بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

إبراهيم؟ فقال : الذي خلقك وخلقني ، فقال له إبراهيم : لقد أعجبني نحوك وأنا أحب أن اؤاخيك في الله ، فأين منزلك إذا أردت زيارتك ولقاءك؟ فقال له الرجل : منزلي خلف النطفة (١) ـ وأشار بيده إلى البحر ـ وأما مصلاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء الله. ثم قال الرجل لابراهيم : لك حاجة؟ فقال إبراهيم عليه‌السلام : نعم ، قال : وما هي؟ قال له تدعو الله وأؤمن على دعائك ، أو أدعو أنا وتؤمن على دعائي ، فقال له الرجل : وفيم تدعوالله؟ قال له إبراهيم : للمذنبين المؤمنين ، فقال الرجل : لا ، فقال إبراهيم : ولم؟ فقال : لاني دعوت الله منذ ثلاث سنين بدعوة لم أرإجابتها إلى الساعة وأنا أستحيي من الله أن أدعوه بدعوة حتى أعلم أنه قد أجابني ، فقال إبراهيم : وفيما دعوته؟ فقال له الرجل : إني لفي مصلاي هذا ذات يوم إذ مر بي غلام أروع ، (٢) النور يطلع من جبينه ، له ذؤابة من خلفه ، معه بقريسوقها ، كأنما دهنت دهنا ، وغنم يسوقها كأنما دخشت دخشا. قال : فأعجبني ما رأيت منه ، فقلت : يا غلام لمن هذه البقر والغنم ، فقال : لي ، فقلت : ومن أنت؟ فقال : أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الله. فدعوت الله عند ذلك وسألته أن يريني خليله ، فقال له إبراهيم : فأنا إبراهيم خليل الرحمن وذلك الغلام ابني ، فقال الرجل عند ذلك : الحمد لله رب العالمين ، الذي أجاب دعوتي ، قال : ثم قبل الرجل صفحتي وجه إبراهيم وعانقه ، ثم قال : الآن فنعم فادع حتى أؤمن على دعائك ، فدعا إبراهيم للمؤمنين والمؤمنات من يومه ذلك إلى يوم القيامة بالمغفرة والرضى عنهم ، وأمن الرجل على دعائه ، فقال أبوجعفر عليه‌السلام : فدعوة إبراهيم بالغة للمذنبين المؤمنين من شيعتنا إلى يوم القيامة. (٣)

بيان : نحوك أي طريقتك في العبادة ، أو قصدك ، أو مثلك. والنطفة بالضم : البحر ، و قيل : الماء الصافي قل أو كثر ، والاروع من الرجال الذي يعجبك حسنه. قوله : « كأنما دهنت دهنا » كناية إما عن سمنها أي ملئت دهنا أو صفائها أي طليت به ، يقال : دهنه أي طلاه بالدهن. قوله : « كأنما دخست » في بعض النسخ بالخاء المعجمة والسين المهملة ، قال الجوهري : الدخيس :

__________________

(١) في المصدر : خلف هذه النطفة. م

(٢) الاروع : من يعجبك بحسنه أو شجاعته.

(٣) كمال الدين : ٨٣ ـ ٨٤. م

٨١

اللحم المكتنز ، وكل ذي سمن دخيس ، وفي بعضها بالحاء المهملة أيضا ، قال الجزري : كل شئ ملاته فقد دخسته ، وفي بعضها بالخاء والشين المعجمتين قال الفيروز آبادي : دخش كفرح : امتلا لحما.

١١ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن أورمة ، عن يحيى اللحام ، عن سماعة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن إبراهيم ناجى ربه فقال : يارب كيف ذا العيال؟ من قبل أن يجعل له من ولده خلفا يقوم من بعده في عياله ، فأوحى الله تعالى إليه : يا إبراهيم أو تريد لها خلفا منك يقوم مقامك من بعدك خيرا مني؟! قال إبرهيم : اللهم لا ، الآن طابت نفسي. (١)

١٢ ـ كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن أبي داود ، عن عبدالله بن أبان ، عن أبي عبدالله (ع) قال : من مسجد السهلة سار إبراهيم عليه‌السلام إلى اليمن بالعمالقة. (٢)

( باب ٥ )

* ( احوال أولاده وأزواجه صلوات الله عليهم وبناء البيت ) *

الايات ، البقرة « ٢ » وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسمعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود * وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير * وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم * ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت

__________________

(١) مخطوط. م

(٢) فروع الكافى ١ : ١٣٩. م

٨٢

لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ١٢٥ ـ ١٣٢.

الانعام « ٦ » ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا ٨٤.

هود « ١١ » ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا ارسلنا إلى قوم لوط * وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب * قالت يا ويلتئ ألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد * فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجاد لنا في قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب * يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ٦٩ ـ ٧٦.

ابراهيم « ١٤ » وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الاصنام * رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم * ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غيرذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون * ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شئ في الارض ولا في السماء * الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسمعيل وإسحق إن ربي لسميع الدعاء * رب اجعلني مقيم الصلوة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء * ربنا اغفرلي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ٣٥ ـ ٤١.

مريم « ١٩ » فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحق ويعقوب و كلا جعلنا نبيا * ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ٤٩ ـ ٥٠.

الانبياء « ٢١ » ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة وكانوا لنا عابدين ٧٢ ـ ٧٣ « وقال تعالى » : وإسمعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ٨٥.

الحج « ٢٢ » وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت أن لا تشكر بي شيئا وطهر بيتي للطائفين

٨٣

والقائمين والركع السجود * وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام ٢٦ ـ ٢٧.

العنكبوت « ٢٩ » ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب و آتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخره لمن الصالحين ٢٧.

الذاريات « ٥١ » هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون * فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقر به إليهم قال ألا تأكلون * فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم * فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم * قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم * قال فماخطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا ارسلنا إلى قوم مجرمين * لنرسل عليهم حجارة من طين ٢٤ ـ ٣٣.

تفسير : قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله سبحانه : « واتخذوا من مقام إبراهيم » : في المقام دلالة ظاهرة على نبوة إبراهيم عليه‌السلام فإن الله سبحانه جعل الحجر تحت قدمه كالطين حتى دخلت قدمه فيه فكان ذلك معجزة له. وروي عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : نزلت ثلاثة أحجار من الجنة : مقام إبراهيم ، وحجر بني إسرائيل ، والحجر الاسود استودعه الله إبراهيم حجرا أبيض وكان أشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بني آدم.

وقال ابن عباس : لما أتى إبراهيم بإسماعيل وهاجر فوضعهما بمكة وأتت على ذلك مدة ونزلها الجرهميون وتزوج إسماعيل امرأة منهم وماتت هاجر استأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل ، فقدم إبراهيم عليه‌السلام وقد ماتت هاجر فذهب إلى بيت إسماعيل فقال لامرأته : أين صاحبك؟ فقالت : ليس هو ههنا ذهب يتصيد ، وكان إسماعيل يخرج من الحرم فيتصيد ثم يرجع ، فقال لها إبراهيم : هل عندك ضيافة ، قالت : ليس عندي شئ وما عندي أحد ، فقال لها إبراهيم : إذاجاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له : فليغير عتبة بابه ; وذهب إبراهيم عليه‌السلام وجاء إسماعيل (ع) و وجد ريح أبيه فقال لامرأته : هل جاءك أحد؟ قالت : جاءني شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة

٨٤

بشأنه ، قال : فما قال لك؟ قالت : قال لي : اقرئي زوجك السلام وقولي له : فليغير عتبة بابه ، فطلقها وتزوج اخرى ، (١) فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت له واشترطت عليه أن لاينزل ، فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل فقال لامرأته : أين صاحبك؟ قالت : يتصيد وهو يجئ الآن إن شاء الله فانزل يرحمك الله ، قال لها : هل عندك ضيافة؟ قالت : نعم ، فجاءت باللبن واللحم فدعا لها بالبركة ، فلو جاءت يومئذ بخبز برا وشعيرا وتمرا لكان أكثر أرض الله برا وشعيرا وتمرا ، فقالت له : انزل حتى أغسل رأسك ، فلم ينزل فجاءت بالمقام فوضعته على شقة الايمن فوضع قدمه عليه فبقي أثر قدمه عليه ، فغلست شق رأسه الايمن ، ثم حولت المقام إلى شق رأسه الايسر فبقي أثر قدمه عليه ، فغسلت شق رأسه الايسر ، فقال لها : إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام و قو لي له : قد استقامت عتبة بابك ; فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامرأته : هل جاءك أحد؟ قالت : نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا وقال لي كذا وكذا ، و غسلت رأسه ، وهذا موضع قدميه على المقام ، قال لها إسماعيل : ذاك إبراهيم عليه‌السلام.

وقد روى هذه القصة علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان ، عن الصادق عليه‌السلام وإن اختلفت بعض ألفاظه ، وقال في آخرها : إذا جاء زوجك فقولي له ، قد جاء ههنا شيخ وهو يوصيك بعتبة بابك خيرا ، قال فأكب إسماعيل على المقام يبكي ويقبله.

وفي رواية أخرى عنه (ع) إن إبراهيم عليه‌السلام استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت له على أن لا يلبث عنها وأن لا ينزل عن حماره ، فقيل له : كيف كان ذلك؟ فقال : إن الارض طويت له. وعن ابن عمر عن النبي (ص) قال : الركن والمقام ياقوتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ، ولولا أن نورهما طمس لاضاء مابين المشرق والمغرب.

أن « طهرا » أي قلنا لهما : طهرا بيتي ، أضاف البيت إلى نفسه تفضيلا له على سائر البقاع. وفي التطهير وجوه :

أحدها : أن المراد : طهراه من الفرث والدم الذي كان المشركون تطرحه عند البيت قبل أن يصير في يد إبراهيم وإسماعيل. وثانيها : طهراه من الاصنام التي كانوا يعلقونها

__________________

(١) سماها اليعقوبي الحيفاء بنت مضاض الجرهمية.

٨٥

على باب البيت. وثالثها : طهراه ببنائكما له على الطهارة كقوله تعالى : « أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ». (١)

« للطائفين والعاكفين » أكثر المفسرين على أن الطائفين هم الدائرون حول البيت ، والعاكفين هم المجاورون للبيت ; وقيل : الطائفون : الطارئون (٢) على مكة من الآفاق ، والعاكفون : المقيمون فيها « والركع السجود » هم المصلون. (٣)

« رب اجعل هذا » أي مكة « بلدا آمنا » أي ذا أمن ، قال ابن عباس : يريد : لا يصاد طيره ، ولا يقطع شجره ، ولا يختلى خلاه (٤) « وارزق أهله من الثمرات » روي عن أبي جعفر (ع) أن المراد بذلك أن الثمرات تحمل إليهم من الآفاق. وروي عن الصادق عليه‌السلام قال : إنما هو ثمرات القلوب. (٥) أي حببهم إلى الناس ليثوبوا إليهم « من آمن منهم » إنما خصهم لانه تعالى كان قد أعلمه أنه يكون في ذريته الظالمون فخص بالدعاء رزق المؤمنين تأدبا بأدب الله فيهم « قال ومن كفر فأمتعه قليلا » أي قال الله قد استجبت دعوتك فيمن أمن منهم ومن كفر فأمتعه بالرزق الذي ارزقه إلى وقت مماته « ثم أضطره إلى عذاب النار » أي أدفعه إليها في الآخرة. (٦)

« وإذ يرفع » أي اذكر إذ يرفع « إبراهيم القواعد من البيت » أي اصول البيت التي كانت قبل ذلك ، عن ابن عباس وعطا قالا : قد كان آدم بناه ثم عفا أثره (٧) فجدده إبراهيم وهو المروي عن أئمتنا صلوات الله عليهم. وفي كتاب العياشي بإسناده عن الصادق (ع) قال : إن الله تعالى أنزل الحجر الاسود من الجنة لآدم عليه‌السلام وكانت البيت درة بيضاء فرفعه الله تعالى إلى السماء وبقي أساسه فهو حيال هذا البيت ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت على القواعد « وإسمعيل »

__________________

(١) التوبة : ١٠٩.

(٢) جمع الطارئ : الغريب خلاف الاصلى.

(٣) مجمع البيان ١ : ٢٠٣. ٢٠٤. م

(٤) أى لا يجز عشبه.

(٥) لا تنافى بين الخبرين لان الثمرات معنى اعم يشمل ما فيهما ، ويحتمل أن يكون الثانى تفسيرا بالسبب.

(٦) مجمع البيان ١ : ٢٠٦. م

(٧) أى محى ودرس وبلى.

٨٦

أي يرفع إبراهيم وإسماعيل أساس الكعبة يقولان : « ربنا تقبل منا » فكان إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة.

وروي عن الباقر عليه‌السلام أن إسماعيل أول من شق لسانه بالعربية ، (١) فكان أبوه يقول له : ـ وهما يبنيان البيت ـ يا إسماعيل هابي ابن أي أعطني حجرا ، فيقول له إسماعيل : يا أبت هاك حجرا ، فإبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة. (٢)

« واجعلنا مسلمين لك » أي في بقية عمرنا كما جعلتنا مسملين في ماضي عمرنا و قيل : أي قائمين بجميع شرائع الاسلام ، مطيعين لك ، لان الاسلام هو الطاعة والانقياد « من ذريتنا » أي واجعل من أولادنا « امة مسلمة لك » أي جماعة موحدة منقادة لك ، يعني امة محمد (ص) ، روي عن الصادق عليه‌السلام أن المراد بالامة بنو هاشم خاصة وإنما خصا بعضهم لانه تعالى أعلم إبراهيم أن في ذريته من لا ينال عهده لا يرتكبه من الظلم « وأرنا مناسكنا » أي عرفنا المواضع التي تتعلق النسك بها لنفعه عندها « وتب علينا » فيه وجوه :

أحدها : أنهما قالا هذه الكلمة على وجه التسبيح والتعبد والانقطاع إلى الله ليقتدي بهما الناس فيها.

وثانيها : أنهما سألا التوبة على ظلمة ذريتهما.

وثالثها : أن معناه : ارجع علينا بالمغفرة والرحمة. (٣)

__________________

(١) أى من ولد ابراهيم ، وذلك كان بعد ما تزوج اسماعيل من جرهم فاضطر إلى معاشرتهم فتكلم بلغتهم وهى العربية ، راجع ما يأتى تحت رقم ٣٩. وقيل : العربية الخالصة وهى اللهجة العدنانية وحى إلهى أوحى الله إلى إسماعيل عليه‌السلام. قلت : عد البغدادى في كتاب المحبر من قبائل العاربة الذين الهموا العربية وتكلموا بها عاد وعبيل ابنا عوص بن ارم بن سام بن نوح ، وثمود وجديس ابنا جاثربن ارم بن سام بن نوح ، وعمليق وطسم وأميم بنو لوذان بن ارم ، وبنو يقطن بن عامر بن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح وهم جرهم ، وحضرموت والسلف وجاسم بن عمان بن سبا بن يقشان بن ابراهيم.

(٢) مجمع البيان ١ : ٢٠٨. م

(٣) مجمع البيان ١ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩. م

٨٧

« وابعث فيهم رسولا » هو نبينا محمد (ص) كما قال : أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى. (١)

« ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه » أي لا يترك دين إبراهيم وشريعته إلا من أهلك نفسه وأوبقها ; وقيل : أضل نفسه ; وقيل : جهل قدره. وقيل : جهل نفسه بما فيها من الآيات الدالة على أن لها صانعا ليس كمثله شئ. (٢)

« ولقد اصطفيناه في الدنيا » أي اخترناه بالرسالة « وإنه في الآخرة لمن الصالحين » أي من الفائزين ، وقيل : أي لمع الصالحين ، أي مع آبائه الانبياء في الجنة « إذ قال له ربه » أي اصطفيناه حين قال له ربه « أسلم » واختلف في أنه متى قيل له ذلك ، فقال الحسن : كان هذا حين ألفت الشمس ورأى إبراهيم تلك الآيات والادلة وقال : « يا قوم إني برئ مما تشركون » وقال ابن عباس : إنما قال ذلك إبراهيم حين خرج من السرب ، وإنما قال ذلك بعد النبوة ، ومعنى « أسلم » استقم على الاسلام وأثبت على التوحيد ; وقيل : معنى أسلم أخلص دينك بالتوحيد « قال أسلمت » أي أخلصت الدين « لله رب العالمين * ووصى بها » أي بالملة ، أو بالكلمة التي هي قوله : « أسلمت لرب العالمين » وقيل : بكلمة التوحيد « إبراهيم بنيه » إنما خص البنين لان إشفاقه عليهم أكثر. وهم بقبول وصيته أجدر ، وإلا فمن المعلوم أنه كان يدعو جميع الانام إلى الاسلام « ويعقوب » أي ووصى يعقوب بنيه « إن الله اصطفى لكم الدين » أي اختار لكم دين الاسلام « فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون » أي فلا تتركوا الاسلام فيصادفكم الموت على تركه. (٣)

ولقد جاءت رسلنا « قيل : كانوا ثلاثة : جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، عن ابن عباس ; وقيل : أربعة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ; قيل : والرابع اسمه كروبيل ; وقيل : تسعة ؛ وقيل : أحد عشر وكانوا على صورة الغلمان » بالبشرى « أي بالبشارة بإسحاق ونبوته ، وأنه يولد له يعقوب. وروي عن أبي جعفر عليه‌السلام أن هذه البشارة كانت بإسماعيل من هاجر ؛ »

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٢٠٩ ـ ٢١٠. م

(٢) وقيل : أذلها واستخف بها.

(٣) مجمع البيان ١ : ٢١٢ ـ ٢١٣. م

٨٨

وقيل :بإهلاك قوم لوط « قالوا سلاما » أي سلمنا سلاما ، أوأصبت سلاما ، أي سلامة « فضحكت » أي تعجبا من غفلة قوم لوط مع قرب نزول العذاب بهم ; أو من امتناعهم عن الاكل وخدمتها إياهم بنفسها. وقيل : ضحكت لانها قالت لابراهيم : اضمم إليك ابن أخيك (١) إني أعلم أنه سينزل بهؤلاء عذاب فضحكت سرورا لما أتى الامر على ما توهمت ; وقيل : تعجبا وسرورا من البشارة بإسحاق لانها كانت هرمت وهي بنت ثمان وتسعين أو تسع وتسعين ، وقد كان شاخ زوجها ، وكان ابن تسع وتسيعن سنة أو مائة سنة ; وقيل : مائة وعشرين سنة ، ولم يرزق لهما ولد في حال شبابهما ، ففي الكلام تقديم وتأخير ، وروي ذلك عن أبي جعفر (ع) « ومن وراء إسحاق » أي بعد إسحاق ، وعن ابن العباس : الوراء ولد الولد ; وقيل : إن ضحكت بمعنى حاضت ، وروي ذلك عن الصادق (ع) يقال : ضحكت الارنب أي حاضت « رحمت الله » خبر أودعاء « يجادلنا » أي يجادل رسلنا ويسائلهم « في قوم لوط » بما سيأتي في الاخبار ، أو يسألهم بم يستحقون العذاب؟ وكيف يقع عليهم؟ وكيف ينجي الله المؤمنين؟ فسمي الاستقصاء في السؤال جدالا ، فقالت الملائكة : « يا إبراهيم أعرض عن هذا » القول « إنه قد جاء أمر ربك » بالعذاب فهو نازل بهم لا محالة. (٢)

« هذا البلد » يعني مكة وما حولها من الحرم « رب إنهن أضللن » أي ضل بعبادتهن كثير من الناس « فمن تبعني فإنه مني » أي من تبعني من ذريتي التي أسكنتهم هذا البلد على ديني في عبادة الله وحده فإنه من جملتي وحاله كحالي « فإنك عفور رحيم » أي ساتر على العباد معاصيهم ، رحيم بهم في جيمع أحوالهم ، منعم عليهم « ربنا إني أسكنت من ذريتي » يريد إسماعيل مع امه هاجر وهو أكبر ولده ، وروي عن الباقر صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : نحن بقية تلك العترة ، وقال : كانت دعوة إبراهيم لنا خاصة « بواد غير ذي زرع » يريد وادي مكة وهو الابطح إذ لم يكن بها يومئذ ماء ولا زرع ولا ضرع « عند بيتك المحرم » أضاف البيت إليه إذ لم يملكه أحد سواه ، ووصفه بالمحرم لانه لا يستطيع أحد الوصول

__________________

(١) هذا مبنى على ما ذكره الثعلبى وغيره من أن لوطا كان ابن اخى ابراهيم وهو لوط بن هاران بن تارخ ; منه قدس‌سره. قلت : قاله النعلبى في العرائس ص ٦١ ، وقال اليعقوبى : كان لوط ابن أخيه خاران بن تارخ.

(٢) مجمع البيان ٥ : ١٧٩ ـ ١٨١. م

٨٩

إليه إلا بالاحرام ، وقيل : لانه حرم فيه ماأحل في غيره من البيوت من الجماع و الملابسة بشئ من الاقذار والدماء ; وقيل : معناه : العظيم الحرمة « فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم » هذا سؤال من إبراهيم عليه‌السلام أن يجعل الله قلوب الخلق تحن إلى ذلك الموضع ليكون في ذلك أنس لذريته ، وليدر أرزاقهم على مرور الاوقات. وعن الباقر عليه‌السلام أنه قال : إما امر الناس أن يطوفوا بهذه الاحجار ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ، و يعرضوا علينا نصرهم ، ثم قرأ هذه الآية « الحمد لله الذي وهب لي على الكبر » قال ابن عباس : ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة ، وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة ، وقال ابن جبير : لم يولد لابراهيم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة « ولوالدي » استدل أصحابنا بهذا على ما ذهبوا إليه من أن أبوي إبراهيم لم يكونا كافرين ، لانه إنما سأل المغفرة لهما يوم القيامة ، فلو كانا كافرين لما سأل ذلك. (١)

« فلما اعتزلهم » أي فارقهم وهاجرهم إلى الارض المقدسة « وهبنا له إسحق » ولدا « ويعقوب » ولد ولد « وكلا » من هذين « جعلنا نبيا » يقتدي به في الدين « ووهبنا لهم من رحمتنا » أي نعمتنا سوى الاولاد والنبوة من نعم الدين والدنيا « وجعلنا لهم لسان صدق » أي ثناء حسنا في الناس « عليا » مرتفعا سائرا في الناس ، فكل أهل الاديان يتولون إبراهيم وذريته ويثنون عليهم ويدعون أنهم على دينهم ; وقيل : معناه : وأعلينا ذكرهم بأن محمدا وامته يذكرونهم بالجميل إلى قيام القيامة بقولهم : كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم. (٢)

« وكلا جعلنا صالحين » للنبوة والرسالة ، أو حكمنا بكونهم صالحين « وكانوا لنا عابدين » أي مخلصين في العبادة. (٣)

« وإذ بوأنا لابراهيم » أي واذكر يا محمد إذ وطأنا لابراهيم « مكان البيت » وعرفناه ذلك بما جعلنا له من العلامة ، قال السدي : إن الله تعالى لما أمره ببناء البيت

__________________

(١) مجمع البيان ٦ : ٣١٨ ـ ٣١٩. م

(٢) مجمع البيان ٦ : ٥١٧. م

(٣) مجمع البيان ٧ : ٥٦. م

٩٠

لم يدر أين يبني ، فبعث الله ريحا خجوجا (١) فكنست له ماحول الكعبة عن الاساس الاول الذي كان البيت عليه قبل أن يرفع أيام الطوفان.

وقال الكلبي : بعث الله سبحانه على قدر البيت فيها رأس تتكلم فقامت بحيال الكعبة وقالت : ياإبراهيم ابن على قدري ; وقيل : إن المعنى : جعلنا البيت مثواه ومسكنه « أن لا تشرك بي شيئا » أي أوحينا إليه أن لا تعبد غيري « وطهربيتي » من الشرك وعبادة الاوثان « والقائمين » أي المقمين بمكة ، أو القائمين في الصلاة « وأذن في الناس » أي أعلمهم بوجوب الحج. واختلف في المخاطب به على قولين :

أحدهما : أنه إبراهيم عليه‌السلام ، عن علي عليه‌السلام وابن عباس ، قال : قام في المقام فنادى : يا أيها الناس إن الله دعاكم إلى الحج ، فأجابوا : لبيك اللهم لبيك.

والثاني : آن المخاطب به نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجمهور المفسرين على الاول ، قالوا : أسمع الله صوت إبراهيم كل من سبق علمه بأنه يحج إلى يوم القيامة ، كما أسمع سليمان مع ارتفاع منزلته وكثرة جنوده حوله صوت النمل مع خفضه وسكونه ; وفي رواية عطا عن ابن عباس قال : لما أمر الله إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج صعد أبا قبيس ووضع إصبعيه في اذنيه وقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال ، وأول من أجابه أهل اليمن. (٢)

« وآتيناه أجره في الدنيا » وهو الذكر الحسن والولد الصالح ; أورضى أهل الاديان به ; أو أنه أري مكانه في الجنة ; وقيل : بقاء ضيافته عند قبره. (٣)

« المكرمين » عند الله ; وقيل : أكرمهم إبراهيم فرفع مجالسهم وخدمهم بنفسه ، و اختلف في عددهم فقيل : كانوا اثني عشر ملكا ; وقيل : كان جبرئيل ومعه سبعة أملاك ؛ وقيل : كانوا ثلاثة : جبرئيل وميكائيل وملك آخر. « قوم منكرون » أي قال في نفسه :

__________________

(١) قال في النهاية : في حديث على عليه‌السلام وذكر بناء الكعبة : « فبعث الله السكينة وهى ريح خجوج فتطوفت بالبيت » هكذا قال الهروى ، وفى كتاب القتيبى : فتطوفت موضع البيت كالجحفة ، يقال : ريح خجوج أى شديد المرور في غير استواء ، وأصل الخج الشق ; منه قدس‌سره.

(٢) مجمع البيان ٧ : ٨٠ ـ ٨١. م

(٣) مجمع البيان ٨ : ٢٨٠. م

٩١

هؤلاء قوم لا نعرفهم « فراغ إلى أهله » أي ذهب إليهم خفيا لئلا يمنعوه من تكلف مأكول « فجاء بعجل سمين » وكان مشويا ، قال قتادة : وكان عامة مال إبراهيم البقر « فأوجس منهم خيفة » أي فلما امتنعوا من الاكل أوجس منهم خيفة وظن أنهم يريدون به سوءا « قالوا » أي الملائكة « بغلام عليم » أي إسماعيل ; وقيل : هو إسحاق لانه من سارة وهذه القصة لها « فأقبلت امرأته في صرة » أي فلما سمعت البشارة سارة أقبلت في صيحة ، عن ابن عباس وغيره ; وقيل : في جماعة ، عن الصادق (ع) ; وقيل : في رنة « فصكت وجهها » أي جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا ; وقيل : لطمت وجهها « وقالت عجوز عقيم » أي أنا عجوز عاقر فكيف ألد؟ « قالوا كذلك قال ربك » أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلاما فلا تشكي « فما خطبكم » أي فما شأنكم؟ ولاي أمر جئتم؟ وكأنه قال : جئتم لامر عظيم فماهو؟. (١)

١١ ـ فس : قوله : « طهرا بيتي » قال الصادق عليه‌السلام : يعني نح عنه المشركين ، و قال : لما بنى إبراهيم عليه‌السلام البيت وحج الناس شكت الكعبة إلى الله تبارك وتعالى ما يلقى من أنفاس المشركين ، فأوحى الله إليها قري كعبة فإني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون. قوله : « وارزق أهله » فإنه دعا إبراهيم ربه أن يرزق من آمن به ، فقال الله : يا إبراهيم « ومن كفر » أيضا أرزقه « فامتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار » (٢)

قوله : « ربنا وابعث فيهم رسولا » فإنه يعني من ولد إسماعيل عليه‌السلام فلذلك قال رسول الله (ص) : أنا دعوة أبي إبراهيم عليه‌السلام. (٣)

٢ ـ فس : قوله : « رب اجعل هذا البلد آمنا » يعني مكة « رب إنهن أضللن » فإن الاصنام لم تضل ، وإنما ضل الناس بها ، قوله : « وارزقهم من الثمرات » أي من ثمرات القلوب « لعلهم يشكرون » يعني لكي يشكروا. وحدثني أبي ، عن حنان ، عن

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ١٥٧ ـ ١٥٨. م

(٢) تفسير القمى : ٥٠ ـ ٥٠١. م

(٣) تفسير القمى ٥٣. م

٩٢

أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « ربنا إني أسكنت » الآية قال : نحن والله بقية تلك العترة. (١)

قوله : « ربنا اغفر لي ولوالدي » قال : إنما نزلت : ولولدي إسماعيل وإسحاق. (٢)

بيان : قال في مجمع البيان : قرأ الحسين بن علي وأبوجعفر محمد بن علي عليهم‌السلام و الزهري وإبراهيم النخعي « ولولدي » وقرأ يحيى بن يعمر « ولولدي ». (٣)

٣ ـ فس : « فلما اعتزلهم » يعني إبراهيم « ووهبنا لهم من رحمتنا » يعنى لابراهيم وإسحاق ويعقوب « من رحمتنا » يعني رسول الله (ص) « وجعلنا لهم لسان صدق عليا » يعني أمير المؤمنين (ع) ، حدثني بذلك أبي ، عن الامام الحسن العسكري عليه‌السلام. (٤)

٤ ـ فس : « نافلة » قال : ولد ولد ، قوله : « في صرة » أي في جماعة « فصكت وجهها » أي غطته بما بشرها جبرئيل عليه‌السلام بإسحاق « وقالت » إني « عجوز عقيم » أي لا تلد.(٥)

٥ ـ ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن علي بن منصور ، عن كلثوم بن عبدالمؤمن الحر انى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أمر الله عزوجل إبراهيم عليه‌السلام أن يحج ويحج بإسماعيل معه و يسكنه الحرم ، قال : فحجا على جمل أحمر ما معهما إلا جبرئيل ، فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل عليه‌السلام : يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم ، فنزلا واغتسلا ، وأراهما كيف تهيئا للاحرام (٦) ففعلا ، ثم أمرهما فأهلا بالحج وأمرهما بالتلبية الاربع التي لبى بها المرسلون ، ثم ساربهما حتى أتى بهما باب الصفا فنزلا عن البعير وقام جبرئيل بينهما فاستقبل البيت فكبر وكبرا ، وحمد الله وحمدا ، ومجدالله ومجدا ، وأثنى عليه ففعلا مثل ما فعل ، وتقدم جبرئيل وتقدما يثنون على الله ويمجدونه (٧) حتى انتهى

__________________

(١) تفسير القمى : ٣٤٧. م

(٢) تفسير القمى : ٣٤٧ ـ ٣٤٨. م

(٣) مجمع البيان ٦ : ٣١٧. م

(٤) تفسير القمى : ٤١١. م

(٥)تفسير القمى : ٤٤٨. م

(٦) في الكافى : كيف يتهيئان.

(٧) في الكافى : فكبر الله وكبرا وهلل الله وهللا وحمدالله إه وفيه : يتهيئان على الله ويمجدانه.

٩٣

بهما إلى موضع الحجر فاستلم جبرئيل عليه‌السلام « الحجر خ ل » وأمرهما أن يستلما ، وطاف بهما أسبوعا ، ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيم فصلى ركعتين وصليا ، ثم أراهما المناسك وما يعملانه فلما قضيا نسكهما (١) أمر الله عزوجل إبراهيم بالانصراف ، وأقام إسماعيل وحده ما معه أحد غيره ، (٢) فلما كان من قبل قابل أذن الله عزوجل لابراهيم في الحج وبناء الكعبة وكانت العرب تحج إليه وكان ردما (٣) إلا أن قواعده معروفة ، فلما صدر الناس جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة ، فلما أن أذن الله عزوجل في البناء قدم إبراهيم فقال : يا بني قد أمرنا الله عزوجل ببناء الكعبة ، فكشفا عنها فإذا هو حجر واحد أحمر ، فأوحى الله عزوجل إليه : ضع بناءها عليه ، وأنزل الله عزوجل عليه أربعة أملاك يجمعون له الحجارة فصار إبراهيم (٤) وإسماعيل يضعان الحجارة والملائكة تناولهما حتى تمت اثنا عشر ذراعا وهيئا له بابا يدخل منه ، (٥) وبابا يخرج منه ، ووضع عليه (٦) عتبة وشريجا من حديد على أبوابه ، وكانت الكعبة عريانة ، (٧) فلما ورد عليه الناس أتى امرأة من حمير أعجبته جمالها ، (٨) فسأل الله عزوجل أن يزوجها إياه وكان لها بعل ، (٩) فقضى الله عزوجل على بعلها الموت فأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله (١٠) عزوجل ذلك عنها وزوجها إسماعيل ، وقدم إبراهيم عليه‌السلام للحج وكانت امرأة موافقة (١١)

__________________

(١) في الكافى : وما يعملان به ، فلما قضيا مناسكهما.

(٢) في الكافى : ما معه أحد غير امه ; وهو الصحيح.

(٣) في الكافى : وإنما كان ردما. والردم : ما يسقط من الحائط المتهدم.

(٤) في الكافى : يجمعون اليه الحجارة ، فكان ابراهيم اه.

(٥) في الكافى : وهيئا له بابين : باب يدخل منه اه.

(٦) في الكافى : ووضعا عليه عتبة وشريجا ، وفى نسخة : وشرجا. العتبة : اسكفة الباب أى خشبة الباب التى يوطا عليه. الشرج : العرى.

(٧) في الكافى : هنا زيادة وهى هكذا : فصدر ابراهيم وقد سوى البيت وأقام اسماعيل.

(٨) في الكافى : نظر إلى امرأة من حمير أعجبه جمالها.

(٩) في الكافى : وهو عليه‌السلام لم يعلم أن لها زوجا.

(١٠) أسلاه عن عمه : كشفه عنه.

(١١) في الكافى : موفقة ، أى وصلت إلى الكمال في قليل من السن.

٩٤

خرج إسماعيل إلى الطائف يمتار لاهله طعاما ، (١) فنظرت إلى شيخ شعث فسألها عن حالهم فأخبرته بحسن حالهم ، وسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن حاله ، (٢) وسألها ممن أنت؟ فقال : امرأة من حمير ، فسار إبراهيم عليه‌السلام ولم يلق إسماعيل ، وقد كتب إبراهيم كتابا فقال : ادفعي هذا الكتاب إلى بعلك إذا أتى إن شاء الله ، فقدم عليها إسماعيل (ع) فدفعت إليه الكتاب فقرأه وقال : أتدرين من ذلك الشيخ؟ فقالت : لقد رأيته جميلا فيه مشابهة منك ، قال : ذاك أبي ، فقالت يا سوأتاه منه ، (٣) قال : ولم؟ نظر إلى شئ من محاسنك؟ قالت : لا ولكن خفت أن أكون قد قصرت. وقالت له امرأته وكانت عاقلة : فهلا نعلق على هذين البابين سترين : سترا من ههنا وسترا من ههنا ، قال : نعم فعملا له سترين (٤) طولهما اثنا عشر ذراعا فعلقهما على البابين فأعجبها ذلك (٥) فقالت : فهلا أحوك للكعبة ثيابا ونسترها كلها فإن هذه الاحجار سمجة؟ فقال لها إسماعيل : بلى ، فأسرعت في ذلك وبعثت إلى قومها بصوف كثير تستغزل بهن ، قال أبوعبدالله عليه‌السلام : وإنما وقع استغزال النساء بعضهن من بعض لذاك ، قال : فأسرعت واستعانت في ذلك ، فكلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم وقد بقي وجه من وجوه الكعبة ، فقالت لاسماعيل عليه‌السلام : كيف نصنع بهذا الوجه الذي لم ندر كه بكسوة فنكسوه خصفا ، (٦) فجاء الموسم فجاءته العرب على حال ما كانت تأتيه فنظروا إلى أمر فأعجبهم فقالوا : ينبغي لعامر (٧) هذا البيت أن يهدى إليه ، فمن ثم وقع الهدي ، فأتى كل فخذ (٨) من العرب بشئ تحمله من ورق ومن أشياء غير ذلك حتى اجتمع شئ كثير فنزعوا ذلك الخصف وأتموا كسوة البيت ، وعلقوا عليها بابين ، وكانت

__________________

(١) أى يجمع لهم طعاما.

(٢) في الكافى : فاخبرته بحسن الدين.

(٣) في الكافى : قال : ذاك ابراهيم فقالت : واسوءتاه.

(٤) في الكافى : فعملا لهما سترين.

(٥) في الكافى : فاعجبهما.

(٦) في الكافى : لم تدركه الكسوة فكسوه خصفا. قلت الخصف : الجلة التى يكنز فيه التمر.

(٧) في الكافى : « لعامل » وكذا فيما يأتى

(٨) الفخذ : هو ما انقسم فيه أنساب البطن كبنى هاشم وبنى امية.

٩٥

الكعبة ليست بمسقفة ، فوضع إسماعيل عليها أعمدة (١) مثل هذه الاعمدة التي ترون من خشب فسقفها إسماعيل بالجرائد وسواها بالطين : فجاءت العرب من الحول فدخلوا الكعبة و رأوا عمارتها فقالوا : ينبغي لعامر هذا البيت أن يزاد ، فلما كان من قابل جاءه الهدي فلم يدر إسماعيل كيف يصنع به ، فأوحى الله عزوجل إليه : أن انحره وأطعمه الحاج.

قال : وشكا إسماعيل قلة الماء إلى إبراهيم عليه‌السلام فأوحى الله عزوجل إلى إبراهيم (ع) أن احتفر بئرا يكون فيها شرب الحاج ، (٢) فنزل جبرئيل عليه‌السلام فاحتفر قليبهم يعني زمزم حتى ظهر ماؤها ، ثم قال جبرئيل : انزل يا إبراهيم ، فنزل بعد جبرئيل (ع) ، فقال : اضرب يا إبراهيم في أربع زوايا البئر وقل : بسم الله ، قال : فضرب إبراهيم عليه‌السلام في الزاوية التي تلي البيت وقال : بسم الله فانفجرت عينا (٣) ثم ضرب في الاخرى (٤) وقال بسم الله فانفجرت عينا ، ثم ضرب في الثالة وقال بسم الله فانفجرت عينا ، ثم ضرب في الرابعة وقال : بسم الله فانفجرت عينا ، فقال جبرئيل عليه‌السلام : اشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة : فخرج إبراهيم عليه‌السلام وجبرئيل جميعا من البئر فقال له : افض عليك يا إبراهيم وطف حول البيت فهذه سقيا سقاها الله ولدك إسماعيل ، وسار إبراهيم وشيعه إسماعيل حتى خرج من الحرم ، فذهب إبراهيم ورجع إسماعيل إلى الحرم فرزقه الله من الحميرية ولدا ولم يكن له عقب.

قال : وتزوج إسماعيل عليه‌السلام من بعدها أربع نسوة فولد له من كل واحدة أربعة غلمان ، وقضى الله على إبراهيم الموت فلم يره إسماعيل ولم يخبر بموته حتى كان أيام الموسم ، وتهيأ إسماعيل عليه‌السلام لابيه إبراهيم فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فعزاه بإبراهيم (ع) فقال له : يا إسماعيل لا تقول في موت أبيك مايسخط الرب ، وقال : إنما كان عبدا دعاه الله فأجابه ، وأخبره أنه لاحق بأبيه ، وكان لاسماعيل ابن صغير يحبه وكان هوى إسماعيل فيه فأبى الله عليه ذلك ، فقال : يا إسماعيل هو فلان ، قال : فلما قضى الموت

__________________

(١) في الكافى : فيها أعمدة.

(٢) في الكافى : يكون منها شراب الحاج.

(٣) في الكافى : عين وكذا فيما يأتى بعده.

(٤) في الكافى : في الثانية.

٩٦

على إسماعيل دعا وصيه فقال : يابني إذا حضرك الموت فافعل كما فعلت فمن ذلك ليس يموت إمام إلا أخبره الله إلى من يوصي. (١)

بيان : رواه في الكافي عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن عيسى بن محمد بن أيوب (٢) عن علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن منصور إلى قوله : ورجع إسماعيل إلى الحرم. (٣)

وشريجا من حديد في بعض النسخ هنا وفي الكافى : شرجا. وقال الفيروز آبادي : الشرج محركة : العرى ، أي علق عليه عرى وحلقا. والشريج لعله مصغر. وحمير (٤) قبيلة من اليمن. والفخذ ككتف حي الرجل إذاكان من أقرب عشيرته. فقال : يا إسماعيل هو فلان أي أوحى الله إليه أن وصيك وخليفتك فلان مشيرا إلى غير من كان يهواه.

٦ ـ فس : أبي ، عن النضر ، عن هشام ، عن أبي عبدالله (ع) قال : إن إبراهيم (ع) كان نازلا في بادية الشام فلما ولد له من هاجر إسماعيل عليه‌السلام اغتمت سارة من ذلك غما شديدا لانه لم يكن له منها ولد ، وكانت تؤذي إبراهيم في هاجر فتغمه فشكا إبراهيم ذلك إلى الله عزوجل ، فأوحى الله إليه : إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء إن تركتها استمتعت بها ، وإن أقمتها كسرتها. ثم أمره أن يخرج إسماعيل عليه‌السلام وامه عنها ، فقال : يارب إلى أي مكان؟ قال : إلى حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الارض وهي مكة ، فأنزل الله عليه جبرئيل بالبراق فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم عليه‌السلام وكان إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلا وقال : يا جبرئيل إلى ههنا إلى ههنا ، فيقول جبرئيل : لا امض امض ، حتى وافى به مكة ، فوضعه في موضع البيت ، وقد كان إبراهيم عليه‌السلام عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها ، فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجر ، فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها فاستظلوا تحته ، فلما سرحهم

__________________

(١) علل الشرائع : ١٩٥ ـ ١٩٦. م

(٢) في المصدر : عيسى بن محمد بن أبى أيوب.

(٣) فروع الكافى ١ : ٢٢٠ ـ ٢٢١ م

(٤) حمير كدرهم : بطن عظيم من القحطانية ينتسب إلى الحمير بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، واسم حمير العرفج.

٩٧

إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف عنهم إلى سارة (١) قالت له هاجر : يا إبراهيم لم تدعنا (٢) في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟ فقال إبراهيم : الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم ، ثم انصرف عنهم ، (٣) فلما بلغ كدى (٤) وهو جبل بذي طوى التفت إليهم (٥) إبراهيم فقال : « ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون » ثم مضى وبقيت هاجر ، فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى فنادت : هل في الوادي من أنيس؟ فغاب إسماعيل عنها فصعدت على الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت أنه ماء ، فنزلت في بطن الوادي وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب (٦) الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات ، فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه ، فعدت (٧) حتى جمعت حوله رملا فإنه كان سائلا فزمته بما جعلته حوله (٨) فلذلك سميت زمزم ، وكان جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحش على الماء ، فنظرت جرهم إلى تعكف الطير (٩) على ذلك المكان واتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي نازلين في ذلك الموضع قد استظلا

__________________

(١) في نسخة : فلما سرح بهما ووضعهما وأراد الانصراف عنهما إلى سارة.

(٢) في نسخة : بم تدعنا؟.

(٣) في نسخة : الذى أمرنى أن أضعكم في هذا المكان حاضر عليكم ثم انصرف عنهما.

(٤) قال الفيروزآبادى : كداء كسماء : اسم لعرفات وجبل بأعلى مكة ، دخل النبى صلى الله عليه وآله وسلم مكة منه. وكسمى : جبل بأسفلها وخرج منه. وجبل آخر بقرب عرفة. وكقرى : جبل مسفلة مكة على طريق اليمن.

(٥) في نسخة : التفت إليهما.

(٦) في المصدر : وسعت تطلب. م

(٧) في المصدر : قعدت. وفى نسخة : فعمدت.

(٨) في نسخة : فزمته بما جمعت حوله.

(٩) في نسخة : فنظرت جرهم إلى انعطاف الطير والوحش.

٩٨

بشجرة وقد ظهر الماء لهما ، فقالوا لهاجر : من أنت؟ وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ قالت : أنا ام ولد إبراهيم خليل الرحمن ، وهذا ابنه أمره الله أن ينزلنا ههنا ، فقالوا لها : فتأذنين لنا أن نكون بالقرب منكم؟ (١) قالت لهم : حتى يأتي إبراهيم عليه‌السلام ، فلما زارهم إبراهيم يوم الثالث قالت هاجر : يا خليل الله إن ههنا قوما من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا ، أفتأذن لهم في ذلك؟ فقال إبراهيم : نعم ، فأذنت هاجر لجرهم فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم (٢) فأنست هاجرو إسماعيل بهم ، فلما زارهم إبراهيم في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا ، فلما ترعرع إسماعيل (٣) عليه‌السلام وكانت جرهم قد وهبوا لاسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين وكانت هاجر و إسماعيل يعيشان بها ، فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال أمرالله إبراهيم عليه‌السلام أن يبني البيت فقال : يارب في أية بقعة؟ (٤) قال : في البقعة التي انزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم ، فلم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام نوح عليه‌السلام ، فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا إلا موضع البيت ، فسميت البيت العتيق لانه اعتق من الغرق ، فلما أمر الله عزوجل إبراهيم أن يبني البيت لم يدر في أي مكان يبنيه ، فبعث الله جبرئيل عليه‌السلام فخط له موضع البيت ، فأنزل الله عليه القواعد من الجنة ، وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج ، فلما مسته أيدي الكفار اسود ، فبنى إبراهيم البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى ، فرفعه في السماء تسعة أذرع ، ثم دله على موضع الحجر (٥) فاستخرجه إبراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن ، وجعل (٦) له بابين : بابا إلى المشرق ، وبابا إلى المغرب ، والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار ، ثم ألقى عليه

__________________

(١) في نسخة : بالقرب منكما. وفى اخرى : منكن. وكذابعد ذلك : فلما زارهما. وفى اخرى : زارها.

(٢) في نسخة : وضربوا خباهم.

(٣) في المصدر وفى نسخة : فلما تحرك؟ سماعيل.

(٤) في نسخة : في أى بقعة.

(٥) في نسخة : ثم دل على موضع الحجر.

(٦) في نسخة : فلما بنى جعل اه.

٩٩

الشجر والاذخر ، وعلقت هاجر على بابه كساءا كان معها ، وكانوا يكونون تحته ، (١) فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم وإسماعيل ونزل عليهما جبرئيل يوم التروية لثمان من ذي الحجة فقال : يا إبراهيم قم فارتو من الماء : لانه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسميت التروية لذلك ، ثم أخرجه إلى منى فبات بهاففعل به ما فعل بآدم عليه‌السلام فقال إبراهيم (ع) لما فرغ من بناء البيت (٢) « رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر » قال : من ثمرات القلوب ، أي حببهم إلى الناس لينتابوا إليهم و يعودوا إليه. (٣)

بيان : قوله (ع) : « فزمته » قال الفيروز آبادي : زمه فأزم : شده. والقربة : ملاها. وماء زمزم كجعفر وعلابط : كثير.

أقول : قوله : « فلذلك سميت » يحتمل أن يكون مبنيا على أن زمزم يكون بمعنى الحبس والمنع ، (٤) أو الماء الممنوع من الجريان وإن لم يذكره اللغويون ، ويحتمل أن يكون المراد أنها لكثرتها وسيلانها قبل الزم سميت زمزم ، أو أنها لما منعت من السيلان واحتبست كثرت في مكان واحد فلذلك سميت به.

وقال الفيروز آبادي : جرهم (٥) كقنفذ : حي من اليمن تزوج فيهم إسماعيل (ع) وقال : ترعرع الصبي : تحرك ونشأ. والضمير في قوله : « إليه » راجع إلى البيت.

٧ ـ ع : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى وابن أبي الخطاب معا عن ابن محبوب ، عن محمد بن قزعة (٦) قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إن من قبلنا

__________________

(١) في نسخة : وكانوا يكنون تحته. وفى نسخة : يكبون تحته.

(٢)في نسخة : لما فرغ من بناء البيت والحج.

(٣) تفسير القمى : ٥١ ـ ٥٣. وفى نسخة : ليعودوا اليهم.

(٤) بل من زمزمه بمعنى جمعه ورد اطراف ما انتشر منه.

(٥) جرهم : بطن من القحطانية كانت منازلهم أولا اليمن؟ فلما ملك يعرب بن قحطان اليمن ولى أخاه جرهما الحجاز فاستولى عليه وملكه. ثم ملك بعده ابناؤه ولم يزالوا بمكة إلى أن نزل اسماعيل مكة فنزلوا عليه فتزوج منهم وتكلم بلهجتهم ، وقيل : إنما نزلت جرهم الحجاز مع بنى قطور من العمالقة لقحط أصاب اليمن ثم غلب جرهم العمالقة على مكة وملكوا أمرها.

(٦) في نسخة : محمد بن عرفة.

١٠٠