بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

قال الحداد فأيقنت بالهلاك فأمر بي فقدموني فاستخبرني فأخبرته فأمر بي إلى النار فما سحبوني إلا وانتبهت وحكيت لكل من لقيته وقد يبس لسانه ومات نصفه وتبرأ منه كل من يحبه ومات فقيرا لا رحمه الله ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ).

قال : وحكي عن السدي قال : أضافني رجل في ليلة كنت أحب الجليس فرحبت به وقربته وأكرمته وجلسنا نتسامر وإذا به ينطلق بالكلام كالسيل إذا قصد الحضيض فطرقت له فانتهى في سمره طف كربلاء وكان قريب العهد من قتل الحسين عليه السلام فتأوهت الصعداء وتزفرت كملا فقال ما بالك قلت ذكرت مصابا يهون عنده كل مصاب قال أما كنت حاضرا يوم الطف قلت لا والحمد لله قال أراك تحمد على أي شيء قلت على الخلاص من دم الحسين عليه السلام لأن جده صلى الله عليه واله قال إن من طولب بدم ولدي الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان.

قال هكذا جده قلت نعم وقال صلى الله عليه واله ولدي الحسين يقتل ظلما وعدوانا ألا ومن قتله يدخل في تابوت من نار ويعذب بعذاب نصف أهل النار وقد غلت يداه ورجلاه وله رائحة يتعوذ أهل النار منها هو ومن شايع وبايع أو رضي بذلك ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ) بدلوا بجلود غيرها ( لِيَذُوقُوا الْعَذابَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ) ساعة ويسقون من حميم جهنم فالويل لهم من عذاب جهنم.

قال : لا تصدق هذا الكلام يا أخي قلت كيف هذا وقد قال صلى الله عليه واله لا كذبت ولا كذبت قال ترى قالوا قال رسول الله قاتل ولدي الحسين لا يطول عمره وها أنا وحقك قد تجاوزت التسعين مع أنك ما تعرفني قلت لا والله قال أنا الأخنس بن زيد قلت وما صنعت يوم الطف قال أنا الذي أمرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطي جسم الحسين بسنابك الخيل وهشمت أضلاعه وجررت نطعا من تحت علي بن الحسين وهو عليل حتى كببته على وجهه وخرمت أذني صفية بنت الحسين لقرطين كانا في أذنيها.

٣٢١

قال السدي فبكى قلبي هجوعا وعيناي دموعا وخرجت أعالج على إهلاكه وإذا بالسراج قد ضعفت فقمت أزهرها فقال اجلس وهو يحكي متعجبا من نفسه وسلامته ومد إصبعه ليزهرها فاشتعلت به ففركها في التراب فلم تنطف فصاح بي أدركني يا أخي فكببت الشربة عليها وأنا غير محب لذلك فلما شمت النار رائحة الماء ازدادت قوة وصاح بي ما هذه النار وما يطفئها قلت ألق نفسك في النهر فرمى بنفسه فكلما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه * كالخشبة البالية في الريح البارح هذا وأنا أنظره فو الله الذي لا إله إلا هو لم تطفأ حتى صار فحما وسار على وجه الماء ( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ).

أقول : وروى ابن شيرويه في الفردوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله قال : قال لي جبرئيل قال الله عز وجل قتلت بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني أقتل بدم ابنك الحسين بن علي سبعين ألفا وسبعين ألفاو عن علي عليه السلام عنه صلى الله عليه واله قال : قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا.

١٦ ـ ما : أحمد بن الصلت عن ابن عقدة عن الحسن بن علي بن عفان عن الحسن بن عطية عن ناصح أبي عبد الله عن قريبة جارية لهم قالت كان عندنا رجل خرج على الحسين عليه السلام ثم جاء بجمل وزعفران قالت فلما دقوا الزعفران صار نارا قالت فجعلت المرأة تأخذ منه الشيء فتلطخه على يدها فيصير منه برص قالت ونحروا البعير فلما جزوا بالسكين صار مكانها نارا قالت فجعلوا يسلخونه فيصير مكانه نارا قالت فقطعوه فخرج منه النار قالت فطبخوه فكلما أوقدوا النار فارت القدر نارا قالت فجعلوه في الجفنة فصار نارا قالت وكنت صبية يومئذ فأخذت عظما منه فطينت عليه فوجدته بعد زمان فلما حززناه بالسكين صار مكانه نارا فعرفنا أنه ذلك العظم فدفناه.

١٧ـ ما : بالإسناد عن ابن عطية قال سمعت جدي أبا أمي بزيعا قال :

٣٢٢

كنا نمر ونحن غلمان زمن خالد على رجل في الطريق جالس أبيض الجسد أسود الوجه وكان الناس يقولون خرج على الحسين عليه السلام.

٤٧

باب

أحوال عشائره وأهل زمانه صلوات الله عليه

وما جرى بينهم وبين يزيد من الاحتجاج

وقد مضى أكثرها في الأبواب السابقة وسيأتي بعضها

١ ـ روي في بعض كتب المناقب القديمة (١) عن علي بن أحمد العاصمي عن إسماعيل بن أحمد البيهقي عن أحمد بن الحسين البيهقي عن أبي الحسين بن الفضل القطان عن عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان عن عبد الوهاب بن الضحاك عن عيسى بن يونس عن الأعمش عن شقيق بن سلمة قال : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام أتى عبد الله بن الزبير فدعا ابن عباس إلى بيعته فامتنع ابن عباس وظن يزيد بن معاوية عليهما اللعنة أن امتناع ابن عباس تمسكا منه ببيعته فكتب إليه أما بعد فقد بلغني أن الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته والدخول في طاعته لتكون له على الباطل ظهيرا وفي المأثم شريكا وأنك اعتصمت ببيعتنا وفاء منك لنا وطاعة لله لما عرفك من حقنا فجزاك الله عن ذي رحم خير ما يجزي الواصلين بأرحامهم الموفين بعهودهم فما أنسى من الأشياء فلست بناس برك وتعجيل صلتك بالذي أنت له أهل من القرابة من الرسول فانظر من طلع عليك من الآفاق ممن سحرهم ابن الزبير بلسانه وزخرف قوله فأعلمهم برأيك فإنهم منك أسمع ولك أطوع للمحل للحرم المارق.

__________________

(١) قال سبط ابن الجوزى : فى التذكرة ص ١٥٥ : ذكر الواقدى وهشام وابن إسحاق وغيرهم قالوا لما قتل الحسين ، وذكر القصة بغير هذا اللفظ.

٣٢٣

فكتب إليه ابن عباس أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر دعاء ابن الزبير إياي إلى بيعته والدخول في طاعته فإن يكن ذلك كذلك فإني والله ما أرجو بذلك برك ولا حمدك ولكن الله بالذي أنوي به عليم وزعمت أنك غير ناس بري وتعجيل صلتي فاحبس أيها الإنسان برك وتعجيل صلتك فإني حابس عنك ودي فلعمري ما تؤتينا مما لنا قبلك من حقنا إلا اليسير وإنك لتحبس عنا منه العريض الطويل وسألت أن أحث الناس إليك وأن أخذلهم من ابن الزبير فلا ولاء ولا سرورا ولا حباء إنك تسألني نصرتك وتحثني على ودك وقد قتلت حسينا وفتيان عبد المطلب مصابيح الهدى ونجوم الأعلام غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحد مرملين بالدماء مسلوبين بالعراء لا مكفنين ولا موسدين تسفي عليهم الرياح وتنتابهم عرج الضباع حتى أتاح الله بقوم لم يشركوا في دمائهم كفنوهم وأجنوهم وجلست مجلسك الذي جلست.

فما أنسى من الأشياء فلست بناس إطرادك حسينا من حرم رسول الله إلى حرم الله وتسييرك إليه الرجال لتقتله [ في ] الحرم فما زلت في بذلك وعلى ذلك حتى أشخصته من مكة إلى العراق فخرج ( خائِفاً يَتَرَقَّبُ ) فزلزلت به خيلك عداوة منك لله ولرسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أولئك لا كآبائك الجلاف الجفاة أكباد الإبل والحمير فطلب إليكم الموادعة وسألكم الرجعة فاغتنمتم قلة أنصاره واستئصال أهل بيته تعاونتم عليه كأنكم قتلتم أهل بيت من الترك فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودي وقد قتلت ولد أبي وسيفك يقطر من دمي وأنت أحد ثأري فإن شاء الله لا يبطل لديك دمي ولا تسبقني بثأري وإن سبقتني في الدنيا فقبل ذلك ما قتل النبيون وآل النبيين فيطلب الله بدمائهم فكفى بالله للمظلومين ناصرا ومن الظالمين منتقما فلا يعجبك إن ظفرت بنا اليوم فلنظفرن بك يوما.

وذكرت وفائي وما عرفتني من حقك فإن يكن ذلك كذلك فقد والله بايعتك ومن قبلك وإنك لتعلم أني وولد أبي أحق بهذا الأمر منك ولكنكم معشر

٣٢٤

قريش كابرتمونا حتى دفعتمونا عن حقنا ووليتم الأمر دوننا فبعدا لمن تحرى ظلمنا واستغوى السفهاء علينا ( كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ ) وقوم لوط وأصحاب مدين ألا وإن من أعجب الأعاجيب وما عسى أن أعجب حملك بنات عبد المطلب وأطفالا صغارا من ولده إليك بالشام كالسبي المجلوبين تري الناس أنك قهرتنا وأنت تمن علينا وبنا من الله عليك ولعمر الله فلئن كنت تصبح آمنا من جراحة يدي إني لأرجو أن يعظم الله جرحك من لساني ونقضي وإبرامي والله ما أنا بآيس من بعد قتلك ولد رسول الله صلى الله عليه واله أن يأخذك أخذا أليما ويخرجك من الدنيا ( مَذْمُوماً مَدْحُوراً ) فعش لا أبا لك ما استطعت فقد والله ازددت عند الله أضعافا واقترفت مأثما ( وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).

ذكر كتاب يزيد لعنه الله إلى محمد بن الحنفية ومصيره إليه وأخذ جائزته.

كتب يزيد لعنه الله إلى محمد بن علي ابن الحنفية وهو يومئذ بالمدينة أما بعد فإني أسأل الله لنا ولك عملا صالحا يرضى به عنا فإني ما أعرف اليوم في بني هاشم رجلا هو أرجح منك حلما وعلما ولا أحضر فهما وحكما ولا أبعد من كل سفه ودنس وطيش وليس من يتخلق بالخير تخلقا وينتحل الفضل تنحلا كمن جبله الله على الخير جبلا وقد عرفنا ذلك منك قديما وحديثا شاهدا وغائبا غير أني قد أحببت زيارتك والأخذ بالحظ من رؤيتك فإذا نظرت في كتابي هذا فأقبل إلي آمنا مطمئنا أرشدك الله أمرك وغفر لك ذنبك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

قال فلما ورد الكتاب على محمد بن علي وقرأه أقبل على ابنيه جعفر وعبد الله أبي هاشم فاستشارهما في ذلك فقال له ابنه عبد الله يا أبه اتق الله في نفسك ولا تصر إليه فإني خائف أن يلحقك بأخيك الحسين ولا يبالي فقال محمد يا بني ولكني لا أخاف ذلك منه فقال له ابنه جعفر يا أبه إنه قد ألطفك في كتابه إليك ولا أظنه يكتب إلى أحد من قريش بأن أرشدك الله أمرك وغفر لك ذنبك وأنا أرجو أن يكف الله شره عنك قال فقال محمد بن علي يا بني إني توكلت على الله الذي ( يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً ).

٣٢٥

قال ثم تجهز محمد بن علي وخرج من المدينة وسار حتى قدم على يزيد بن معاوية بالشام فلما استأذن أذن له وقربه وأدناه وأجلسه معه على سريره ثم أقبل عليه بوجهه فقال يا أبا القاسم آجرنا الله وإياك في أبي عبد الله الحسين بن علي فو الله لئن كان نقصك فقد نقصني ولئن كان أوجعك فقد أوجعني ولو كنت أنا المتولي لحربه لما قتلته ولدفعت عنه القتل ولو بحز أصابعي وذهاب بصري ولفديته بجميع ما ملكت يدي وإن كان قد ظلمني وقطع رحمي ونازعني حقي ولكن عبيد الله بن زياد لم يعلم رأيي في ذلك فعجل عليه بالقتل فقتله ولم يستدرك ما فات وبعد فإنه ليس يجب علينا أن نرضى بالدنية في حقنا ولم يكن يجب على أخيك أن ينازعنا في أمر خصنا الله به دون غيرنا وعزيز علي ما ناله والسلام فهات الآن ما عندك يا أبا القاسم.

قال فتكلم محمد بن علي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني قد سمعت كلامك فوصل الله رحمك ورحم حسينا وبارك له فيما صار إليه من ثواب ربه والخلد الدائم الطويل في جوار الملك الجليل وقد علمنا أن ما نقصنا فقد نقصك وما عراك فقد عرانا من فرح وترح وكذا أظن أن لو شهدت ذلك بنفسك لاخترت أفضل الرأي والعمل ولجانبت أسوأ الفعل والخطل والآن فإن حاجتي إليك أن لا تسمعني فيه ما أكره فإنه أخي وشقيقي وابن أبي وإن زعمت أنه قد كان ظلمك وكان عدوا لك كما تقول.

قال فقال له يزيد إنك لن تسمع مني إلا خيرا ولكن هلم فبايعني واذكر ما عليك من الدين حتى أقضيه عنك قال فقال له محمد بن علي رضي الله عنه أما البيعة فقد بايعتك وأما ما ذكرت من أمر الدين فما علي دين والحمد لله وإني من الله تبارك وتعالى في كل نعمة سابغة لا أقوم بشكرها.

قال فالتفت يزيد لعنه الله إلى ابنه خالد فقال يا بني إن ابن عمك هذا بعيد من الخب واللؤم والدنس والكذب ولو كان غيره كبعض من عرفت لقال علي من الدين كذا وكذا ليستغنم أخذ أموالنا قال ثم أقبل عليه يزيد فقال بايعتني يا أبا القاسم

٣٢٦

فقال نعم يا أمير المؤمنين قال فإني قد أمرت لك بثلاثمائة ألف درهم فابعث من يقبضها فإذا أردت الانصراف عنا وصلناك إن شاء الله قال فقال له محمد بن علي لا حاجة لي في هذا المال ولا له جئت قال يزيد فلا عليك أن تقبضه وتفرقه فيمن أحببت من أهل بيتك قال فإني قد قبلت يا أمير المؤمنين قال فأنزله في بعض منازله وكان محمد بن علي يدخل عليه في كل يوم صباحا ومساء.

قال وإذا وفد أهل المدينة قد قدموا على يزيد وفيهم منذر بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن حفص بن مغيرة المخزومي وعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري فأقاموا عند يزيد لعنه الله أياما فأجازهم يزيد لكل رجل منهم بخمسين ألف درهم وأجاز المنذر بن الزبير بمائة ألف درهم فلما أرادوا الانصراف إلى المدينة أقبل محمد بن علي حتى دخل على يزيد فاستأذنه في الانصراف معهم إلى المدينة فأذن له في ذلك ووصله بمائتي ألف درهم وأعطاه عروضا بمائة ألف درهم.

ثم قال يا أبا القاسم إني لا أعلم في أهل بيتك اليوم رجلا هو أعلم منك بالحلال والحرام وقد كنت أحب أن لا تفارقني وتأمرني بما فيه حظي ورشدي فو الله ما أحب أن تنصرف عني وأنت ذام لشيء من أخلاقي فقال له محمد بن علي رضي الله عنه أما ما كان منك إلى الحسين بن علي فذاك شيء لا يستدرك وأما الآن فإني ما رأيت منك مذ قدمت عليك إلا خيرا ولو رأيت منك خصلة أكرهها لما وسعني السكوت دون أن أنهاك عنها وأخبرك بما يحق لله عليك منها للذي أخذ الله تبارك وتعالى على العلماء في علمهم أن يبينوه للناس ولا يكتموه ولست مؤديا عنك إلى من ورائي من الناس إلا خيرا غير أني أنهاك عن شرب هذا المسكر فإنه ( رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) وليس من ولي أمور الأمة ودعي له بالخلافة على رءوس الأشهاد على المنابر كغيره من الناس فاتق الله في نفسك وتدارك ما سلف من ذنبك والسلام.

قال فسر يزيد بما سمع من محمد بن علي سرورا شديدا ثم قال فإني قابل منك ما أمرتني به وأنا أحب أن تكاتبني في كل حاجة تعرض لك من صلة أو تعاهد

٣٢٧

ولا تقصرن في ذلك فقال محمد بن علي أفعل ذلك إن شاء الله ولا أكون إلا عند ما تحب.

قال ثم ودعه محمد بن علي ورجع إلى المدينة ففرق ذلك المال كله في أهل بيته وسائر بني هاشم وقريش حتى لم يبق من بني هاشم وقريش من الرجال والنساء والذرية والموالي إلا صار إليه شيء من ذلك المال ثم خرج محمد بن علي رضي الله عنه من المدينة إلى مكة فأقام بها مجاورا لا يعرف شيئا غير الصوم والصلاة وصلى الله على محمد وآله ورضي عنهم ورزقنا شفاعتهم بحوله ومنه وفضله وكرمه إن شاء الله تعالى.

أقول : قال العلامة رحمه الله وروى البلاذري قال : لما قتل الحسين عليه السلام كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية أما بعد فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة وحدث في الإسلام حدث عظيم ولا يوم كيوم الحسين فكتب إليه يزيد أما بعد يا أحمق فإننا جئنا إلى بيوت منجدة وفرش ممهدة ووسائد منضدة فقاتلنا عنها فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا وإن كان الحق لغيرنا فأبوك أول من سن هذا وابتز واستأثر بالحق على أهله.

أقول : قد سبق في كتاب الفتن خبر طويل أخرجناه من كتاب دلائل الإمامة بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه لما ورد نعي الحسين عليه السلام المدينة وقتل ثمانية عشر من أهل بيته وثلاث وخمسين رجلا من شيعته وقتل علي ابنه بين يديه بنشابة وسبي ذراريه خرج عبد الله بن عمر إلى الشام منكرا لفعل يزيد ومستنفرا للناس عليه حتى أتى يزيد وأغلظ له القول فخلا به يزيد وأخرج إليه طومارا طويلا كتبه عمر إلى معاوية وأظهر فيه أنه على دين آبائه من عبادة الأوثان وأن محمدا كان ساحرا غلب على الناس بسحره وأوصاه بأن يكرم أهل بيته ظاهرا ويسعى في أن يجتثهم عن جديد الأرض ولا يدع أحدا منهم عليها في أشياء كثيرة قد مر ذكرها فلما قرأه ابن عمر رضي بذلك ورجع وأظهر للناس أنه محق فيما أتى به ومعذور فيما فعله ولنعم ما قيل ما قتل الحسين إلا في يوم السقيفة فلعنة الله على من أسس أساس الظلم والجور على أهل بيت النبي صلوات الله عليهم أجمعين.

٣٢٨

٤٨

باب

عدد أولاده صلوات الله عليه وجمل أحوالهم

وأحوال أزواجه عليه السلام

وقد أوردنا بعض أحوالهن في أبواب تاريخ السجاد عليه السلام.

١ ـ شا : كان للحسين عليه السلام ستة أولاد ـ علي بن الحسين الأكبر كنيته أبو محمد أمه شهربان (١) بنت كسرى يزدجرد وعلي بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه بالطف وقد تقدم ذكره فيما سلف وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية وجعفر بن الحسين لا بقية له وأمه قضاعية وكانت وفاته في حياة الحسين وعبد الله بن الحسين قتل مع أبيه صغيرا جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه وسكينة بنت الحسين وأمها الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي كلبية معدية وهي أم عبد الله بن الحسين عليه السلام وفاطمة بنت الحسين وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله تيمية.

٢ ـ قب : ذكر صاحب كتاب البدع وصاحب كتاب شرح الأخبار أن عقب الحسين من ابنه علي الأكبر وأنه هو الباقي بعد أبيه وأن المقتول هو الأصغر منهما وعليه نعول فإن علي بن الحسين الباقي كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة وإن ابنه محمدا الباقر كان يومئذ من أبناء خمس عشرة سنة وكان لعلي الأصغر المقتول نحو اثنتي عشرة سنة.

وتقول الزيدية إن العقب من الأصغر وإنه كان في يوم كربلاء ابن سبع سنين ومنهم من يقول أربع سنين وعلى هذا النسابون.

كتاب النسب عن يحيى بن الحسن قال يزيد لعلي بن الحسين عليهما السلام وا عجبا لأبيك سمى عليا وعليا فقال عليه السلام إن أبي أحب أباه فسمى باسمه مرارا (٢).

__________________

(١) في الإرشاد ص ٢٣٦ : شاه زنان.

(٢) المناقب ج ٤ ص ١٧٤ و ١٧٣.

٣٢٩

٣ ـ قب : لما ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء وأن يجعل الرجال عبيد العرب وعزم على أن يحمل العليل والضعيف والشيخ الكبير في الطواف وحول البيت على ظهورهم فقال أمير المؤمنين عليه السلام إن النبي صلى الله عليه واله قال أكرموا كريم قوم وإن خالفوكم وهؤلاء الفرس حكماء كرماء فقد ألقوا إلينا السلام ورغبوا في الإسلام وقد أعتقت منهم لوجه الله حقي وحق بني هاشم فقالت المهاجرون والأنصار قد وهبنا حقنا لك يا أخا رسول الله فقال اللهم فاشهد أنهم قد وهبوا وقبلت وأعتقت فقال عمر سبق إليها علي بن أبي طالب عليه السلام ونقض عزمتي في الأعاجم.

ورغب جماعة في بنات الملوك أن يستنكحوهن فقال أمير المؤمنين تخيرهن ولا تكرههن فأشار أكبرهم إلى تخيير شهربانويه بنت يزدجرد فحجبت وأبت فقيل لها أيا كريمة قومها من تختارين من خطابك وهل أنت راضية بالبعل فسكتت فقال أمير المؤمنين قد رضيت وبقي الاختيار بعد سكوتها إقرارها فأعادوا القول في التخيير فقالت لست ممن يعدل عن النور الساطع والشهاب اللامع الحسين إن كنت مخيرة فقال أمير المؤمنين لمن تختارين أن يكون وليك فقالت أنت فأمر أمير المؤمنين حذيفة بن اليمان أن يخطب فخطب وزوجت من الحسين.

قال ابن الكلبي ولى علي بن أبي طالب حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق فبعث بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى فأعطاها على ابنه الحسين عليه السلام فولدت منه عليا.

وقال غيره إن حريثا بعث إلى أمير المؤمنين ببنتي يزدجرد فأعطى واحدة لابنه الحسين فأولدها علي بن الحسين وأعطى الأخرى محمد بن أبي بكر فأولدها القاسم بن محمد فهما ابنا خالة (١).

٤ ـ قب : أبناؤه علي الأكبر الشهيد أمه برة بنت عروة بن مسعود الثقفي وعلي الإمام وهو علي الأوسط وعلي الأصغر وهما من شهربانويه ومحمد وعبد الله

__________________

(١) المناقب ج ٤ ص ٤٨.

٣٣٠

الشهيد من أم الرباب بنت إمرئ القيس وجعفر وأمه قضاعية وبناته سكينة أمها رباب بنت إمرئ القيس الكندية وفاطمة أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله وزينب وأعقب الحسين من ابن واحد وهو زين العابدين عليه السلام وابنتين وبابه رشيد الهجري (١).

٥ ـ كشف : قال كمال الدين بن طلحة كان له من الأولاد ذكور وإناث عشرة ستة ذكور وأربع إناث فالذكر علي الأكبر وعلي الأوسط وهو سيد العابدين وعلي الأصغر ومحمد وعبد الله وجعفر فأما علي الأكبر فإنه قاتل بين يدي أبيه حتى قتل شهيدا وأما علي الأصغر فجاءه سهم وهو طفل فقتله وقيل إن عبد الله قتل أيضا مع أبيه شهيدا وأما البنات فزينب وسكينة وفاطمة هذا قول مشهور وقيل كان له أربع بنين وبنتان والأول أشهر وكان الذكر المخلد والبناء المنضد مخصوصا من بين بنيه بعلي الأوسط زين العابدين دون بقية الأولاد آخر كلامه.

قلت عدد أولاده عليه السلام ذكر بعضا وترك بعضا قال ابن الخشاب ولد له ستة بنين وثلاث بنات علي الأكبر الشهيد مع أبيه وعلي الإمام سيد العابدين وعلي الأصغر ومحمد وعبد الله الشهيد مع أبيه وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة.

وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي ولد الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما ستة أربعة ذكور وابنتان علي الأكبر وقتل مع أبيه وعلي الأصغر وجعفر وعبد الله وسكينة وفاطمة قال ونسل الحسين عليه السلام من علي الأصغر وأمه أم ولد وكان أفضل أهل زمانه وقال الزهري ما رأيت هاشميا أفضل منه.

قلت قد أخل الحافظ بذكر علي زين العابدين عليه السلام حيث قال علي الأكبر وعلي الأصغر وأثبته حيث قال ونسل الحسين من علي الأصغر

__________________

(١) المصدر ص ٧٧.

٣٣١

فسقط في هذه الرواية علي الأصغر والصحيح أن العليين من أولاده ثلاثة كما ذكر كمال الدين وزين العابدين عليه السلام هو الأوسط والتفاوت بين ما ذكره كمال الدين والحافظ أربعة (١).

٤٩

باب

أحوال المختار بن أبي عبيد الثقفي وما جرى على يديه وأيدي أوليائه

١ ـ ما : المفيد عن المظفر بن محمد البلخي عن محمد بن همام عن الحميري عن داود بن عمر النهدي عن ابن محبوب عن عبد الله بن يونس عن المنهال بن عمرو قال : دخلت على علي بن الحسين منصرفي من مكة فقال لي يا منهال ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي فقلت تركته حيا بالكوفة قال فرفع يديه جميعا ثم قال عليه السلام اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار.

قال المنهال فقدمت الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي وكان لي صديقا فكنت في منزلي أياما حتى انقطع الناس عني وركبت إليه فلقيته خارجا من داره فقال يا منهال لم تأتنا في ولايتنا هذه ولم تهنئنا بها ولم تشركنا فيها فأعلمته أني كنت بمكة وأني قد جئتك الآن وسايرته ونحن نتحدث حتى أتى الكناس فوقف وقوفا كأنه ينظر شيئا وقد كان أخبر بمكان حرملة بن كاهل فوجه في طلبه فلم يلبث أن جاء قوم يركضون وقوم يشتدون حتى قالوا أيها الأمير البشارة قد أخذ حرملة بن كاهل فما لبثنا أن جيء به فلما نظر إليه المختار قال لحرملة الحمد لله الذي مكنني منك ثم قال الجزار الجزار فأتي بجزار فقال له اقطع يديه فقطعتا ثم قال له اقطع رجليه فقطعتا ثم قال النار النار فأتي بنار وقصب فألقي عليه فاشتعل فيه النار فقلت سبحان الله فقال لي يا

__________________

(١) كشف الغمة ج ٢ ص ٢١٤.

٣٣٢

منهال إن التسبيح لحسن ففيم سبحت فقلت أيها الأمير دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة على علي بن الحسين عليه السلام فقال لي يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي فقلت تركته حيا بالكوفة فرفع يديه جميعا فقال اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار.

فقال لي المختار أسمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول هذا فقلت [ و ] الله لقد سمعته يقول هذا قال فنزل عن دابته وصلى ركعتين فأطال السجود ثم قام فركب وقد احترق حرملة وركبت معه وسرنا فحاذيت داري فقلت أيها الأمير إن رأيت أن تشرفني وتكرمني وتنزل عندي وتحرم بطعامي فقال يا منهال تعلمني أن علي بن الحسين دعا بأربع دعوات فأجابه الله على يدي ثم تأمرني أن آكل هذا يوم صوم شكرا لله عز وجل على ما فعلته بتوفيقه وحرملة هو الذي حمل رأس الحسين عليه السلام.

بيان : الحرمة ما لا يحل انتهاكه ومنه قولهم تحرم بطعامه وذلك لأن العرب إذا أكل رجل منهم من طعام غيره حصلت بينهما حرمة وذمة يكون كل منهما آمنا من أذى صاحبه.

٢ ـ ما : المفيد عن محمد بن عمران المرزباني عن محمد بن إبراهيم عن الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا المدائني عن رجاله أن المختار بن أبي عبيد الثقفي ظهر بالكوفة ليلة الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ست وستين فبايعه الناس على كتاب الله وسنة رسول الله والطلب بدم الحسين بن علي عليه السلام ودماء أهل بيته رحمة الله عليهم والدفع عن الضعفاء فقال الشاعر في ذلك :

ولما دعا المختار جئنا لنصره

على الخيل تردي من كميت وأشقرا

دعا يا لثأرات الحسين فأقبلت

تعادي بفرسان الصباح لتثأرا

ونهض المختار إلى عبد الله بن مطيع وكان على الكوفة من قبل ابن الزبير فأخرجه وأصحابه منها منهزمين وأقام بالكوفة إلى المحرم سنة سبع وستين ثم عمد

٣٣٣

على إنفاذ الجيوش إلى ابن زياد وكان بأرض الجزيرة فصير على شرطه أبا عبد الله الجدلي وأبا عمارة كيسان مولى عربية وأمر إبراهيم بن الأشتر ره بالتأهب للمسير إلى ابن زياد لعنه الله وأمره على الأجناد فخرج إبراهيم يوم السبت لسبع خلون من المحرم سنة سبع وستين في ألفين من مذحج وأسد وألفين من تميم وهمدان وألف وخمسمائة من قبائل المدينة وألف وخمسمائة من كندة وربيعة وألفين من الحمراء وقال بعضهم كان ابن الأشتر في أربعة آلاف من القبائل وثمانية آلاف من الحمراء (١).

وشيع المختار إبراهيم بن الأشتر ره ماشيا فقال له إبراهيم اركب رحمك الله فقال إني لأحتسب الأجر في خطاي معك وأحب أن تغبر قدماي في نصر آل محمد عليهم السلام ثم ودعه وانصرف فسار ابن الأشتر حتى أتى المدائن ثم سار يريد ابن زياد فشخص المختار عن الكوفة لما أتاه أن ابن الأشتر قد ارتحل من المدائن وأقبل حتى نزل المدائن.

فلما نزل ابن الأشتر نهر الخازر بالموصل (٢) أقبل ابن زياد في الجموع فنزل على أربعة فراسخ من عسكر ابن الأشتر ثم التقوا فحض ابن الأشتر أصحابه وقال يا أهل الحق وأنصار الدين هذا ابن زياد قاتل حسين بن علي وأهل بيته قد أتاكم الله به وبحزبه حزب الشيطان فقاتلوهم بنية وصبر لعل الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم وتزاحفوا ونادى أهل العراق يا آل ثأرات الحسين فجال أصحاب ابن الأشتر جولة فناداهم يا شرطة الله الصبر الصبر فتراجعوا فقال له عبد الله بن بشار بن أبي عقب الدؤلي حدثني خليلي : أنا نلقى أهل الشام على نهر يقال له الخازر فيكشفونا حتى نقول هي هي (٣) ثم نكر عليهم فنقتل أميرهم فأبشروا واصبروا

__________________

(١) الحمراء : العجم لان الشقرة أغلب الالوان عليهم والأحامرة قوم من العجم سكنوا بالكوفة.

(٢) نهر بين الموصل واربل.

(٣) بالفتح وتشديد الياء مكسورة اسم فعل للامر ، بمعنى أسرع فيما أنت فيه.

٣٣٤

فإنكم لهم قاهرون.

ثم حمل ابن الأشتر ره يمينا فخالط القلب وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم فانجلت الغمة وقد قتل عبيد الله بن زياد وحصين بن نمير وشرحبيل بن ذي الكلاع وابن حوشب وغالب الباهلي وعبد الله بن إياس السلمي وأبو الأشرس الذي كان على خراسان وأعيان أصحابه لعنهم الله.

فقال ابن الأشتر لأصحابه إني رأيت بعد ما انكشف الناس طائفة منهم قد صبرت تقاتل فأقدمت عليهم وأقبل رجل آخر في كبكبة كأنه بغل أقمر يغري الناس لا يدنو منه أحد إلا صرعه فدنا مني فضربت يده فأبنتها وسقط على شاطئ نهر فسرقت يداه وعربت رجلاه فقتلته ووجدت منه ريح المسك وأظنه ابن زياد فاطلبوه فجاء رجل فنزع خفيه وتأمله فإذا هو ابن زياد لعنه الله على وصف ابن الأشتر فاجتز رأسه واستوقدوا عامة الليل بجسده فنظر إليه مهران مولى زياد وكان يحبه حبا شديدا فحلف أن لا يأكل شحما أبدا فأصبح الناس فحووا ما في العسكر وهرب غلام لعبيد الله إلى الشام فقال له عبد الملك بن مروان متى عهدك بابن زياد فقال جال الناس فتقدم فقاتل وقال ايتني بجرة فيها ماء فأتيته فاحتملها فشرب منها وصب الماء بين درعه وجسده وصب على ناصية فرسه فصهل ثم اقتحمه فهذا آخر عهدي به.

قال وبعث ابن الأشتر برأس ابن زياد إلى المختار وأعيان من كان معه فقدم بالرءوس والمختار يتغدى فألقيت بين يديه فقال ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) وضع رأس الحسين بن علي عليه السلام بين يدي ابن زياد وهو يتغدى وأتيت برأس ابن زياد وأنا أتغدى قال وانسابت حية بيضاء تخلل الرءوس حتى دخلت في أنف ابن زياد وخرجت من أذنه ودخلت من أذنه وخرجت من أنفه فلما فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ثم رمى بها إلى مولى له وقال اغسلها فإني وضعتها على وجه نجس كافر.

وخرج المختار إلى الكوفة وبعث برأس ابن زياد ورأس حصين بن نمير

٣٣٥

ورأس شرحبيل بن ذي الكلاع مع عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي وعبد الله بن شداد الجشمي والسائب بن مالك الأشعري إلى محمد ابن الحنفية بمكة وعلي بن الحسين عليه السلام يومئذ بمكة وكتب إليه معهم.

أما بعد فإني بعثت أنصارك وشيعتك إلى عدوك يطلبونه بدم أخيك المظلوم الشهيد فخرجوا محتسبين محنقين أسفين فلقوهم دون نصيبين فقتلهم رب العباد ـ ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) الذي طلب لكم الثأر وأدرك لكم رؤساء أعدائكم فقتلهم في كل فج وغرقهم في كل بحر فشفى بذلك ( صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) وأذهب ( غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ).

وقدموا بالكتاب والرءوس إليه فبعث برأس ابن زياد إلى علي بن الحسين عليه السلام فأدخل عليه وهو يتغدى فقال علي بن الحسين عليهما السلام أدخلت على ابن زياد لعنه الله وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه فقلت اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدى فالحمد لله الذي أجاب دعوتي ثم أمر فرمي به فحمل إلى ابن الزبير فوضعه ابن الزبير على قصبة فحركتها الريح فسقط فخرجت حية من تحت الستار فأخذت بأنفه فأعادوا القصبة فحركتها الريح فسقط فخرجت الحية فأزمت بأنفه ففعل ذلك ثلاث مرات فأمر ابن الزبير فألقي في بعض شعاب مكة.

قال وكان المختار ره قد سئل في أمان عمر بن سعد بن أبي وقاص فآمنه على أن لا يخرج من الكوفة فإن خرج منها فدمه هدر قال فأتى عمر بن سعد رجل فقال إني سمعت المختار يحلف ليقتلن رجلا والله ما أحسبه غيرك قال فخرج عمر حتى أتى الحمام (١) فقيل له أترى هذا يخفى على المختار فرجع ليلا فدخل داره فلما كان الغد غدوت فدخلت على المختار وجاء الهشيم بن الأسود فقعد فجاء حفص بن عمر بن سعد فقال للمختار يقول لك أبو حفص أين لنا بالذي كان بيننا وبينك قال اجلس فدعا المختار أبا عمرة فجاء رجل قصير يتخشخش في الحديد فساره ودعا برجلين فقال اذهبا معه فذهب فو الله ما أحسبه بلغ دار

__________________

(١) يعني حمام عمر ، كما يأتي عن ابن نما في رسالة أخذ الثأر.

٣٣٦

عمر بن سعد حتى جاء برأسه فقال المختار لحفص أتعرف هذا قال ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) قال يا أبا عمرة ألحقه به فقتله فقال المختار ره عمر بالحسين وحفص بعلي بن الحسين ولا سواء.

قال واشتد أمر المختار بعد قتل ابن زياد وأخاف الوجوه وقال لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتى أقتل قتلة الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيته وما من ديني أترك أحدا منهم حيا وقال أعلموني من شرك في دم الحسين وأهل بيته فلم يكن يأتونه برجل فيقولون إن هذا من قتلة الحسين أو ممن أعان عليه إلا قتله وبلغه أن شمر بن ذي الجوشن لعنه الله أصاب مع الحسين إبلا فأخذها فلما قدم الكوفة نحرها وقسم لحومها فقال المختار أحصوا لي كل دار دخل فيها شيء من ذلك اللحم فأحصوها فأرسل إلى من كان أخذ منها شيئا فقتلهم وهدم دورا بالكوفة.

وأتي المختار بعبد الله بن أسيد الجهني ومالك بن الهيثم البداني (١) من كندة وحمل بن مالك المحاربي فقال يا أعداء الله أين الحسين بن علي قالوا أكرهنا على الخروج إليه قال أفلا مننتم عليه وسقيتموه من الماء وقال للبداني أنت صاحب برنسه لعنك الله قال لا قال بلى ثم قال اقطعوا يديه ورجليه ودعوه يضطرب حتى يموت فقطعوه وأمر بالآخرين فضربت أعناقهما وأتي بقراد بن مالك وعمر بن خالد وعبد الرحمن البجلي وعبد الله بن قيس الخولاني فقال لهم يا قتلة الصالحين ألا ترون الله برئ منكم لقد جاءكم الورس بيوم نحس فأخرجهم إلى السوق فقتلهم.

وبعث المختار معاذ بن هانئ الكندي وأبا عمرة كيسان إلى دار خولي بن يزيد الأصبحي وهو الذي حمل رأس الحسين عليه السلام إلى ابن زياد فأتوا داره فاستخفى في المخرج فدخلوا عليه فوجدوه قد ركب على نفسه قوصرة فأخذوه وخرجوا يريدون المختار فتلقاهم في ركب فردوه إلى داره وقتله عندها وأحرقه.

__________________

(١) نسبة الى بدا ـ بتشديد الدال ـ بطن من كندة ، من القحطانية وهم بنو بدا بن الحارث بن معاوية بن كندة كانت منازلهم بحضر موت.

٣٣٧

وطلب المختار شمر بن ذي الجوشن فهرب إلى البادية فسعى به إلى أبي عمرة فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالا شديدا فأثخنته الجراحة فأخذه أبو عمرة أسيرا وبعث به إلى المختار فضرب (١) عنقه وأغلى له دهنا في قدر فقذفه فيها فتفسخ ووطئ مولى لآل حارثة بن مضرب وجهه ورأسه ولم يزل المختار يتتبع قتلة الحسين وأهله حتى قتل منهم خلقا كثيرا وهرب الباقون فهدم دورهم وقتلت العبيد مواليهم الذين قاتلوا الحسين عليه السلام وأتوا المختار فأعتقهم.

إيضاح : ردى الفرس بالفتح يردي رديا إذا رجم الأرض رجما بين العدو والمشي الشديد قوله تعادي من العداوة أو من العدو والأخير أظهر قوله لتثأر أي لتطلب الثأر بدم الحسين عليه السلام وقال الفيروزآبادي سرقت مفاصله كفرح ضعف وفي بعض النسخ بالشين من الشرق بمعنى الشق أو من قولهم شرق الدم بجسده شرقا إذا ظهر ولم يسل وعرب كفرح ورم وتقيح وفي بعض النسخ بالغين المعجمة من قولهم غرب كفرح أسود وقال الجوهري يقال أزم الرجل بصاحبه إذا لزمه عن أبي زيد وأزمه أيضا أي عضه والحمام اسم موضع خارج الكوفة وقال الجوهري القوصرة بالتشديد هذا الذي يكنز فيه التمر من البواري.

أقول : قد مضى ذم المختار في باب مصالحة الحسن عليه السلام (٢).

٣ ـ ير : أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن شعيب قال حدث أبو جعفر أن علي بن دراج حدثه أن المختار استعمله على بعض عمله وأن المختار أخذه فحبسه وطلب منه مالا حتى إذا كان يوما من الأيام دعاه هو وبشر بن غالب فهددهما بالقتل فقال له بشر بن غالب وكان رجلا متنكرا والله ما تقدر على قتلنا قال لم ومم ذلك ثكلتك أمك وأنتما أسيران في يدي قال لأنه جاءنا في الحديث أنك تقتلنا حين تظهر على دمشق فتقتلنا على درجها قال له المختار صدقت قد جاء هذا قال فلما قتل المختار خرجا من محبسهما.

__________________

(١) الى المختار فأغلى له خ ل.

(٢) راجع ج ٤٤ ص ٢٨.

٣٣٨

أقول : تمامه في معجزات الباقر عليه السلام.

٤ ـ ص : بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن محمد بن أبي القاسم عن الكوفي عن أبي عبد الله الخياط عن عبد الله بن القاسم عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن الله عز وجل إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه وإذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه ولقد انتصر ليحيى بن زكريا ببخت نصر.

٥ ـ سر : أبان بن تغلب عن جعفر بن إبراهيم عن زرعة عن سماعة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا كان يوم القيامة مر رسول الله بشفير النار وأمير المؤمنين والحسن والحسين فيصيح صائح من النار يا رسول الله أغثني يا رسول الله ثلاثا قال فلا يجيبه قال فينادي يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين ثلاثا أغثني فلا يجيبه قال فينادي يا حسين يا حسين يا حسين أغثني أنا قاتل أعدائك قال فيقول له رسول الله قد احتج عليك قال فينقض عليه كأنه عقاب كاسر قال فيخرجه من النار قال فقلت لأبي عبد الله عليه السلام ومن هذا جعلت فداك قال المختار قلت له ولم عذب بالنار وقد فعل ما فعل قال إنه قال كان في قلبه منهما شيء والذي بعث محمدا بالحق لو أن جبرئيل وميكائيل كان في قلبيهما شيء لأكبهما الله في النار على وجوههما.

بيان : كأن هذا الخبر وجه جمع بين الأخبار المختلفة الواردة في هذا الباب بأنه وإن لم يكن كاملا في الإيمان واليقين ولا مأذونا فيما فعله صريحا من أئمة الدين لكن لما جرى على يديه الخيرات الكثيرة وشفي بها ( صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) كانت عاقبة أمره آئلة إلى النجاة فدخل بذلك تحت قوله سبحانه ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) (١) وأنا في شأنه من المتوقفين وإن كان الأشهر بين أصحابنا أنه من المشكورين.

٦ ـ م : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه كما أن بعض بني إسرائيل أطاعوا فأكرموا وبعضهم عصوا فعذبوا فكذلك تكونون أنتم فقالوا فمن العصاة

__________________

(١) التوبة : ١٠٢.

٣٣٩

يا أمير المؤمنين قال الذين أمروا بتعظيمنا أهل البيت وتعظيم حقوقنا فخانوا وخالفوا ذلك وجحدوا حقوقنا واستخفوا بها وقتلوا أولادنا أولاد رسول الله الذين أمروا بإكرامهم ومحبتهم قالوا يا أمير المؤمنين إن ذلك لكائن قال بلى خبرا حقا وأمرا كائنا سيقتلون ولدي هذين الحسن والحسين.

ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام وسيصيب الذين ظلموا رجزا في الدنيا بسيوف بعض من يسلط الله تعالى عليهم للانتقام ( بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) كما أصاب بني إسرائيل الرجز قيل ومن هو قال غلام من ثقيف يقال له المختار بن أبي عبيد وقال علي بن الحسين عليهما السلام فكان ذلك بعد قوله هذا بزمان وإن هذا الخبر اتصل بالحجاج بن يوسف لعنه الله من قول علي بن الحسين عليهما السلام قال أما رسول الله ما قال هذا وأما علي بن أبي طالب فأنا أشك هل حكاه عن رسول الله وأما علي بن الحسين فصبي مغرور يقول الأباطيل ويغر بها متبعوه اطلبوا لي المختار.

فطلب فأخذ فقال قدموه إلى النطع فاضربوا عنقه فأتي بالنطع فبسط وأبرك عليه المختار ثم جعل الغلمان يجيئون ويذهبون لا يأتون بالسيف قال الحجاج ما لكم قالوا لسنا نجد مفتاح الخزانة وقد ضاع منا والسيف في الخزانة فقال المختار لن تقتلني ولن يكذب رسول الله ولئن قتلتني ليحييني الله حتى أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألفا فقال الحجاج لبعض حجابه أعط السياف سيفك يقتله فأخذ السياف سيفه وجاء ليقتله به والحجاج يحثه ويستعجله فبينا هو في تدبيره إذ عثر والسيف بيده فأصاب السيف بطنه فشقه فمات فجاء بسياف آخر وأعطاه السيف فلما رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب فسقط فمات فنظروا وإذا العقرب فقتلوه.

فقال المختار يا حجاج إنك لا تقدر على قتلي ويحك يا حجاج أما تذكر ما قال نزار بن معد بن عدنان للسابور ذي الأكتاف حين كان يقتل العرب ويصطلمهم فأمر نزار ولده فوضع في زبيل في طريقه فلما رآه قال له من أنت قال أنا رجل من العرب أريد أن أسألك لم تقتل هؤلاء العرب ولا ذنوب لهم إليك وقد قتلت الذين كانوا مذنبين في عملك والمفسدين قال لأني وجدت في الكتاب

٣٤٠