بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الوثوق لا يكاد يحصل لأحد سوى الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام.

٢٦ ـ كتاب الغارات ، لإبراهيم بن محمد الثقفي بإسناده عن ابن نباتة قال : كتب صاحب الروم إلى معاوية فسأله عن مسائل عجز عنها فبعث إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام من يسأله عنها فكان فيما سأله أين تأوي أرواح المسلمين وأين تأوي أرواح المشركين فقال عليه‌السلام تأوي أرواح المسلمين عينا في الجنة تسمى سلمى وتأوي أرواح المشركين في جب في النار يسمى برهوت الخبر.

٢٧ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، قال : إن حنظلة بن أبي عامر تزوج في الليلة التي كان في صبيحتها حرب أحد فاستأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقيم عند أهله فأنزل الله « فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ » (١) فأقام عند أهله ثم أصبح وهو جنب فحضر القتال فاستشهد فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحاف فضة بين السماء والأرض فكان يسمى غسيل الملائكة (٢).

بيان : ربما يستدل به على أن الجنب إذا استشهد يغسل للجنابة ولا يخفى وهنه.

٢٨ ـ كنز الكراجكي ، روي أنه كان في التوراة مكتوبا يا ابن آدم لا تشتهي تموت حتى تتوب وأنت لا تتوب حتى تموت.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير وقيل إن من عجائب الدنيا أنك تبكي على من تدفنه وتطرح التراب على وجه من تكرمه.

ومنه قال أمير المؤمنين عليه‌السلام موت الأبرار راحة لأنفسهم وموت الفجار راحة للعالم.

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : ما من مؤمن إلا وله باب يصعد منه

__________________

(١) النور : ٦٢.

(٢) تفسير القمي ص ٤٦٢.

١٨١

عمله وينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه وذلك قول الله عز وجل « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ » (١).

وقال الكراجكي ره بعد إيراد الخبر هذه الآية نزلت في قوم فرعون وإهلاكهم وفيها وجوه من التأويل أحدها ما ورد في هذا الخبر ومعنى البكاء هاهنا الإخبار عن الاختلال بعده كما يقال بكى منزل فلان بعده قال مزاحم العقيلي :

بكت دارهم من بعدهم فتهللت

دموعي فأي الجازعين ألوم

أمستعبرا يبكي من الهون والبلاء

وآخر يبكي شجوه ويهيم.

فإذا لم يكن لهؤلاء القوم الذين أخبر الله تعالى ببوارهم مقام صالح في الأرض ولا عمل كريم يرفع إلى السماء جاز أن يقال « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ » وقد روي عن ابن عباس أنه قيل له وقد سئل عن هذه الآية أتبكي السماء والأرض على أحد فقال نعم مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء.

والثاني أن يكون تعالى أراد المبالغة في وصف القوم بصغر القدر وسقوط المنزلة لأن العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت كسفت لفقده الشمس وأظلم القمر وبكاه الليل والنهار والسماء والأرض قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز :

الشمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم الليل والقمر.

والثالث أن يكون الله تعالى أراد ببكائهما بكاء أهلهما كما في قوله تعالى « وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ » (٢).

والرابع أن يكون المعنى لم يأخذ آخذ بثأرهم ولا أحد انتصر لهم لأن العرب كانت لا تبكي على قتيل إلا بعد الأخذ بثأره فكنى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار والأخذ بالثأر على مذهب القوم الذين خوطبوا بالقرآن.

__________________

(١) الدخان : ٢٩.

(٢) يوسف : ٨٢.

١٨٢

والخامس أن يكون البكاء كناية عن المطر والسقيا لأن العرب تشبه المطر بالبكاء فمعنى الآية أن السماء لم تسق قبورهم ولم تجد بقطرها عليهم على مذهب العرب المعهود بينهم لأنهم كانوا يستسقون السحائب لقبور من فقدوه من أعزائهم ويستنبتون الزهر والرياض لمواقع حفرهم قال النابغة :

فلا زال قبر بين تبنى وحاسم

عليه من الوسمي طل ووابل

فينبت حوذانا وغوفا منورا

سأتبعه من خير ما قال قائل.

وكانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام ومسألة الله تعالى لهم الرضوان والفعل إذا أضيف إلى السماوات كان لا تجوز إضافته إلى الأرض فقد يصح عطف الأرض على السماء بأن يقدر فعل يصح نسبته إليها والعرب تفعل مثل هذا قال الشاعر :

يا ليت زوجك قد غدا

متقلدا سيفا ورمحا.

بعطف الرمح على السيف وإن كان التقلد لا يجوز فيه ومثل هذا يقدر في الآية فيقال إنه تعالى أراد السماء لم تسق قبورهم وأن الأرض لم تعشب عليها وكل هذا كناية عن حرمانهم رحمه‌الله عز وجل وربما شبه الشعراء النبات بضحك الأرض كما شبهوا المطر ببكاء السماء وفي ذلك يقول أبو تمام :

إن السماء إذا لم تبك مقلتها

لم تضحك الأرض عن شيء من الخضر

والزهر لا تنجلي أبصاره أبدا

إلا إذا رمدت من كثرة المطر.

بيان قال الفيروزآبادي هام يهيم هيما وهيمانا أحب امرأة والهيام بالضم كالجنون من العشق وقال تبنى بالضم موضع وقال حاسم كصاحب موضع وقال الوسمي مطر الربيع الأول وقال الطل المطر الضعيف والوابل المطر الشديد الضخم القطر وقال الجوهري الحوذان نبت نوره أصفر وفي القاموس الغوف نبات طيب الرائحة.

٢٩ ـ عدة الداعي ، عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا مات المؤمن صعد ملكاه فقالا يا ربنا أمت فلانا فيقول انزلا فصليا عليه عند قبره وهللاني وكبراني واكتبا

١٨٣

ما تعملان له.

٣٠ ـ أعلام الدين ، للديلمي عن الزهري عن أنس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه كل يوم خمس مرات فإذا وجد الإنسان قد نفد أجله وانقطع أكله ألقى عليه الموت فغشيته كرباته وغمرته غمراته فمن أهل بيته الناشرة شعرها والضاربة وجهها الصارخة بويلها الباكية بشجوها فيقول ملك الموت ويلكم مم الفزع وفيم الجزع والله ما أذهبت لأحد منكم مالا ولا قربت له أجلا ولا أتيته حتى أمرت ولا قبضت روحه حتى استؤمرت وإن لي إليكم عودة ثم عودة حتى لا أبقي منكم أحدا.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي نفسي بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم وبكوا على نفوسهم حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش وهو ينادي يا أهلي وولدي ـ لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي جمعته من حله ومن غير حله وخلفته لغيري والمهنأ له والتبعات علي فاحذروا من مثل ما نزل بي.

وعن أنس قال : تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية « وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ » (١) قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين استثنى الله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت فإذا قبض الله أرواح الخلائق قال يا ملك الموت من بقي قال يقول سبحانك ربي تباركت ربي وتعاليت ربي ذا الجلال والإكرام بقي جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت قال فيقول خذ نفس إسرافيل فيأخذ نفس إسرافيل قال فيقول يا ملك الموت من بقي قال فيقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت ربي ذا الجلال والإكرام بقي جبرائيل وميكائيل وملك الموت قال فيقول خذ نفس ميكائيل قال فيأخذ نفس ميكائيل فيقع كالطود العظيم فيقول يا ملك الموت

__________________

(١) الزمر : ٦٨.

١٨٤

من بقي فيقول تباركت ربي وتعاليت بقي جبرئيل وملك الموت قال فيقول مت يا ملك الموت فيموت.

قال فيقول يا جبرئيل من بقي فيقول تباركت ربي وتعاليت ذا الجلال والإكرام وجهك الباقي الدائم وجبرئيل الميت الفاني قال يا جبرئيل لا بد من الموت فيخر ساجدا فيخفق بجناحيه فيقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعند ذلك يموت جبرئيل وهو آخر من يموت من خلق السماوات والأرض.

٣١ ـ إختيار ابن الباقي ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنين عليه‌السلام بالمقبرة ويروى بالمقابر فقال السلام عليكم يا أهل المقبرة والتربة اعلموا أن المنازل بعدكم قد سكنت وأن الأموال بعدكم قد قسمت وأن الأزواج بعدكم قد نكحت فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم فأجابه هاتف من المقابر نسمع صوته ولا نرى شخصه عليك السلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته أما خبر ما عندنا فقد وجدنا ما وعدناه وربحنا ما قدمناه وخسرنا ما خلفناه.

فالتفت إلى أصحابه فقال أسمعتم قالوا نعم يا أمير المؤمنين قال فتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى.

٣٢ ـ تفسير علي بن إبراهيم ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى « قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ » (١) قال الخلق الذي يكبر في صدوركم الموت (٢).

بيان : قال في مجمع البيان في تفسير هذه الآية أي اجهدوا في أن لا تعادوا ولا تحشروا أو كونوا إن استطعتم حجارة أو حديدا في الشدة أو خلقا هو أعظم من ذلك عندكم وأصعب فإنكم لا تفوتون الله ويحييكم بعد الموت وقيل يعني

__________________

(١) اسرى : ٥١ وصدرها « قالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً )

(٢) تفسير القمي ص ٣٨٣.

١٨٥

بقوله ما يكبر في صدوركم الموت عن ابن عباس وابن جبير أي لو كنتم الموت لأماتكم الله (١) وليس شيء أكبر في صدور بني آدم من الموت وقيل يعني به السماوات والأرض والجبال (٢).

قد فرغ من تسويد هذا الجزء من المجلد الثامن عشر مؤلفه الحقير المقر بالتقصير في رابع عشر شهر صفر ختم بالخير والظفر من شهور سنة أربع وتسعين بعد الألف الهجرية والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على سيد المرسلين محمد وعترته الأكرمين الأقدسين.

تم كتاب الطهارة ويليه كتاب الصلاة

__________________

(١) بل : لو كنتم نفس الموت لاحياكم الله عز وجل كيف وأنتم عظام ورفات راجع سياق الآية بتأمل.

(٢) مجمع البيان ج ٦ ص ٤٢٠.

١٨٦

القسم الثان

کتاب الصلاة

١٨٧

بسم الله الرحمن الرحيم

( كتاب الصلاة )

١

( باب )

( فضل الصلاة وعقاب تاركها )

الآيات البقرة « وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ » (١).

وقال تعالى « وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ » في مواضع (٢).

وقال تعالى « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ » (٣).

وقال تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ » (٤).

__________________

(١) البقرة : ٣.

(٢) البقرة ٤٣ و ٨٣ و ١١٠ ، النساء : ٧٧ و ١٠٣ وغير ذلك.

(٣) البقرة : ٤٥.

(٤) البقرة : ١٥٣.

١٨٨

وقال تعالى « وَأَقامُوا الصَّلاةَ » (١).

المائدة « لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ » (٢).

الأنعام « وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ » (٣).

وقال تعالى « وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ » (٤).

الأنفال « الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ » (٥).

التوبة « فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ » (٦) وقال « إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ » (٧).

وقال تعالى « وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ » (٨).

الرعد « وَأَقامُوا الصَّلاةَ » (٩).

إبراهيم « قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ » (١٠).

وقال تعالى « رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ » إلى قوله « رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي » (١١).

مريم « وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا » (١٢)

__________________

(١) البقرة : ٢٧٧.

(٢) المائدة : ١٢.

(٣) الأنعام : ٧٢.

(٤) الأنعام : ١٧٠.

(٥) الأنفال : ٣.

(٦) براءة : ٥.

(٧) براءة : ١١.

(٨) براءة : ٧١.

(٩) الرعد : ٢٢.

(١٠) إبراهيم : ٣١.

(١١) إبراهيم : ٣٧ ـ ٤٠.

(١٢) مريم : ٣١.

١٨٩

وقال تعالى « وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ » (١).

طه « وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى » (٢) الأنبياء « وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ » (٣).

الحج « الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ » (٤).

وقال تعالى « فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ » (٥).

النور « وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ » (٦).

النمل « هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ » (٧).

العنكبوت « وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ » (٨).

الروم « وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (٩).

لقمان « هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ » (١٠).

وقال « يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ » (١١).

فاطر « إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ » (١٢).

__________________

(١) مريم : ٥٥.

(٢) طه : ١٣٢.

(٣) الأنبياء : ٧٣.

(٤) الحج : ٤١.

(٥) الحج : ٧٨.

(٦) النور : ٥٦.

(٧) النمل : ٣.

(٨) العنكبوت : ٤٥.

(٩) الروم : ٣١.

(١٠) لقمان : ٤.

(١١) لقمان : ١٧.

(١٢) فاطر : ١٨.

١٩٠

وقال تعالى « إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ » (١).

حمعسق « وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ » (٢).

المجادلة « فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ » (٣).

المزمل « وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ » (٤).

المدثر « قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » (٥).

القيامة « فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى » (٦).

العلق « أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى » (٧).

البينة « وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ » (٨).

تفسير :

« وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ » (٩) بإتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وحدودها وصيانتها مما يفسدها أو ينقصها وفسر في تفسير الإمام عليه‌السلام (١٠) بالصلاة على محمد وآل محمد وهو بطن من بطونها.

« وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ » (١١) أي استعينوا على حوائجكم أو على قربه سبحانه والوصول إلى درجات الآخرة بالصبر عن المعاصي وعلى الطاعات وفي المصائب وبكل صلاة فريضة أو نافلة وفيه دلالة على مطلوبية الصلاة في

__________________

(١) فاطر : ٢٩.

(٢) الشورى : ٣٨.

(٣) المجادلة : ١٣.

(٤) المزمل : ٢٠.

(٥) المدثر : ٤٣.

(٦) القيامة : ٣١.

(٧) العلق ؛ ١٠.

(٨) البينة : ٥.

(٩) البقرة : ٣.

(١٠) تفسير الإمام : ٣٤ و ٣٥.

(١١) البقرة : ٤٥.

١٩١

كل وقت لا سيما عند عروض حاجة وقيل أي بالجمع بينهما بأن تصلوا صابرين على تكليف الصلاة محتملين لمشاقها وما يجب من شرائطها وآدابها.

وقيل استعينوا على البلايا والنوائب بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة كما روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا حزبه (١) أمر فزع إلى الصلاة. وعن ابن عباس أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع وتنحى عن الطريق فصلى ركعتين وأطال فيهما الجلوس ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول « اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ » (٢) وسيأتي في أخبار كثيرة أن المراد بالصبر الصوم وأنه ينبغي أن يستعين في الحوائج وغموم الدنيا بالصوم والصلاة.

وفي تفسير الإمام عليه‌السلام « اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ » عن الحرام على تأدية الأمانات وعن الرئاسات الباطلة وعلى الاعتراف بالحق واستحقاق الغفران والرضوان ونعيم الجنان وبالصلوات الخمس « وَالصَّلاةِ » على النبي وآله الطاهرين على قرب الوصول إلى جنات النعيم.

« وَإِنَّها » (٣) أي الاستعانة بهما أو إن الصلاة أو جميع الأمور التي أمر بها بنو إسرائيل من قوله « اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ » إلى قوله « وَاسْتَعِينُوا » كما قيل

__________________

(١) حزبه الامر حزبا : أصابه واشتد عليه أو ضغطه فجأة قيل : وفي الحديث « كان اذا حزبه أمر صلى » أي إذا نزل به مهم وأصابه غم. وفي حديث الدعاء « اللهم أنت عدتى ان حزبت ».

(٢) أخرجه في الدر المنثور ج ١ ص ٦٨ وقال أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن عباس ، أقول : وعليه صححنا الحديث وقثم بن العباس هذا كان آخر الناس عهدا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك أنه كان آخر من خرج من قبره ممن نزل فيه ، مات قثم بن العباس بسمرقند واستشهد بها ودفن فيها وكان خرج إليها مع سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية.

(٣) تفسير الإمام ص ١١٤ و ١١٥.

١٩٢

وفي تفسير الإمام عليه‌السلام أن هذه الفعلة من الصلوات الخمس والصلاة على محمد وآله مع الانقياد لأوامرهم والإيمان بسرهم وعلانيتهم وترك معارضتهم بلم وكيف (١).

« لَكَبِيرَةٌ » لشاقة ثقيلة كقوله « كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » (٢) « إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ » أي الخائفين عقاب الله في مخالفته في أعظم فرائضه وذلك نفوسهم مرتاضة بأمثالها متوقعة في مقابلتها ما يستخف لأجله مشاقها ويستلذ بسببه متاعبها كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جعلت قرة عيني في الصلاة وكان يقول أرحنا يا بلال.

« الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ » (٣) في التوحيد والإحتجاج وتفسير العياشي (٤) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أن المعنى يوقنون أنهم يبعثون والظن منهم يقين وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله اللقاء البعث والظن هاهنا اليقين.

وفي تفسير الإمام عليه‌السلام ويتوقعون أنهم يلقون ربهم اللقاء الذي هو أعظم كرامته لعباده (٥). وقيل أي يتوقعون لقاء ثوابه ونيل ما عنده وفي مصحف عبد الله يعلمون ومعناه يعلمون أنه لا بد من لقاء الجزاء فيعلمون على حسب ذلك وأما من لم يوقن بالجزاء ولم يرج الثواب كانت عليه مشقة خالصة فثقلت عليه كالمنافقين والمراءين.

وفي المجمع بعد حمل الظن على اليقين وقيل إنه بمعنى الظن غير اليقين أي يظنون أنهم ملاقو ربهم بذنوبهم لشدة إشفاقهم من الإقامة على معصية

__________________

(١) تفسير الإمام : ١١٤ و ١١٥.

(٢) الشورى : ١٣.

(٣) البقرة : ٤٦.

(٤) التوحيد : ٢٦٧ ط مكتبة الصدوق ، الاحتجاج ١٣٢ ط نجف ، تفسير العياشي ج ١ ص ٤٤.

(٥) التفسير ص ١١٥.

١٩٣

الله قال الرماني وفيه بعد لكثرة الحذف وقيل الذين يظنون انقضاء آجالهم وسرعة موتهم فهم أبدا على حذر ووجل ولا يركنون إلى الدنيا كما يقال لمن مات لقي الله (١).

« وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ » قال الإمام أي إلى كراماته ونعيم جناته قال وإنما قال يظنون لأنهم لا يدرون بما ذا يختم لهم لأن العاقبة مستورة عنهم لا يعلمون ذلك يقينا لأنهم لا يأمنون أن يغيروا ويبدلوا انتهى (٢) ويسئل ويقال ما معنى الرجوع هنا وهم ما كانوا قط في الآخرة فيعودوا إليها ويجاب بوجوه أحدها أنهم راجعون بالإعادة في الآخرة وثانيها أنهم كانوا أمواتا فأحيوا ثم يموتون فيرجعون أمواتا كما كانوا وثالثها أنهم راجعون بالموت إلى موضع لا يملك أحدهم ضرا ولا نفعا غيره تعالى كما كانوا في بدء الخلق فإنهم في أيام حياتهم قد يملك غيره الحكم عليهم والتدبير لنفعهم وضرهم.

والحق أنه لما دلت الأخبار على أن الأرواح خلقت قبل الأجساد فهي قبل تعلقها بالأجساد كانت في حالة تعود بعد قطع التعلق إليها.

« وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ » (٣) أي يتمسكون به وقرأ أبو بكر يمسكون بتسكين الميم وتخفيف السين والباقون بالتشديد على بناء التفعيل يقال أمسك ومسك وتمسك واستمسك بالشيء بمعنى واحد أي استعصم به والكتاب التوراة أو القرآن « وَأَقامُوا الصَّلاةَ » في تخصيص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات دلالة على جلالة موقعها وشدة تأكدها.

وكذا قوله سبحانه « فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا

__________________

(١) مجمع البيان ج ١ ص ١٠١.

(٢) التفسير المنسوب الى الامام العسكري ص ١١٥.

(٣) الأنعام : ١٧٠.

١٩٤

سَبِيلَهُمْ » (١) يدل على اشتراط الإيمان بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وقيل أي قبلوا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لأن عصمة الدم لا يتوقف على فعلهما « فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ » أي دعوهم يتصرفون في بلاد الإسلام لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم وقيل دعوهم يحجوا معكم وقال الطبرسي ره استدل بها على أن من ترك الصلاة متعمدا يجب قتله لأن الله أوجب الامتناع من قتل المشركين بشرط أن يتوبوا ويقيموا الصلاة فإذا لم يقيموها وجب قتلهم انتهى (٢).

ويمكن أن يقال إظهار الإسلام بعد الكفر لا يقبل إلا بالإتيان بهاتين الفريضتين اللتين هما من عمدة شرائعه.

« وَأَقامَ الصَّلاةَ » (٣) في حصر تعمير المساجد فيمن أتى بعد الإيمان بالله واليوم الآخر بهاتين الفريضتين دلالة على جلالة شأنهما.

« بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ » (٤) أي أنصار بعض أو متولي أمورهم.

« يُقِيمُوا الصَّلاةَ » (٥) أي أقيموا الصلاة يقيموا أو ليقيموا « لا بَيْعٌ فِيهِ » فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدي به نفسه « وَلا خِلالٌ » ولا مخالة فيشفع له خليله.

« وَمِنْ ذُرِّيَّتِي » أي وبعض ذريتي (٦).

« وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ » (٧) أي أهل بيتك وأهل دينك كما ذكره الطبرسي أو أهل بيتك خاصة كما رواه

أبو سعيد الخدري قال : لما نزلت هذه الآية كان

__________________

(١) براءة : ٥.

(٢) مجمع البيان ج ٥ ص ٧.

(٣) براءة : ١١.

(٤) براءة : ٧١.

(٥) إبراهيم : ٣١.

(٦) إبراهيم : ٣٧.

(٧) طه : ١٣٢.

١٩٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر وقت كل صلاة فيقول الصلاة يرحمكم الله « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ». رواه الطبرسي (١) وقال ورواه ابن عقدة من طرق كثيرة عن أهل البيت عليهم‌السلام وعن غيرهم مثل أبي برزة وابن أبي رافع وقال أبو جعفر عليه‌السلام أمره الله تعالى أن يخص أهله دون الناس ليعلم الناس أن لأهله عند الله منزلة ليست للناس فأمرهم مع الناس عامة وأمرهم خاصة.

وفي العيون (٢) ، وغيره ، عن الرضا عليه‌السلام في هذه الآية قال خصنا الله بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع الأمة بإقامة الصلاة ثم خصنا من دون الأمة فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجيء على باب علي وفاطمة بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول الصلاة رحمكم الله وما أكرم الله أحدا من ذراري الأنبياء عليهم‌السلام بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا بها وخصنا من دون جميع أهل بيتهم.

وفي نهج البلاغة (٣) وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصبا بالصلاة بعد التبشير له بالجنة لقول الله سبحانه « وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها » فكان يأمر بها ويصبر عليها نفسه.

ثم اعلم أن الظاهر من الأخبار الماضية وما أوردنا سابقا في مجلدات الحجة أن المراد من يختص به من أهل بيته لا أهل دينه مطلقا وأنه إنما أمر بذلك لبيان شرفهم وكرامتهم عليه تعالى فما قيل إنه يجب علينا أيضا أمر أهالينا بدلالة التأسي محل نظر وإن أمكن أن يقال هذا لا ينافي لزوم التأسي ويؤيده قوله تعالى « قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً » الآية (٤) وعمومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

__________________

(١) مجمع البيان ج ٧ ص ٣٧.

(٢) عيون الأخبار ج ١ ص ٢٤٠.

(٣) نهج البلاغة تحت الرقم ١٩٧ من قسم الخطب.

(٤) التحريم : ٦.

١٩٦

« وَاصْطَبِرْ عَلَيْها » بالمداومة عليها واحتمال مشاقها بل الأمر بها واحتمال مشاقه أيضا فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله مأمور بها على أبلغ وجه « لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً » لا نكلفك شيئا من الرزق لا لنفسك ولا لغيرك « نَحْنُ نَرْزُقُكَ » ما يكفيك وأهلك فيحتمل أن يكون المراد ترك التوصل إلى تحصيل الرزق وكسب المعيشة بالكلية ويكون من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمنافاة تحصيل الرزق لتعرض أشغال النبوة وتحمل أعبائها ويحتمل العموم كما ورد من كان لله كان الله له ومن أصلح أمر دينه أصلح الله أمر دنياه ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس. وقال تعالى « وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » (١) ولعل الأولى حينئذ أن يراد ترك الاعتناء والاهتمام لا ترك الطلب بالكلية وسيأتي تمام القول فيه في محله « وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى » أي العاقبة المحمودة لأهل التقوى.

« الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ » (٢) ورد في الأخبار الكثيرة أنها نزلت في الأئمة وقائمهم عليه‌السلام.

« إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ » (٣) قال الطبرسي ره (٤) في هذا دلالة على أن فعل الصلاة لطف للمكلف في ترك القبيح والمعاصي التي ينكرها العقل والشرع فإن انتهى عن القبيح يكون توفيقا وإلا فقد أتى المكلف من قبل نفسه وقيل إن الصلاة بمنزلة الناهي بالقول إذا قال لا تفعل الفحشاء والمنكر وذلك أن فيها التكبير والتسبيح والتهليل والقراءة والوقوف بين يدي الله سبحانه وغير ذلك من صنوف العبادة وكل ذلك يدعو إلى شكره ويصرف عن ضده فيكون مثل الأمر والنهي بالقول وكل دليل مؤد إلى المعرفة بالحق فهو داع إليه وصارف عن الباطل الذي هو ضده.

__________________

(١) الطلاق : ٣.

(٢) الحج : ٤١.

(٣) العنكبوت : ٤٥.

(٤) مجمع البيان ج ٨ ص ٢٨٥.

١٩٧

وقيل معناه أن الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها وقيل معناه أنه ينبغي أن تنهاه كقوله « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً » (١) وقال ابن عباس في الصلاة منهى ومزدجر عن معاصي الله فمن لم تنهه صلاته عن المعاصي لم يزدد من الله إلا بعدا وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا صلاة لمن لم يطع الصلاة وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر. ومعنى ذلك أن الصلاة إذا كانت ناهية عن المعاصي فمن أقامها ثم لم ينته عن المعاصي لم تكن صلاته بالصفة التي وصفها الله بها فإن تاب من بعد ذلك وترك المعاصي فقد تبين أن صلاته كانت نافعة له وناهيته وإن لم ينته إلا بعد زمان.

وروي أن فتى من الأنصار كان يصلي الصلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويرتكب الفواحش فوصف ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال إن صلاته تنهاه يوما ما فلم يلبث أن تاب.

وعن جابر قال : قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه.

وروى أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من أحب أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت منه. انتهى كلام الطبرسي.

وروي في الكافي عن سعد الخفاف (٢) عن الباقر عليه‌السلام في حديث طويل أنه سأله هل يتكلم القرآن فتبسم ثم قال رحم الله الضعفاء من شيعتنا إنهم أهل تسليم ثم قال نعم يا سعد والصلاة تتكلم ولها صورة وخلق تأمر وتنهى قال فتغير لذلك لوني وقلت هذا شيء لا أستطيع أن أتكلم به في الناس فقال عليه‌السلام

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٥٩٨.

١٩٨

وهل الناس إلا شيعتنا فمن لم يعرف الصلاة فقد أنكر حقنا ثم قال يا سعد أسمعك كلام القرآن قال سعد فقلت بلى صلى الله عليك فقال « إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ » فالنهي كلام والفحشاء والمنكر رجل ونحن ذكر الله ونحن أكبر.

أقول قد مرت الأخبار بأن المراد بالصلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام والفحشاء والمنكر أبو بكر وعمر وذكر الله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) فقوله عليه‌السلام الصلاة تتكلم ولها صورة يمكن أن يكون على سبيل التنظير أي لا استبعاد في أن يكون للقرآن صورة كما أن في بطن تلك الآية المراد بالصلاة رجل أو المراد أن للصلاة صورة ومثالا يترتب عليه وينشأ منه آثار الصلاة فكذا القرآن.

ويحتمل أن يكون صورة القرآن في القيامة أمير المؤمنين عليه‌السلام فإنه حامل علمه والمتحلي بأخلاقه كما قال عليه‌السلام أنا كلام الله الناطق فإن كل من كمل فيه صفة عمل أو حالة فكأنه جسد لتلك الصفة وشخص لها فأمير المؤمنين عليه‌السلام جسد للقرآن وللصلاة والزكاة ولذكر الله لكمالها فيه فيطلق عليه تلك الأسامي في بطن القرآن ويطلق على مخالفيه الفحشاء والمنكر والبغي والكفر والفسوق والعصيان لكمالها فيهم فهم أجساد لتلك الصفات الذميمة.

وبهذا التحقيق الذي أفيض علي ينحل كثير من غوامض الأخبار وقد مر بعض الكلام في ذلك في أبواب الآيات النازلة فيهم وسيأتي في كتاب القرآن أيضا.

« وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ » روي عن الباقر عليه‌السلام (٢) أنه قال : ذكر الله لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى أنه يقول « فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ » (٣).

__________________

(١) راجع كتاب الإمامة ج ٢٤ ص ٢٨٦ ـ ٣٠٤ من هذه الطبعة.

(٢) تفسير القمي : ٤٩٧.

(٣) البقرة : ١٥٢.

١٩٩

وعن الصادق عليه‌السلام أنه ذكر الله عند ما أحل وحرم (١).

وقال الطبرسي (٢) أي ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته عن ابن عباس وغيره وقيل ذكر العبد لربه أكبر مما سواه وأفضل من جميع أعماله عن سلمان وغيره وعلى هذا فيكون تأويله أن أكبر شيء في النهي عن الفواحش ذكر العبد ربه وأوامره ونواهيه وما أعده من الثواب والعقاب فإنه أقوى لطف يدعو إلى الطاعة وترك المعصية وهو أكبر من كل لطف وقيل معناه ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة وقيل ذكر الله هو التسبيح والتقديس وهو أكبر وأحرى بأن ينهى عن الفحشاء والمنكر.

« وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (٣) فيه إيماء إلى أن ترك الصلاة نوع من الشرك.

« الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ » (٤) فيه إيماء إلى أن العمدة في الإحسان إقامة الصلاة.

« إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ » (٥) أي بالقلب الذي هو غائب عن الحواس أو هم غائبون عما يخشون الله بسببه من أحوال الآخرة وأهوالها أو يخشون ربهم في خلواتهم وغيبتهم عن الخلق « وَأَقامُوا الصَّلاةَ » لعل فيه إيماء إلى أن الصلاة المقبولة هي التي تكون لخشية الله تعالى ومقرونة بها وإنما خص الإنذار بهم لأنهم المشفعون به دون غيرهم.

« إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ » (٦) في الصلاة وغيرها « لَنْ تَبُورَ »

__________________

(١) الخصال ج ١ ص ٦٣.

(٢) مجمع البيان ج ٨ ص ٢٨٥.

(٣) الروم : ٣١.

(٤) لقمان : ٤.

(٥) فاطر : ١٨.

(٦) فاطر : ٢٩.

٢٠٠