بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أهل مملكته وعلماءهم وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة فلما اجتمعوا عنده قال ذو القرنين : معشر الفقهاء وأهل الكتب وآثار النبوة هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله وفي كتب من كان قبلكم من الملوك أن الله عينا تدعى عين الحياة ، فيها من الله عزيمة إنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت؟ قالوا : لا يا أيها الملك ، قال : فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب أن الله في الارض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان؟ قالوا : لا أيها الملك فحزن عليه ذو القرنين حزنا شديدا وبكى إذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحب ، وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الاوصياء : أوصياء الانبياء ، وكان ساكتا لا يتكلم حتى إذا آيس ذو القرنين منهم قال له الغلام : (١) أيها الملك إنك تسأل هؤلاء عن أمر ليس لهم به علم ، وعلم ما تريد عندي ، ففرح ذو القرنين فرحا شديدا حتى نزل عن فراشه وقال له : ادن مني فدنا منه ، فقال : أخبرني ، قال : نعم أيها الملك ، إني وجدت في كتاب آدم الذي كتب يوم سمي له ما في الارض من عين أو شجر ، فوجدت فيه أن لله عينا تدعى عين الحياة ، فيها من أمرالله عزيمة ، إنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت بظلمة لم يطأها إنس ولا جان ، ففرح ذو القرنين وقال : ادن مني يا أيها الغلام تدري أين موضعها؟ قال : نعم ، وجدت في كتاب آدم أنها على قرن الشمس ـ يعني مطلعها ـ ففرح ذو القرنين وبعث إلى أهل مملكته فجمع أشرافهم وفقهاءهم وعلماءهم و أهل الحكم منهم فاجتمع إليه ألف حكيم وعالم وفقيه ، فلما اجتمعوا عليه تهيأ للمسير وتأهب له بأعد العدة وأقوى القوة ، فسار بهم يريد مطلع الشمس يخوض البحار ويقطع الجبال والفيافي والارضين والمفاوز فسار اثني عشر سنة حتى انتهى إلى طرف الظلمة ، فإذا هي ليست بظلمة ليل ولادخان (٢) ولكنها هواء يفور سد ما بين الافقين ، (٣) فنزل بطرفها

__________________

(١) في العرائس : فقال عالم من العلماء : إنى قرأت وصية آدم عليه‌السلام فوجدت فيهما أن خلق الله في الارض ظلمة لم يطأها انس ولا جان ، ووضع فيها عين الخلد ، فقال ذو القرنين : و أين وجدتها؟ قال : في الارض التى على قرن الشمس. وليس فيه جملة « وكان فيمن حضره » ولا الجمل التى يأتى بعد ذلك. والظاهر انه اختصر الحديث.

(٢) في العرائس : فاذا ظلمة تفور مثل الدخان ليست بظلمة ليل ، فعسكر هناك اه.

(٣) في نسخة : ما بين الخافقين.

٢٠١

وعسكر عليها ، وجمع علماء أهل عسكره وفقهاءهم وأهل الفضل منهم ، فقال : يا معشر الفقهاء والعلماء إني اريد أن أسلك هذه الظلمة ، فخروا له سجدا فقالوا : أيها الملك إنك لتطلب أمرا ما طلبه ولا سلكه أحد كان قبلك من النبيين والمرسلين ولا من الملولك ، قال : إنه لا بد لي من طلبها ، قالوا : أيها الملك إنا لو نعلم أنك إذا سلكتها ظفرت بحاجتك منها بغير عنت عليك لامرنا (١) ولكنا نخاف أن يعلق بك (٢) منها أمر يكون فيه هلاك ملكك ، وزوال سلطانك ، وفساد من الارض ، فقال : لابد من أن أسلكها ، فخروا سجدا لله وقالوا : إنا نتبرء إليك مما يريد ذوالقرنين.

فقال ذو القرنين : يامعشر العلماء أخبروني بأبصر الدواب ، قالوا : الخيل الاناث البكارة أبصر الدواب ، فانتخب من عسكره فأصاب ستة آلاف فرس إناثا أبكارا (٣) وانتخب من أهل العلم والفضل والحكمة ستة آلاف رجل ، فدفع إلى كل رجل فرسا وولى فسحر (٤) ـ وهو الخضرـ على ألفي فرس ،فجعلهم على مقدمته ، وأمرهم أن يدخلوا الظلمة ،وسار ذوالقرنين ي أربعة آلاف وأمر أهل عسكره أن يلزموا معسكره اثني عشر سنة ، (٥) فإن رجع هو إليهم إلى ذلك الوقت وإلا تفرقوا في البلاد ولحقوا ببلادهم أوحيث شاؤوا ، فقال الخضر : أيها الملك إنا نسلك في الظلمة لايرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضلال إذا أصابنا؟ فأعطاه ذو القرنين خرزة حمراء (٦) كأنها مشعلة لها ضوء ، فقال : خذ هذه الخرزة فإذا أصابكم الضلال فارم بها إلى الارض فإنها تصيح ، فإذا صاحت رجع أهل الضلال إلى صوتها ، فأخذها الخضر ومضى في الظلمة ، وكان الخضر يرتحل وينزل ذو القرنين ، فبينا الخضر يسير ذات يوم إذ عرض له واد في الظلمة فقال لاصحابه : قفوا في هذا الموضع لا يتحركن أحد منكم

__________________

(١) في نسخة : لاتبعناك.

(٢) في نسخة : أن ينفتق عليك.

(٣) في نسخة : اناثا بكارة.

(٤) في نسخة : وعقد لا فسحر.

(٥) في نسخة : اثنتى عشرة سنة.

(٦) الخرز : ما ينظم في السلك من الجذع والودع. الحب المثقوب من الزجاج وغيره. فصوص من حجارة. الواحدة : الخرزة. وخرزات الملك : جواهر تاجه.

٢٠٢

عن موضعه ، ونزل عن فرسه فتناول الخرزة فرمى بها في الوادي فأبطأت عنه بالاجابة حتى خاف أن لايجيبه ، ثم أجابته فخرج إلى صوتها (١) فإذا هي على جانب العين ، و إذا ماؤها أشد بياضا من اللبن ، وأصفى من الياقوت ، وأحلى من العسل ، فشرب منه ثم خلع ثيابه فاغتسل منها ، ثم لبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فأجابته ، فخرج إلى أصحابه وركب وأمرهم بالمسير فساروا ، ومر ذو القرنين بعده فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما وأربعين ليلة ، ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار ولا شمس ولا قمر ولكنه نور ، فخرجوا إلى أرض حمراء رملة خشخاشة (٢) فركة كان حصاها اللؤلؤ ، فإذا هو بقصر مبني على طول فرسخ. (٣)

فجاء ذو القرنين إلى الباب فعسكر عليه ، ثم توجه بوجهه وحده إلى القصر فإذا طائر وإذا حديدة طويلة قد وضع طرفاها على جانبي القصر ، والطير أسود معلق في تلك الحديدة بين السماء والارض كأنه الخطاف أو صورة الخطاف أو شبيه بالخطاف أو هو خطاف ، (٤) فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال : من هذا؟ قال : أنا ذو القرنين ، فقال الطائر : يا ذا القرنين أما كفاك ماوراءك حتى وصلت إلى حد بابي هذا ، ففرق (٥) ذوالقرنين فرقا شديدا ، فقال : ياذا القرنين لاتخف وأخبرني ، قال : سل ، قال : هل كثر في الارض بنيان الآجر والجص؟ قال : نعم ، قال : فانتفض الطير وامتلا حتى ملا من الحديدة ثلثها ، ففرق ذو القرنين فقال : لاتخف وأخبرني ، قال : سل ، قال : هل كثرت المعازف؟ قال : نعم ، قال : فانتقض الطير وامتلا حتى ملا من الحديدة ثلثيها ، ففرق ذوالقرنين فقال : لاتخف وأخبرني ، قال : سل ، قال : هل ارتكب الناس شهادة الزور في الارض؟ قال : نعم ، فانتفض انتفاضة وانتفخ فسد مابين جداري القصر ، قال : فامتلا ذو القرنين عند ذلك فرقا منه ، فقال له : لا تخف وأخبرني ، قال :

__________________

(١) في نسخة : فخرج إلى ضوئها.

(٢) في نسخة : ورملة خشخاشة.

(٣) في العرائس : فاذا بقصر مبنى في تلك الارض طوله فرسخ في فرسخ عليه باب اه.

(٤) في العرائس : واذا طائر أسود يشبه الخطاف مزموما بأنفه إلى الحديدة معلقا بين السماء والارض.

(٥) أى ففزع.

٢٠٣

سل ، قال هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله؟ قال : لا ، فانضم ثلثه ثم قال : ياذا القرنين لا تخف وأخبرني ، قال : سل ، هل ترك الناس الصلاة المفروضة؟ قال : لا ، قال : فانضم ثلث آخر ، ثم قال : يا ذا القرنين لا تخف وأخبرني ، قال : سل ، قال : هل ترك الناس الغسل من الجنابة؟ قال : لا ، قال : فانضم حتى عاد إلى حاله الاول ، فإذا هو بدرجة مدرجة إلى أعلى القصر.

فقال الطير : ياذا القرنين اسلك هذه الدرجة ، فسلكها وهو خائف لا يدري مايهجم عليه حتى استوى على ظهرها ، فإذاهو بسطح ممدود مد البصر ، وإذا رجل شاب أبيض مضي ء الوجه عليه ثياب بيض حتى كأنه رجل أو في صورة رجل أوشبيه بالرجل أو هو رجل ، وإذا هو رافع رأسه إلى السماء ينظر إليها واضع يده على فيه ، فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال : من هذا؟ قال : أنا ذوالقرنين ، قال : ياذا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلي؟! قال ذو القرنين : مالي آراك واضعا يدك على فيك؟ قال : ياذا القرنين أنا صاحب الصور ، و إن الساعة قد اقتربت وأنا أنتظر أن أومر بالنفخ فأنفخ ، ثم ضرب بيده فتناول حجرا فرمى به إلى ذي القرنين كأنه حجر أوشبه حجر أو هو حجر فقال : ياذا القرنين خذها فإن جاع جعت ، وإن شبع شبعت فارجع ، فرجع ذو القرنين بذلك الحجر حتى خرج به إلى أصحابه فأخبرهم بالطير وما سأله عنه وما قال له وما كان من أمره ، وأخبرهم بصاحب السطح وما قال له وما أعطاه ، ثم قال لهم : إنه أعطاني هذا الحجر وقال لي : إن جاع جعت وإن شبع شبعت ، قال : أخبروني بأمر هذا الحجر ، فوضع في إحدى الكفين فوضع حجر مثله في الكفة الاخرى ثم رفع الميزان (١) فإذا الحجر الذي جاء به أرجح بمثل الآخر (٢) فوضعوا آخر فمال به حتى وضعوا ألف حجر كلها مثله ، ثم رفعوا الميزان فمال بها ولم يستمل به الالف حجر فقالوا : يا أيها الملك لا علم لنا بهذا.

فقال له الخضر : أيها الملك إنك تسأل هؤلاء عمالا علم لهم به ، وقد اوتيت علم

__________________

(١) في العرائس : فوضعت العلماء ذلك الحجر في كفة ميزان ، وأخذوا حجرا مثله ووضعوه في الكفة الاخرى ثم رفعوا الميزان.

(٢) في نسخة : يميل بالاخر.

٢٠٤

هذا الحجر ، فقال ذو القرنين : فأخبرنا به وبينه لنا ، فتناول الخضر الميزان فوضع الحجر الذي جاء به ذو القرنين في كفة الميزان ، ثم وضع حجرا آخر في كفة اخرى ، ثم وضع كفة تراب على حجر ذي القرنين يزيده ثقلا ثم رفع الميزان فاعتدل ، وعجبوا وخروا سجدا لله تعالى وقالوا : أيها الملك هذا أمر لم يبلغه علمنا وإنا لنعلم أن الخضر ليس بساحر فكيف هذا وقد وضعنا معه ألف حجر كلها مثله فمال بها وهذا قد اعتدل به وزاده ترابا؟ قال ذوالقرنين : بين يا خضر لنا أمر هذا الحجر ، قال الخضر : أيها الملك إن أمر الله نافذ في عباده ، وسلطانه قاهر ، وحكمه فاصل وإن الله ابتلى عباده بعضهم ببعض ، وابتلى العالم بالعالم ، والجاهل بالجاهل ، والعالم بالجاهل ، والجاهل بالعالم ، وإنه ابتلاني بك ، وابتلاك بي ، فقال ذو القرنين : يرحمك الله يا خضر إنما تقول : ابتلاني بك حين جعلت أعلم مني وجعلت تحت يدي أخبرني يرحمك الله عن أمر هذا الحجر ، فقال الخضر : أيها الملك إن هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور ، يقول : إن مثل بني آدم مثل هذا الحجر الذي وضع ووضع معه ألف حجر فمال بها ، ثم إذا وضع عليه التراب شبع وعاد حجرا مثله ، فيقول : كذلك مثلك أعطاك الله من الملك ما أعطاك فلم ترض به حتى طلبت أمرا لم يطلبه أبدا من كان قبلك ، ودخلت مدخلا لم يدخله إنس ولا جان ، يقول : كذلك ابن آدم ولا يشبع حتى يحثى عليه التراب ، قال : فبكى ذو القرنين بكاء شديدا وقال : صدقت ياخضر يضرب لي هذا المثل ، لا جرم إني لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسلكي هذا ، ثم انصرف راجعا في الظلمة فبيناهم يسيرون إذ سمعوا خشخشة تحت سنابك (١) خيلهم ، فقالوا : أيها الملك ما هذا؟ فقال : خذوا منه ، فمن أخذ منه ندم ، ومن تركه ندم ، فأخذ بعض وترك بعض ، فلما خرجوا من الظلمة إذاهم بالزبرجد فندم الآخذ والتارك ، ورجع ذوالقرنين إلى دومة الجندل وكان بها منزله ، فلم يزل بها حتى قبضه الله إليه. قال : وكان (ص) (٢) إذا حدث بهذا الحديث قال : رحم الله أخي ذا القرنين ما كان مخطئا إذ سلك ما سلك وطلب ماطلب. ولو ظفر بوادي الزبرجد في مذهبه لما ترك فيه شيئا إلا أخرجه إلى الناس لانه كان راغبا ،

__________________

(١) جمع السنبك : طرف الحافر.

(٢) في نسخة : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢٠٥

ولكنه ظفر به بعدمارجع فقد زهد. (١)

٣٠ ـ جبرئيل بن أحمد ، عن موسى بن جعفر رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن ذا القرنين عمل صندوقا من قوارير ثم حمل في مسيره ماشاء الله ، ثم ركب البحر فلما انتهى إلى موضع منه قال لاصحابه : دلوني ، فإذا حركت الحبل فأخرجوني ، فإن لم أحرك الحبل فأرسلوني إلى آخره ، فأرسلوه في البحر وأرسلوا الحبل مسيرة أربعين يوما ، فإذا ضارب يضرب حيث الصندوق ويقول يا ذاالقرنين أين تريد؟ قال : اريد أن أنظر إلى ملك ربي في البحر كما رأيته في البر ، فقال : يا ذا القرنين إن هذا الموضع الذي انت فيه مر فيه نوح زمان الطوفان فسقط منه قدوم فهو يهوي في قعر البحر إلى الساعة لم يبلغ قعره ، فلما سمع ذو القرنين ذلك حرك الحبل وخرج. (٢)

بيان : قال الفيروز آبادي : الخشخشة : صوت السلاح ، وكل شئ يابس إذا حل بعضه ببعض ، والدخول في الشئ. انتهى.

وقوله عليه‌السلام : « فركة » أي كانت لينة بحيث كان يمكن فركها باليد.

٣١ ـ شى : عن جابر ، عن أبي جعفر (ع) قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تغرب الشمس في عين حامية في بحر دون المدينة التي مما يلي المغرب ـ يعني جابلقا ـ. (٣)

بيان : قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبوبكر « حامية » أي حارة ، وقرأ الباقون « حمئة » أى ذات حمئة وطين أسود ، واولت بأن المراد أنه بلغ ساحل البحر المحيط فرآها كذلك ، إذ لم يكن في مطمح نظره غير الماء ، ولذا قال تعالى : « وجدها تغرب » ولم يقل : كانت تغرب.

٣٢ ـ شى : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله : « لم نجعل لهم من دونها سترا » كذلك قال : لم يعلموا صنعة البيوت. (٤)

ايضاح : قال الرازي : فيه قولان : الاول : إنه شاطئ بحر لا جبل ولا شئ يمنع من وقوع شعاع الشمس عليهم ، فلهذا إذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب واغلة (٥) في الارض

__________________

(١ ـ ٤) مخطوط. م

(٥) أسراب جمع السرب : الحفير تحت الارض. والواغلة : الملجأ.

٢٠٦

أو غاصوا في الماء فيكون عند طلوع الشمس يتعذر عليهم التصرف في المعاش ، وعند غروبها يشتغلون بتحصيل مهمات المعاش ، وحالهم بالضد من أحوال سائر الخلق.

والقول الثاني : إن معناه : لا ثياب لهم ، ويكونون كسائر الحيوانات عراة أبدا ، وفي كتب الهيئة إن حال أكثر أهل الزنج كذلك ، وحال كل من سكن البلاد القريبة من خط الاستواء كذلك ، وذكر في بعض كتب التفسير أن بعضهم قال : سافرت حتى جاوزت الصين ، فسألت عن هؤلاء القوم فقيل : بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة ، فبلغتهم وإذا أحدهم يفرش إحدى اذنيه ويلبس الاخرى ، فلما قرب طلوع الشمس سمعت صوتا كهيئة الصلصلة فغشي علي ، ثم أفقت فلما طلعت الشمس إذا هي فوق الماء كهيئة الزيت فأدخلوني سربالهم ، فلما ارتفع النهار جعلوا يصطادون السمك ويطرحون في الشمس فينضج. (١)

٣٣ ـ شى : عن جابر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « اجعل بيننا وبينهم سدا * فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا » قال : هو السد التقية. (٢)

٣٤ ـ شى : عن المفضل قال : سألت الصادق (ع) عن قوله : « أجعل بينكم وبينهم ردما » قال : التقية « فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا » قال : ما استطاعوا له نقبا إذا عمل بالتقية ، لم يقدروا في ذلك على حيلة وهو الحصن الحصين ، وصار بينك وبين أعداء الله سدا لا يستطيعون له نقبا ، قال : وسألته عن قوله : « فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء » قال : رفع التقية عند قيام القائم فينتقم من أعداء الله. (٣)

بيان : كأن هذا كلام على سبيل التمثيل والتشبيه ، أى جعل الله التقية لكم سدا لرفع ضرر المخالفين عنكم إلى قيام القائم عليه‌السلام ورفع التقية ، كما أن ذا القرنين وضع السد لرفع فتنة يأجوج ومأجوج إلى أن يأذن الله لرفعها.

تكملة : قال الرازي : اختلف الناس في أن ذا القرنين من هو ، وذكروا اقوالا :

__________________

(١) مفاتيح الغيب ٥ : ٧٥٥. م

(٢ ـ ٣) مخطوط. م

٢٠٧

الاول : أنه الاسكندر بن فيلقوس اليوناني ، قالوا : والدليل عليه أن القرآن دل على أن الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه إلى أقصى المغرب بدليل قوله : « حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة » وأيضا بلغ ملكه أقصى المشرق بدليل قوله : « حتى إذا بلغ مطلع الشمس » وأيضا بلغ ملكه أقصى الشمال بدليل إن يأجوج ومأجوج قوم من الترك ويسكنون في أقصى الشمال ، وبدليل أن السد المذكور في القرآن يقال في كتب التواريخ إنه في أقصى الشمال ، (١) فهذا المسمى بذي القرنين في القرآن قد دل القرآن على أن ملكه بلغ أقصى المشرق والمغرب والشمال ، وهذا هو تمام القدر المعمور (٢) من الارض ، ومثل ذلك الملك البسيط لاشك أنه على خلاف العادة ، وما كان كذلك وجب أن يبقى ذكره مخلدا على وجه الدهر ، وأن لا يبقى مخفيا مستترا ، والملك الذي اشتهر في كتب التواريخ أنه بلغ ملكه إلى هذا القدر ليس إلا الاسكندر ، وذلك لانه لما مات أبوه جمع ملك الروم (٣) بعد أن كانوا طوائف ، ثم قصد (٤) ملوك المغرب وقهرهم ، وأمعن (٥) حتى انتهى إلى البحر الاخضر ثم عاد إلى مصر وبنى الاسكندرية وسماها باسم نفسه ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل ، (٦) وورد بيت المقدس وذبح في مذبحه ، ثم انعطف إلى أرمنية وباب الابواب ودانت له العبرانيون والقبط والبربر ، وتوجه بعد ذلك إلى دارابن دارا وهزمه مرات إلى أن قتله صاحب حرسه ، واستولى الاسكندر على ملوك الفرس ، وقصد الهند والصين وغزا الامم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ، ورجع إلى العراق ومرض بشهر ذور ومات بها ، فلما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين كان رجلا ملك الارض بالكلية أوما يقرب منها وثبت بعلم التواريخ أن الذي هذا شأنه ما كان إلا الاسكندر وجب القطع بأن المراد بذي القرنين هو الاسكندر بن فيلقوس اليوناني. (٧)

__________________

(١) في المصدر : انه بنى في اقصى الشمال اه. م

(٢) في نسخة : هو نهاية القدر المعمور.

(٣) في نسخة : جمع ملوك الروم.

(٤) في نسخة : ثم حصد.

(٥) أمعن في الطلب. ابعد وبالغ في الاستقصاء. امعن الضب في حجره : غاب في اقصاه.

(٦) في نسخة : وقهر بنى إسرائيل.

(٧) وبه قال اليعقوبى في تاريخه ، وقال الثعلبى في العرائس : به قال اكثر أهل السير.

٢٠٨

ثم ذكروا في تسمية ذى القرنين بهذاالاسم وجوها : الاول : إنه لقب بهذا اللقب لاجل بلوغه قرني الشمس أي مطلعها ومغربها كما لقب أردشير بطول اليدين (١) لنفوذ أمره حيث أراده. والثاني : إن الفرس قالوا : إن دارا الاكبر كان تزوج بابنة فيلقوس ، فلما قرب منها وجد منها رائحة منكرة فردها إلى أبيها وكانت قد حملت منه بالاسكندر فولدت الاسكندر بعد عودها إلى أبيها فيلقس ، فبقي الاسكندر عند فيلقس وأظهر أنه ابنه وهو في الحقيقة ابن دارا الاكبر ، قالوا : والدليل على ذلك أن الاسكندر لما أدرك دارا بن دارا وبه رمق وضع رأسه في حجره وقال لدارا : يا أخي أخبرني عمن فعل هذا لانتقم لك منه؟ فهذا ما قاله الفرس ، قالوا : فعلى هذا التقدير فالاسكندر أبوه دارا الاكبر ، وامه بنت فيلقس ، فهذا إنما تولد من أصلين مختلفين الفرس والروم ، وهذا الذي قاله الفرس ، (٢) وإنما ذكروه لانهم أرادوا أن يجعلوه من نسل ملوك العجم حتى لا يكون ملك مثله من نسب غير نسب ملوك العجم ، و هو في الحقيقة كذب ، وإنما قال الاسكندر لدارا « يا أخي » على سبيل التواضع وأكرم دارا بذلك الخطاب.

والقول الثانى : قال أبوالريحان البيروني المنجم في كتابه الذي سماه بالآثار الباقية من القرون الخالية : قيل : إن ذا القرنين هو أبوكرب شمر (٣) بن عمير بن أفريقش الحميري ، (٤) وهو الذى بلغ ملكه مشارق الارض ومغاربها ، وهو الذي افتخر به أحد الشعراء من حمير حيث قال :

قد كان ذو القرنين قبلي مسلما

ملكا علا في الارض غير معبد (٥)

__________________

(١) في المصدر : اردشير بن بهمن. وفى نسخة : بطويل اليدين. م

(٢) ذكره الثعلبى عن بعض القدماء ، وقد تقدم وجه تسميته بالاسكندر.

(٣) في المصدر : شمس. م

(٤) قال البغدادى في المحبر ص ٣٦٥ : يقال : الصعب بن قرين بن الهمال هو ذو القرنين الذى ذكره الله في كتابه. وقال في ص ٣٩٣ : ذو القرنين هو هرمس بن ميطون بن رومى بن لنطى ابن كسلوحين بن يونان بن يافت بن نوح ; والظاهر من الثعلبى والمسعودى أن هرمس هو جد الاسكندر وقد ذكرا في نسبه اختلافا راجع العرائس ومروج الذهب.

(٥) في نسخة : غير مقيد. وفى العرائس : « ملكا تدين له الملوك وتسجد » والمصرع الثانى من البيت الاتى فيه هكذا : « اسباب أمر من حكيم مرشد ». وزاد : فرأى مغيب الشمس عند غروبها * في عين ذى خلب وثاط حرمد.

٢٠٩

بلغ المشارق والمغارب يبتغي

أسباب ملك من كريم سيد

ثم قال أبوالريحان : ويشبه أن يكون هذا القول أقرب لان الاذواء (١) كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلوا أساميهم من ذي كذي المنار وذي نواس (٢) وذي النون و ذي يزن.

والثالث أنه كان عبدا صالحا ملكه الله الارض وأعطاه العلم والحكمة وألبسه الهيبة وإن كنا لا نعرف من هو ، ثم ذكروا في تسميته بذي القرنين وجوها :

الاول : سأل ابن الكواء عليا عليه‌السلام عن ذي القرنين وقال : أملك أو نبي؟ قال : لا ملك ولا نبي ، كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الايمن ، فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الايسر فمات ، فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله. (٣) الثاني : سمي بذي القرنين لانه انقرض في وقته قرنان من الناس. الثالث : قيل : كانت صفحتارأسه من نحاس. الرابع : كان على رأسه ما يشبه القرنين. الخامس : كان لتاجه قرنان. السادس : عن النبي (ص) أنه سمي ذا القرنين لانه طاف قرني الدنيا يعني شرقها وغربها. السابع : كان له قرنان أي ضفيرتان. الثامن : إن الله تعالى سخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامه ويمتد الظلمة من ورائه. التاسع : يجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما سمي الشجاع بالقرن لانه يقطع (٤) أقرانه. العاشر : أنه رأى في المنام كأنه صعد الفلك وتعلق بطرفي الشمس وقرنيها ـ أي جانبيها ـ فسمي لهذا السبب بذي القرنين. الحاديعشر : سمي بذلك لانه دخل النور والظلمة.

والقول الرابع : أن ذاالقرنين ملك من الملائكة ، عن عمر ; وإنه سمع رجلا يقول :

__________________

(١) اى الملوك الذين كان في صدر ألقابهم « ذو »

(٢) في المصدر : كذى الناد. م

رواه ايضا جابر بن عبدالله عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورواه عن على عليه‌السلام ايضا الاصبغ بن نباتة وحارث بن حبيب وابن الورقا وأبى الطفيل وغيرهم ، ورواه أبوبصير عن ابي جعفر وابى عبدالله عليهما‌السلام كما تقدم.

(٤) في المصدر : كما سمى الشجاع بالكبش لانه ينطح اه. م

٢١٠

يا ذاالقرنين ، فقال : اللهم اغفر (١) أمارضيتم أن تسموا بأسماء الانبياء حتى سميتم بأسماء الملائكة؟ (٢) فهذا جملة ما قيل في هذا الباب ، والقول الاول أظهر لاجل الدليل الذي ذكرناه ، وهو أن مثل هذا الملك العظيم يجب أن يكون معلوم الحال ، وهذا الملك العظيم هو الاسكندر ، فوجب أن يكون المراد بذي القرنين هو إلا أن فيه إشكالا قويا وهو أنه كان تلميذا لارسطاطاليس الحكيم ، وكان على مذهبه ، فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل إليه.

المسألة الثانية : اختلفوا في أن ذاالقرنين هل كان من الانبياء أم لا ، منهم من قال : إنه كان من الانبياء ، واحتجوا عليه بوجوه :

الاول قوله : « إنا مكنا له في الارض » والاولى حمله على التمكين في الدين ، والتمكين الكامل في الدين هو النبوة.

والثاني قوله : « وآتيناه من كل شئ سببا » ومن جملة الاشياء النبوة : فمقتضى العموم في قوله : « وآتيناه من كل شئ سببا » هو أنه تعالى آتاه من النبوة سببا.

والثالث قوله تعالى : « قلنا يا ذاالقرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا » والذي يتكلم الله معه لا بد وأن يكون نبيا ، ومنهم من قال : إنه كان عبدا صالحا وما كان نبيا. انتهى. (٣)

أقول : الظاهر من الاخبار أنه غير الاسكندر ، (٤) وأنه كان في زمن إبراهيم (٥) عليه‌السلام وأنه أول الملوك بعد نوح (ع) وأما استدلاله فلا يخفى ضعفه بعد ما قد عرفت

__________________

(١) في نسخة : اللهم غفرا.

(٢) في نسخة : أن تتسموا باسماء الانبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة.

(٣) مفاتيح الغيب ٥ : ٧٥٠ ٧٥٢. م

(٤) سماه في الخبر ١٥ الاسكندر وفى الخبر ٢٣ قال : كان غلاما من اهل الروم ; ولكنهما مرويان من طرق العامة ، وفيما تقدم من الاخبار أن اسمه عياش وفى الخبر ١١ أنه عبدالله بن ضحاك بن معد ، وقدمنا قبل ذلك كلام البغدادى وغيره في تسميته.

(٥) تقدم في الخبر الثانى أنه كان بعد موسى عليه‌السلام وفى الخبر ١٦ أنه كان بعد عيسى عليه السلام لكنهما مرويان من غير طرقنا.

٢١١

مع أن الملوك المتقدمة لم يضبط أحوالهم بحيث لا يشذ عنهم أحد ، وأيضا الظاهر من كلام أهل الكتاب الذين عليهم يعولون في التواريخ عدم الاتحاد ، ثم الظاهر مما ذكرنا من الاخبار وغيرهما مما أورده الكليني وغيره أنه لم يكن نبيا (١) ولكنه كان عبدا صالحا مؤيدا من عنده تعالى.

وأما يأجوج ومأجوج فقد ذكر الشيخ الطبرسي أن فسادهم أنهم كانوا يخرجون فيقتلونهم ويأكلون لحومهم ودوابهم ; وقيل : كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه ، ولا يابسا إلا احتملوه ، عن الكلبي ; وقيل : أرادوا أنهم سيفسدون في المستقبل عند خروجهم ; وورد في الخبر عن حذيفة قال : سألت رسول الله (ص) عن يأجوج ومأجوج فقال : يأجوج امة ومأجوج امة ، كل امة أربعمائة امة ، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح ; قلت : يارسول الله صفهم لنا ، قال : هم ثلاثة أصناف : صنف منهم أمثال الارز ، قلت : يارسول الله وما الارز؟ قال : شجر بالشام طويل ، وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء ، وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد ، وصنف منهم يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف بالاخرى ولا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه ، ومن مات منهم أكلوه ، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبربة. (٢) قال وهب ومقاتل : إنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك ; وقال السدي : الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت تغير (٣) فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت خارجه. وقال قتادة : إن ذا القرنين بنى السد على إحدى وعشرين قبيلة ، وبقيت منهم قبيلة دون السد فهم الترك ; وقال كعب هم نادرة من ولد آدم ، وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء والتراب يأجوج و مأجوج فهم متصلون بنا من جهة الاب دون الام ; وهذا بعيد انتهى. (٤)

__________________

(١) واما ما تقدم في الخبر ١٦ من انه اوحى اليه فقد عرفت أن الخبر وارد من غير طرقنا مع أنه يمكن توجيهه.

(٢) الخبر مروى عن العامة راجع.

(٣) أى تهجم وتوقع بغيرهم.

(٤) مجمع البيان ٦ : ٤٩٤. م

٢١٢

أقول : سيأتي بيان أحوالهم في كتاب الغيبة إن شاء الله تعالى. ثم اعلم أنا إنما أوردنا قصة ذي القرنين بعد قصص إبراهيم عليه‌السلام تبعا للصدوق رحمه‌الله ، ولمامر من أنه كان في زمنه عليه‌السلام ، وذهب بعض المؤرخين إلى أنه كان متقدما على إبراهيم (ع).

غريبة : قال الثعلبي في العرائس : يحكى أن الواثق بالله رأى في المنام كأن السد مفتوح ، فوجه سلاما الترجمان في خمسين رجلا وأعطاه ديته خمسة آلاف دينار ، وأعطى كل رجل من الخمسين ألف درهم ورزق سنة ، وأعطاه مائتي بغل لحمل الزاد والماء ، فتوجه من سر من رأى بكتاب من الواثق إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب ارمينية وكان بتفليس ، وكتب له إسحاق إلى صاحب السرير ملك الاردن ، وكتب له ملك الاردن إلى طلخيذ فيلاذ شاه ملك الخور (١) فأقام عنده حتى وجه خمسين رجلا أدلاء فساروا خمسة وعشرين يوما حتى انتهوا إلى أرض سوداء منتنة الريح ، وكانوا قد حملوا خلا يشمونه من الرائحة الكريهة ، (٢) فساروا فيها سبعة وعشرين يوما (٣) فمات ههنا قوم.

ثم ساروا في مدن خربة عشرين يوما ، فسألوا عن تلك المدن فقالوا : إنها قد ظهرت يأجوج ومأجوج فخربوها ، ثم ساروا إلى حصون با لقرب من الجبل يتكلمون بالعربية و الفارسية يقرؤون القرآن لهم كتاتيب (٤) ومساجد ، فقالوا : من القوم؟ قالوا : رسل أمير المؤمنين فقالوا : من أمير المؤمنين؟ قالوا : بالعراق ، فتعجبوا وقالوا : شيخ أوشاب ، وزعموا أنه لم يبلغهم خبره ، ثم ساروا (٥) إلى جبل أملس ليس عليه خضرة ، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعا ، فإذا عضادتان مبنيتان مقابلتا الجبل من جنبتي الوادي ، كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا (٦) الظاهر من تحتها عشرة أذرع ، مبنية بلبن من حديد ، مركبه بنحاس

__________________

(١) فيه تصحيف ، والموجود في العرائس : وكتب اسحاق إلى صاحب السرير ، وكتب له صاحب السرير إلى ملك اللان ، وكتب له ملك اللان إلى الازلى طلجند فبلاد شاه ملك الخزر قلت : قال ياقوت في المعجم : اللان آخره نون : بلاد واسعة في طرف ارمينية قرب باب الابواب مجاورون للخزر.

(٢) في العرائس : قد حملوا شيئا يشمونه من الرائحة الذكية.

(٣) في العرائس : تسعة وعشرين يوما.

(٤) في المصدر : مكاتب. وهما جمع المكتب والمكتبة : موضع التعليم.

(٥) في العرائس : فقالوا : من هو أمير المؤمنين؟ قلنا : من أولاد العباس ملك بالعراق ، فتعجبوا منه وقالوا : شيخ أوشاب؟ وزعموا انهم لم يبلغهم خبره ، ثم فارقوهم وساروا.

(٦) في المصدر : عضادتاه مبنيتان مقابلتا الجبل ، عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا.

٢١٣

في سمك خمسين ذراعا ، وإذا دروند (١) من حديد طرفاه على عضادتين ، طوله مائة وعشرون ذراعا ، قدر كبت طرفاه على العضادتين ، على كل واحدة (٢) مقدار عشرة أذرع في عرض خمسة أذرع ; وفوق ذلك الدروند بني بذلك اللبن من الحديد المنصب في النحاس (٣) إلى رأس الجبل ، وارتفاعه مد البصر ، وفوق ذلك شرف من حديد ، في طرف كل شرفة قرنان مبني بعضها إلى بعض كل واحد إلى صاحبه ، وإذا باب مصراعان (٤) منصوبان من حديد عرض كل باب خمسون ذراعا في ارتفاع خمسين ذراعا ، قائمتاهما في دورهما على قدر الدروند وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ ذراع ، وارتفاع القفل من الارض خمسة وخمسون ذراعا ، وفوق القفل مقدار خمسة أذرع غلق ، (٥) وعلى الغلق مفتاح طوله ذراع ونصف ، وله اثنا عشر دندانجة كل واحدة كد سجدة منجل من أعظم ما يكون ، (٦) ومعلق في سلسلة طولها ثمانية أذرع في استدارة أربعة أشبار ، والحلقة التي في السلسلة مثل حلقة المنجنيق ، وعتبة الباب عشرة أذرع ، في وسطه مائة ذراع ، سوى ما تحت العضادتين ، والظاهر منها (٧) خمسة أذرع ، هذا كله بذراع السواد ، ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في عشرة فوارس ، مع كل فارس مرزبة (٨) من حديد ، كل واحد منها خمسون منا ، فيضرب القفل بالمرزبات في كل يوم ثلاث ضربات يسمع من وراء الباب الصوت ، ويعملون أن هناك حفظة ، ويعلم هؤلاء أن اولئك لم يحدثوا في الباب حدثا ، وإذا ضربوا أصغوا إليها بآذانهم يسمعون من داخل دويا ، وبالقرب من هذا الجبل حصن عظيم كبير عشرة فراسخ

__________________

(١) معرب دربند وهو الباب الواسع.

(٢) في المصدر : علو كل واحدة.

(٣) في المصدر : فوق ذلك اللبن الحديد المغيب في النحاس.

(٤) في المصدر : منظومة كل واحدة في صاحبتها. واذا باب له مصراعان.

(٥) الغلق : ما يغلق به الباب :

(٦) هكذا في النسخ ، والمصدر خال عن الجملة ، والظاهر أن دندانجة معرب دندانه. وأما دسجدة فلم نقف على معناه والمنجل : آلة من حديد عكفاء يقضب بها الزرع ، يقال لها بالفارسية : داس.

(٧) في المصدر : وعرض عتبة الباب عشرة أذرع في طول مائة ذراع سوى ما في العضادتين والظاهر منها اه.

(٨) بتشديد الباء وتخفيفها : عصية من حديد.

٢١٤

في عشرة فراسخ ، تكسيرها مائة فرسخ ، ومع الباب حصنان يكون كل واحد منهما مائتي ذراع (١) في مائتي ذراع ، وعلى باب هذين الحصنين صخرتان ، وبين الحصنين عين ماء عذب ، وفي أحد الحصنين آلة البناء التي بني بها السد : من قدور الحديد ، ومغارف من حديد مثل قدر الصابون ، (٢) وهناك بعض اللبن من الحديد قد التصق بعضه ببعض من الصدأ (٣) واللبنة ذراع ونصف في طول شبر ، (٤) وسألنا هل رأوا هناك أحدا من يأجوج ومأجوج؟ فذكروا أنهم رأوا عدة منهم فوق الشرف ، فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم ، وكان مقدار الرجل في رأي العين شبرا ونصفا.

قال : فلما انصرفنا أخذتنا الادلاء (٥) على نواحي خراسان فعدلنا إليها فوقعنا إلى القرب من سمرقند على سبع فراسخ ، وكان أصحاب الحصن قد زو دونا الطعام ثم سرنا إلى عبدالله ابن طاهر فوصلنا بمائة ألف درهم ، ووصل كل رجل كان معي خمسمائة درهم ، وأجرى (٦) على كل فارس خمسة دراهم وعلى كل راجل ثلاثة دراهم كل يوم حتى صرنا إلى الري ، ورجعنا إلى سر من أرى بعد ثمانية وعشرين شهرا. (٧)

__________________

(١) في المصدر : ومع الباب حصنان طول كل واحدة منهما مائتا ذراع.

(٢) المصدر خال عن قوله : مثل قدر الصابون.

(٣) الصدأ : مادة لونها يأخذ من الحمرة والشقرة تتكون على وجه الحديد ونحوه بسبب رطوبة الهواء ، يقال : بالفارسية لها : زنك.

(٤) في المصدر : في عرض شبر.

(٥) في المصدر : أخذ بنا الادلاء.

(٦) أجرى عليه الرزق : أفاضه وعينه.

(٧) العرائس ٢٢٩ ـ ٢٣٠. م

٢١٥

( باب ٩ )

* ( قصص يعقوب ويوسف على نبينا وآله وعليهما الصلاة والسلام ) *

الايات ، البقرة « ٢ » ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وآله آبائك إبراهيم وإسمعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون ١٣٢ ـ ١٣٣.

آل عمران « ٣ » كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التورية قل فأتوا بالتورية فاتلوها إن كنتم صادقين ٩٣.

يوسف « ١٢ » نحن نقص عليك أحسن القصص « إلى قوله » : وهم يمكرون ٣ ـ ١٠٢.

مريم « ١٩ » وهبنا له إسحاق ويعقوب كلا جعلنا نبيا ٤٩.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله : « إلا ما حرم إسرائيل » أي يعقوب « على نفسه » اختلفوا في ذلك الطعام فقيل : إن يعقوب أخذه وجع العرق الذي يقال له عرق النساء فنذر إن شفاه الله أن يحرم العروق ولحم الابل وهو أحب الطعام إليه ، عن ابن عباس و غيره ; وقيل : حرم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبدا لله ، وسأل الله أن يجيز له فحرم الله تعالى ذلك على ولده ; وقيل : حرم زائدة الكبد والكليتين والشحم إلا ما حملته الظهور واختلف في أنه (ع) كيف حرم على نفسه؟ فقيل : بالاجتهاد وهو باطل ; وقيل : بالنذر ; و قيل : بنص ورد عليه ; وقيل : حرمه كما يحرم المستظهر في دينه من الزهاد اللذة على نفسه « من قبل أن تنزل التورية » أي كل الطعام كان حلالا لنبي إسرائيل قبل أن تنزل التوراة على موسى ، فإنها تضمنت تحريم ماكانت حلالا لبني إسرائيل.

واختلفوا فيما حرم عليهم فقيل : إنه حرم عليهم ما كانوا يحرمونه قبل نزولها اقتداء بأبيهم يعقوب ; وقيل : لم يحر مه الله عليهم في التوراة ، وإنما حرم عليهم بعد التوراة بظلمهم وكفرهم ، وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنبا عظيما حرم الله عليهم طعاما طيبا وصب عليهم رجزا

٢١٦

وهو الموت ، وذلك قوله تعالى : « فبظلم من الذين هادوا » الآية. وقيل لم يكن شيئا (١) من ذلك حراما عليهم في التوراة وإنما هو شئ حرموه على أنفسهم اتباعا لابيهم ، وأضافوا تحريمه إلى الله فكذبهم الله تعالى ، واحتج عليهم بالتوراة ، فلم يجسروا على إتيان التوراة لعلمهم بصدق النبي (ص) وكذبهم ، وكان ذلك دليلا ظاهرا على صحة نبوة نبينا (ص). (٢)

١ ـ فس : محمد بن جعفر ، عن محمد بن أحمد ، عن علي بن محمد ، عمن حدثه ، (٣) عن المنقري ، عن عمرو بن شمر ، عن إسماعيل بن السندي ، عن عبدالرحمن بن أسباط القرشي عن جابر بن عبدالله الانصاري في قول الله : « إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين » قال في تسمية النجوم : هو الطارق وحوبان والذيال (٤) وذوالكتفين ووثاب وقابس وعمودان وفيلق (٥) ومصبح والصرح (٦) والفروغ (٧) والضياء والنور. يعني الشمس والقمر ، وكل هذا النجوم محيطة بالسماء.

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : تأويل هذه الرؤيا إنه سيملك مصر ويدخل عليه أبواه وإخوته ، أما الشمس فام يوسف راحيل ، والقمر يعقوب ، وأما أحد عشر كوكبا فإخوته ، فلما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله وحده حين نظروا إليه وكان ذلك السجود لله.

قال علي بن إبراهيم : فحدثني أبي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه كان من خبر يوسف أنه كان له أحد عشرأخا ، وكان له من امه أخ واحد

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٤٧٥. م

(٣) في نسخة : عن حارثة.

(٤) في الخصال في رواية : « جوبان » وفى اخرى « حربان » وفى العرائس « جريان » وفيه : « الذبال. »

(٥) في نسخة : فليق.

(٦) في نسخة : « الصوح » وفى اخرى « الضرح » وفى العرائس « الضروح » وفى الخصال : « الضروج. »

(٧) في نسخة : « الفروع » وفى المصدر « القروع وفى العرائس » الفرع « وفى عصال : » ذوالقرع.

٢١٧

يسمى بنيامين ، (١) وكان يعقوب إسرائيل الله ـ ومعنى إسرائيل الله أي خالص الله ـ ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله ، فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع سنين فقصها على أبه ، فقال يعقوب : « يا نبي لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للانسان عدو مبين » قوله : « فيكيدوا لك كيدا » أى يحتالوا عليك ، فقال يعقوب ليوسف : « وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحق إن ربك عليم حكيم » وكان يوسف من أحسن الناس وجها ، وكان يعقوب يحبه ويؤثره على أولاده ، فحسدوه إخوته على ذلك؟ وقالوا فيما بينهم ما حكى الله عزوجل : « إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة » أي جماعة « إن أبانا لفي ضلال مبين » فعمدوا على قتل يوسف فقالوا : نقتله حتى يخلولنا وجه أبينا فقال لاوي : لا يجوز قتله ولكن نغيبه عن أبينا ونحن نخلوبه ، فقالوا كما حكى الله عز وجل : « يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون * أرسله معنا غدا يرتع ويلعب » أي يرعى الغنم ويلعب « وإنا له لحافظون » فأجرى الله على لسان يعقوب « إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون » فقالوا كما حكى الله : « لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون » العصبة ، عشرة إلى ثلاثة عشر « فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيبت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لايشعرون » أي تخبرهم بما هموا به ; وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « لتنبئنهم بأمرهم هذا وهو لا يشعرون » يقول : لا يشعرون إنك أنت يوسف ، أتاه جبرئيل فأخبره بذلك. (٢)

بيان : قال الطبرسي رحمه‌الله : يعقوب هو إسرائيل الله ـ ومعناه : عبدالله الخالص ـ ابن إسحاق نبي الله ، ابن إبراهيم خليل الله. وفي الحديث أن النبي (ص) قال : الكريم ابن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. وعن ابن عباس أن يوسف رأى في المنام ليلة الجمعة ليلة القدر أحد عشر كوكبا نزلت من السماء فسجدت

__________________

(١) في نسخة وفى المصدر : ابن يامين.

(٢) تفسير القمى : ٣١٦ ـ ٣١٧. م

٢١٨

له ورأى الشمس والقمر نزلا من السماء فسجدا له ، قال : فالشمس والقمر أبواه ، والكواكب إخوته الاحد عشر. وقال السدي : الشمس أبوه والقمر خالته ، وذلك أن امه راحيل قد ماتت ; وقال ابن عباس : الشمس امه والقمر أبوه ; وقال وهب : كان يوسف رأى و هو ابن سبع سنين أن أحد عشر عصا طوالا كانت مركوزة في الارض كهيئة الدائرة ، وإذا عصا صغيرة وثبت عليها حتى اقتلعتها وغلبتها ، فوصف ذلك لابيه فقال : له إياك أن تذكر ذلك لاخوتك. ثم رأى وهو ابن اثنتي عشرة سنة أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر سجدن له ، فقصها على أبيه فقال له » : لا تقصص « الآية ; وقيل : إنه كان بين رؤياه وبين مصير أبيه وإخوته إلى مصر أربعون سنة ; وقيل : ثمانون سنة ».

قوله تعالى : « وكذلك » أي كما أراك هذه الرويا « يجتبيك ربك » أي يصطفيك و يختارك للنبوة « ويعلمك من تأويل الاحاديث » أي من تعبير الرؤيا ; قيل : وكان أعبر الناس الرؤيا أو مطلق العلوم والاخبار السالفة والآتية « لقد كان في يوسف وإخوته » كان ليعقوب أثنا عشر ولدا ، وقيل : أسماؤهم روبيل وهو أكبرهم ، وشمعون ولاوي ويهودا وريالون (١) ويشجر. وامهم ليا (٢) بنت ليان وهي ابنه خالة يعقوب ، ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أخته راحيل فولدت له يوسف وبنيامين (٣) وقيل : ابن يامين ، وولد له من سريتين (٤)

__________________

(١) في اليعقوبى والطبرى والمحبر « يهوذا » بالذال. وفى المصدر وفى الطبرى « زبالون » وفى اليعقوبى « زفولون » وفى المحبر « زبلون » وأما يشجر ففى الطبرى « يشجر ويشحر » بالحاء المهملة و في اليعقوبى « يشاجر » والمحبر « يساخر » الا أنه لم يعجم الياء.

(٢) وبه قال اليعقوبى والطبرى ، وقال البغدادى في المحبر : هى الية. وأما أبوها ففى تاريخ الطبرى : هو ليان بن بتويل بن الياس وفى تاريخ اليعقوبي : لابان. وفى المحبر. أحبن بن نتويل ابن ناحور.

(٣) قال الطبرى : هو بالعربية : شداد.

(٤) في المطبوع هنا هامش نذكره بالفاظه : قوله : « وسرية » اختلف في سرية فقال بعضهم : انها مشتقة من السر الذي هو الجماع أو الذى يكتم للمناسبة المعنوية اذ الغالب أن السرية تكتم عن الحرة وقال بعضهم : انها من السراة ، ثم القائلون بأنها من السر اختلفوا فذهب بعضهم إلى أنها فعلية منسوبة اليه وضمت سينها مع أن القياس الكسر كما قالوا دهرى في النسبة إلى الدهر ، وذهب آخرون إلى انها في الاصل سرورة على وزن فعلولة من السر أيضا أبدلوا من الراء الاخيرة ياء للتضعيف ثم قلبوا الواو ياء وادغموا ثم كسروا ماقبل الياء للمناسبة ، فهى على هذا فعليلة صغيرة عن فعلولة *

٢١٩

له اسم إحداهما زلفة والاخرى بلهة (١) أربعة بنين : دار (٢) ويقنالي وحاد وأشر ليوسف وأخوه « أي بنيامين » ونحن عصبة « أي جماعة يتعصب بعضنا لبعض ، ويعين بعضنا بعضا فنحن أنفع لابينا » لفي ضلال مبين « أي ذهاب عن طريق الصواب الذي هو التعديل بيننا ، أو في خطاء من الرأي في أمور الاولاد والتدبير الدنيوي ، إذ نحن أقوم بأموره ; وأكثر المفسرين على أن إخوة يوسف كانوا أنبياء ، وقال بعضهم : لم يكونوا أنبياء لان الانبياء لا يقع منهم القبائح. (٣) وروى ابن بابويه في كتاب النبوة بإسناده عن ابن بزيع ، عن حنان بن سدير قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : أكان أولاد يعقوب أنبياء؟ فقال : لا ، ولكنهم كانوا أسباطا أولاد الانبياء ، ولم يفارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا ».

« يخل لكم وجه أبيكم » أي تخلص لكم محبته « قال قائل منهم » أي روبيل ; وقيل يهودا ; وقيل : لاوي « في غيبت الجب » أي في قعر البئر ، واختلف فيه فقيل : هو بئر بيت المقدس ، وقيل بأرض الاردن ; وقيل : بين مدين ومصر ; وقيل : على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب « أخاف أن يأكله الذئب » قيل : كانت أرضهم مذئبة. وكانت السباع ضاريه في ذلك الوقت ; وقيل : إن يعقوب عليه‌السلام رأى في منامه كأن يوسف قد شد عليه عشرة أذؤب ليقتلوه ، وإذا ذئب منها يحمي عنه ، فكأن الارض انشقت فدخل فيها يوسف فلم

__________________

والقائلون بأنها من السراة وهى الخيار ذهبوا إلى ذلك لانها لايجعل لامة سرية إلا بعد اختيارها لنفسه ، ووزنها عندهم فعيلة فيكون الراء الواحدة والياء الواحدة زائدة والمختار الاول وهو أنها فعلية من السر لقوة المعنى كماتقدم واللفظ أيضا لكثرة فعلية كحرية وقلة فعلولة وعدم فعلية ، وهنا مذهب آخر وذهب اليه الاخفش ولم يذكره المصنف وهو أنها فعولة من السرور لانها يسر بها فابدلوا من الراء الاخيرة ياء ثم قلبوا وادغموا كمامر. جار بردي.

(١) في المحبر : بلها ، وفيه وفى اليعقوبى : زلفاء.

(٢) في المصدر واليعقوبي والطبرى والمحبر : « دان » بالنون. وفى الاولين : « نفتالى » وفى الاخرين « نفتالى » أما حاد ففى المصدر : « جاد » بالجيم ، وفى الطبرى « جاد وحادر » وفى المحبر : « جاذ » بالذال ، وفى اليعقوبى : « كاذ ».

(٣) وبه قالت اصحابنا الامامية ، حيث انهم قالوا ان الانبياء لايصدر عنهم الذنوب والقبائح وهم معصومون عنها ، وتقدم الكلام في ذلك في أول المجلد ١١.

٢٢٠