعليك توكلنا فصير بنا جميعا إلى الحبس.

فما لبثنا في الحبس إلا قليلا فالتفت إلي أبو بكر ورأى ثيابي قد خرقت وسالت دمائي فقال يا حماني قد قضينا لله حقا واكتسبنا في يومنا هذا أجرا ولن يضيع ذلك عند الله ولا عند رسوله فما لبثنا إلا قدر غدائه ونومه حتى جاءنا رسوله فأخرجنا إليه وطلب حمار أبي بكر فلم يوجد فدخلنا عليه وإذا هو في سرداب له يشبه الدور سعة وكبرا فتعبنا في المشي إليه تعبا شديدا وكان أبو بكر إذا تعب في مشيه جلس يسيرا ثم يقول اللهم إن هذا فيك فلا تنسه فلما دخلنا على موسى وإذا هو على سرير له فحين بصر بنا قال لا حيا الله ولا قرب من جاهل

٣٩٣

أحمق متعرض لما يكره ويلك يا دعي ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم فقال له أبو بكر قد سمعت كلامك والله حسيبك فقال له اخرج قبحك الله والله إن بلغني أن هذا الحديث شاع أو ذكر عنك لأضربن عنقك ثم التفت إلي وقال يا كلب وشتمني وقال إياك ثم إياك أن تظهر هذا فإنه إنما خيل لهذا الشيخ الأحمق شيطان يلعب به في منامه اخرجا عليكما لعنة الله وغضبه فخرجنا وقد أيسنا من الحياة فلما وصلنا إلى منزل الشيخ أبي بكر وهو يمشي وقد ذهب حماره فلما أراد أن يدخل منزله التفت إلي وقال احفظ هذا الحديث وأثبته عندك ولا تحدثن هؤلاء الرعاع ولكن حدث به أهل العقول والدين.

بيان : تقول كربت الأرض أي قلبتها للحرث والرعيل القطعة من الخيل والإضافة الضيافة وقال الجوهري قولهم يا مصان وللأنثى يا مصانة شتم أي يا ماص فرج أمه ويقال أيضا رجل مصان إذا كان يرضع الغنم من لؤمه وزاعله أزعجه قوله إننا لا نكثر الأحياء أبدا هو كناية عن الموت أي لا نكون بينهم حتى يكثر عددهم بنا قوله بالزاني لا يكني أي كان يقول في الشتم ألفاظا صريحة في الزنا ولا يكتفي بالكناية.

٢ ـ ما : ابن حشيش عن أبي المفضل الشيباني عن أحمد بن عبد الله الثقفي عن علي بن محمد بن سليمان عن الحسين بن محمد بن مسلمة عن إبراهيم الديزج قال : بعثني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين عليه السلام وكتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمار القاضي أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لينبش قبر الحسين فإذا قرأت كتابي فقف على الأمرحتى تعرف فعل أولم يفعل.

قال الديزج فعرفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به إليه ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمار ثم أتيته فقال لي ما صنعت فقلت قد فعلت ما أمرت به فلم أر شيئا ولم أجد شيئا فقال لي أفلا عمقته قلت قد فعلت فما رأيت فكتب إلى السلطان أن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا وأمرته

٣٩٤

فمخره بالماء وكربه بالبقر قال أبو علي العماري فحدثني إبراهيم الديزج وسألته عن صورة الأمر فقال لي أتيت في خاصة غلماني فقط وإني نبشت فوجدت بارية جديدة وعليها بدن الحسين بن علي ووجدت منه رائحة المسك فتركت البارية على حالها وبدن الحسين على البارية وأمرت بطرح التراب عليه وأطلقت عليه الماء وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم تطأه البقر وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه فحلفت لغلماني بالله وبالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه.

بيان : يقال مخرت الأرض أي أرسلت فيه الماء والسفينة إذا جرت تشق الماء مع صوت.

٣ ـ ما : عنه عن أبي المفضل عن محمد بن إبراهيم بن أبي السلاسل عن أبي عبد الله الباقطاني قال : ضمني عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعري وكان قائدا من قواد السلطان أكتب له وكان بدنه كله أبيض شديد البياض حتى يديه ورجليه كانا كذلك وكان وجهه أسود شديد السواد كأنه القير وكان يتفقأ مع ذلك مدة منتنة قال فلما أنس بي سألته عن سواد وجهه فأبى أن يخبرني ثم إنه مرض مرضه الذي مات فيه فقعدت فسألته فرأيته كأنه يحب أن يكتم عليه فضمنت له الكتمان فحدثني قال وجهني المتوكل أنا والديزج لنبش قبر الحسين وإجراء الماء عليه فلما عزمت على الخروج والمسير إلى الناحية رأيت رسول الله صلى الله عليه واله في المنام فقال لا تخرج مع الديزج ولا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين فلما أصبحنا جاءوا يستحثوني في المسير فسرت معهم حتى وفينا كربلاء وفعلنا ما أمرنا به المتوكل فرأيت النبي في المنام فقال ألم آمرك أن لا تخرج معهم ولا تفعل فعلهم فلم تقبل حتى فعلت ما فعلوا ثم لطمني وتفل في وجهي فصار وجهي مسودا كما ترى وجسمي على حالته الأولى.

بيان : تفقأ الدمل والقرح تشقق.

٤ ـ ما : عنه عن أبي المفضل عن سعيد بن أحمد أبي القاسم الفقيه عن الفضل

٣٩٥

ابن محمد بن الحميد قال : دخلت على إبراهيم الديزج وكنت جاره أعوده في مرضه الذي مات فيه فوجدته بحال سوء وإذا هو كالمدهوش وعنده الطبيب فسألته عن حاله وكانت بيني وبينه خلطة وأنس توجب الثقة بي والانبساط إلي فكاتمني حاله وأشار إلى الطبيب فشعر الطبيب بإشارته ولم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله فقام فخرج وخلا الموضع فسألته عن حاله فقال أخبرك والله وأستغفر الله إن المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين عليه السلام فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر فوافيت الناحية مساء ومعنا الفعلة والدركاريون (١) معهم المساحي والمرود فتقدمت إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر ونمت فذهب بي النوم فإذا ضوضاء شديد وأصوات عالية وجعل الغلمان ينبهوني فقمت وأنا ذعر فقلت للغلمان ما شأنكم قالوا أعجب شأن قلت وما ذاك قالوا إن بموضع القبر قوما قد حالوا بيننا وبين القبر وهم يرموننا مع ذلك بالنشاب فقمت معهم لأتبين الأمر فوجدته كما وصفوا وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض فقلت ارموهم فرموا فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهم منا إلا في صاحبه الذي رمى به فقتله.

فاستوحشت لذلك وجزعت وأخذتني الحمى والقشعريرة ورحلت عن القبر لوقتي ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم إلي به قال أبو برزة فقلت له قد كفيت ما تحذر من المتوكل قد قتل بارحة الأولى وأعان عليه في قتله المنتصر فقال لي قد سمعت بذلك وقد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء قال أبو برزة كان هذا في أول النهار فما أمسى الديزج حتى مات.

قال ابن حشيش قال أبو المفضل إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة فسأل

__________________

(١) الروزكاريون خ ل. والمساحى : جمع مسحاة والمرود ـ هنا : محور البكرة من الحديد وهي خشبة مستديرة في وسطها محز يستقى عليها.

٣٩٦

رجلا من الناس عن ذلك فقال له قد وجب عليه القتل إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر قال ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر فقتله وعاش بعده سبعة أشهر.

٥ ـ ما : عنه عن أبي المفضل عن علي بن عبد المنعم بن هارون الخديجي الكبير من شاطئ النيل قال حدثني جدي القاسم بن أحمد بن معمر الأسدي الكوفي وكان له علم بالسيرة وأيام الناس قال : بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير إلى قبره منهم خلق كثير فأنفذ قائدا من قواده وضم إليه كنفا من الجند كثيرا ليشعث قبر الحسين عليه السلام ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين فثار أهل السواد به واجتمعوا عليه وقالوا لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا فكتب بالأمر إلى الحضرة فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة مظهرا أن مسيره إليها في مصالح أهلها والانكفاء إلى المصر.

فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع وأربعين فبلغ المتوكل أيضا مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام وأنه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم سوق كبير فأنفذ قائدا في جمع كثير من الجند وأمر مناديا ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبره ونبش القبر وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة فقتل ولم يتم له ما قدره.

بيان : قوله كنفا من الجند أي جانبا كناية عن الجماعة منهم وفي بعض النسخ بالثاء وهو بالفتح الجماعة قوله ليشعب أي يشق وينش وفي بعض النسخ المصححة ليشعث من قبره يقال شعث منه تشعيثا نضح عنه وذب ودفع وانكفأ رجع.

٦ ـ ما : عنه عن أبي المفضل عن عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الأزدي

٣٩٧

قال حدثني عبد الله بن رابية الطوري قال : حججت سنة سبع وأربعين ومائتين فلما صدرت من الحج صرت إلى العراق فزرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على حال خيفة من السلطان وزرته ثم توجهت إلى زيارة الحسين عليه السلام فإذا هو قد حرث أرضه ومخر فيها الماء وأرسلت الثيران العوامل في الأرض فبعيني وبصري كنت رأيت الثيران تساق في الأرض فتنساق لهم حتى إذا حازت مكان القبر حادت عنه يمينا وشمالا فتضرب بالعصا الضرب الشديد فلا ينفع ذلك فيها ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب فما أمكنتني الزيارة فتوجهت إلى بغداد وأنا أقول :

تالله إن كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبعوه رميما

فلما قدمت بغداد سمعت الهائعة فقلت ما الخبر قالوا سقط الطائر بقتل جعفر المتوكل فعجبت لذلك وقلت إلهي ليلة بليلة.

بيان : قال الفيروزآبادي الهيعة والهائعة الصوت تفزع منه وتخافه من عدو.

٧ ـ ما : عنه عن أبي المفضل عن محمد بن علي بن هاشم الأبلي عن الحسن بن أحمد بن النعمان الجوزجاني عن يحيى بن المغيرة الرازي قال : كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق فسأله جرير عن خبر الناس فقال تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين عليه السلام وأمر أن تقطع السدرة التي فيه فقطعت قال فرفع جرير يديه وقال الله أكبر جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال لعن الله قاطع السدرة ثلاثا فلم نقف على معناه حتى الآن لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتى لا يقف الناس على قبره.

٨ ـ ما : عنه عن أبي المفضل عن محمد بن جعفر بن محمد بن فرج الرحجي [ الرخجي ] قال حدثني أبي عن عمه عمر بن فرج قال : أنفذني المتوكل في تخريب قبر الحسين عليه السلام فصرت إلى الناحية فأمرت بالبقر فمر بها على القبور كلها

٣٩٨

فلما بلغت قبر الحسين عليه السلام لم تمر عليه قال عمي عمر بن فرج فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتى تكسرت العصا في يدي فو الله ما جازت على قبره ولا تخطته.

قال لنا محمد بن جعفر كان عمي عمر بن فرج كثير الانحراف عن آل محمد صلى الله عليه واله فأنا أبرأ إلى الله منه وكان جدي أخوه محمد بن فرج شديد المودة لهم رحمه الله ورضي عنه فأنا أتولاه لذلك وأفرح بولادته.

٩ ـ ما : عنه عن أبي المفضل عن عمر بن الحسين بن علي عن المنذر بن محمد القابوسي عن الحسين بن محمد الأزدي عن أبيه قال : صليت في جامع المدينة وإلى جانبي رجلان على أحدهما ثياب السفر فقال أحدهما لصاحبه يا فلان أما علمت أن طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء وذلك أنه كان بي وجع الجوف فتعالجت بكل دواء فلم أجد فيه عافية وخفت على نفسي وأيست منها وكانت عندنا امرأة من أهل الكوفة عجوز كبيرة فدخلت علي وأنا في أشد ما بي من العلة فقالت لي يا سالم ما أرى علتك إلا كل يوم زائدة فقلت لها نعم فقالت فهل لك أن أعالجك فتبرأ بإذن الله عز وجل فقلت لها ما أنا إلى شيء أحوج مني إلى هذا فسقتني ماء في قدح فسكنت عني العلة وبرأت حتى كأن لم يكن بي علة قط.

فلما كان بعد أشهر دخلت على العجوز فقلت لها بالله عليك يا سلمة وكان اسمها سلمة بما ذا داويتني فقالت بواحدة مما في هذه السبحة من سبحة كانت في يدها فقلت وما هذه السبحة فقالت إنها من طين قبر الحسين عليه السلام فقلت لها يا رافضية داويتني بطين قبر الحسين فخرجت من عندي مغضبة ورجعت والله علتي كأشد ما كانت وأنا أقاسي منها الجهد والبلاء وقد والله خشيت على نفسي ثم أذن المؤذن فقاما يصليان وغابا عني.

١٠ ـ ما : عنه عن أبي المفضل عن الفضل بن محمد بن أبي طاهر عن محمد بن موسى الشريعي عن أبيه موسى بن عبد العزيز قال : لقيني يوحنا بن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد فاستوقفني وقال لي بحق نبيك ودينك ـ

٣٩٩

من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة من هو من أصحاب نبيكم قلت ليس هو من أصحابه هو ابن بنته فما دعاك إلى المسألة لي عنه فقال له عندي حديث طريف فقلت حدثني به فقال وجه إلي سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل فصرت إليه فقال تعال معي فمضى وأنا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي فوجدناه زائل العقل متكئا على وسادة وإذا بين يديه طست فيها حشو جوفه وكان الرشيد استحضره من الكوفة.

فأقبل سابور على خادم كان من خاصة موسى فقال له ويحك ما خبره فقال له أخبرك أنه كان من ساعته جالسا وحوله ندماؤه وهو من أصح الناس جسما وأطيبهم نفسا إذ جرى ذكر الحسين بن علي عليه السلام قال يوحنا هذا الذي سألتك عنه فقال موسى إن الرافضة ليغلون فيه حتى إنهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به فقال له رجل من بني هاشم كان حاضرا قد كانت بي علة غليلة فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني حتى وصف لي كاتبي أن خذ من هذه التربة فأخذتها فنفعني الله بها وزال عني ما كنت أجده قال فبقي عندك منها شيء قال نعم فوجه فجاءه منها بقطعة فناولها موسى بن عيسى فأخذها موسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن تداوى بها واحتقارا وتصغيرا لهذا الرجل الذي هي تربته يعني الحسين عليه السلام فما هو إلا أن استدخلها دبره حتى صاح النار النار الطست الطست فجئناه بالطست فأخرج فيها ما ترى.

فانصرف الندماء وصار المجلس مأتما فأقبل على سابور فقال انظر هل لك فيه حيلة فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده وطحاله وريته وفؤاده خرج منه في الطست فنظرت إلى أمر عظيم فقلت ما لأحد في هذا صنع إلا أن يكون لعيسى الذي كان يحيي الموتى فقال لي سابور صدقت ولكن كن هاهنا في الدار إلى أن يتبين ما يكون من أمره فبت عندهم وهو بتلك الحال ما رفع رأسه فمات في وقت السحر.

قال محمد بن موسى قال لي موسى بن سريع كان يوحنا يزور قبر الحسين

٤٠٠