الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٧

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٤

سنة لم يكن شيئا مذكورا لا في السماء ولا في الأرض إذ كان جسدا من طين ملقى على الأرض قبل أن تجري فيه الروح. وفي العياشي أن زرارة سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) ، قال : كان شيئا ولم يكن مذكورا ، وعن حمران بن أعين قال : سألت عنه فقال : كان شيئا مقدورا ولم يكن مكوّنا. وفي هذا دلالة على أن المعدوم معلوم عنده سبحانه وإن لم يكن مذكورا ، وأن المعدوم يسمى شيئا أيضا. وقد يقصد بالإنسان الجنس ، وأنه قبل الولادة لا يعرف ولا يذكر ولا يعلم من هو ولا ما يراد به (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) أي خلقنا بني آدم (ع) جميعا من قطرة ماء من الرجل والمرأة تنعقد فيخلق منها الولد الذي هو في الأصل (أَمْشاجٍ) أي أخلاط من الماءين تمتزج في الرحم فأيهما علا صاحبه كان الشّبه له. وقيل : أمشاج تعني الأطوار طورا بعد طور من نطفة إلى علقة فمضغة إلخ ..

وقيل : الأمشاج : هي العروق التي في النطفة ، وقيل : هي الأخلاط من الطبائع التي تكون في الإنسان من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وغيرها ، أوجدها الله تعالى في النطفة ثم أظهرها في بنية الإنسان بعد أن خلقه وشقّ سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين على هذه القدرة الربّانية ، فقد ذكر ذلك وقال (نَبْتَلِيهِ) نختبره بالتكليف ليختار إمّا الطاعة وإمّا المعصية (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) من أجل أن نبتليه ومن أجل ان يكون قادرا على حسن الاختيار لنفسه ، فقد أعطيناه الآلات التي تمكّنه من التمييز ، ثم ذكر منها السمع والبصر وليكنّي عن جميع طاقاته الكامنة فيه من قدرة وإرادة وعقل وغيره ... (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) أي نصبنا له الأدلة وأزحنا العلة إذ جعلناه مميزا للحسن من القبيح وأرشدناه إلى طريق الحق ومكّنّاه من معرفة الخير من الشر فيكون (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) أي مختارا للإيمان والشكر ، أو مكتفيا بالإنكار والكفر ، وأيّ الأمرين اختار جازاه الله تعالى عليه بعدله ، وهذا كقوله جلّ وعلا : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ،

٢٨١

وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ). وفي الآية الكريمة دلالة على أن الله تعالى هدى جميع خلقه فمنهم من اختار الهدى ومنهم من ظلّ على العمى ولذلك قال : (إِنَّا أَعْتَدْنا) أي هيّأنا وأعددنا (لِلْكافِرِينَ) بنا وبرسلنا وأوامرنا ونواهينا هيّأنا لهم جزاء عصيانهم (سَلاسِلَ) من نار في جهنم تنتظرهم (وَأَغْلالاً) جمع غل ، وهو القيد (وَسَعِيراً) ونارا مشتعلة معدّة لعذابهم.

* * *

(إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠))

٥ ـ ٦ ـ (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ ...) الأبرار جمع برّ ، وهو المحسن المطيع لله تعالى الذي يقوم بالحقوق الواجبة ويؤدّي النافلة. وقد أجمع المسلمون بكافة طوائفهم وفرقهم ، المخالفون منهم والمؤالفون أن المراد بالأبرار هنا علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وأن هذه الآية وما بعدها نزل فيهم دون غيرهم ، فهؤلاء الأبرار يشربون في الآخرة من كأس : أي من إناء فيه شراب (كانَ مِزاجُها) أي يخالط الكأس (كافُوراً) وهو اسم عين في الجنة ، ذات رائحة طيّبة ، أي يمازجها ريح الكافور الذي هو غير كافور الدنيا (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) أي أن العين الممتزجة بريح الكافور يشرب منها أولياء الله وخصّهم بكونهم عباده تشريفا لهم (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) أي يجرّون ماء هذه العين حيث شاؤوا من قصورهم ومنازلهم. والتفجير هو شق الأرض بجري الماء. وقد قيل

٢٨٢

إنّ أنهار الجنة تجري بغير أخاديد ، وأن المؤمن إذا شاء أن يجري نهرا خطّ له خطّا فينبع الماء من ذلك الموضع ويجري بدون تعب. أما قصة نزول هذه الآية في أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام جميعا فهي أن الحسن والحسين عليهما‌السلام مرضا فعادهما جدّهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجوه أصحابه وقالوا يا أبا الحسن لو نذرت عن ولديك نذرا ، فنذر صوم ثلاثة أيّام إن شفاهما الله تعالى ، ونذرت فاطمة عليها‌السلام مثل ذلك ، ونذرت فضّة خادمتهم مثله أيضا ، فبرئا وشفاهما الله سبحانه ، فاستقرض عليّ عليه‌السلام ثلاثة أصوع شعير من يهوديّ على ان يؤبّر له نخلا ، وجاء بالأصوع إلى فاطمة عليها‌السلام فطحنت صاعا واختبزته وهيأته الفطور الصائمين. وبعد صلاة المغرب قدمته لعليّ عليه‌السلام فأتاهم مسكين فسألهم الطعام فأعطوه طعامهم قبل أن يذوقوه وآثروا المسكين الجائع على أنفسهم ، وأفطروا على الماء ولم يذوقوا غيره. وفي اليوم الثاني فعلت الزهراء عليها‌السلام بصاع ثان من الشعير ما فعلته بالصاع الذي قبله ، وقدمته للصائمين في اليوم الثاني في موعد الإفطار فإذا يتيم يستطعمهم ويقف بالباب مستجديا فأعطوه طعام فطورهم ولم يذوقوا غير الماء ، وكان اليوم الثالث الذي اختبزت فيه ما بقي من الشعير وهيأته للفطور لأنهم باتوا صياما لليوم الثالث ، وبعد صلاة المغرب قدّمت الفطور للصائمين فإذا أسير في الباب يستطعمهم فأعطوه الطعام ولم يفطروا إلّا على الماء ، وفي اليوم الرابع كانوا قد قضوا نذرهم فأتى عليّ عليه‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الحسن والحسين عليهما‌السلام وبهما ضعف ، فبكى رسول الله (ص) لحالهما وجوعهما ، فنزل جبرائيل عليه‌السلام بسورة هل أتى مدحا بهم ...

وهكذا وصف الله تعالى أولئك الأبرار الذي برّوا بقولهم ووفوا نذرهم وتجشّموا صيام ثلاثة أيام على الماء لأنهم تصدّقوا بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير ، فقال تبارك وتعالى فيهم :

٢٨٣

٧ ـ ١٠ ـ (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً ...) أي إذا نذروا طاعة لله وفوا بها وأدّوا الطاعة على أكملها. والإيفاء بالنذر هو فعل ما نذر عليه إذا استجيب نذره ، فهم يفعلون ذلك على أتمّه (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) أي يخشون شرّ يوم بلغ الشرّ فيه الغاية القصوى وانتشر في كل الجهات كأنه يتطاير في الآفاق. وشرّ يوم القيامة هو العذاب الذي سمّاه سبحانه شرّا لأنه لا خير فيه ، أو هي أهواله الضاربة في كل مكان والموجودة في كل موقف (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) أي يطعمونه للآخرين مع أنهم شديد والحبّ له والرغبة فيه ، وهذا معناه أنهم يؤثرون المستحقين على أنفسهم. وروى أبو سعيد الخدري أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما من مسلم أطعم مسلما على جوع ، إلّا أطعمه الله من ثمار الجنّة ، وما من مسلم كسا أخاه على عري ، إلّا كساه الله من خضر الجنّة ، ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق.

فهؤلاء عليهم‌السلام رغم حبّهم للطعام وشهوتهم إليه ، يطعمون (مِسْكِيناً) أي فقيرا لا شيء له يطلب الطعام (وَيَتِيماً) لا والد له وهو من الأطفال غير القادرين (وَأَسِيراً) وهو المأخوذ أسرا من دار الحرب ، ويقولون في أنفسهم : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) أي طعاما خالصا مخلصا لله دون رياء ودون طلب جزاء (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) على إطعامنا لكم ، فلا نطلب المكافأة العاجلة ولا نطلب شكركم لنا من أجله إذ جعلناه خالصا لله تعالى (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) أي نخاف عذاب يوم تقطّب فيه وجوه الكافرين خوفا وهلعا فيبدو اليوم نفسه مكفهرّا غاضبا (قَمْطَرِيراً) صعبا شديدا لأنه يقلّص الوجوه ويقبض الجباه وما بين الأعين.

* * *

(فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ

٢٨٤

نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨))

١١ ـ ١٨ ـ (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ ...) أي كفى سبحانه الأبرار شرّ يوم القيامة ومنع عنهم أهواله وشدائده (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) أي أوصلهم إلى النّعم والسرور واستقبلهم بها (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) كافأهم لصبرهم على الطاعة ولاجتنابهم المعاصي ، ولرضاهم ببلاء الدنيا وصعوباتها ، أثابهم (جَنَّةً وَحَرِيراً) يسكنون الجنّة ويلبسون الحرير ويفترشونه ويجلسون عليه (مُتَّكِئِينَ فِيها) يستندون كجلوس الملوك في الجنّة (عَلَى الْأَرائِكِ) أي الأسرّة والكراسي الفخمة الوثيرة (لا يَرَوْنَ فِيها) في الجنّة (شَمْساً) يتأذّون بحرّها (وَلا زَمْهَرِيراً) هواء باردا ينزعجون من برودته (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) أي تلفّهم أفياء تلك الجنة لأنها قريبة منهم لا تزيلها شمس كما تزيل شمسنا ظلال الأشياء في الدنيا (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) أي سهل أخذها وتناولها لأنها مسخّرة لطالبها إن قام واقفا ارتفعت وإن جلس قاعدا نزلت وإذا اضطجع تدلّت إلى قربه فلا يحول دونها بعد ولا مشقّة (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) أي يدار على أولئك الأبرار بأوعية من فضّة (وَأَكْوابٍ) جمع كوب وهو الكأس المعدّ للشرب من دون عروة ، أي بأقداح (كانَتْ قَوارِيرَا) أي هي من زجاج (مِنْ فِضَّةٍ) قال عنها الإمام الصادق عليه‌السلام : ينفذ البصر في فضّة الجنة كما ينفذ في الزجاج. والمعنى أنه اجتمع لها لمعان الفضة وصفاء

٢٨٥

الزجاج مضاء يرى ما في داخلها من خارجها. وقيل : هي قوارير من زجاج لها صفاء الفضة وقد حذف المضاف هنا والتقدير : من صفاء الفضة (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) أي قدّرها الذين يسقون الأبرار بها تقديرا يساوي ريّ الأبرار بحيث لا يزيد ولا ينقص ، فالخدم هم الذين يقدّرون ذلك وهم الذين يسقون بها الشاربين (وَيُسْقَوْنَ فِيها) في الجنّة (كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) أي ممزوجة بالزنجبيل الذي هو ليس كزنجبيل الدنيا بل يفوقه طعما ورائحة (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) أي أن المزيج هذا من عين تسمى السلسبيل ، وهي ـ كما قال الزجاج ـ صفة لما كان في غاية السلاسة. وهي تسيل في طرقهم وفي منازلهم وحدائقهم وتنبع من أصل العرس من حبّة عدن إلى سائر أهل الجنان. وقال ابن الأعرابي : لم أسمع بالسلسبيل إلّا في القرآن. وقيل سميت السلسبيل لأنها يقاد ماؤها أينما شاء شاربها ، والله أعلم.

* * *

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢))

١٩ ـ ٢٢ ـ (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ...) أي يدور على أهل الجنة ، وعلى أولئك الأبرار خاصة ، ولدان ذكرنا وصفهم سابقا (إِذا رَأَيْتَهُمْ) إن نظرت إليهم في صفائهم (حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) لحسن منظرهم وجمال صورهم وبهاء رونقهم (وَإِذا رَأَيْتَ) نظرت (ثَمَ) يعني في الجنّة (رَأَيْتَ نَعِيماً) عظيما (وَمُلْكاً كَبِيراً) جزيلا قال عنه الإمام

٢٨٦

الصادق عليه‌السلام : لا يزول ولا يفنى. فهو ملك واسع ونعيم لا توصف كثرته ، إذ قيل : إن أدناهم منزلة ينظر في ملكه من مسيرة ألف عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) قيل : عالي : ظرف ، وذلك كقولك : فوقهم ثياب سندس. وقيل هي حال وذلك كقولك : يعلوهم ثياب سندس وهو الثياب الرقيقة (خُضْرٌ) لونها كذلك (وَإِسْتَبْرَقٌ) وهو السندس الغليظ بخلاف الرقيق (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) أي تحلّت أيديهم بأساور الفضة الشفّافة التي يرى ما وراءها فهي أفضل من الدر والياقوت (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) طاهرا من القذارة والدنس لا يصير بولا كخمر الدنيا بل يترشح من أبدانهم كريح المسك. وقيل إن الرجل من الجنّة يعطى شهوة مائة رجل من أهل الدنيا فيأكل ما شاء ، ثم يسقى الشراب الطّهور فيصير ما أكله رشحا كما ذكرنا وتهور شهوته كما كانت (إِنَّ هذا) الذي وصفه سبحانه من نعيم الآخرة وملذّاتها (كانَ لَكُمْ جَزاءً) أي مكافأة لكم أيّها الأبرار والمؤمنون على أعمالكم الصالحة (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) أي كان عملكم ومضيّكم في طاعة الله ، مقبولا مرضيّا وجزاؤه كان بمثابة الشكر لكم عليه.

* * *

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦))

٢٣ ـ ٢٦ ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً ...) هذا خطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل في معناه أنه سبحانه فصّله في الإنزال آية بعد آية ولم ينزله جملة واحدة كما عن ابن عباس (فَاصْبِرْ) يا محمد على ما

٢٨٧

حمّلتك من أعباء الرسالة ، واصبر (لِحُكْمِ رَبِّكَ) تقديره بأن تبلّغ الكتاب وتعمل بما فيه وتأمر الآخرين بذلك ، ثم اصبر على التكذيب والأذى أيضا ، وقيل إن قوله هذا سبحانه وعيد للمكذّبين بدليل قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) أي من المشركين في مكة (آثِماً) مرتكبا للإثم عنى به عتبة بن ربيعة (أَوْ كَفُوراً) عنى به الوليد بن المغيرة ، وذلك أن هذين المعاندين قالا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجع عن هذا الأمر ونحن نعطيك من المال حتى ترضى ونزوّجك بمن شئت من كرائم النساء ، وقيل إن الكفور هو أبو جهل الذي نهى النبيّ عن الصلاة في حرم الكعبة وقال : لئن رأيت محمدا يصلّي لأطأنّ عنقه فنزلت الآية ، وقيل أيضا إن هذا عامّ يشمل كل كافر عاص فلا تطع يا محمد من يدعوك للإثم والكفر (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) امض على طيّتك من العبادة والدعاء ودعوة الناس إلى الهدى (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) في أول النهار وآخره ، وهو معينك وناصرك (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) أي بعض الليل لأن (مِنَ) للتبعيض لأنه لم يأمره بالقيام للصلاة طول الليل (وَسَبِّحْهُ) نزّه الله تعالى (لَيْلاً طَوِيلاً) طول الليل تطوّعا في حال انتباهك ويقظتك.

* * *

(إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١)

٢٧ ـ الى آخر السورة : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ ...) أي أن هؤلاء

٢٨٨

الكفرة الآثمين المعاندين لكلام الله ودعوة رسوله ، يؤثرون ملذّات الدنيا الزائلة ويرغبون في المنافع في دار الدنيا (وَيَذَرُونَ) يتركون (وَراءَهُمْ) يعني هنا أمامهم ، وقيل (وَراءَهُمْ) لأن يوم القيامة يأتي من بعدهم ، فهم يدعون (يَوْماً ثَقِيلاً) أي شديد العذاب عسير المآب لما يحمل لهم من أهوال وآلام (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) أي أوجدناهم وأحكمنا خلقهم. وقيل إن الأسر يعني المفاصل والأوصال والعروق التي ربطنا بعضها إلى بعض حتى يمكن العمل بها والانتفاع بواسطتها. وقيل : شددنا أسرهم يعني قوّيناهم ، وقيل أيضا أخذناهم بالأمر والنهي وجعلنا أمرهم بيدنا ومرجعهم إلينا كما يشد الأسير لكيلا يجد المهرب (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) يعني إذا أردنا أهلكناهم وأتينا بغيرهم ، ولكننا نبقيهم حتى تتمّ عليهم الحجة ثم نأخذهم إلى عذاب لا ينقضي (إِنَّ هذِهِ) السورة أو المقالة (تَذْكِرَةٌ) عظة لمن شاء أن يتّعظ (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي من أراد سلك الطريق لما يرضي ربّه فعمل بطاعته وانتهى عن معصيته وسلك الصراط السويّ (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي وما تريدون اتّخاذ تلك الطريق اختيارا إلّا أن يجبركم الله تعالى عليها ويلجئكم إليها ، ولكن ـ حينئذ ـ لا ينفعكم ذلك إذ تكونوا مجبرين على العمل ، ولذا لم يشأ سبحانه هذه المشيئة القسرية التي لا ثواب لفاعلها ، وترك لكم الاختيار في الإيمان لتستحقوا الثواب. وقيل معناه أنكم لا تشاؤون شيئا من العمل بطاعة الله إلّا شاءه الله لكم وأراده ، وليس معناه أنه سبحانه يشاء كل ما يشاؤه العبد من المباحات والمعاصي وسائر الأعمال لأنه تعالى عن أن يريد القبيح وجلّ عن أن يشاء لعبده ما ليس في مصلحته (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) فسّرناه سابقا (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي تشملهم رحمته في الحياة ويدخلهم الجنة في الآخرة (وَالظَّالِمِينَ) من الكافرين والمشركين (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) هيأه لهم مسبقا ، وهم ملاقوه.

* * *

٢٨٩

سورة المرسلات

مكيّة إلّا الآية ٤٨ فمدنية ، وآياتها ٥٠ نزلت بعد الهمزة.

* * *

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧))

١ ـ ٧ ـ (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً ...) أقسم سبحانه وتعالى بالرياح المرسلة متتابعة كعرف الفرس ، وبالرّياح العاصفات الشديدة الهبوب ، وهو تعالى كأنه يقسم بقدرته التي صنعت ذلك. و (عُرْفاً) نصت على كونها حالا على تقدير : والمرسلات تأتي عرفا واحدا ، وقيل إن الكلام يعني الملائكة الذين يرسلون بأمر الله تعالى ، وقيل هم الأنبياء يجيئون بالمعروف والأول أقرب إلى الصواب (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) أي وبحق القدرة المسيّرة للرياح التي تنشر السحاب نشرا وتأتي بالمطر ، وقيل إنها الأمطار التي تنشر النبات ، والأقرب إلى الصواب أنها الرياح التي ينشرها الله تعالى بين يدي رحمته (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) أي الملائكة التي تأتي بما يفرق بين الحق والباطل ، وقيل هي آيات القرآن التي تفرّق بين الهدى

٢٩٠

والضلال (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) وهي الملائكة التي تلقي الذّكر إلى الأنبياء وتلقيه الأنبياء ، إلى الأمم لهدايتها (عُذْراً أَوْ نُذْراً) أي أنها تلقي الذّكر للإعذار والإنذار من الله إلى خلقه. وهذه كلّها أقسم الله بها ، أي بربّها وموجدها ، إذ لا يجوز القسم إلّا به سبحانه ، ليؤكد (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) الذي هو جواب القسم الذي معناه أن ما وعدكم الله به من البعث والثواب والعقاب كائن بلا شكّ وأنكم محاسبون ومثابون أو معاقبون بدون ريب ، وقد أخذ سبحانه ببيان وقت وقوعه فقال به عزوجل :

* * *

(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥))

٨ ـ ١٥ ـ (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ، وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ ...) أي فانتظروا يوم القيامة إذا محيت النجوم وزال ضوؤها ، وانشقّت السماء وتصدعت وظهرت فيها فروج وشقوق (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) اقتلعت من أصولها وأزيلت من أمكنتها بإذهابها بسرعة حتى لا يبقى لها أثر (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) أي جمعت في وقت معيّن لتشهد على الأمم (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) أي أخّرت وجعل لها أجل محدود. وقال الإمام الصادق عليه‌السلام كما في المجمع ـ : أقّتت أي بعثت في أوقات مختلفة. وبعد هذا كلّه بيّن سبحانه أنها كلها علامات (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) أي حين يفضل الله تعالى بين العباد ، وقد عظّم تعالى شأن ذلك اليوم بسؤاله : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ) أي وأيّ شأن تعرف لذلك اليوم؟ وأخبر سبحانه عن حال المكذّبين بوقوع ذلك اليوم فقال : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) فهدّدهم وتوعّدهم لأنهم جحدوا بوقوعه وكان تكذيبهم به نابعا من كفرهم بالله وبرسله ومن

٢٩١

ارتكابهم للمعاصي وغرورهم بالدنيا الزائلة.

* * *

(أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤))

١٦ ـ ١٩ ـ (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ...) تابع سبحانه وعيده وتهديده للمكذّبين فقال سائلا منكرا مقرّرا : ألم نفن المكذّبين السابقين لكم ونقتلهم بالعذاب في الدنيا كما فعلنا بقوم نوح وعاد وثمود وغيّرهم من الأمم الكافرة الجاحدة (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) أي نلحق بهم من بعدهم كقوم لوط وإبراهيم ومن سواهم. والفعل (نُتْبِعُهُمُ) غير معطوف على (نُهْلِكِ) ليكون مجزوما مثله ، ولكنه كلام مستأنف (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) أي كفعلنا بهؤلاء ممّن تقدّم ويتأخر ، نفعل بمجرمي مكة ونقتلهم يوم بدر وفي غير تلك الواقعة (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أي ويل وتعس لهم يوم الجزاء حيث نجازيهم بأشد العذاب.

٢٠ ـ ٢٤ ـ (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ...) سؤال توبيخ وتقريع وإذلال ، يعني قد خلقناكم ، من ماء حقير قذر جعلنا منه هذا العقل الحصين وهذا الجسم التامّ القوام إلى جانب النّطق والإحساس وغيره ممّا يدل على الصانع الحكيم المدّبر القادر ، لأن ذلك الماء خلقناه (فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) يعنّي في الرحم محفوظا من العوامل الطبيعية المفسدة له وأبقيناه (إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) أي إلى وقت معيّن وهو مدة الحمل (فَقَدَرْنا) يعني قدّرنا خلقه ذكرا أو أنثى ، طويلا أو قصيرا ، أبيض أو أسمر

٢٩٢

(فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) فما أعظم قدرتنا على ذلك ونعم المقدّرون نحن لذلك بتمام حسن التقدير والتدبير (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) المنكرين أننا قادرون على الخلق والبعث.

* * *

(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨))

٢٥ ـ ٢٨ ـ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ...) أي ألسنا نحن جعلنا الأرض تكفت العباد على ظهرها (أَحْياءً) وفي بطنها (أَمْواتاً) وتحوزهم في الحالين وتضمّهم في جميع أحوالهم. وفي المجمع أن الشعبي خرج في تشييع ميّت ونظر إلى الجنازة فقال : هذه كفات الأموات ، ثم نظر إلى البيوت فقال : هذه كفات الأحياء (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) أي أرسينا فيها جبالا ثابتة عالية غاية العلوّ (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) أي ماء عذبا حلو الطّعم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بإحيائنا للناس وبإماتتنا لهم وبخلقنا المذكور.

* * *

(انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥))

٢٩ ـ ٣٤ ـ (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ...) هذا ما يخاطب به المكذّبون بالبعث وبعقابهم على عنادهم وكفرهم ، يناديهم به خزنة جهنّم

٢٩٣

قائلين لهم : اذهبوا إلى النار التي كنتم تكذّبون بها في حياتكم ، ثم يكررون أمرهم بالانطلاق إلى موضع معيّن منها : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) أي نار ذات ثلاث شعب أو هو دخان تلك النار الذي سمّوه ظلّا لسواده وشدّة ظلمته تحيط شعبه بالكافر من فوقه وعن يمينه وشماله ، وقيل إن ألسنة من لهب جهنّم تلفّ المكذبين بهذا الشكل حتى يفرغوا من الحساب بحيث يكونون في ظلّ (لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) أي أنه لا يعتبر ظلّا يستريح المرء فيه ويمنع عنه الأذى والعذاب ، ولا يردّ عنه شيئا من اللهب المستعر الذي يرتفع من نار قال سبحانه في وصفها : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) أي أن شرارها الذي يتطاير منها في الجهات تكون الشرارة منه بحجم القصر ، أي المنزل الكبير الضخم (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) جمع : جمل ، أي كأن الشرارة الواحدة كالجمل الأصفر (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بهذه النار المخيفة التي أعدّها الله لهم وسجرّها لغضبه وللكافرين بما جاء من عنده.

* * *

(وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠))

٣٥ ـ ٤٠ ـ (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ ...) وصف سبحانه حال الكافرين بالبعث وأنهم يوم القيامة لا ينطقون بشيء ينفعهم ولا بحجّة تدفع عنهم قبل أن يختم على أفواههم. فقد جاء عكرمة رجل قال له : أرأيت قول الله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) ، وقوله ، (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)؟ فقال عكرمة : انها مواقف. فأمّا موقف منها فتكلّموا واختصموا ، ثم ختم على أفواههم

٢٩٤

وتكلّمت أيديهم وأرجلهم ، فحينئذ لا ينطقون (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) أي لا يسمح لهم (فَيَعْتَذِرُونَ) فيبدون أعذارهم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بهذه الحال التي تصيب الكافرين (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) بين المؤمنين من أهل الجنّة ، وبين الكافرين من أهل النار وهو يوم القضاء ، وعزل هؤلاء عن هؤلاء والانتصاف للمظلوم من الظالم (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) حشرناكم يا مكذّبي هذه الأمة من كفرة مكة وغيرها مع مكذّبي الأمم السابقة في يوم واحد وصعيد واحد (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) أي إذا كانت بيدكم حيلة فاستعملوها لتنجوا أنفسكم من العذاب ، وتخلّصوا من بطشي وانتقامي إذا استطعتم أيها المعاندون المكابرون. وهذا غاية التقريع والتوبيخ لهم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بهذا الموقف الرهيب المخزي للكافرين.

* * *

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥))

٤١ ـ ٤٥ ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ ...) هنا يبيّن سبحانه حال المؤمنين الذين صدّقوا رسله وعملوا بطاعته وتجنّبوا معاصيه ، وأنهم يكونون في ظلال أشجار الجنة وعيونها جارية من حولهم (وَفَواكِهَ) أي ثمار (مِمَّا يَشْتَهُونَ) من الثمار التي يحبّونها وتهواها نفوسهم ، ويقال لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) أي يقال لهم بلسان الحال وبمعنى الإباحة : كلوا من الثمر خالصا من الكدر وتهنّأوا بأكلكم وشربكم (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي نكافئ من أحسن إلى نفسه وإلى غيره من عبادنا بهذه العطايا السنيّة وننزله في الجنّة خالدا مخلّدا في نعيمها (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بوعدنا

٢٩٥

هذا لعبادنا المؤمنين.

* * *

(كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠))

٤٦ ـ إلى آخر السورة ـ (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ ...) عاد سبحانه إلى تقريع المكذّبين وتوبيخهم فقال عزوجل : كلوا في دنياكم ، واستمتعوا استمتاعا قليلا في حياتكم ، لأن متاع الدنيا قليل (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) مسيئون لأنفسكم ولغيركم وقد ارتكبتم جريمة الشّرك والكفر (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بهذه النهاية التي يؤول إليها أمر المكذّبين بالبعث والحساب وبهذا الوعيد ، فإنهم كانوا عصاة معاندين لم يؤمنوا ولا وحّدوا الله ولا عبدوه (وَ) كانوا (إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا) اي صلّوا (لا يَرْكَعُونَ) لا يمارسون الركوع بل يأنفون منه ويعدّونه مذلّة ، فعن مقاتل أن هذه الآية نزلت في ثقيف فقد أمرهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة فقالوا : لا ننحني فإن ذلك سبّة علينا. فقال (ص): لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود. وعن ابن عباس : أنه يقال هذا للكافرين في يوم القيامة فلا يستطيعون الركوع بل تتصلّب ظهورهم لأنهم لم يتعوّدوه في دار الدنيا (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بالصلاة وبعبادة الله تبارك وتعالى (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) أي فبأيّ كتاب بعد القرآن (يُؤْمِنُونَ) يصدّقون به ، وهم لم يصدّقوا بهذا الكتاب المعجز الجميل السبك البليغ القول المشتمل على الحجج والآيات البيّنات؟.

* * *

٢٩٦

سورة عمّ

مكيّة ، وآياتها ٤٠ نزلت بعد المعارج.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥))

١ ـ ٥ ـ (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ...) النبأ هو الخبر العظيم الذي يكون له شأن وأهميّة ، والتعبير هنا تعبير سؤال واستفهام ، ولكنّ المراد به تفخيم الأمر الذي (يَتَساءَلُونَ) يسأل بعضهم بعضا عنه ، وهو كمثل قولنا : أيّ رجل فلان إذا أردنا تعظيم شأنه ، وقد أنزل الله تعالى ذلك لأنهم حين بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبرهم بوجوب توحيد الله وبالعبادة وبالبعث والحساب ، وتلا عليهم القرآن ، تساءلوا متعجّبين ومنكرين ما جاء به النبيّ (ص) من أمر البعث بعد الموت بصورة خاصة. وقيل إن النبأ العظيم هو القرآن الذي يخبر عن ذلك كلّه ويتحدث عن الخلق والملائكة والجنّة والنار والنبوّة والخلافة وما الى ذلك من (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) بين مصدّق ومكذّب ، ولذلك قال سبحانه : (كَلَّا) أي ليس الأمر كما يقولون و (سَيَعْلَمُونَ) عاقبة التكذيب بما

٢٩٧

جاء به محمد (ص) حين ينكشف لهم أمر النبوّة وما جاءت به ، وأمر العبادة والخلافة والبعث والجنّة والنار. وقد قال تعالى ذلك مهدّدا ومتوعدا ، ثم أكّد توعّده وتهديده بقوله : (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) اي حقّا سيعرفون ذلك ويرون ما يصيبهم يوم القيامة من العذاب. ثم أخذ سبحانه يبيّن للناس قدرته واستدلّ على صحة ذلك القول بقوله عزّ من قائل فيما يلي :

* * *

(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦))

٦ ـ ١٦ ـ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ، وَالْجِبالَ أَوْتاداً ...) أي أننا قادرون على البعث كما أننا قدرنا على الخلق الأول فنحن خلقنا الأرض وجعلناها مهادا : أي وطاء وبساطا مهيأ للتصرّف بسهولة وبدون أذية لكم (وَ) جعلنا (الْجِبالَ أَوْتاداً) تمسك الأرض حتى لا تميد بأهلها (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) ذكرانا وإناثا من أجل التناسل وبقاء النوع وبحيث يستمتع بعضكم ببعض ، وقيل : خلقناكم أشكالا متشابهة ، كما قيل جعلناكم أصنافا من أبيض وأسود وصغير وكبير ، والأول أصح لأن أكثر المخلوقات تتوالد بالتلقيح (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) أي جعلنا النوم لكم راحة واستقرارا لأجسادكم ، وقيل يعني لم نجعله موتا ولا خروجا من الحياة والإدراك ، ولكنه هدوء ودعة وقطع لأعمالكم ترتاح أثناءه أجسامكم (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) أي سترة تستترون بظلامه كما يستر أحدكم جسمه

٢٩٨

بالثياب (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) أي وقتا تطلبون فيه العيش وتبتغون فيه من ربّكم الرزق (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) أي سبع سماوات قويّة محكمة الصّنع قد اتقنّا بناءها (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) وهو الشمس التي جعلها تعالى سراجا للعالمين يتّقد ويتوهّج بنوره المتلألئ فيستضيئون به. وعن مقاتل : جعل فيه نورا وحرّا ، والوهج يجمعهما (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) أي أنزلنا من الرياح ذوات الأعاصير مطرا. فكأنه سبحانه قال : أنزلنا من الرياح ذوات الأعاصير مطرا. فكأنه سبحانه قال : أنزلنا بالمعصرات ، أي بواسطتها لأنها هي التي تحمل المطر وتسوقه من مكان إلى مكان. وعن ابن عباس وغيره أن المعصرات هي السحائب التي تتحلّب المطر. و (ثَجَّاجاً) يعني يندفع حين انصبابه ، وقيل : مدرارا ، وقيل متتابعا (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً) أي لننبت به الحبّ الذي تزرعونه ، وغيره من الحبوب التي تتفتّح عنها الأكمام بعد نضجها ، فقد جمع الله تعالى بين كلّ ما يخرج من الأرض من نبات الحبوب المختلفة. وقيل حبّا تأكله الناس ، ونباتا تطلعه حدائق وبساتين ملتّفة الأشجار كثيرة الثمار. وقد كنّي عنها بالجنّات لأن شجرها يجنّ الأرض ، أي يسترها ... فهذه آيات كثيرة تدل على قدرة الخالق عزّت قدرته ، وتفيد من قدر على ذلك لا يعجزه البعث بعد الموت إذا تفكّر الإنسان وتدبّر.

* * *

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ

٢٩٩

شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠))

١٧ ـ ٢٠ ـ (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً ...) بعد بيان آيات الخلق الدالّة على عظمته سبحانه ، أكد قائلا : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) أي أن اليوم الذي يفصل فيه الله تعالى بين الخلائق ويقضي بينهم ، هو (ميقات) : موعد محدّد لما وعد به سبحانه من البعث والحساب والثواب والعقاب ، وهو معيّن بوقت محتوم (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) مرّ تفسيره (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) فتجيئون جماعات جماعات وزمرا زمرا حتى تكتملوا للحساب ، ويكون كلّ شكل مع شكله ، بل قيل تأتي كلّ أمّة مع نبيّها (وَفُتِحَتِ السَّماءُ) أي انشقّت لتنزل منها الملائكة (فَكانَتْ أَبْواباً) أي ذات أبواب وطرق ، ولم تكن كذلك قبل ذلك (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) أي أزيلت عن أماكنها ودكّت وذهبت وانهدّت وصارت كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء وهو ليس بماء. و (يَوْمَ يُنْفَخُ) منصوب لأنه بدل من يوم الفصل ، و (أَفْواجاً) نصبت على الحال من الضمير في (فَتَأْتُونَ) وفي المجمع عن البراء بن عازب : سأل معاذ بن جبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) ، الآيات : فقال : يا معاذ سألت عن عظيم من الأمر ، ثم أرسل عينيه ـ أي بكى بدموع ـ ثم قال : يحشر عشرة أصناف من أمّتي أشتاتا قد ميّزهم الله من المسلمين وبدّل صورهم ، بعضهم على صورة القردة ، وبعضهم على صورة الخنازير ، وبعضهم منكسّون أرجلهم من فوق ، ووجوههم من تحت ، ثم يسحبون عليها ، وبعضهم عمي يتردّدون ، وبعضهم بكم لا يعقلون ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فيسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذّرهم أهل الجمع ، وبعضهم مقطّعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلّبون على جذوع من نار ، وبعضهم أشدّ نتنا من الجيّف ، وبعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران

٣٠٠