الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٧

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٤

أطلع رسولي عليه (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) أي من والى عدوّي وأسرّ إليهم بأخبار رسولي أيها المؤمنون (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي انحرف وعدل عن طريق الحقّ وحاد عن طريق الرّشد ، لأن الكفّار والمنافقين (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) يصادفوكم ويظفروا بكم (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) ظاهري العداوة (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) يضربوكم ويقتلوكم ويشتموكم ويؤذوكم بأيديهم وألسنتهم (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) أي أحبّوا أن تكفروا وترجعوا عن دينكم. و (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) لا تفيدكم القربى (وَلا أَوْلادُكُمْ) يفيدونكم ، وهم الموجودون بمكة من الذين تبلّغونهم أخبار النبيّ (ص) والمسلمين (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ) الله تعالى (بَيْنَكُمْ) فيجعل أهل الطاعة في الجنّة وأهل المعاصي في النار حيث لا يجتمع المؤمن في الجنّة مع قريبه الكافر لأنه يكون في جهنّم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) مطّلع على أعمالكم عالم بأحوالكم.

* * *

(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥))

٤ و ٥ ـ (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ ...) أي أنه قد كان لكم خير قدوة بإبراهيم الخليل عليه‌السلام (وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين

١٤١

والمتابعين له (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ) الذين بقوا على الكفر : (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) تبرّأنا منكم ونحن لا نتولاكم ولا نتعاون معكم (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي ونتبرّأ من أصنامكم ومعبوداتكم الوثنية (كَفَرْنا بِكُمْ) أي جحدنا بعقيدتكم الفاسدة (وَبَدا) ظهر (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) فلن يكون بيننا موالاة ولا تعاون (حَتَّى تُؤْمِنُوا) تصدقوا وتوقنوا (بِاللهِ وَحْدَهُ) فتوحّدونه وتعبدونه (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أي اقتدوا بنبيّنا إبراهيم (ع) في جميع أموره ، إلّا في قوله لأبيه فلا تقتدوا به فإنه لم يستغفر له إلا لموعدة وعدها إياه فلمّا تبيّن له أنه عدوّ لله تبرّأ منه وقال : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) فلا أردّ عنك عقابا ولا أضمن لك ثوابا (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) أي كان إبراهيم (ع) والمؤمنون به يقولون ذلك (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أي رجعنا بطاعتك وفي جميع أمورنا (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أي المرجع والمآل (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي لا تبتلنا بهم ولا تسلّطهم علينا فنقع في الفتنة بديننا ، فاعصمنا من موالاتهم (وَاغْفِرْ لَنا) امح ذنوبنا (رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الذي لا يغلب ، والذي لا يفعل إلا الحكمة.

* * *

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧))

٦ و ٧ ـ (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ...) ثم كرّر سبحانه اتّخاذ إبراهيم الخليل عليه‌السلام والمؤمنين معه قدوة حسنة ، وذلك بمعاداة الكفّار ولو كانوا من قراباتهم ، فإنهم خير مثل (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ

١٤٢

الْآخِرَ) ذاك أن الأسوة الحسنة لا تكون إلا لمن يطمع بثواب الآخرة ويخاف من عقابه (وَمَنْ يَتَوَلَ) أي ينصرف ويعرض عن الاقتداء بهم فقد أخطأ طريق الصواب (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي المستغني عن كل شيء فلا يضرّه تولّي من تولّ ولا مهاداة من عادى (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) أي فلعلّ الله يجعل بينكم وبينهم موالاة بأن يجمعكم على الإسلام ، فموالاة الكافرين لا تفيد من جهة ، والله تعالى قادر على هدايتهم للإيمان وتحصل تلك المودة بينكم وبينهم (وَاللهُ قَدِيرٌ) على تغيير ما في القلوب لأن كلّ شيء مقدور له (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يتجاوز عن معاصي عباده ويلطف بهم ويرحمهم إذا أسلموا وتابوا وأنابوا.

* * *

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩))

٨ و ٩ ـ (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ ...) أي لا يمنعكم الله عن مخالطة الذين لم يقاتلوكم (وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) ولا تعدّوا عليكم فاضطروكم لهجر وطنكم (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) أي لا ينهاكم عن الوفاء لهم بالعهود (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أن تعدلوا في في معاملتهم. ولكن هذه الآية الكريمة منسوخة بقوله تعالى (اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) وقيل إن المقصود هم الذين آمنوا وأقاموا في

١٤٣

مكة ولم يهاجروا ، والله سبحانه أعلم بما قال (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي يحب أهل العدل والإنصاف (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) أي الذين بقوا على الكفر وحاربوكم لأنكم أسلمتم ، وهم أهل مكة ومن كان مثلهم (وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أي من بيوتكم وأرزاقكم (وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ) أي ساعدوا المعتدين عليكم وعاونوهم كالأتباع الذين ساعدوا الرؤساء في قتالهم للمسلمين (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) يعني ينهاكم عن موادّتهم ومحبّتهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي ومن يساعدهم وينصرهم فهو ظالم لهم ولنفسه مستحقّ للعذاب والسّخط.

* * *

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١))

١٠ و ١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ ...) نزلت هذه الشريفة بعد صلح الحديبية حيث صالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشركي مكة على أن من جاءه من مكة ردّه عليهم ، ومن جاء مكة من

١٤٤

أصحاب رسول الله (ص) فهو لهم ولا يردّونه عليه. وقد جاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة بعد الصلح بلا فصل والنبيّ (ص) لا يزال في الحديبية ، فأقبل زوجها المدعو مسافر من بني مخزوم في طلبها وقال : يا محمد اردد عليّ امرأتي فإنك شرطت ذلك لنا فنزلت الآية الكريمة بعد قطع الموالاة بين المؤمنين والكافرين. فحكم النساء أنهنّ إذا جئناكم (الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) أي تحقّقوا من إيمانهنّ واستنطقوهنّ لتعلموا ما هنّ عليه من العقيدة (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) في القلب إذ لا تعلمون إلّا ظاهرهنّ. وامتحانهن قيل إنه بالإقرار بالشهادتين ، وقيل بأن يحلفن أنهن خرجن للدّين والطاعة لا لغرض آخر ، كما قيل أنه أخذ العهد عليهنّ بما في الآية التالية (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) في ظاهر حالهنّ (فَلا تَرْجِعُوهُنَ) لا تعيدوهنّ (إِلَى الْكُفَّارِ) إذ (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) فقد وقعت الفرقة بينهم وإن أبى أزواجهنّ الطلاق ، وحرمن عليهم (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) أي ردّوا لأزواجهنّ الباقين على الكفر ما بذلوه لهنّ من المهر (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) أي تتزوجوا بهنّ (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) إذا دفعتم لهنّ مهورهنّ التي تستحلّ بها فروجهن بعد أن صرن بائنات من أزواجهنّ بالإسلام (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) جمع كافرة ، أي لا تتمسكوا بنكاح الكافرات الذي سمّاه سبحانه عصمة (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) أي إذا لحقت زوجتكم الكافرة بأهلها فاطلبوا منهم ما أنفقتم عليها من مهر إذا ارتدّت ومنعوها عن العودة (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) فأنتم وهم سواء في المعاملة العادلة (ذلِكُمْ) أي هذا الحكم المذكور في هذه الآية هو (حُكْمُ اللهِ) قضاؤه العادل ، وهو الذي (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) يقضي بالحق (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عارف بالأمور جميعها ولا يفعل إلّا ما فيه الحكمة (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) أي إذا لحق بهم مرتدّات من أزواجكم اللواتي عصمتكم (فَعاقَبْتُمْ) أي قاصصتم بالغزو أو غيره وغنمتم منهم شيئا (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ

١٤٥

أَزْواجُهُمْ) من عندكم فأعطوهم (مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) عليهنّ من المهور من رأس الغنيمة ، وكذلك الحال في من ذهبت زوجته إلى قوم بينكم وبينهم عهد ثم نكث في إعطاء المهر ، فالذي ذهبت زوجته يعطى المهر من رأس الغنيمة. وقيل إن المعنى أنه إن فاتكم أحد من أزواجكم إلى الكفار المعاهدين معهم ، ثم غنمتم منهم فأعطوا زوجها صداقها الذي كان قد أعطاها إياه (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي التزموا بأوامره واحذروا معصيته باعتبار أنكم مصدّقون به وبأوامره ونواهيه. وقيل إن جماعة من الصحابة ارتدت زوجاتهم ولم يهاجرن معهم فأعطاهم رسول الله (ص) مهور نسائهم من الغنيمة.

* * *

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣))

١٢ و ١٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ ...) هذه حكاية بيعة النساء للنبيّ (ص) فبعد أن أنهى بيعة الرجال بعد فتح مكة جاءته النساء وهو على الصّفا فنزلت هذه الشروط وأوحى إليه سبحانه : (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) كالرجال فالشروط هي أن يبايعن (أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً) بل يوحّدنه ويكفرن بالأصنام (وَلا يَسْرِقْنَ) من

١٤٦

أزواجهنّ أو من الآخرين (وَلا يَزْنِينَ) أي لا يرتكبن فاحشة الزّنى (وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) لا بالإسقاط ولا بالوأد ولا غيرهما (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ) أي لا يكذبن في مولود يوجد (بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) ولا يلحقنه بأزواجهنّ وهو ليس منهم. فقد روي أن المرأة في الجاهلية كانت تلتقط المولود من غير زوجها ثم تقول له هذا ولدي منك ، فذلك هو البهتان الذي كنّ يفترينه. وقوله سبحانه (بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) فإنه صورة واقعيّة لأن الولد إذا وضعته أمّه حين الولادة يسقط بين يديها ورجليها. ثم أكمل عزّ اسمه شروط المبايعة فقال : (وَلا يَعْصِينَكَ) يا محمد (فِي مَعْرُوفٍ) تأمر به لأنك لا تأمر إلّا بالبرّ والتقوى وطاعة الله (فَبايِعْهُنَ) يا محمد على تلك الشروط (وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ) أي أطلب العفو وغفران ذنوبهنّ (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) متجاوز عنهنّ رحيم بهن. وكانت في بيعة النساء هند بنت عتبة متنكّرة فلما شرط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن (لا يَسْرِقْنَ) قالت : إن أبا سفيان رجل ممسك وإني أصبت من ماله هنات ، فقال أبو سفيان : ما أصبت من مالي فهو لك حلال فابتسم رسول الله (ص) وقال لها : وإنك لهند؟ قالت : نعم ، فاعف عمّا سلف يا نبيّ الله عفا الله عنك. وحين قال : (وَلا يَزْنِينَ) فقالت هند من بين النساء : أوتزني الحرة يا رسول الله؟ فضحك عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة ، في تفصيل لتلك البيعة تجده في الكتب المفصّلة.

أما كيفيّة البيعة فإنها ما مسّت يد النبيّ (ص) يد امرأة قط ، بل دعا بطست مملوء بالماء غمس يده الشريفة فيه وغمسن أيديهنّ فيه ... ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال عزّ من قائل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) وهم اليهود ، فإن بعض فقراء المسلمين كانوا ينقلون أخبار المسلمين لهم ويستفيدون منهم فنهوا عن ذلك. فإن اليهود (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) أي ليس لهم أمل بثوابها (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ

١٤٧

أَصْحابِ الْقُبُورِ) أي كما فقد الأمل الكافر الذي مات وصار في القبر من أيّ ثواب في الآخرة لأنهم قد أيقنوا بالعذاب وفقدوا العودة إلى الدنيا. وقوله تعالى : (مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) يعني : من بعث أصحاب القبور ، فحذف المضاف. كما أنه يمكن أن تكون (مِنَ) للتبيين بتقدير : كما يئس الكفار الذين هم من أصحاب القبور من الآخرة.

* * *

١٤٨

سورة الصف

مدنية وآياتها ١٤ نزلت بعد التغابن.

* * *

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤))

١ إلى ٤ ـ (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...) فسّرناها سابقا وقد أعادها سبحانه تعظيما لاسمه عزّ اسمه (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) جلّت عظمته (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) قيل إنه خطاب للمنافقين الذين تظاهروا بالإسلام ولم يبطنوه ، وقيل هو تنبيه للمؤمنين كي لا يقولوا ما لا يفعلونه (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) أي عظم المقت عند الله تعالى أن يقول الإنسان ما لا يفعله وأن يعد ولا يفي بوعده (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ، كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ

١٤٩

مَرْصُوصٌ) أي الذين يصطفّون عند القتال ويثبتون في وجه الأعداء ليرهبوهم ، وهم يظهرون أمامهم كالبناء المتين الشديد الذي تراصّت حجارته ومداميكه وظهرت قوّته ومنعته وإحكامه ، ذلك أنه سبحانه يحب من يثبت في قتال أعداء الدّين ويقاتل في سبيل الله بصبر وعزيمة.

* * *

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩))

٥ و ٦ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي ...) هذه تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي اذكر يا محمد حين أنكر موسى عليه‌السلام على قومه إيذاءهم له بشتى أنواع الأذى الذي منها قولهم : اجعل لنا إلها ، وقولهم : اذهب أنت وربّك فقاتلا وما أشبه ذلك ، فقال : كيف تؤذونني بهذه الأقوال وهذه الأفعال (وَقَدْ تَعْلَمُونَ) وأنتم تعرفون حقّا (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) بعثني لهدايتكم (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ)

١٥٠

أي وحين مالوا عن الطريق المستقيم وانصرفوا عن الحق خلّاهم سبحانه وسوء اختيارهم وحجب عنهم ألطافه فمالت قلوبهم إلى الضلال وانحرفت عن الايمان ، لأنه تبارك وتعالى لا يجوز أن يصرف أحدا عن الإيمان ولكن إذا انصرف وأصرّ يخلّي بينه وبين هوى نفسه (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي لا يرشدهم إلى ما فيه الأجر والثواب الموصل إلى الجنّة ولا يفعل بهم ما يفعله بالمؤمنين لأنهم اختاروا طريق الضلال وفضّلوا ظلم أنفسهم وظلم غيرهم. ثم اذكر يا محمد (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) كما قال لهم موسى عليه‌السلام ، وزادهم بأنني جئت (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) أي لم أنسخ أحكامها وهي كتاب موسى من قبلي (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) يعني وناقلا لكم البشارة بنبيّ يظهر من بعد زمني سمّاه الله تعالى أحمد ـ أي من أحمد الناس لله جلّ وعلا ، وهو محمود بأخلاقه وكريم صفاته ـ وفي الآية معجزة عظيمة لعيسى عليه‌السلام إذ بشّر قومه بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل مجيئه بمئات ومئات السنين وأخبر بنبوّته وأمر من يدركه بطاعته والإيمان به (فَلَمَّا جاءَهُمْ) محمد (ص) ، (بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات والدلائل الظاهرة (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) قالوا عن معجزاته إنها سحر ظاهر.

٧ إلى ٩ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ...) أي ليس أشد ظلما من الذي يختلق الكذب عليه سبحانه ويسمّي معجزاته سحرا ويكذّب رسوله (وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) أي ينتدب لما فيه خلاصه من العذاب ونجاته في الآخرة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وهم الكفّار والمنافقون المحاربون لله الذين (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) أي يريدون الوقوف بوجه الايمان الذي هو نوره يقذفونه في قلوب المؤمنين وإطفاؤه يكون بتمادي الكفر الشبيه بظلام القلوب ، وهذا كمن يحاول إطفاء نور الشمس بفمه (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) أي مكمل لدينه ومظهر لأمر نبيّه ومعل لكلمته (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) رغم كرههم لذلك ومعارضتهم له (هُوَ

١٥١

الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) أي بالتوحيد وجعل العبادة خالصة له ، وبدين الحق الذي هو الإسلام الذي تعبّد به سائر الخلق (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي ليقوّيه وينصره على كلّ دين بالحجة والبرهان والغلبة (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) رغم كره المشركين لذلك. وفي العياشي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كلّه ،! هل ظهر ذلك؟ قال :كلّا ، فو الذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلّا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلّا الله بكرة وعشيّا. أي في زمن دولة الحق بعد ظهور الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه.

* * *

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣))

١٠ إلى ١٣ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ ...) خاطب سبحانه جميع المؤمنين وعرض عليهم مرغّبا بتجارة تخلّصهم من العذاب بطريقة فيها تلطّف في الدعاء إلى الخير ، والتجارة معه سبحانه رابحة دائما وهي : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) فتوحّدونه وتعبدونه (وَرَسُولِهِ) فتقرّون بنبوّته وتستمعون لقوله الذي يصدر فيه عن ربّه (وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ)

١٥٢

تحاربون أعداء الدّين (بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) فتبذلون بطريق الحقّ كلّ غال ونفيس (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) في الآخرة لعظيم ثوابه عند الله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي إن كنتم تقدّرون ما عرضته لكم حقّ قدره. فالتجارة التي أدلّكم عليها خير من التجارة التي تشتغلون بها وأكثر ربحا لأن جزاءها من النّعيم لا ينتهي ولا يفنى كتجارتكم الدنيويّة التي قد يذهب ربحها ويبيد ، فعليكم أن تتخيروا وتختاروا تجارة الآخرة على تجارة الدنيا إن علمتم الفرق بين منافع هذه ومنافع هذه ، وإنكم إن فعلتم ذلك (يَغْفِرْ لَكُمْ) ربّكم (ذُنُوبَكُمْ) بأن يمحوها ويتجاوز عنها (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) هذه صفتها الدائمة التي لا تزول (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) يسكنكم فيها وهي مستطابة هنيئة (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) حيث تتنعّمون إلى أبد الأبد (ذلِكَ الْفَوْزُ) الظّفر والنّجاح (الْعَظِيمُ) الذي لا يعلوه ولا يفوقه شيء (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) أي وأدلّكم على تجارة ثانية أو عمل ثان ترغبون فيه في العاجلة وهي (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) في الدنيا وظفر على أعدائكم (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) لبلادهم حيث تدخلونها منتصرين عليهم. وقيل إن فيه إشارة لفتح فارس والروم وغيرهما من البلاد التي وصلت إليها الفتوحات الإسلامية (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي بلّغهم يا محمد هذه البشارة بالثواب الآجل وبالثواب العاجل.

* * *

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤))

١٥٣

١٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ ...) هذا حضّ للمؤمنين أن يكونوا أنصاره أي أنصار دينه عزوجل ، وقد أضاف إلى نفسه كإضافة الكعبة أعزّ الله إذ سمّاها بيت الله ، وأن يثبتوا على نصره (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ) أي كقوله لأنصاره وخاصّته حين ندبهم إلى الثبات وجهاد عدوّه قائلا : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أي من هم المعينون لي في أمري. فقل يا محمد للمؤمنين إني أدعوكم كما دعا عيسى حواريّيه فمن منكم يعينني على ما يقرّب إلى الله سبحانه فإن عيسى لمّا دعاهم (قالَ الْحَوارِيُّونَ : نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) أي أجابوه بهذا الجواب ،! وقيل إنما سمّوا نصارى لقولهم هذا (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي جماعة منهم صدّقت بعيسى عليه‌السلام (وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) كذّبت به وبما يدعو إليه (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ) أي سدّدناهم ونصرناهم عليهم (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) أي فصاروا منتصرين عليهم وغالبين لهم. وعن ابن عباس في حديث ـ كما في المجمع ـ : وذلك أنه لمّا رفع تفرّق قومه ثلاث فرق : فرقة قالت : كان الله فارتفع ، وفرقة قالت : كان ابن الله فرفعه إليه ، وفرقة قالوا : كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون. واتّبع كلّ فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا ، وظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرين وذلك قوله : (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ).

* * *

١٥٤

سورة الجمعة

مدنيّة وآياتها ١١ نزلت بعد الصف.

* * *

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤))

١ إلى ٤ ـ (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...) يعني ينزّه الله سبحانه كل شيء خلقه ويقرّ له بالوحدانية والعبودية لأنه (الْمَلِكِ) أي المتسلّط على التصرف في جميع الأشياء (الْقُدُّوسِ) الجدير بالتعظيم والتكبير الطاهر (الْعَزِيزِ) الممتنع الذي لا يمتنع عليه شيء (الْحَكِيمِ) الذي قدّر كل شيء وفق حكمته ، العالم بمصالح جميع مخلوقاته يصفها وفق

١٥٥

الحكمة والمصلحة. و (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً) يعني أرسل في العرب الذي هم أمّة لا تعرف القراءة ولا الكتابة بأكثريّتها لأنها أمّية ولم يبعث فيهم نبيّ قبله. وقيل معناها : بعث في أهل مكة لأنها تسمّى أمّ القرى ، فهو رسول (مِنْهُمْ) يعني أن محمدا (ص) جنسه من جنسهم ونسبه من نسبهم ، فهو رسول من أنفسهم كما قال سبحانه في غير هذا المكان. وقد اختاره عزوجل أميّا لئلا يظنّوا أنه قد استفاد من الكتب التي تلاها والحكم التي قرأها ، وليكونون إخباره لهم بشأن الأمم السابقة معجزا ، وهو (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) أي يقرأها عليهم وهي آيات الله أو آيات القرآن المشتملة على الحلال والحرام وسائر الأحكام (وَيُزَكِّيهِمْ) أي يطهّرهم من الذنوب ومن الكفر (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) أي القرآن (وَالْحِكْمَةَ) وهي الشرائع كافة وتشمل الكتاب والسنّة (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ) أي من قبل بعثه فيهم (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي في انحراف عن الحق وانصراف عن الدّين الحق (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) أي ليعلّم آخرين من المؤمنين (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) وهم المسلمون من بعد عهد صحابته (ص) إلى يوم القيامة. وقيل هم غير العرب من الفرس وغيرهم من التّرك. وروي أن النبيّ (ص) قرأ هذه الآية فقيل له : من هؤلاء؟ فوضع يده على كتف سلمان وقال : لو كان الإيمان في الثريّا لنالته رجال من هؤلاء (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي الغالب الذي تجري الأمور على يده وفق الحكمة والتدبير (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) أي النبوّة التي اختصّ بها رسوله الكريم (ص) ، (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) يعني يعطيه لمن يريد وبحسب ما يراه من الصلاح وتحمّل الرسالة (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي هو سبحانه ذو المنّ الكثير على خلقه بأن أرسل لهم محمدا (ص).

* * *

(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً

١٥٦

بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨))

٥ إلى ٨ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها ...) انتقل حديثه الكريم سبحانه الى الإخبار عن اليهود الّذين أنزل إليهم التوراة وكلّفهم بالقيام بما فيها والعمل بتعاليمها (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) أي لم يقوموا بحملها كما يجب ولا قاموا بأداء حقها كما ينبغي ولا عملوا بأوامرها ونواهيها إذ دوّنوها وتناقلوها وتركوا أحكامها فمثلهم (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) الأسفار مفردها : سفر وهو الكتاب ، فما فائدة الحمار إذا حمل كتب الحكمة على ظهره؟ إنه لا ينتفع بها لأنه لا يقرأها ولا يعمل بما فيها ، وهذه هي حال اليهود مع توراتهم. وبناء على هذا فإن من تلا القرآن الكريم ولم يتدبّر آياته ولا عمل بأحكامه كان ملحقا بأصحاب هذا المثل لأن القرآن دستور الإسلام ونظام الحياة والممات وفيه ما يلزم للمعاش والمعاد ، و (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) أي تعس من الناس قوم ينكرون دلائل الله وبراهينه التي جاء به رسله ، واليهود قد كذّبوا بالقرآن فبئس القوم هم لأنهم لم يؤمنوا برسول الله (ص) ، (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي لا تصيبهم نعمه وألطافه التي يحظى بها المؤمنون به تعالى وبرسله (ع). (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) أي قل يا محمد للّذين تهوّدوا : (إِنْ زَعَمْتُمْ) أي إذا ظننتم بحسب قولكم (أَنَّكُمْ

١٥٧

أَوْلِياءُ لِلَّهِ) أي أنصاره وأنه معكم (مِنْ دُونِ النَّاسِ) دون بقيّة الناس (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي اطلبوا الموت الذي يوصلكم إلى رضوانه ونعيمه في الجنّة إن كنتم صادقين أنكم أبناء شعبه المختار وأنكم أحبّاؤه (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً) أي أنهم لا يطلبون الموت مطلقا وإلى الأبد لو استطاعوا ، من شدة كفرهم ومعاصيهم ولعدم ثقتهم بصلاح عملهم و (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من الذنوب والكبائر الموجبة للنار وغضب الجبّار (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أي أنه عارف بهم وبأفعالهم ومطّلع على سوء أعمالهم. وروي أن النبيّ (ص) قال بعد نزولها : لو تمنّوا الموت لماتوا عن آخرهم. (قُلْ) يا محمد لهم : (إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) أي تهربون منه (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) أي مدرككم ولا تستفيدون من الهرب لأنه سيقع عليكم ولا ينفع الفرار منه. وقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كلّ امرئ لاق ما يفرّ منه ، والأجل مساق النفس والهرب منه موافاته (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي أن ترجعون إلى الله سبحانه يوم المحشر ، وهو عالم بسرّكم وجهركم (فَيُنَبِّئُكُمْ) فيخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بما عملتموه في الدنيا من سيّء الأعمال وغيره.

* * *

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١))

١٥٨

٩ إلى آخر السورة المباركة ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...) خاطب سبحانه المؤمنين اعتناء بشأنهم لأنهم صلحاء خلقه ، فقال : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) أي إذا أذّن لها في ذلك اليوم وقعد إمام الجماعة على المنبر للخطبة (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) يعني امشوا مسرعين إلى الصلاة وامضوا إليها دون تلكّؤ وسيروا بنيّة صادقة وسكينة وخشوع (وَذَرُوا الْبَيْعَ) اتركوا البيع والشراء على السواء وقد بولغ فقيل : كلّ بيع تفوت فيه الصلاة يوم الجمعة فهو بيع حرام بمقتضى ظاهر الآية الكريمة (ذلِكُمْ) أي ما أمرناكم به من المبادرة الى صلاة الجمعة وترك البيع (خَيْرٌ لَكُمْ) أكثر فائدة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ما ينفعكم وما لا ينفعكم وتعرفون المصالح والمفاسد. وصلاة الجمعة لها شروطها المعلومة المحدّدة في كتب الفقه ولا مجال لشرح شروطها وكيفية انعقادها هنا (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) يعني أنه بعد انتهاء الصلاة والفراغ من الخطبة وما تسمعون من التذكير والوعظ ، فتفرقوا لمصالحكم في جميع نواحي الأرض (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي اطلبوا نعمه ورزقه بيعا وشراء وعملا. وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أنه قال : إني لأركب في الحاجة التي كفاها الله ، ما أركب فيها إلّا التماس أن يراني الله أضحي في طلب الحلال ، أما تسمع قول الله عزّ اسمه : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله؟ أرأيت لو أن رجلا دخل بيتا وطيّن عليه بابه ثم قال ارزقني ـ يا ربّ ـ كان يكون هذا؟ أما إنه أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم. قيل : من هؤلاء الثلاثة؟ قال : رجل تكون عنده المرأة فيدعو عليها فلا يستجاب له لأن عصمتها في يده لو شاء أن يخلّي سبيلها لخلّى سبيلها ، والرجل يكون له الحقّ على الرجل فلا يشهد عليه ، فيجحده حقّه فيدعو عليه فلا يستجاب له لأنه ترك ما أمر به ، والرجل يكون عنده الشيء فيجلس في بيته فلا ينتشر ولا يطلب ولا يلتمس حتى يأكله ، ثم يدعو فلا يستجاب له (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) أي أحمدوه

١٥٩

واشكروه على نعمه وأنتم في أعمالكم وفي تجاراتكم ، وقد روي عن النبيّ (ص) قوله : من ذكر الله في السوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه ، كتب له ألف حسنة ، ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر. وقيل إن الذّكر المطلوب هو التفكّر في آيات الله ومخلوقاته وعظمته. وقد قيل : تفكّر ساعة خير من عبادة سنة فاذكروه سبحانه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) يعني لتفوزوا برضاه ولتنالوا الثواب الجزيل (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) إذا نظروا بيعا وشراء أو ما يلهيهم ويلفت أنظارهم من أعمال الباطل (انْفَضُّوا إِلَيْها) يعني تفرّقوا عنك يا محمد وانصرفوا إلى التجارة ، فإن الضمير قد رجع إلى التجارة دون اللهو لأنها هي الأهم عندهم ولأنهم يرون أن الكسب يوصل إلى النعيم ، وإلى اللهو وغيره من متع الدنيا (وَتَرَكُوكَ قائِماً) إي تركوك قائما على المنبر تخطب ، وقيل تركوك قائما في الصلاة ، والأول أصح (قُلْ) يا محمد لهم : (ما عِنْدَ اللهِ) من الأجر والثواب والنعيم جزاء على سماع خطبة النبيّ (ص) (خَيْرٌ) لكم وأكثر نفعا (مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) التي تبتغون ربحها (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لأنه موفّر رزقه للطائع والعاصي ، وهو يرزقكم حتى إذا بقيتم مع رسول الله (ص) واستمعتم الخطبة وعطّلتم تجارتكم.

أما سبب نزولها فقد قال جابر بن عبد الله : أقبلت عير ونحن نصلّي مع رسول الله (ص) الجمعة ، فانفضّ الناس إليها فما بقي غير اثني عشر رجلا أنا فيهم ، فنزلت الآية : وإذا رأوا تجارة أو لهوا. وقال غيره أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر ، وقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام والنبيّ (ص) يخطب يوم الجمعة ، فلمّا رأوه قاموا إليه خشية أن يسبقوا إليه ، فلم يبق مع النبيّ (ص) إلّا رهط فنزلت الآية فقال (ص): والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي نارا. وروي السبب بصور مشابهة لا حاجة لتكرارها ، والله تعالى أعلم.

* * *

١٦٠