الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٧

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٤

ريحا شديدة الهبوب شدة البرودة ، من (الصر) الذي هو البرد ، أرسلناها (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) يوم شرّ وسوء وشؤم (مُسْتَمِرٍّ) دائم لأن الريح بقيت سبع ليال وثمانية أيام كما ذكر سبحانه في غير هذا المقام ، فاستمرت عليهم حتى أهلكتهم ، وكانت (تَنْزِعُ النَّاسَ) أي تقتلعهم وتجتثّهم ثم ترفعهم في الجو وترمي بهم الأرض فتدقّ أعناقهم فيصبحون (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) أي كأنهم عروق النخل وجذوعها المنقطعة المنقلعة لأن رؤوسهم فارقت أبدانهم (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) مرّ تفسيره منذ آيات (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؟ كرر الاستفهام سبحانه ليرغّب الناس في الارتداع عن المعاصي.

* * *

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢))

٢٣ إلى ٣٢ ـ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ ، فَقالُوا ...) أي أنّ قوم صالح عليه‌السلام ، وهم ثمود ، كذّبوه بإنذاره الذي جاءهم به. وعلى قول من قال

٦١

إن النّذر جمع نذير يكون المعنى أنهم كذّبوا جميع الرّسل بتكذيبهم لصالح عليه‌السلام ، لأن من كذّب نبيّا فكأنه كذّب جميع أنبياء الله تعالى لأنهم داعون للتوحيد ولعبادة الله ولحسن المعاش والمعاد (فقالوا أبشر منا واحد نتبعه) أي كيف نصدّق قول واحد منّا من البشر ونتّبع ما يقوله لنا مع أنه من بني آدم مثلنا؟ (إِنَّا إِذاً) في هذه الحالة (لَفِي ضَلالٍ) خطأ وانحراف عن الحق (وَسُعُرٍ) في عذاب شديد فيما يلزمنا من اتّباعه وطاعته إن نحن صدّقناه. ولا يخفى على العاقل اللبيب أن هذا الاعتذار منهم بهذه الشّبهة ركيك سخيف لأنهم برّروا تكذيب نبيّهم عليه‌السلام فتعجّبوا قائلين : (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا؟) أي كيف نزل عليه الوحي واختصّه الله بالنبوّة دون غيره منّا؟ وهذا استفهام إنكار وجحود. لا ، لن يكون ذلك (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) أي كاذب بطر أخذته الكبرياء علينا فادّعى النبوّة. وعلى هذا الكلام البذيء أجابهم سبحانه بقوله المبارك : (سَيَعْلَمُونَ غَداً) سيعرفون يوم القيامة ، وكلّ آت قريب فكأنه يقع غدا وذلك على وجه التقريب. (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) من هو الكذاب رسولنا أم هم؟ وقد ذكر مثل قولهم تماما توبيخا لهم وتحقيرا وتهديدا. أمّا الآن ف (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) أي نحن باعثوها لهم تماما كما طلبوها من رسولنا صالح (ع) قطعا لأعذارهم وجوابا على سؤالهم التعجيزيّ لنجعلها امتحانا لهم واختبارا فينفرد المصدّقون عن المكذّبين بآيتنا العجيبة التي جعلناها تحدّيا لتعنّتهم وعنادهم إذ سألوه أن يخرج لهم من اصخرة عيّنوها ناقة حمراء عشراء تضع ثم ترد ماءهم فتشربه ثم تعود عليهم بمثله لبنا فكانت كما طلبوا (فَارْتَقِبْهُمْ) أي انتظر أمر الله بهم وانظر ما يفعلون (وَاصْطَبِرْ) على أذاهم الذي يصيبك إلى أن يأتي أمر الله تبارك وتعالى (وَنَبِّئْهُمْ) أي أخبرهم (أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) أي أنه يكون يوما للناقة ويوما لهم (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) أي كل نصيب هو لأهله يحضرونه فلا يحقّ لهم ورود الماء في يومها ، ولا هي تقرب الماء في يومهم ، فلهم في

٦٢

يوم ماء وفي يوم لبن بدله يشربونه من الناقة بحينه تحلب لهم ما يكفيهم ويغنيهم عن الماء في يومها. فلم يرضوا بذلك بعد إتمام المعجزة (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) أي دعوا واحدا منهم عيّنوه من أشرارهم وهو قدار بن سالف الملعون عاقر الناقة الخبيث (فَتَعاطى) تناول الناقة بالعقر وباشره. وقيل كف لها في أصل صخرة فرماها بسهم فأصاب عضلة ساقها ثم شدّ عليها بالسيف فكشف عرقوبها فارتمت إلى الأرض فنحرها (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) أي فانظر كيف كان عذابي لهم بعد إنذاري (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) هي صيحة جبرائيل عليه‌السلام بهم وقيل هو العذاب الذي نزل بهم (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) أي أنهم صاروا مثل حطام الشجر المنكسّر المرضوض الذي يلمّه صاحب الحظيرة لغنمه. والمعنى أنهم هلكوا وأصبحوا كالحصيد اليابس المتحطّم (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؟ هو قسم منه سبحانه بأنه سهّل هذا القرآن ليفهمه الناس ويتّعظوا به كما قلنا سابقا.

* * *

(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠))

٣٣ إلى ٤٠ ـ (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ ...) أي كذّبوا بما أنذرناهم به أو برسولنا إليهم (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) أي بعثنا عليهم ريحا تحمل

٦٣

صغار الحجارة ، حصبتهم بها ورمتهم بحجارة من السماء فحلّ بهم العذاب (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ) استثنى لوطا (ع) وأهله ، أي خلّصهم من العذاب الذي حلّ بقومه (بِسَحَرٍ) أي أنجاهم بأن خرجوا من بينهم قبيل الفجر وقبل نزول العذاب (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) تفضلا عليهم منّا ، والتقدير : أنعمنا عليهم نعمة (كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) أي بهذه الطريقة وأمثالها ننعم على الذي يعرفنا ويوحّدنا ويحمدنا على نعمنا (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) لوط عليه‌السلام حذّر قومه (بَطْشَتَنا) أخذنا لهم بالعذاب المشار إليه (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) أي جادلوا إنذاره بالباطل وشكّوا به ولم يصدّقوه ، وهو على صيغة المفاعلة من المراء (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) أي طلبوا منه أن يسلّمهم ضيوفه الذين نزلوا في بيته (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) فأعميناها ، وقيل مسحت وجوههم حتى لا يرى أثر لعيونهم ، وذلك أن جبرائيل عليه‌السلام ضربها بجناحه. وقال : (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) أي استطعموا نتيجة تكذيب إنذاري لكم بمعاناة عذابي الذي حلّ بهم في تلك الساعة (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) أي وقع فيهم عند الصباح الباكر (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) كرّرها سبحانه مرة عند طمس أعينهم ومرة عند نزول العذاب عليهم للتقريع والإهانة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) مرّ تفسيره مكرّرا.

* * *

(وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢))

٤١ و ٤٢ ـ (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ...) آل فرعون هم أقرباؤه ومتابعوه في العقيدة والدّين ، قد جاءهم الإنذار منّا على يد رسولنا موسى عليه‌السلام ف (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) أي اعتبروا الآيات والبراهين التسعة

٦٤

التي أظهرها لهم رسولنا كذبا وسحرا. وقد استعمل لفظة (كُلِّها) ليبيّن سبحانه أن عدد الآيات والمعجزات كان كبيرا ، وليوضح شدة تكذيبهم وكفرهم (فَأَخَذْناهُمْ) بالعذاب بالغرق (أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) أي كما يأخذ القادر الذي لا يمتنع شيء من قدرته العظيمة.

* * *

(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨))

٤٣ و ٤٤ ـ (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ ...) أي هل كفّاركم يا مشركي مكة وعتاة قريش أفضل ممّن ذكرنا من قوم نوح وعاد وثمود ولوط وفرعون؟ وهل هم أقوى منهم وأشد وأغنى وأكثر عددا (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ؟) وهل عندكم صكّ بالبراءة من العذاب. فما الذي يجعلكم في مأمن من عذاب الله الذي أعدّه للكافرين؟ وهل عندكم شيء من هذا ذكرته الكتب السماوية السابقة وعفتكم من العذاب الذي كان يصيب الأمم السابقة؟ (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) يعني أم يقول هؤلاء الكفرة الفجرة نحن منتصرون على أعدائنا لكثرة جمعنا وعددنا ، وقيل لأننا يد واحدة على من خالفنا. وقد ورد لفظ (مُنْتَصِرٌ) بالمفرد مع أنه وصف به الجمع لأنه واحد في اللفظ ولكنه اسم للجماعة مثل رهط. ثم قال سبحانه مقرّرا : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) أي جمع هؤلاء الكفار المعتزين باتّحادهم ضدّ الحق سيغلبون (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) أي يديرون ظهورهم لكم ويولون

٦٥

أدبارهم حين هزيمتكم لهم في يوم بدر مثلا (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) فهي موعد العذاب لجميع العصاة (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) أي أعظم في الضرر والإزعاج لهم وأشدّ في المرارة حين يذوقون العذاب الأليم الشديد المرارة ، ولا يخلّصهم من العذاب أحد (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) أي في ضياع عن وجه الخلاص والنجاة وطريق الجنّة وهم صائرون إلى نار ذات سعير ، فهم في ضلال : أي هلاك لذهابهم عن الحق (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ) يجرّون فيها (عَلى وُجُوهِهِمْ) مكبكبين فيها تجرّهم ملائكة العذاب الذين يقولون لهم : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) يعني تذوّقوا طعم إصابتها لكم بالعذاب واللهب المحرق. وسقر هي جهنّم.

* * *

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥))

٤٩ إلى ٥١ ـ (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ...) أي أننا جعلنا كلّ شيء خلقناه مقدّرا بحسب الحكمة التي اقتضتها مشيئتنا. وكذلك كل شيء أوجدناه ، ومثله العذاب الذي أعددناه للكفّار والمنكرين ، ومثله الثواب المذخور للمؤمنين والمصدّقين ، فكلّ أمر عندنا مقدّر محتوم في لوحنا المحفوظ (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) أي أن الأمر الصادر عنّا ينفذ كطرف البصر وكخطف النظرة السريعة ، وكذلك إذا أردنا أن تقوم

٦٦

الساعة ، لنقتصّ من الكافرين فنقول لكلّ شيء أردناه : كن فيكون (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) أي دمّرنا وأفنينا أمثالكم وأشباهكم في الكفر ممّن سبقكم ، وقد سمّاهم أشياعا لهم لأنهم وافقوهم بالكفر وفي تكذيب الرّسل (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) هل متّعظ بما نقول؟

٥٢ و ٥٣ ـ (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ...) أي كلّ شيء عملوه مسجل في الكتب التي كتبها الحفظة عليهم ، فإننا لم نهملهم ولم نترك صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصيناها عليهم (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) أي أن جميع ما قدّموه من عمل فهو مسجّل عليهم. وقيل أنه عنى سبحانه الأرزاق والأعمار وغير ذلك.

٥٤ و ٥٥ ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ...) أي أن مقرّهم في جنان الخلد حيث أنهار الخمر والعسل واللبن. وقد استعمل (نَهَرٍ) مكان (أنهار) لأنه اسم جنس يصلح للقليل والكثير. فالمؤمنون يكونون في الجنان (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي مكان حقّ ومجلس لا لغو فيه ، وقد وصفه تعالى بذلك لأنه مقعد مرضيّ منه تعالى ، فهم (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) أي عنده عزوجل فهو المالك القوي القادر الذي لا ملك كملكه ولا قدرة كقدرته إذ لا يعجزه شيء.

* * *

٦٧

سورة الرحمن

مكّية وآياتها ٧٨ نزلت بعد الرعد.

* * *

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩))

١ إلى ٤ ـ (الرَّحْمنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ ...) لفظة (الرَّحْمنُ) مختصة بالله عزّ وعلا فإنه هو الذي وسعت رحمته كلّ شيء ، بخلاف رحيم وراحم فإنهما يجوز أن يوصف بهما غيره من الناس. وقد افتتح هذه السورة المباركة بهذا الاسم الذي استأثر به لنفسه ولا يجوز أن يوصف به غيره ، وذلك ليعرف الناس أن كلّ النّعم التي سيذكرها إنما صدرت عن مشيئته وبفيض رحمته. وقد أنكر الكفار هذا الاسم المبارك له إذ قالوا : (وَمَا الرَّحْمنُ) مرة ، وقالوا : (ما نعرف الرحمن إلا أنه

٦٨

صاحب اليمامة) فقال لهم جوابا على ذلك : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) أي هو الذي علّمه لنبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بدوره علّمه لأمّته. وهذا جواب للكافرين الذين قالوا : (إنما يعلّمه بشر) فهو تبارك وتعالى الذي علّمه إياه ، وهو الذي (خَلَقَ الْإِنْسانَ) وأخرجه بقدرته من العدم إلى الوجود ، حين برأ آدم عليه‌السلام ، وهو الذي (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) أي أسماء كلّ شيء من جهة ، والإفصاح عمّا في نفسه من جهة ثانية. وفي المجمع عن الصّادق عليه‌السلام : البيان هو الاسم الأعظم الذي به علم كلّ شيء. وقيل إن لفظ (الْإِنْسانَ) جنس وهو يعني جميع الناس الذين بقدرته علّمهم النّطق والقراءة والكتابة والخط والفهم بكافّة جهاته ، والله أعلم بما عنى بقوله.

٥ و ٦ ـ (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ...) سجودهما هو استكانتهما لمشيئته جلّ وعلا ، وإذعانهما لأوامره التي قدّرها لهما. فهما بحسبان أي يسيران بحسب منازل مقدّرة لا يتعدّيانها فيدلّان بذلك على الأيام والشهور والأعوام لأنهما يجريان على وتيرة واحدة أجراهما عليها الخالق عزّ وعلا فلا يقع فيهما تفاوت ولا خلل فيتوفّر نورهما للناس نهارا وليلا وينتج من ذلك منافع لا تعد ولا تحصى فهما نعمتان عظيمتان لكافّة المخلوقات (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) النجم هنا هو النبات الذي ليس له ساق ولا جذع كالأعشاب الصغيرة. فهذا النبات ، وسائر الشجر يسجد لله عزّ اسمه بما فيه من آيات دالّة على عظمة موجودة وبما يحتوي من براهين توجب السجود لقدرة ذلك المقدّر. وقيل إن السجود المقصود ، هو سجود الظّلال بكرة وعشيّا وطيلة النهار ، يعني أن هذا الظّل يعطي صفة الخضوع ويوحي بإثبات المبدع الذي أحدث هذه الأشياء بهذا الشكل الدقيق.

٧ إلى ٩ ـ (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ ...) أي أنه سبحانه رفعها فوق الأرض وأمسكها بلا عمد ترونها بقدرته لتدلّ على كمال عظمته (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) الذي هو آلة الوزن التي تحقّق الإنصاف في البيع

٦٩

والشراء. وقيل هو ميزان العدل بدليل قوله سبحانه : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) أي لا تتعدوا فيه الحقّ ، ولا تبخسوا النّاس حقوقهم ، ولا تحكموا بالباطل (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) أي حقّقوا العدل عند وزن الأمور ، أو أقيموا لسان الميزان المعروف بدقّة حين الوزن للبيع أو الشراء (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) لا تنقصوه ولا تبخسوا وتجوروا على المشتري أو البائع أو المحكوم له أو عليه ، بل اتّبعوا العدل في ذلك كلّه.

* * *

(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣))

١٠ إلى ١٣ ـ (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ ...) بعد أن ذكر سبحانه السماء والشمس والقمر ذكر الأرض التي أوجدها ووطّأها للأنام الذين قيل إنهم الجنّ ، وقيل إنهم النّاس ، وقيل : بل هم جميع المخلوقات من كلّ ذي روح. وقد عبّر عن الأرض (بالوضع) كما عبّر عن السماء (بالرفع) لبيان نعمته وكامل حكمته على الناس ، فقد جعل الأرض موطّأة للمخلوقات ، وجعلها (فِيها فاكِهَةٌ) وهو ما يتفكّه به الإنسان من الثمار ، وفيها (النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) أي الشجر الذي يعطى التمر والرّطب ، وهو ذو الأوعية والغلافات المختلفة التي تدلّ على قدرة الصانع منذ بروز الزهرة إلى تمام نضج الثمرة. وقيل إنّ الأكمام هو ليف النخل الذي تكمّ فيه ، والصحيح أنه جمع : كم ، وهو البرعم من الورق الصغير الذي ينبت أول ما ينبت ملتفّا ثم يتفتح شيئا فشيئا. فهو تعالى خالق ذلك (وَالْحَبُ) أي جمع الحبوب المعروفة هي من خلقه سبحانه (ذُو الْعَصْفِ) أي الحبّ صاحب الورق الصغير الذي يكون ملتّفا به فإذا يبس

٧٠

صار تبنا ، فالعصف هو التّبن الذي تعصفه الريح أي تطيّره عند هبوبها (وَالرَّيْحانُ) هو جميع ما يشمّ من الزهور وغيرها ، وقيل هو الرزق ، والأول أقرب للصواب مع أنهم احتجّوا بأنه لمّا ذكر العصف الذي هو رزق الحيوان ، ذكر إلى جانبه رزق الإنسان ، ولكنهم سهوا عن أنه سبحانه قد ذكر الحبّ قبل ذلك. فهو سبحانه خالق ذلك كلّه بدءا من السماء والأرض ووصولا إلى الإنسان والحيوان والنبات وجميع ما في السماوات والأرض (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟) أي فبأي نعمة من نعم الله تكذّبان ، مخاطبا بذلك الإنس والجنّ. وهذه الآية الكريمة تتكرّر في السورة المباركة مرارا للتقرير بالنّعم التي يذكرها سبحانه ، وللتأكيد والتذكير والتدبّر. فإنه بعد كلّ نعمة يسأل مستنكرا وموبّخا على التكذيب بوحدانيته وبنعمه التي لا يحصيها عد.

* * *

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨))

١٤ إلى ١٦ ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ...) هذا عطف

٧١

على السابق من بيان قدرته والدليل على وحدانيّته وتعداد نعمه. والإنسان يعني به آدم عليه‌السلام والصلصال هو الطين اليابس ، وقيل هو الحمأ المنتن وكلاهما صحيح ، والفخّار هو الآجّر والخزف الذي يصنع من المواد الصلصالية (وَخَلَقَ) كذلك بقدرته (الْجَانَ) ولكن (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) أي من نار مختلط أحمرها وأبيضها وأسودها. وقيل إن المارج هو الصافي من لهب النار الذي ليس فيه دخان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟) يعني بأية نعمة من ذلك يكذب الثقلان بعد أن جعلكما على الصورة المعلومة بعد خلقكما بالطريقة المبيّنة؟

١٧ و ١٨ ـ (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ...) يعني مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومغرب كلّ منهما. وقيل هما مشرقا الشمس والقمر ومغرباها ، فبيّن قدرته على ذلك وقال سبحانه : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟).

١٩ إلى ٢١ ـ (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ...) البحران هما العذب والمالح يلتقيان فلا يختلط ماؤهما (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) أي حاجز من قدرته جلّ وعلا (لا يَبْغِيانِ) لا يبغي المالح على العذب فيفسده ، ولا العذب على المالح فيمتزج به. ومعنى (مَرَجَ) : أرسل وأطلق طرفيهما. ومزج وقيل إن البحرين هما بحر فارس وبحر الروم فإن طرف هذا يتصل بطرف ذاك ، والبرزخ بينهما الجزائر الواقعة هناك ، فمع هذه المعجزة الغريبة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟).

٢٢ و ٢٣ ـ (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ...) قيل : اللؤلؤ هو درّ البحر الكبير ، والمرجان صغاره ، وهما معروفان. فاللؤلؤ أبيض لمّاع ثمين ، والمرجان حبيبات حمراء تختلف في الكبر والصغر وتكون قضبانا من نباتات البحر. ولا يكونان إلّا في البحر المالح دون العذب ، ولأنهما متصلان قال سبحانه (يَخْرُجُ مِنْهُمَا) في حين أنه يخرج من واحد دون الآخر. وفي المجمع عن سلمان المحمّدي وسعيد بن جبير وسفيان الثوري

٧٢

ان البحرين عليّ وفاطمة عليهما‌السلام ، بينهما برزخ : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان : الحسن والحسين عليهما‌السلام. وهما بحران في فضلهما وسمّو مرتبتهما (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) مرّ الكلام فيه.

٢٤ و ٢٥ ـ (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ...) وهي السّفن الجارية في البحر بقدرته وتقديره الذي جعل الماء يحملها والريح تسيّرها. والمنشآت أي المرفوعات المبنيّات التي رفع خشبها بعضه فوق بعض وركّب بعضه فوق بعض ، وشدّ بعضه إلى بعض حتى تمّ إنشاؤها ورفعها وجعلها كالقلاع ، والأعلام : مفردها علم وهو الجبل. فمن كان له الفضل في ذلك (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟).

٢٦ إلى ٢٨ ـ (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ...) أي جميع من هو على وجه الأرض من الحيوان هالك يعتريه الفناء ويخرج من حالة الوجود إلى حالة العدم (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أي يبقى ربّك الظاهر بأدلّته كظهور الإنسان بوجهه على ما في المجمع ، ووجه الله ـ تعالى الله عن الشّبيه ـ هو جهة قصده فليس هو جسما ليكون له وجه وقفا ، بل (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) وبالمناسبة نذكر ما جرى لأحد عظماء النصارى حين سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام قائلا : أين وجه الله. فأخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام عيدانا وأشعلها ثم قال للجاثليق : أرني وجه هذه النار. فقال الجاثليق : هي وجه من جميع جهاتها. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ربّنا لا يوصف. فتعالى الله عن أن تدركه العقول أو أن تتصوّره الأوهام. و (ذُو الْجَلالِ) أي صاحب العظمة والكبرياء المستحق للحمد والمدح لإحسانه وتفضّله وذو (الْإِكْرامِ) الذي يكرم رسله وأولياءه ويلطف بهم ويتفضّل عليهم وعلى سائر مخلوقاته ، فحقّ له أن يكون منزّها عمّا لا يليق بصفاته السامية (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟).

* * *

٧٣

(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦))

٢٩ و ٣٠ ـ (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) أي يطلبون منه الرّفد ولا يستغنون عن معونته فيتوجّهون إليه بحوائجهم من رزق وحفظ ومغفرة وغيرها (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) اختلف المفسّرون في معنى هذا القول الشريف. فقالوا : من شأنه الإحياء والإماتة ، والمعافاة والمرض ، والإعطاء والحرمان ، والإنجاء والإهلاك ، وقالوا غير ذلك. وعن أبي الدرداء عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، قال : من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ويضع آخرين. والحاصل أنه سبحانه يفعل ما يشاء كيف يشاء فيعز ويذل ويحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

٣١ و ٣٢ ـ (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ...) أي سنتوجّه لحسابكم في موعده. وهو سبحانه لا يشغله شيء عن شيء ، ولكنه سبحانه قال ذلك تهديدا ووعيدا للإنس والجنّ من العصاة. وقال الزجّاج : إن الفراغ على ضربين : القصد للشيء ومن ذلك قولهم : سأفرغ لفلان أي أجعله مقصدي. والفراغ من الشغل ، والله عزوجل لا يشغله شأن عن شأن. وقيل معناه سنعمل معكم يوم الحساب عمل من يفرغ للعمل فيأتي به على

٧٤

أكمل وجه وأجوده. وعلى كلّ حال فإن الآية الكريمة تحمل تهديدا مرعبا (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟) فيقتضي أخذ الحذر ، والعمل الموصل لمرضاته عزوجل.

٣٣ إلى ٣٦ ـ (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا ...) أي أيها الناس والجنّ ، إن قدرتم أن تخرجوا من سلطاني وتهربوا ، وتخلصوا من قبضة يدي ، وأن تنفذوا (مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي من نواحيهما وجوانبهما فإنهما ملك طلق لخالقهما. فإذا استطعتم النفاذ من سمائي وأرضي (فَانْفُذُوا) أي اخرجوا ولكنكم لن تقدروا على ذلك و (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) أي تلزمكم قوّة هائلة من أجل ذلك ، ولكن أنّى توجهتم وحيثما ذهبتم فإنكم تحت سلطاني آخذكم بالموت ، فلا مخرج لكم إلّا بالقوة التي أمنحكم إياها وذلك بأن أخلق لكم إمكانيات معيّنة أو أخلق لكم مكانا آخر غير السماوات والأرض فإنكم لا تفوتون قدرتي ولا تخرجون من ملكي. وفي هذا القول دلالة على توحيده ودليل على عظمته ، وزجر عن المعاصي ، وترغيب في العمل الصالح (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟). (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ) وهو اللهب الأخضر الذي ينقطع من ألسنة النار (وَنُحاسٌ) وهو الصفر المذاب للعذاب. وهذا يعني أنكم إن حاولتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض يرسل عليكم ذلك الشواظ من النار والنحاس السائل المحرق. وفي المجمع أن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله العباد في صعيد واحد ، وذلك أنه يوحي إلى السماء الدّنيا أن اهبطي بمن فيك ، فيهبط أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة ، ثم يهبط أهل السماء الثانية بمثل الجميع مرّتين ، فلا يزالون كذلك حتى يهبط أهل سبع سماوات فيصير الجنّ والإنس في سبع سرادقات من الملائكة ، ثم ينادي مناد : يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم ، الآية .. فينظرون فإذا قد أحاط بهم سبعة أطواق من الملائكة. وقوله (فَلا

٧٥

تَنْتَصِرانِ) أي فلا تقدران على دفع ذلك عنكما وعن غيركما. فالثقلان عاجزان عن الهرب من الجزاء ، وعن النفاذ من سلطان الله جلّ وعزّ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟

* * *

(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥))

٣٧ و ٣٨ ـ (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ ...) يعني إذا انصدعت يوم القيامة وتفكّك بعضها عن بعض ، فصارت حمراء كلون الورد ثم تسيل وتجري (كَالدِّهانِ) جمع الدّهن السائل ، وذلك عند انقضاء مدة الحياة وانتهاء الأمر (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟

٣٩ إلى ٤٥ ـ (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ...) أي يوم القيامة لا يسأل مجرم لماذا أجرمت وارتكبت الذنوب ، لا من الإنس ولا من الجنّ ، بل يصاب بالذهول من هول الموقف. والله تعالى قد أحصى الأعمال وحفظها وإذا سئلوا فإنما يسألون سؤال تقريع واستهزاء. وعن الإمام الرّضا عليه‌السلام أنه قال : فيومئذ لا يسأل عنكم عن ذنبه إنس ولا جانّ ، والمعنى : ان من اعتقد الحقّ ثم أذنب ولم يتب في الدنيا ، عذّب عليه في البرزخ ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه.

٧٦

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟) ، (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) أي يعرفون بعلاماتهم لأنهم يحشرون سود الوجوه ، زرق العيون ، تظهر عليهم أمارات الخزي والغضب (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) أي يأخذهم زبانية جهنّم وملائكة العذاب فيجمعون بين نواصيهم ـ أي رؤوسهم ـ وأقدامهم ـ أي أرجلهم ، فيربطونها بالأغلال والسلاسل ويقودونهم الى النار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) و (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) أي كذّب بها الكافرون حين كانوا في الدنيا ، وها هم الآن معها وجها لوجه ليزول شكّهم بها. وقيل إن الله سبحانه قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذه جهنّم التي يكذّب بها المجرمون من قومك ، فسيردونها فليهن عليك أمرهم (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) أي يتردّدون مرة إلى جحيم النار في جهنّم ، ومرّة بين الحميم الذي يصبّ من فوق رؤوسهم فيصهر ما في بطونهم والجلود فلا يرون من العذاب فرجا أبدا (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟

* * *

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧)

٧٧

كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١))

٤٦ إلى ٤٩ ـ (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ...) بعد الوعيد للكافرين والمعاندين عقّب سبحانه بالوعد للمؤمنين المصدّقين فقال إن لمن خاف المقام بين يدي ربّه وذلّ الحساب ، وصدّق بذلك وعمل صالحا ، إن له جنّتين قيل هما جنة عدن وجنّة النعيم ، وقيل هما بستانان من بساتين الجنّة ، وقيل أحدهما منزله والثاني منزل أزواجه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وهما (ذَواتا أَفْنانٍ) يعني ذواتا أنواع من النعيم وذواتا ألوان من الفاكهة ، وقيل : ذواتا أغصان لأن الأفنان مفردها فنن وهو الغصن ، وذلك كناية عن كثرة شجرهما (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) مع وجود هذه النّعم؟

٥٠ إلى ٥٣ ـ (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ ...) أي أن في الجنّتين عينين من ماء تجريان بين أشجارهما ، وقيل إنهما واحدة من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذّة للشاربين (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟) والجنّتان (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ؟) أي فيهما من كلّ الثمرات نوعان متشابهان وقد سمّاهما زوجين لأنهما نوعان يشابهان الذكر والأنثى لكونهما بين رطب كالعنب ويابس كالزبيب ، وكالرّطب والتمر وما أشبه ذلك (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

٥٤ و ٥٥ ـ (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ...) أي أن أهل الجنّة يجلسون على فرش ويتّكئون ، وبطائن : جمع بطانة أي غطاؤها الداخلي الذي تليه الظّهارة ، فبطائن تلك الفرش من الديباج الغليظ فكأنّ ظهارتها من نوع أرفع من ذلك النوع (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) أي ثمر فواكه الجنّتين قريب في متناول صاحبها لأنها تدنو منه حسب رغبته بحيث كلّما رغب فيها دنت منه ليقطفها وهو متكئ على فراشه الوثير (فَبِأَيِّ آلاءِ

٧٨

رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) مع هذه الخيرات؟

٥٦ إلى ٥٩ ـ (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ ...) أي في الجنّتين أو على الأصح في الفرش حور عين ونساء قصرن نظراتهنّ على أزواجهن فلا يرون غيرهم. وفي المجمع عن أبي ذرّ رضوان الله عليه : إنها تقول لزوجها : وعزّة ربّي ما أرى في الجنّة شيئا أحسن منك ، فالحمد لله الذي جعلني زوجتك وجعلك زوجي. أما الطّرف فهو جفن العين الذي يفتح ويطبق مرة بعد مرة. وهؤلاء القاصرات الطّرف (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) أي لم يفتضّهنّ ولم ينكحهنّ أحد بل هنّ أبكار كما خلقن سواء كنّ من الحور العين أو من نساء الدنيا وفي الآية الكريمة ما يشير إلى أن الجنّيّ يغشى أنثاه كما يغشى الإنسيّ أنثاء ، وأن له ثوابا وحورا عينا في الآخرة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وهؤلاء القاصرات الطّرف (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) يعني أنهنّ في الصفاء والرونق كالياقوت والمرجان الشديد الصفاء الذي يبهر الأبصار ، ففي الحديث أن المرأة من أهل الجنّة يرى مخّ ساقيها من وراء سبعين حلّة من حرير (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟

٦٠ و ٦١ ـ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ ...) هو استفهام بمعنى التقرير ، أي ليس جزاء العمل الصالح في الدنيا إلّا أن يحسن الله إليه في الآخرة. وعن أنس بن مالك أنه قال : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية فقال : هل تدرون ما يقول ربّكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : فإنّ ربّكم يقول : هل جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلّا الجنّة؟ والحاصل أنه قيل أيضا : هل جزاء من أحسن إليكم أيّها العباد بهذه النّعم التي تتقلّبون فيها ، إلّا أن تحسنوا حمده وشكره وتقوموا بعبادته؟ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟

* * *

(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣)

٧٩

مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨))

٦٢ إلى ٦٩ ـ (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ...) أي أن لمن خاف مقام ربّه وعمل لآخرته جنّتين أخريين غير الجنّتين المذكورتين أولا ، يكونان أقرب إلى قصره وأقرب لمجالس أنسه وسروره يتنقّل بينهما من وقت إلى وقت فيزيد من فرحه وسروره ونشوته لأن ذلك يكون أبعد عن الملل. وروى أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام ـ كما في العياشي ـ أنه قال له : جعلت فداك أخبرني عن الرجل المؤمن تكون له امرأة مؤمنة يدخلان الجنّة يتزوّج أحدهما الآخر؟ فقال : يا أبا محمد ، إن الله حكم عدل ، إذا كان هو أفضل منها خيّره فإن اختارها كانت من أزواجه ، وإن كانت هي خيرا منه خيّرها فإن اختارته كان زوجا لها. قال : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تقولنّ الجنّة واحدة ، إن الله يقول : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) ، ولا تقولنّ درجة واحدة ، إن الله يقول : (درجات بعضها فوق بعض). إنما تفاضل القوم بالأعمال. قال : وقلت له : إن المؤمنين يدخلان الجنّة فيكون أحدهما أرفع مكانا من الآخر فيشتهي أن يلقى صاحبه؟ قال : من

٨٠