بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أقول : وجدت في كتاب الفهرست لابي غالب الزراري ماهذا لفظه : أبوحمزة البطائني اسمه سالم روي عنه أن صاع يوسف كان يصوت بصوت حسن : واحد واثنان.

تذنيب في حل ما يورد من الاشكال على مامر من الآيات والاخبار وفيه فصول :

الاول فيما يتعلق بأحوال يعقوب ولنذكرهنا بعض ما أورده السيد قدس الله روحه في كتاب تنزيه الانبياء.

قال : فإن قيل : فما معنى تفضيل يعقوب ليوسف عليه‌السلام على إخوته في البر والتقريب والمحبة حتى أوقع ذلك التحاسد بينهم وبينه وأفضى إلى الحال المكروهة التي نطق بها القرآن حتى قالوا على ما حكاه الله تعالى عنهم : « ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين » فنسبوه إلى الضلال والخطاء؟ وليس لكم أن تقولوا : إن يعقوب عليه‌السلام لم يعلم بذلك من حالهم قبل أن يكون منه التفضيل ليوسف عليه‌السلام لان ذلك لابد من أن يكون معلوما من حيث كان في طباع البشر التنافس والتحاسد.

الجواب : قيل له : ليس فيما نطق به القرآن مايدل على أن يعقوب فضله بشئ من فعله ، لان المحبة التي هي ميل الطباع ليست مما يكتسبه الانسان ويختاره ، وإنما ذلك موقوف على فعل الله تعالى فيه ، ولهذا يكون للرجل عدة أولاد فيحب أحدهم دون غيره ، وربما كان المحبوب أدونهم في الجمال والكمال ، وقد قال الله تعالى : « ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم » وإنما أراد ما بيناه من ميل النفس الذي لايمكن الانسان أن يعدل فيه بين نسائه ، لان ما عدا ذلك من البر والعطاء والتقريب وما أشبهه يستطيع الانسان أن يعدل فيه بين النساء.

فإن قيل : فكأنكم نفيتم عن يعقوب عليه‌السلام القبيح والاستفساد وأضفتموها إلى الله فما الجواب عن المسألة على هذا الوجه؟ قلنا عنها جوابان : أحدها أنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى علم أن إخوة يوسف سيكون بينهم ذلك التحاسد والفعل القبيح على كل حال وإن لم يفضل يوسف في محبة أبيه له. (١)

__________________

(١) في المصدر : في محبة أبيه لهم : وبعده زيادة وهي هذه : وانما يكون ذلك استفسادا اذا وقع عنده الفساد وارتفع عند ارتفاعه ولم يكن تمكينا.

٣٢١

والجواب الآخر أن يكون ذلك جاريا مجرى التمكين والتكليف الشاق ، لان هؤلاء الاخوة متى امتنعوا من حسد أخيهم والبغي عليه والاضرار به وهو غير مفضل عليهم ولا مقدم لايستحقون من الثواب ما يستحقونه إذا امتنعوا من ذلك مع التقديم والتفضيل فأراد الله تعالى منهم أن يمتنعوا على هذا الوجه الشاق ، وإذا كان مكلفا على هذا الوجه فلا استفساد في تمييله طباع أبيهم إلى محبة يوسف عليه‌السلام لان بذلك ينتظم هذا التكليف ويجري هذا الباب مجرى خلق إبليس مع علمه تعالى بضلال من ضل عند خلقه ممن لولم يخلقه لم يكن ضالا ، ومجرى زيادة الشهوة فيمن يعلم تعالى أنه عند هذه الزيادة يفعل قبيحا لولاها لم يفعله.

ووجه آخر في الجواب عن أصل المسألة وهو أنه يجوز أن يكون يعقوب عليه‌السلام كان مفضلا ليوسف عليه‌السلام في العطاء والتقريب والترحيب والبر الذي وصل إليه من جهته ، وليس ذلك بقبيح لانه لا يمتنع أن يكون يعقوب عليه‌السلام لم يعلم أن ذلك يؤدي إلى ماأدى إليه ، (١) ويجوز أن يكون رأى من سيرة إخوته وسدادهم وجميل ظاهرهم ما غلب على ظنه أنهم لا يحسدونه وإن فضله عليهم ، فإن الحسد وإن كان كثيرا ما يكون في الطباع فإن كثيرا من الناس يتنزهون عنه ويتجنبونه ، ويظهر من أحوالهم أمارت يظن معها بهم ما ذكرناه ، وليس التفضيل لبعض الاولاد على بعض في العطاء محاباة؟ لان لمحاباة هي مفاعلة من الحباء ، ومعناها أن تحبو غيرك ليحبوك ، وهذا خارج عن معنى التفضيل بالبر الذي لا يقصد به إلى (٢) ماذكرناه ، فأما قولهم : « إن أبانا لفي ضلال مبين » فلم يريدوا به الضلال عن الدين ، وإنما أرادوا الذهاب عن التسوية بينهم في العطية ، لانهم رأوا أن ذلك أصوب في تدبيرهم ، وأصل الضلال هو العدول ، وكل من عدل عن شئ وذهب عنه فقد ضل ، ويجوز أيضا أن يريدوا بذلك الضلال عن الدين ، لانهم خبروا عن اعتقادهم ، وقد يجوز أن يعتقدوا في الصواب الخطاء.

فإن قيل : كيف يجوز أن يقع من إخوة يوسف هذا الخطاء العظيم والفعل القبيح

__________________

(١) ظاهر قول يعقوب فيما حكى الله عنه خلاف ذلك ، حيث هو يقول : « يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين » وظاهره انه كان يعلم من حالهم أنهم يكيدونه لوقص عليهم رؤياه ، الا أن يقال انه استحاط في ذلك.

(٢) المصدر خال من كلمة « إلى ». م

٣٢٢

وقد كانوا أنبياء؟ فإن قلتم : لم يكونوا أنبياء في الحال قيل لكم : وأي منفعة في ذلك لكم وأنتم تذهبون إلى أن الانبياء لا يواقعون القبائح قبل النبوة ولا بعدها؟ قلنا : لم يقم الحجة بأن إخوة يوسف الذين فعلوا به ما فعلوه كانوا أنبياء في حال من الاحوال ، وإذا لم يقم بذلك الحجة جاز على هؤلاء الاخوة من فعل القبيح مايجوز على كل مكلف لم تقم حجة بعصمته ، وليس لاحد أن يقول : كيف تدفعون نبوتهم والظاهر أن الاسباط من بني يعقوب كانوا أنبياء؟ لانه لا يمتنع أن يكون الاسباط الذين كانوا أنبياء غير هؤلاء الاخوة الذين فعلوا بيوسف ماقصه الله تعالى عنهم ، وليس في ظاهر الكتاب أن جميع إخوة يوسف وسائر أسباط يعقوب كادوا يوسف عليه‌السلام بما حكاه مالله تعالى من الكيد ، وقد قيل : إن هؤلاء الاخوة في تلك الحال لم يكونوا بلغوا الحلم ولا توجه إليهم التكليف ، وقد يقع ممن قارب البلوغ من الغلمان مثل هذه الافعال ، وقد يلزمهم بعض العتاب واللوم ، فإن ثبت هذا الوجه سقطت المسألة أيضا مع تسليم أن هؤلاء الاخوة كانوا أنبياء في المستقبل انتهى كلامه رحمه‌الله. (١)

أقول : الاظهر في الجواب هو ما أومئ إليه من أن التفضيل بين الاولاد في العطاء والمحبة والاكرام إذا كان لامر ديني ولفضيلة واقعية لم يدل دليل على كونه مرجوحا ، بل دلت الاخبار المعتبرة على رجحانه كما سيأتي في بابه ، فعلى هذا لاحرج في تفضيل يعقوب يوسف مع علمه بأنه سيكون من الانبياء والصديقين عليهم ، ولا يوجب العلم بحسد الاخوة ترك أمر راجح ديني يقتضيه العقل والشرع ، وأما خطاء الاخوة فقد عرفت بما مر من الاخبار أنهم لم يكونوا من الانبياء ، (٢) وذهب كثير من العامة أيضا إلى ذلك ، فلا يستبعد منهم صدور الذنب ، ولكن دلت الآية ظاهرا والاخبار صريحا على أنهم فارقوا الدنيا تائبين مغفورين كما عرفت.

__________________

(١) تنزيه الانبياء : ٤٣ ـ ٤٥. م

(٢) وأما قوله تعالى : « قولوا آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل إلى ابراهيم » إلى قوله : « والاسباط » فالمراد يوسف وداود وسليمان عليهم‌السلام ; وقوله تعالى : « وأوحينا إلى ابراهيم و اسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط » فالمراد يوسف عليه‌السلام فتأمل.

٣٢٣

ثم قال قدس الله روحه : مسألة : فإن قال : فلم أرسل يعقوب عليه‌السلام يوسف مع إخوته مع خوفه عليه منهم ، وقوله : « أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون » وهل هذا إلا تغرير به ومخاطرة؟

الجواب : قيل له : ليس يمتنع أن يكون يعقوب لما رأى من بنيه ما رأى من الايمان والعهود والاجتهاد في الحفظ والرعاية لاخيهم ظن مع ذلك السلامة ، وغلب النجاة بعد أن كان خائفا مغلبا لغير السلامة ، وقوي في نفسه أن يرسله معهم إشفاقه من إيقاع الوحشة والعداوة بينهم ، لانه إذا لم يرسله مع الطلب منهم والحرص علموا أن سبب ذلك هو التهمة لهم والخوف من ناحيتهم واستوحشوا منه ومن يوسف (ع) وانضاف هذا الداعي إلى ما ظنه من السلامة والنجاة فأرسله. (١)

مسألة : فإن قال : فما معنى قولهم ليعقوب عليه‌السلام : « وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين » وكيف يجوز أن ينسبوه إلى أنه لا يصدق الصادق ويكذبه؟

الجواب : إنهم لما علموا على مرور الايام شدة تهمة أبيهم لهم وخوفه على أخيهم منهم لما كان يظهر منهم من أمارات الحسد والنفاسة أيقنوا بأنه يكذبهم فيما أخبروا به من أكل الذئب أخاهم فقالوا له : إنك لا تصدقنا في هذا الخبر لماسبق إلى قلبك من تهمتنا وإن كنا صادقين ، وقد يفعل مثل ذلك المخادع المماكر إذا أراد أن يوقع في قلب من يخبره بالشئ ليصدقه فيقول له : أنا أعلم أنك لا تصدقني في كذا وكذا وإن كنت صادقا ، وهذا بين.

مسألة : فإن قال : فلم أسرف يعقوب عليه‌السلام في الحزن والتهلك وترك التماسك حتى ابيضت عيناه من البكاء؟ ومن شأن الانبياء التجلد (٢) والتصبر وتحمل الاثقال و لهذه الحالة ما عظمت منازلهم وارتفعت درجاتهم. (٣)

الجواب : قيل له : إن يعقوب عليه‌السلام بلي وامتحن في ابنه بمالم يمتحن به أحد

__________________

(١) تنزيه الانبياء : ٤٥ ـ ٤٦. م

(٢) التجلد : تكلف الجلد والصبر.

(٣) هكذا في النسخ ; وفى المصدر : ولولا هذه الحال ما عظمت منازلهم وارتفعت درجاتهم. وهو الصحيح.

٣٢٤

قبله ، لان الله تعالى رزقه من يوسف أحسن الناس وأجملهم وأكملهم علما وفضلا وأدبا و عفافا ، ثم اصيب به أعجب مصيبة وأطرفها ، لانه لم يمرض بين يديه مرضا يؤول إلى الموت فيسليه عنه تمريضه له ثم يئس منه بالموت ، بل فقده فقدا لا يقطع معه على الهلاك فييأس ولا يجد أمارة على حياته وسلامته فيرجو ويطمع ، فكان متردد الفكر بين يأس وطمع وهذا أغلظ ما يكون على الانسان وأنكى لقلبه ، وقد يرد على الانسان من الحزن ما لايملك رده ولا يقوى على دفعه ، ولهذا لم يكن أحد منهيا عن مجرد الحزن والبكاء ، وإنما نهي عن اللطم والنوح وأن يطلق لسانه بما سخط ربه ، وقد بكى نبينا (ص) على ابنه إبراهيم عند وفاته وقال : « العين تدمع ، والقلب يخشع ، ولا نقول ما يسخط الرب » وهو عليه الصلاة والسلام القدوة في جميع الآداب والفضائل ; على أن يعقوب عليه‌السلام إنما أبدى من حزنه يسيرا من كثير ، وكان ما يخبه (١) ويتصبر عليه ويغالبه أكثر وأوسع مما أظهره ، وبعد فإن التجلد على المصائب وكظم الحزن من المندوب إليه ، وليس بواجب لازم ، وقد يعدل الانبياء عليهم‌السلام عن كثير من المندوبات. انتهى كلامه رفع الله مقامه. (٢)

أقول : قد حققنا في بعض كتبنا أن محبة المقربين لاولادهم وأقربائهم وأحبائهم ليست من جهة الدواعي النفسانية والهشوات البشرية ، بل تجردوا عن جميع ذلك ، و أخلصوا حبهم وودهم وإرادتهم لله ، فهم ما يحبون سوى الله تعالى ، وحبهم لغيره تعالى إنما يرجع إلى حبهم له ، ولذا لم يحب يعقوب (ع) من سائر أولاده مثل ما أحب يوسف (ع) وهم لجهلهم بسبب حبه له نسبوه إلى الضلال وقالوا : نحن عصبة ونحن أحق بأن نكون محبوبين له ، لانا أقوياء على تمشية ما يريده من امور الدنيا ، ففرط حبه ليوسف إنما كان لحب الله تعالى له واصطفائه إياه ، ومحبوب المحبوب محبوب ، فإفراطه في حب يوسف لا ينافي خلوص حبه لربه ، ولا يخل بعلو قدره ومنزلته عند سيده ، (٣) وسيأتي الكلام

__________________

(١) هكذا في النسخ ، وفى المصدر : وكان ما يخفيه.

(٢) تنزيه الانبياء : ٤٦ ـ ٤٧. م

(٣) وهو وجه وجيه لولا ما تقدم من الاخبار الدالة على مؤاخذته تعالى على كثرة جزعه وبكائه.

٣٢٥

في ذلك على وجه أبسط في محله ، وفيما أو ردته كفاية لاولي الالباب.

ثم قال رحمه‌الله :

مسألة : فإن قال : كيف لم يتسل يعقوب عليه‌السلام ويخفف عنه الحزن ما تحققه من رؤيا ابنه يوسف ورؤيا الانبياء لا تكون إلا صادقة؟

الجواب : قيل له : عن ذلك جوابان : أحدهما أن يوسف عليه‌السلام رأى تلك الرؤيا وهو صبي غير نبي ولا موحى إليه ، فلا وجه في تلك الحال للقطع على صدقها وصحتها. و الآخر : إن أكثر ما في هذا الباب أن يكون يعقوب عليه‌السلام قاطعا على بقاء ابنه وأن الامر سيؤول فيه إلى ما تضمنته الرؤيا ، وهذا لا يوجب نفي الحزن والجزع ، لانا نعلم أن طول المفارقة واستمرار الغيبة تقتضيان الحزن مع القطع على أن المفارق باق يجوز أن يؤول حاله إلى القدوم ، وقد جزع الانبياء عليهم‌السلام ومن جرى مجراهم من المؤمنين المطهرين من مفارقة أولادهم وأحبائهم مع ثقتهم بالالتقاء بهم في الآخرة والحصول معهم في الجنة ، والوجه في ذلك ما ذكرناه. انتهى كلامه رحمه‌الله. (١)

الفصل الثاني في تأويل قوله تعالى : « ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه » ولنذكر هنا ما أورده الرازي في تفسيره في هذا المقام فإن اعتراف الخصم أجدى لاتمام المرام :

قال : اعلم أن هذه الآية من المهمات التي يجب الاعتناء بالبحث عنها ، وفي هذه الآية مسائل.

المسألة الاولى في أنه (ع) هل صدر عنه ذنب أم لا؟ وفي هذه المسألة قولان : أحدهما أن يوسف عليه‌السلام هم بالفاحشة ، قال الواحدي في كتاب البسيط : قال المفسرون الموثوق بعلمهم المرجوع إلى روايتهم : هم يوسف أيضا بهذه المرأة هما صحيحا ، وجلس منها مجلس الرجل من المرأة ، فلما رأى البرهان من ربه زالت كل شهوة عنه. قال أبوجعفر الباقر بإسناده عن علي إنه قال : طمعت فيه وطمع فيها ، وكان طمعه

__________________

(١) تنزيه الانبياء : ٤٧. م

٣٢٦

فيها أنه هم أن يحل التكة. (١) وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : حل الهميان (٢) وجلس منها مجلس الخائن ، وعنه أيضا أنها استلقت له وقعد هو بين رجليها ينزع ثيابه. ثم إن الواحدي طول في كلمات عديمة الفائدة في هذا الباب ، وما ذكر آية يحتج بها ، أو حديثا (٣) صحيحا يعول عليه في تصحيح هذه المقالة ، ولما أمعن في الكلمات العارية عن الفائدة روى أن يوسف لما قال : « ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب » قال له جبرئيل : ولا حين هممت يا يوسف؟ فقال يوسف عند ذلك : « وما ابرئ نفسي » ثم قال : والذين أثبتوا هذا العمل ليوسف كانوا أعرف بحقوق الانبياء وارتفاع منازلهم عند الله من الذين نفوا لهم عنه! (٤) فهذا خلاصة كلامه في هذا الباب.

والقول الثاني أن يوسف عليه‌السلام كان بريئا من العمل الباطل والهم المحرم ، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين وبه نقول وعنه نذب.

واعلم أن الدلائل الدالة على وجوب عصمة الانبياء عليهم‌السلام كثيرة استقصيناها في سورة البقرة في قصة آدم عليه‌السلام فلا نعيدها إلا أنا نزيد ههنا وجوها :

فالحجة الاولى : إن الزنا من منكرات الكبائر ، والخيانة من معرض الامانة من منكرات الذنوب ، وأيضا مقابلة الاحسان العظيم الدائم بالاساءة الموجبة للفضيحة الباقية والعار الشديد من منكرات الذنوب ، وأيضا الصبي إذا تربى في حجر إنسان وبقي مكفي المؤونة مصون العرض من أول صباه إلى زمان شبابه وكمال قوته فإقدام هذا الصبي على

__________________

(١) والخبر كغيره من الاحاد التى لا يوجب علما ولا عملا وهو مخالف لاصول الشيعة بل لظاهر الكتاب ، فلو كان ورد بطريق صحيح لكان وجب حمله أو طرحه فكيف وهو مرسل ورد من غير طريقنا.

(٢) الهميان : شداد السراويل أو التكة.

(٣) في المصدر : ولا حديث.

(٤) انظر كيف عرفوا حقوق الانبياء وارتفاع منازلهم عند الله وهم نسبوهم إلى ما لاينسب إليه آحاد الامة ، وما لا يفعله الا الفساق من الرعية ، وهل يبقى لو ثبتت تلك النسب مجال لدعوى وجوب اتباعهم والوثوق باقوالهم وقبول شهاداتهم؟ وهل يجب نهيهم عنها واقامة الحدود عليهم؟ وفي اثبات ذلك العمل وامثاله لهم محاذير عظيمة ذكرها المصنف في باب عصمة الانبياء ، ويذكر بعضها الرازى بعد ذلك.

٣٢٧

إيصال أقبح أنواع الاساءة إلى ذلك المنعم من منكرات الاعمال.

إذا ثبت هذا فنقول : إن هذه المعصية التي نسبوها إلى يوسف كانت موصوفة بجميع هذه الجهات الاربعة ، ومثل هذه المعصية لو نسبت إلى أفسق خلق الله وأبعدهم عن كل خير لاستنكف منه ، فكيف يجوز إسناده إلى الرسول المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة؟ الثاني أنه تعالى قال في عين هذه الواقعة : « كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء » وذلك يدل على أن ماهية السوء وماهيه الفحشاء مصروفة عنه ، ولا شك أن المعصية التي نسبوها إليه أعظم أنواع السوء وأفحش أقسام الفحشاء ، فكيف يليق برب العالمين أن يشهد في عين هذه الواقعة بكونه بريئا من السوء والفحشاء مع أنه كان قد أتى بأعظم أنواع السوء والفحشاء؟! أيضا فالآية تدل على قولنا من وجه آخر : وذلك لانا نقول : هب إن هذه الآية لا تدل على نفي هذه المعصية عنه إلا أنه لاشك أنها تفيد المدح العظيم والثناء البالغ ولا يليق بحكمة الله تعالى أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية عظيمة ثم إنه يمدحه ويثني عليه بأعظم المدائح والاثنية عقيب أن يحكي عنه ذلك الذنب العظيم ، فإن مثاله ما إذا حكى السلطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب وأفحش الاعمال ثم يذكره بالمدح العظيم والثناء البالغ عقيبه ، فإن ذلك يستنكر جدا فكذا ههنا.

الثالث : أن الانبياء متى صدرت عنهم زلة أوهفوة (١) استعظموا ذلك وأتبعوها بإظهار الندامة والتوبة والتواضع ، ولو كان يوسف أقدم ههنا على هذه الكبيرة المنكرة لكان من المحال أن لا يتبعها بالتوبة والاستغفار ، ولوأتى بالتوبة لحكى الله عنه إتيانه بها كما في سائر المواضع ، وحيث لم يوجد شئ من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب ولا معصية.

الرابع : أن كل من كان له تعلق بتلك الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف عليه‌السلام عن المعصية.

واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة : يوسف ، وتلك المرأة ، وزوجها ، والنسوة ، والشهود ، ورب العالمين شهد ببراءته عن الذنب ، وإبليس أيضا أقر ببراءته عن المعصية ،

__________________

(١) الهفوة : السقطة والزلة.

٣٢٨

وإذا كان الامر كذلك فحينئذ لم يبق للمسلم توقف في هذا الباب. أما بيان أن يوسف عليه‌السلام ادعي البراءة عن الذنب فهو قوله عليه‌السلام : « هي راودتني عن نفسي » وقوله عليه‌السلام « رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه » (١) وأما بيان أن المرأة اعترفت بذلك فلانها قالت للنسوة : « ولقد راودته عن نفسه فاستعصم » وأيضا قالت : « الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين » وأما بيان أن زوج المرأة أقر بذلك فهو قوله : « إنه من كيد كن إن كيد كن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك » وأما النسوة فلقولهن : « امرأة العزيز تراودفتها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين » وقولهن : « حاش لله ما علمنا عليه من سوء (٢) » وأما الشهود فقوله تعالى : « وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل » إلى آخر الآية ; وأما شهادة الله بذلك فقوله : « وكذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين » فقد شهد الله تعالى في هذه الآية على طهارته أربع مرات : أولها قوله : « لنصرف عنه السوء » واللام للتأكيد والمبالغة والثاني قوله : « الفحشاء » أي كذلك لنصرف عنه الفحشاء ، والثالث قوله : « إنه من عبادنا » مع أنه تعالى قال : « وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما » الرابع قوله : « المخلصين » وفيه قراءتان : تارة باسم الفاعل ، وتارة باسم المفعول ، فوروده باسم الفاعل دل على كونه آتيا بالطاعات والقربات مع صفة الاخلاص ، ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه واصطفاه لحضرته ، وعلى كلا الوجهين فإنه من أدل الالفاط على كونه منزها مما أضافوه إليه ، (٣) وأما بيان أن إبليس أقر بطهارته فلانه قال : « فبعزتك لاغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم

__________________

(١) وقوله : « ذلك ليعلم انى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدى كيد الخائنين » وقوله : « معاذ الله اله ربى احسن مثواى انه لا يفلح الظالمون » وقوله : « ان ربى بكيدهن عليم ».

(٢) المصدر خال عن اعتراف النسوة بالبراءة. م

(٣) وأيضا قال الله تعالى : « ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين » ففيه شهادة الله أنه كان من المحسنين ، وقوله تعالى : « ثم بدالهم من بعد مارأوا الايات ليسجننه تى حين » أى بعد مارأوا آيات تدل على براءته ونزاهة ساحته مما نسبت إليه ، وقوله تعالى : « ولا نضيع أجر المحسنين ».

٣٢٩

المخلصين » فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين ويوسف من المخلصين لقوله تعالى : « إنه من عبادنا المخلصين » وكان هذا إقرارا من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله عن طريق الهدى ، وعند هذا نقول : هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف عليه‌السلام هذه الفضيحة إن كانوا من أتباع دين الله فليقبلوا شهادة الله على طهارته ، وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته ، ولعلهم يقولون : كنا في أول الامر تلامذة إبليس إلا أنا تخرجنا وزدنا عليه في السفاهة كما قال الحروري :

وكنت فتى من جند إبليس فارتقى

بي الامر صار إبليس من جندي

فلو مات قبلي كنت أحسن بعده

طرائق فسق ليس يحسنها بعدي

فثبت بهذه الدلائل أن يوسف (ع) برئ عما يقوله هؤلاء الجهال.

وإذا عرفت هذا فنقول : الكلام على ظاهر هذه الآية يقع في مقامين : المقام الاول أن نقول : لا نسلم أن يوسف (ع) هم بها ، والدليل عليه أنه تعالى قال : « وهم بها لولا أن رأى برهان ربه » وجواب لولا ههنا مقدم وهو كما يقال : قد كنت من الهالكين لو لا اخلصك ، (١) وطعن الزجاج في هذا الجواب من وجهين :

الاول : أن تقدم جواب لولا شاذ وغير موجود في الكلام الفصيح. الثاني : أن لو لا يجاب باللام فلو كان الامر على ما ذكرتم لقال : ولقد همت به ولهم بها ، وذكر غير الزجاج سؤالا ثالثا وهو أنه لو لم يوجد الهم لما بقي لقوله : « لو لا أن رأى برهان ربه » فائدة.

واعلم أن ما ذكره الزجاج بعيد لانا نسلم أن تأخير جواب لولا حسن جائز إلا أن جوازه لا يمنع من جواز تقديم هذا الجواب ، وكيف ونقل عن سيبويه أنه قال : إنهم يقدمون الاهم ، والذي هم بشأنه أعنى ، فكان الامر في جواز التقديم والتأخير مربوطا بشدة الاهتمام ، فأما تعيين بعض الالفاظ بالمنع فذلك ما لا يليق بالحكمة ، وأيضا ذكر جواب لولا باللام جائز ، أما هذا لا يدل على أن ذكره بغير اللام لايجوز ، لانا نذكر آية اخرى تدل على فساد قول الزجاج في هذين السؤالين وهو قوله تعالى : « إن كادت لتبدي

__________________

(١) في المصدر : لولا أن فلانا خلصك. م

٣٣٠

به لو لا أن ربطنا على قلبها ».

وأما السؤال الثالث وهو أنه لو لم يوجد الهم لم يبق لقوله : « لولا أن رأى برهان ربه » فائدة ، فنقول : بل فيه أعظم الفوائد وهو بيان أن ترك الهم بها ما كان لعدم رغبته في النساء وعدم قدرته عليهن ، بل لاجل أن دلائل دين الله منعته عن ذلك العمل ، ثم نقول : الذي يدل على أن جواب لولا ما ذكرناه أن لولا يستدعي جوابا وهذ المذكور يصلح جوابا له فوجب الحكم بكونه جوابا له.

لا يقال : إنا نضمر له جوابا وترك الجواب كثير في القرآن ، فنقول : لا نزاع أنه كثير في القرآن إلا أن الاصل أن لا يكون محذوفا ، وأيضا فالجواب إنما يحسن تركه وحذفه إذا حصل في الملفوظ ما يدل على تعينه ، فههنا بتقدير أن يكون الجواب محذوفا فليس في اللفظ ما يدل على تعيين ذلك الجواب ، فإن ههنا أنواعا من الاضمارات يحسن إضمار كل واحد منها ، وليس إضمار بعضها أولى من إضمار الباقي فظهر الفرق.

المقام الثاني في الكلام على هذه الآية أن نقول : سلمنا أن الهم قد حصل ، إلا أنا نقول : إن قوله : « وهم بها » لا يمكن حمله على ظاهره ، لان تعليق الهم بذات المرأة محال ، لان الهم من جنس القصد ، والقصد لا يتعلق بالذوات الباقية ، فثبت أنه لابد من إضمار فعل مخصوص يجعل متعلق ذلك الهم ، وذلك الفعل غير مذكور ، فهم زعموا أن ذلك المضمر هو إيقاع الفاحشة ، ونحن نضمر شيئا آخر يغاير ما ذكروه ، وبيانه من وجوه :

الاول : المراد أنه عليه‌السلام هم بدفعها عن نفسه ومنعها من ذلك القبيح لان الهم هو القصد فوجب أن يحمل في حق كل واحد على القصد الذي يليق به ، فاللائق بالمرأة القصد إلى تحصيل اللذة والتنعم والتمتع ، واللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق القصد إلى زجر العاصي عن معصيته وإلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقال : هممت بفلان أي بضربه ودفعه.

فإن قالوا : فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله : « لو لا أن رأى برهان ربه » فائدة قلنا : بل فيه أعظم الفوائد وبيانه من وجهين : الاول أنه تعالى أعلم يوسف عليه‌السلام أنه

٣٣١

لوهم بدفعها لقتلته ، أو لكانت تأمر الحاضرين بقتله ، فأعلمه تعالى أن الامتناع من ضربها أولى صونا للنفس عن الهلاك. والثاني أنه عليه‌السلام لو اشتغل بدفعها عن نفسه فربما تعلقت به فكان يتمزق ثوبه من قدام ، وكان في علم الله تعالى أن الشاهد يشهد بأن ثوبه لو تمزق من قدام لكان يوسف هو الجاني ، (١) ولو كان ثوبه متمزقا من خلف لكانت المرأة هي الجانية ، (٢) فالله تعالى أعلمه هذا المعنى فلا جرم لم يشتغل بدفعها عن نفسه ، بل ولى هاربا عنها حتى صارت شهادة الشاهد حجة له على براءته عن المعصية.

الوجه الثاني في الجواب : أن نفسر الهم بالشهوة ، وهذا مستعمل في اللغة الشائعة يقول القائل فيما لا يشتهيه : ما يهمني هذا ; وفيما يشتهيه : هذا أهم الاشياء إلي ، فسمى الله تعالى شهوة يوسف هما ، فمعنى الآية : ولقد اشتهته واشتهاها ولولا أن رأى برهان ربه لدخل ذلك العمل في الوجود.

الثالث : أن نفسر الهم بحديث النفس ، وذلك لان المرأة الفائقة في الحسن والجمال إذا تزينت وتهيأت للرجل الشاب القوي فلابد وأن يقع هناك بين الشهوة والحكمة وبين النفس والعقل مجاذبات ومنازعات ، فتارة تقوى داعية الطبيعة والشهوة ، وتارة تقوى داعية العقل والحكمة ، فالهم عبارة عن جواذب الطبيعة ، ورؤيه البرهان عبارة عن جواذب العبودية ، ومثاله أن الرجل الصالح الصائم في الصيف الصائف إذا رأى الجلاب المبرد بالثلج فإن طبيعته تحمله على شربه إلا أن دينه وهداه يمنعه منه ، فهذا لا يدل على حصول الذنب ، بل كلما كانت هذه الحالة أشد كانت القوة في القيام بلوازم العبودية أكمل ، فقد ظهر بحمد الله صحة القول الذي ذهبنا إليه ، ولم يبق في يد الواحدي إلا مجرد التصلف وتعديد أسماء المفسرين ، ولو كان قد ذكر في تقرير ذلك شبهة لاجبنا عنها إلا أنه مازاد على الرواية عن بعض المفسرين.

واعلم أن بعض الحشوية روى عن النبي صلى الله عليه أنه قال : ماكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، فقلت : لاولى أن لا يقبل مثل هذه الاخبار ، فقال ـ على طريق الاستنكار ـ :

__________________

(١) في المصدر : الخائن. م

(٢) في المصدر : الخائنة. م

٣٣٢

فإن لم نقبله لزمنا تكذيب الروات ، فقلت له : يا مسكين إن قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم ، وإن رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ، ولا شك أن صون إبراهيم عليه‌السلام عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب ، إذا عرفت هذا الاصل فنقول للواحدي : ومن الذين يضمن لنا أن الذين نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا صادقين أم كاذبين؟!

المسألة الثانية في أن المراد بذلك البرهان ما هو؟ أما المحققون المثبتون للعصمة فقد فسروا رؤية البرهان بوجوه :

الاول : أنه حجة الله تعالى في تحريم الزنا ، والعلم بما على الزاني من العقاب.

والثاني : أن الله تعالى طهر نفوس الانبياء عن الاخلاق الذميمة ، بل نقول : إنه تعالى طهر نفوس المتصلين بهم عنها ، كما قال : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » (١) فالمراد برؤية البرهان هو حصول تلك الاخلاق وتذكير الاحوال الرادعة لهم عن الاقدام على المنكرات.

الثالث : أنه رأى مكتوبا في سقف البيت : « ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة و مقتا وساء سبيلا » (٢).

الرابع : أنه النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش ، والدليل عليه أن الانبياء بعثوا لمنع الخلق عن القبائح والفضائح ، فلو أنهم منعوا الناس عنها ثم أقدموا على أقبح أنواعها وأفحش أقسامها لدخلوا تحت قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون » (٣) وأيضا إن الله تعالى عير اليهود بقوله : « أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم » (٤) وما يكون عيبا في حق اليهود كيف ينسب إلى الرسول المؤيد بالمعجزات؟!

__________________

(١) الاحزاب : ٣٣.

(٢) الاسراء : ٣٢.

(٣) الصف : ٢ و ٣.

(٤) البقرة : ٤٤.

٣٣٣

وأما الذين نسبوا المعصية إلى يوسف عليه‌السلام فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان امورا :

الاول : قالوا : إن المرأة قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال يوسف : ولم؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني على المعصية ، فقال يوسف : تستحى من صنم لا يعقل ولا يسمع ، ولا أستحي من إلهي القائم على كل نفس بما كسبت؟! فوالله لا أفعل ذلك أبدا ، قالوا : فهذا هو البرهان.

الثاني : نقلوا عن ابن عباس أنه مثل له يعقوب فرآه عاضا على أصابعه ويقول له : أتعمل عمل الفجار وأنت مكتوب في زمرة الانبياء؟ فاستحيى منه ، قالوا : هو قول عكرمة ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك ومقاتل وابن سيرين ، قال سعيد بن جبير : تمثل له يعقوب فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله.

الثالث : قالوا : إنه سمع في الهواء قائلا يقول : ياابن يعقوب لا تكن كالطير يكون له ريش فإذا زنى ذهب ريشه.

والرابع : نقلوا عن ابن عباس أن يوسف لم يزدجر برؤية صورة يعقوب حتى ركضه جبرئيل عليه‌السلام فلم يبق فيه شئ من الشهوة إلا خرج.

ولما نقل الواحدي هذه الروايات تصلف (١) وقال : هذا الذي ذكرناه قول أئمة التفسير الذين أخذوا التأويل عمن شاهد التنزيل ، فيقال له : إنك لا تأتينا البتة إلا بهذه التصلفات التي لا فائدة فيها ، فأين الحجة والدليل؟ وأيضا فإن ترادف الدلائل على الشئ الواحد جائز ، وإنه (ع) كان ممتنعا عن الزنا بحسب الدلائل الاصلية ، فلما أنضاف إليها هذه الزواجر قوي الانزجار وكمل الاحتراز ، والعجب أنهم نقلوا أن جروا (٢) دخل تحت حجرة رسول الله (ص) وبقي هناك بغير علمه ، قالوا : فامتنع جبرئيل من الدخول عليه أربعين يوما ، وههنا زعموا أن يوسف حال اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبرئيل ، والعجب أيضا أنهم زعموا أنه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبرئيل! ولو أن أفسق الخلق وأكفرهم

__________________

(١) أى تكلف الصلف ، وهو التمدح بما ليس فيه او عنده وادعاء فوق ذلك اعجابا وتكبرا.

(٢) الجرو : ولد الكلب.

٣٣٤

كان مشغولا بفاحشة فإذا دخل عليه رجل صالح على زي الصالحين استحيى منه وفر وترك ذلك العمل ، وههنا رأى يعقوب عض على أنامله ولم يلتفت! ثم إن جبرئيل على جلالة قدره دخل عليه فلم يمتنع أيضا عن ذلك القبيح بسبب حضوره حتى احتاج جبرئيل إلى أن ركضه على ظهره! نسأل الله تعالى أن يصوننا عن العمى في الدين والخذلان في طلب اليقين ، فهذا هو الكلام الملخص في هذه المسألة. انتهى. (١)

اقول : قد عرفت أن الوجهين اللذين اختارهما أومأ الرضا عليه‌السلام إلى أحدهما في خبر أبي الصلت حيث قال : وأما قوله عزوجل في يوسف : « وقد همت به وهم بها » فإنها همت بالمعصية وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة ، وهو قوله : « كذلك لنصرف عنه السوء » يعني القتل « والفحشاء » يعني الزنا ، وأشار إليهما معا في خبر ابن الجهم حيث قال : لقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت ، لكنه كان معصوما والمعصوم لايهم بذنب ولا يأتيه ، ولقد حدثني أبي ، عن أبيه الصادق عليه‌السلام أنه قال : همت بأن تفعل وهم بأن لا يفعل.

اقول : لا يتوهم خطاء في قصده القتل ، إذ الدفع عن العرض والاحتراز عن المعصية لازم وإن انجر إلى القتل ، ولكن الله تعالى نهاه عند ذلك لمصلحة : إما لئلا يقتل قودا ، (٢) أو لئلا يتهم بسوء كما يومئ إليهما : « كذلك لنصرف عنه السوء » أو لغير ذلك من المصالح ويمكن أن يكون في شرعه عليه‌السلام قتل مريد مثل هذا الامر مجوزا ، وعلى الخبر الاخير يمكن أن يكون المراد برؤية برهان ربه نزول جبرئيل عليه تعبيرا عن النبوة بما يلزمه.

ثم اعلم أن الاخبار الاخر الموافقة لجماعة كثيرة من المخالفين فظاهر أنها محمولة على التقية ، وقد اتضح ذلك من الاخبار أيضا ، وأما أخبار إلقاء الثوب فإذا لم نحملها على التقية فليس فيها تصريح بأن ذلك وقع بعد قصد الفاحشة أو رضاه عليه‌السلام بما همت

__________________

(١) مفاتيح الغيب ٥ : ١٧٢ ـ ١٧٨. م

(٢) أى بدلا منها.

٣٣٥

به ، ولعله تعالى سبب ذلك تأييدا للعصمة وإلقاء للحجة التي يحتج بها يوسف (ع) ليها كما أوما إليه الرازي أيضا.

الفصل الثالث : في معنى سجودهم له عليه‌السلام.

اقول : قد ذكرنا بعض مايناسب هذا المقام في باب سجود الملائكة لآدم عليه‌السلام وقد أوردنا في هذا الباب الذي نحن فيه الاخبار الواردة في توجيه ذلك ، ولذكر هنا ما ذكره الرازي في هذا المقام لكمال الايضاح ، قال : وأما قوله : « وخروا له سجدا » ففيه إشكال ، وذلك لان يعقوب كان أبا يوسف وحق الابوة حق عظيم ، قال تعالى : « وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا » (١) فقرن حق الوالدين بحق نفسه ، وأيضا أنه كان شيخا والشاب يجب عليه تعظيم الشيخ. والثالث : أنه كان من أكابر الانبياء ، ويوسف وإن كان نبيا إلا أن يعقوب كان أعلى حالا منه. والرابع : أن جده واجتهاده في تكثير الطاعات أكثر من جد يوسف ، ولما اجتمعت هذه الجهات الكثيرة فهذا يوجب أن يبالغ يوسف في خدمة يعقوب ، فكيف استجاز يوسف أن يسجد له يعقوب؟ هذا تقرير السؤال. والجواب عنه من وجوه :

الاول وهو قول ابن عباس في رواية عطا : أن المراد بهذه الآية أنهم خروا له ، أي لاجل وجدانه سجدا لله ، وحاصله أنه كان ذلك سجود الشكر ، فالمسجود له هو الله إلا أن ذلك السجود إنما كان لاجله ، والدليل على صحة هذا التأويل أن قوله : « ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا » مشعر بأنهم صعدوا ذلك السرير ثم سجدوا ، ولو أنهم سجدوا ليوسف لسجدوا له قبل الصعود على السرير ، لان ذلك أدخل في التواضع.

فإن قالوا : هذا التأويل لا يطابق قوله : « يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل » والمراد منه قوله : إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين « قلنا : بل هذا مطابق له ، ويكون المراد من قوله » : والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين أي رأيتهم ساجدين لاجلي ، أي أنها سجدت لله لطلب مصلحتي والسعي في إعلاء منصبي ، وإذا كان هذا

__________________

(١) الاسرا : ٢٣.

٣٣٦

محتملا سقط السؤال ، وعندي أن هذا التأويل متعين لانه يبعد من عقل يوسف ودينه أن يرضى بأن يسجد له أبوه مع سابقته في حقوق الولادة والشيخوخة والعلم والدين وكمال النبوة.

والوجه الثاني في الجواب أن يقال : إنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكرا نعمة وجدانه ، وهذا أيضا تأويل حسن فإنه يقال : صليت للكعبة كما يقال : صليت إلى الكعبة.

قال حسان :

ما كنت أعرف أن الامر منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتكم

وأعرف الناس بالآثار والسنن

وهذا يدل على أنه يجوز أن يقال : فلان صلى للقبلة ، فكذلك يجوز أن يقال : سجد للقبلة ، فقوله : « وخروا له سجدا » أي جعلوه كالقبلة ، ثم سجدوا لله شكرا لنعمة وجدانه.

الوجه الثالث في الجواب أن التواضع قد يسمى سجودا كقوله : ترى الاكم فيها سجدا للحوافر. فكان المراد ههنا التواضع إلا أن هذا مشكل لانه تعالى قال : « وخروا له سجدا » والخرور إلى السجدة مشعر بالاتيان بالسجدة على أكمل الوجوه ، واجيب عنه بأن الخرور يعني به (١) المرور فقط ، قال تعالى : « لم يخروا عليها صما وعميانا » (٢) يعني لم يمروا.

الوجه الرابع في الجواب : أن نقول : الضمير في قوله : « وخروا له » غير عائد إلى الابوين لا محالة ، وإلا لقال : وخرا له ساجدين ، بل الضمير عائد إلى إخوته وإلى سائر من كان يدخل عليه لاجل التهنئة ، فالتقدير : ورفع أبويه على العرش ، مبالغة في تعظيمهما وأما الاخوة وسائر الداخلين فخروا له ساجدين ، فإن قالوا : فهذا لايلائم قوله : « يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل » قلنا : إن تعبير الرؤيا لا يجب أن يكون مطابقا للرؤيا بحسب

__________________

(١) في المصدر : قد يعنى به. م

(٢) الفرقان : ٧٣.

٣٣٧

الصورة والصفة من كل الوجوه ، فسجود الكواكب والشمس والقمر تعبيره تعظيم الاكابر من الناس له ، ولاشك أن ذهاب يعقوب مع أولاده من كنعان إلى مصر لاجل نهاية التعظيم له فيكفي هذا القدر في صحة الرؤيا فأما أن يكون التعبير مساويا لاصل الرؤيا في الصفة والصورة فلم يقل بوجوبه أحد من العقلاء.

الوجه الخامس في الجواب : لعل الفعل الدال على التحية والاكرام في ذلك الوقت هو السجود ، فكان مقصودهم من السجود تعظيمه وهو في غاية البعد لان المبالغة في التعظيم كانت أليق بيوسف منها بيعقوب ، فلو كان الامر كما قلتم لكان من الواجب أن يسجد يوسف ليعقوب.

الوجه السادس فيه أن يقال : لعل إخوته حملتهم الانفة والاستعلاء على أن لا يسجدوا له على سبيل التواضع ، وعلم يعقوب أنهم لو لم يفعلوا ذلك لصار ذلك سببا لثوران الفتن وظهور الاحقاد القديمة بعد كمونها ، فهو مع جلالة قدره وعظيم حقه بسبب الابوة والشيخوخة والتقدم في الدين والعلم والنبوة فعل ذلك السجود حتى يصير مشاهدتهم لذلك سببا لزوال تلك الانفة والنفرة عن قلوبهم.

ألا ترى أن السلطان الكبير إذا نصب محتسبا فإذا أراد تربيته مكنه من إقامة الحسبة عليه ليصير ذلك سببا في أن لايبقى في قلب أحد منازعة ذلك المحتسب في إقامة الحسبة فكذا ههنا.

الوجه السابع : لعل الله تعالى أمر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها إلا هو ، كما أنه أمر الملائكة بسجودهم لآدم لحكمة لا يعرفها إلا هو ، ويوسف ما كان راضيا بذلك في قلبه إلا أنه لما علم أن الله أمره بذلك سكت.

ثم حكى تعالى أن يوسف لما رأى هذه الحالة قال : « يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا » وفيه بحثان :

الاول : (١) قال ابن عباس : لما رأى سجود أبويه وإخوته له هاله ذلك واقشعر جلده منه وقال ليعقوب : « هذا تأويل رؤياي من قبل » وأقول : هذا يقوي الجواب السابع

__________________

(١) والبحث الثانى ماتقدم من ذكر الاختلاف في مقدار المدة بين هذا الوقت وبين الرؤيا.

٣٣٨

كأنه يقول : يا أبت لا يليق بمثلك على جلالتك من العلم والدين والنبوة أن تسجد لولدك إلا أن هذا أمر أمرت به وتكليف كلفت به فإن رؤيا الانبياء حق ، فكما أن رؤيا إبراهيم (ع) ذبح ولده صار سببا لوجوب ذلك الذبح عليه في اليقظة فكذلك صارت هذه الرؤيا التي رآها يوسف وحكاها ليعقوب سببا لوجوب ذلك السجود عليه ، فلهذا السبب حكى ابن عباس أن يوسف لما رأى ذلك هاله واقشعر منه جلده ، ولكنه لم يقل شيئا.

وأقول : لا يبعد أن يكون ذلك من تمام تشديد الله تعالى على يعقوب ، كأنه قيل له : أنت كنت دائم الرغبة في وصاله ، دائم الحزن بسب فراقه ، فإذا وجدته فاسجد له ، فكان الامر بتلك السجدة من تمام التشديد والله العالم بحقائق الامور. (١)

انتهى ما أردنا إيراده من كلامه ، ولا نشتغل برد ما حققه وقبوله لئلا يطول الكلام وإنما أوردنا كلامه بطوله ليتضح لك ما صدر عنهم (ع) في الاخبار السالفة لتوجيه ذلك ، ولعلك لاتحتاج بعد ذلك إلى مزيد إيضاح وبيان ; ومن الله التوفيق وعليه التكلان.

( باب ١٠ )

* ( قصص ايوب عليه السلام ) *

الايات ، الانبياء « ٢١ » وأيوب إذنادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه وأهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ٨٣ ـ ٨٤.

ص « ٣٨ » واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولي الالباب * وخذ بيدك ضغثا فاضرب ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ٤١ ـ ٤٤.

__________________

(١) مفاتيح الغيب ٥ : ٢٤٤ ـ ٢٤٧. م

٣٣٩

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله : « وأيوب » أي واذكر أيوب حين دعا ربه لما اشتدت المحنة به « أني مسني الضر » أي نالني الضر وأصابني الجهد « وأنت أرحم الراحمين » وهذا تعريض منه بالدعاء لازالة ما به من البلاء. (١)

« بنصب وعذاب » أي بتعب ومكروه ومشقة ; وقيل : بوسوسة فيقول له : طال مرضك ولا يرحمك ربك ; وقيل : بأن يذكره ما كان فيه من نعم الله تعالى وكيف زال ذلك كله طمعا أن يزله بذلك فوجده صابرا مسلما لامر الله ; وقيل : إنه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه ويخرجوه من بينهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم ، فكان أيوب يتأذى بذلك ويتألم منه ، ولم يشك الالم الذي كان من أمر الله ; قال قتادة : دام ذلك سبع سنين ، وروي ذلك عن أبي عبدالله (ع) « اركض برجلك » أي ادفع برجلك الارض « هذا مغتسل بارد وشراب » وفي الكلام حذف أي فركض برجله فنبعت بركضته عين ماء ; وقيل : نبعت عينان فاغتسل من إحداهما فبرئ ، وشرب من الاخرى فروي ; والمغتسل : الموضع الذي يغتسل فيه ; وقيل : هواسم للماء الذي يغتسل به « وخذ بيدك ضغثا » وهو ملء الكف من الشماريخ وماأشبه ذلك ، أي وقلنا له ذلك ، وذلك أنه حلف على امرأته لامر أنكره من قولها إن هو في ليضربنها مائة جلدة ، فقيل له : خذ ضغثا بعدد ما حلفت « فاضرب به » أي واضربها به دفعة واحدة ، فإنك إذا فعلت ذلك برت يمينك « ولا تحنث » في يمينك.

وروي عن ابن عباس أنه قال : كان السبب في ذلك أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته إلى مداواة أيوب ، فقال : اداويه على أنه إذا برئ قال : أنت شفيتني ، لا اريد جزاء سواه ، قالت : نعم ، فأشارت إلى أيوب بذلك ، فحلف ليضربنها ; وقيل : إنها كانت ذهبت في حاجة فأبطأت في الرجوع فضاق صدر المريض فحلف « إنه أواب » أي رجاع إلى الله ، منقطع إليه.

وروى العياشي بإسناده أن عباد المكي قال : قال لي سفيان الثوري : إني أرى لك من أبي عبدالله منزلة فاسأله عن رجل زنى وهو مريض فإن اقيم عليه الحد خافوا أن يموت

_________________

(١) مجمع البيان ٧ : ٥٩. م

٣٤٠