بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الذي لا يبقى له ولد قال بل الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا الرقوب في اللغة الرجل والمرأة إذا لم يعش لهما ولد لأنه يرقب موته ويرصده خوفا عليه فنقله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الذي لم يقدم من الولد شيئا أي يموت قبله تعريفا أن الأجر والثواب لمن قدم شيئا من الولد وإن الاعتداد به أكثر والنفع فيه أعظم وإن فقدهم وإن كان في الدنيا عظيما فإن فقد الأجر والثواب على الصبر والتسليم للقضاء في الآخرة أعظم وإن المسلم ولده في الحقيقة من قدمه واحتسبه ومن لم يرزق ذلك فهو كالذي لا ولد له ولم يقله إبطالا لتفسيره اللغوي كما قال إنما المحروب من حرب دينه ليس على أن من أخذ ماله غير محروب.

١٣ ـ المسكن ، عن قبيصة قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا إذ أتته امرأة فقالت يا رسول الله ادع الله لي فإنه ليس يعيش لي ولد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله وكم مات لك ولد قالت ثلاثة قال لقد احتظرت من النار بحظار شديد.

قال قدس الله لطيفه الحظار بكسر الحاء المهملة والظاء المشالة الحظيرة تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد والريح ومنها محظور للمحرم أي الممنوع من الدخول فيه كان عليه حظيرة تمنع من دخوله.

تأييد قال في النهاية الحظيرة الموضع الذي يحاط عليه ليأوي إليه الغنم والإبل تقيها البرد والريح منه الحديث لا حمى في الأراك فقال له رجل أراكة في حظاري. أراد الأرض التي فيها الزرع المحاط عليها كالحظيرة وتفتح الحاء وتكسر ومنه الحديث أتته امرأة فقالت يا نبي الله ادع الله لي فقد دفنت ثلاثة فقال لقد احتظرت بحظار شديد من النار. والاحتظار فعل الحظار أراد لقد احتميت بحمى عظيم من النار يقيك حرها ويؤمنك دخولها.

١٤ ـ المسكن ، عن زيد بن أسلم قال : مات ولد لداود عليه‌السلام فحزن عليه حزنا كثيرا فأوحى الله إليه يا داود وما كان يعدل هذا الولد عندك قال كان يا رب يعدل عندي ملء الأرض ذهبا قال فلك عندي يوم القيامة ملء الأرض ثوابا.

وحكى الشيخ أبو عبد الله بن النعمان في كتاب مصباح الظلام عن بعض الثقات

١٢١

أن رجلا أوصى بعض أصحابه ممن حج أن يقرأ سلامه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويدفن رقعة مختومة أعطاها له عند رأسه الشريف ففعل ذلك فلما رجع من حجه أكرمه الرجل وقال له جزاك الله خيرا لقد بلغت الرسالة فتعجب المبلغ من ذلك وقال من أين علمت بتبليغها قبل أن أحدثك فأنشأ يحدثه قال كان لي أخ مات وترك ابنا صغيرا فربيته وأحسنت تربيته ثم مات قبل أن يبلغ الحلم.

فلما كان ذات ليلة رأيت في المنام أن القيامة قد قامت والحشر قد وقعت والناس قد اشتد بهم العطش من شدة الجهد وبيد ابن أخي ماء فالتمست أن يسقيني فأبى وقال أبي أحق به منك فعظم علي ذلك وانتبهت فزعا فلما أصبحت تصدقت بجملة دنانيري وسألت الله أن يرزقني ولدا ذكرا فرزقنيه واتفق سفرك فكتبت لك تلك الرقعة ومضمونها التوسل بالنبي إلى الله عز وجل في قبوله مني رجاء أن أجده يوم الفزع الأكبر فلم يلبث أن حم ومات وكان ذلك يوم وصولك فعلمت أنك بلغت الرسالة.

ومن كتاب النوم والرؤيا لأبي الصقر الموصلي عن علي بن الحسين بن جعفر عن أبيه عن بعض أصحابنا ممن أثق بدينه وفهمه قال أتيت المدينة ليلا فبت في بقيع الغرقد بين أربعة قبور عندها قبر محفور فرأيت في منامي أربعة أطفال قد خرجوا من تلك القبور وهم يقولون :

أنعم الله بالحبيبة عينا

وبمرآك يا أميم إلينا

عجبا ما عجبت من ضغطة القبر

ومغداك يا أميم إلينا

فقلت إن لهذه الأبيات لشأنا وأقمت حتى طلعت الشمس فإذا جنازة قد أقبلت فقلت من هذه قالوا امرأة من المدينة فقلت اسمها أميم قالوا نعم قلت أقدمت فرطا قالوا أربعة أولاد فأخبرتهم الخبر.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : المصائب مفاتيح الأجر.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال الله عز وجل إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة

١٢٢

في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا.

وعن معاذ قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كان له ابن وكان عليه عزيزا وبه ضنينا ومات فصبر على مصيبته واحتسبه أبدل الله الميت دارا خيرا من داره وقرارا خيرا من قراره وأبدل المصاب الصلاة والرحمة والمغفرة والرضوان.

١٥ ـ أعلام الدين ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : تجيء يوم القيامة أطفال المؤمنين عند عرض الخلائق للحساب فيقول الله تعالى لجبرئيل عليه‌السلام اذهب بهؤلاء إلى الجنة فيقفون على أبواب الجنة ويسألون عن آبائهم وأمهاتهم فتقول لهم الخزنة آباؤكم وأمهاتكم ليسوا كأمثالكم لهم ذنوب وسيئات يطالبون بها فيصيحون صيحة باكين فيقول الله تعالى يا جبرئيل ما هذه الصيحة فيقول اللهم أنت أعلم هؤلاء أطفال المؤمنين يقولون لا ندخل الجنة حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا فيقول الله سبحانه وتعالى يا جبرئيل تخلل الجمع وخذ بيد آبائهم وأمهاتهم فأدخلهم معهم الجنة برحمتي.

١٦ ـ دعوات الراوندي ، عن الصادق عليه‌السلام قال : ولد واحد يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولدا يبقون بعده شاكين في السلاح مع القائم عليه‌السلام.

بيان : في النهاية الشكة بالكسر السلاح ورجل شاك السلاح وشاك في السلاح.

١٧ ـ دعائم الإسلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم حجبوه من النار فقيل يا رسول الله واثنان قال واثنان (١).

١٨ ـ مشكاة الأنوار ، عن مهران قال : كتب رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام يشكو إليه مصابه بولده فكتب إليه أما علمت أن الله يختار من مال المؤمن ومن ولده أنفسه ليأجره على ذلك (٢).

__________________

(١) دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٢٣.

(٢) مشكاة الأنوار : ٢٨٠.

١٢٣

ومنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الولد الصالح ميراث الله من المؤمنين إذا قبضه (١).

بيان : الظاهر أن الضمير في قبضه راجع إلى المؤمنين (٢) أي ما يصل إلى الله مما يخلفه المؤمن من أهله وماله وولده الولد الصالح لأنه ينفع لدين الله وإحياء شريعته ويحتمل كون الضمير راجعا إلى الولد كما فهمه الأكثر ولذا أوردناه في هذا الباب ولا يخفى بعده إذ الميراث إنما يطلق على ما يبقى بعد الموت وأيضا التقييد بالولد الصالح لا يناسب هذا المعنى.

__________________

(١) مشكاة الأنوار ص ٢٨٠.

(٢) ما بين العلامتين ساقط عن المطبوعة.

١٢٤

١٨

( باب )

( فضل التعزي والصبر عند المصائب والمكاره )

الآيات البقرة « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » (١).

وقال تعالى « وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ » إلى قوله « وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » (٢).

لقمان « وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » (٣).

الزمر « إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » (٤).

تفسير « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ » أي ولنصيبنكم إصابة من يختبر أحوالكم هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء « بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ » أي بقليل من ذلك وإنما قلله بالإضافة إلى ما وقاهم عنه ليخفف عنهم ويريهم أن رحمته لا تفارقهم أو بالنسبة إلى ما يصيب به معانديهم في الآخرة « وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ » عطف على شيء أو الخوف وقيل الخوف خوف الله والجوع صوم شهر رمضان والنقص من الأموال الزكوات والصدقات ومن الأنفس الأمراض ومن الثمرات موت الأولاد فإنهم ثمرات القلوب كما مر في الخبر والتعميم في

__________________

(١) البقرة : ١٥٥.

(٢) البقرة : ١٧٧.

(٣) لقمان : ١٧.

(٤) الزمر : ١٠.

١٢٥

الجميع أولى.

« وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ » الخطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو لمن يتأتى منه البشارة والمصيبة تعم ما يصيب الإنسان من مكروه أي أخبرهم بما لهم على الصبر في تلك المشاق والمكاره من المثوبة الجزيلة والعاقبة الجميلة.

« قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » معنى « إِنَّا لِلَّهِ » إقرار له بالعبودية أي نحن عبيد الله وملكه فله التصرف فينا بالحياة والموت والصحة والمرض والمالك على الإطلاق أعلم بصلاح مملوكه واعتراض المملوك عليه من سفاهته « وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » إقرار بالبعث والنشور وتسلية للنفس بأن الله تعالى عند رجوعنا إليه يثيبنا على ما أصابنا من المكاره والآلام أحسن الثواب كما وعدنا وينتقم لنا ممن ظلمنا وفيه تسلية من جهة أخرى وهي أنه إذ كان رجوعنا جميعا إلى الله وإلى ثوابه فلا نبالي بافتراقنا بالموت ولا ضرر على الميت أيضا فإنه ينتقل من دار إلى دار أحسن من الأولى ورجع إلى رب كريم هو مالك الدنيا والعقبى.

وقال الطبرسي قال أمير المؤمنين عليه‌السلام قولنا « إِنَّا لِلَّهِ » إقرار على أنفسنا بالملك وقولنا « وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » إقرار على أنفسنا بالهلك. وفي الحديث من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه. وقال عليه‌السلام من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب (١).

والصلاة في الأصل الدعاء ومن الله التزكية والثناء الجميل والمغفرة وجمعها للتنبيه على كثرتها وتنوعها والمراد بالرحمة اللطف والإحسان « وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » للحق والصواب حيث استرجعوا وسلموا لقضاء الله.

وروى الكليني (٢) في الصحيح عن عبد الله بن سنان وإسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عز وجل إني جعلت الدنيا

__________________

(١) مجمع البيان ج ١ ص ٢٣٨.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٩٢.

١٢٦

بين عبادي قرضا فمن أقرضني منها قرضا أعطيته بكل واحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك ومن لم يقرضني منها فأخذت منه شيئا قسرا فصبر أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني ثم تلا أبو عبد الله عليه‌السلام قول الله تعالى : « الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ » فهذه واحدة من ثلاث خصال : « وَرَحْمَةٌ » اثنتان « وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » ثلاث ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا.

« وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ » قيل البأساء البؤس والفقر والضراء الوجع والعلة « وَحِينَ الْبَأْسِ » وقت القتال وجهاد العدو « أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا » في الدين واتباع الحق وطلب البر « وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » عن الكفر وسائر الرذائل.

« إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » أي الصبر أو كل ما أمره مما عزمه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب.

« أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » أي أجرا لا يهتدي إليه حساب الحساب.

أقول : قد مرت سائر الآيات الواردة في الصبر في بابه (١) في كتاب الإيمان والكفر.

١ ـ ثواب الأعمال ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن عبد الله بن سنان عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته حين تفجأه المصيبة إلا غفر الله له ما مضى من ذنوبه إلا الكبائر التي أوجب الله عليها النار قال وكلما ذكر مصيبة فيما يستقبل من عمره فاسترجع عندها وحمد الله غفر الله له كل ذنب اكتسبه فيما بين الاسترجاع الأول إلى الاسترجاع

__________________

(١) راجع ج ٧١ ص ٥٦ ـ ٩٧ من هذه الطبعة.

١٢٧

الثاني إلا الكبائر من الذنوب (١).

٢ ـ ومنه ، عن ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد عن علي بن سيف عن أخيه عن أبيه سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من ألهم الاسترجاع عند المصيبة وجبت له الجنة (٢).

بيان : في القاموس أرجع في المصيبة قال « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » كرجع واسترجع.

٣ ـ ثواب الأعمال ، عن محمد بن الحسن عن محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله عن الحسن بن الحسين بن يزيد عن إبراهيم بن أبي بكر عن عاصم عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال سمعته يقول من صبر على مصيبة زاده الله عز وجل عزا على عزه وأدخله جنته مع محمد وأهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

٤ ـ مجالس الصدوق ، والعيون ، عن محمد بن القاسم المفسر عن أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي بن الناصر عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه الرضا عن أبيه قال : نعي إلى الصادق عليه‌السلام إسماعيل وهو أكبر أولاده وهو يريد أن يأكل وقد اجتمع ندماؤه فتبسم ثم دعا بطعامه فقعد مع ندمائه وجعل يأكل أحسن من أكله سائر الأيام ويحث ندماءه ويضع بين أيديهم ويعجبون منه لا يرون للحزن في وجهه أثرا.

فلما فرغ قالوا لقد رأينا منك عجبا أصبت بمثل هذا الابن وأنت كما نرى فقال ما لي لا أكون كما ترون وقد جاءني خبر أصدق الصادقين أني ميت وإياكم إن قوما عرفوا الموت فلم ينكروا ما يخطفه الموت منهم وسلموا لأمر خالقهم عز وجل (٤).

__________________

(١ ـ ٢) ثواب الأعمال ص ١٧٩.

(٣) المصدر ص ١٨٠.

(٤) لا يوجد في أمالي الصدوق والحديث في عيون الأخبار ج ٢ ص ٢.

١٢٨

٥ ـ العيون ، عن علي بن عبد الله عن سعد بن عبد الله عن الهيثم بن أبي مسروق عن محمد بن الفضل عن الرضا عليه‌السلام قال قال أبو جعفر عليه‌السلام من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر كتب الله له مثل أجر ألف شهيد (١).

بيان : لعل المراد شهداء سائر الأمم.

٦ ـ صفات الشيعة ، للصدوق عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه عن محمد بن أحمد عن محمد بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تكونون مؤمنين حتى تكونوا مؤتمنين وحتى تعدوا النعمة والرخاء مصيبة وذلك أن الصبر على البلاء أفضل من العافية عند الرخاء (٢).

٧ ـ المحاسن ، عن عبد الله بن حماد عن أبي عمران عمر بن مصعب عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول العبد بين ثلاث بين بلاء وقضاء ونعمة فعليه للبلاء من الله الصبر فريضة وعليه للقضاء من الله التسليم فريضة وعليه للنعمة من الله الشكر فريضة (٣).

٨ ـ مجالس المفيد ، عن محمد بن عمر الجعابي عن عبد الله بن بريد البجلي عن محمد بن بواب الهباري عن محمد بن علي بن جعفر عن أبيه عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه صلوات الله عليهم قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربع من كن فيه كتبه الله من أهل الجنة من كان عصمته شهادة أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن إذا أنعم الله عليه بنعمة قال الحمد لله ومن إذا أصاب ذنبا قال أستغفر الله ومن إذا أصابته مصيبة قال « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » (٤).

مسكن الفؤاد ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أربع من كن فيه كان في نور الله

__________________

(١) عيون الأخبار ج ٢ ص ٢٢١.

(٢) صفات الشيعة : ١٨٠ ط نجف تحت الرقم ٥٣.

(٣) المحاسن ص ٦.

(٤) مجالس المفيد ص ٥٤.

١٢٩

الأعظم وذكر نحوه.

٩ ـ مجالس المفيد ، بإسناده إلى هاشم بن محمد في خبر طويل قال : لما وصل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وفاة الأشتر جعل يتلهف ويتأسف عليه ويقول لله در مالك لو كان من جبل لكان أعظم أركانه ولو كان من حجر كان صلدا أما والله ليهدن موتك فعلى مثلك فلتبك البواكي ثم قال « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر فرحم الله مالكا قد وفى بعهده و « قَضى نَحْبَهُ » ولقي ربه مع أنا قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنها أعظم المصيبة (١).

١٠ ـ ومنه ، عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : إن فيما ناجى الله به موسى بن عمران أن يا موسى ما خلقت خلقا هو أحب إلي من عبدي المؤمن وإني إنما أبتليه لما هو خير له وأنا أعلم بما يصلح عبدي وليصبر على بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل بما يرضيني وأطاع أمري (٢).

١١ ـ ومنه ، عن أحمد بن محمد عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن رفاعة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليهما أنه قال : أربع في التوراة وأربع إلى جنبهن من أصبح على الدنيا حزينا أصبح ساخطا على ربه ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه (٣) الحديث.

١٢ ـ ومنه ، بإسناده عن علي بن مهزيار عن علي بن عقبة عن أبي كهمش

__________________

(١) مجالس المفيد ص ٥٨.

(٢) مجالس المفيد ٦٣.

(٣) مجالس المفيد ص ١١٩.

١٣٠

عن عمرو بن سعيد بن هلال قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أوصني قال أوصيك بتقوى الله إلى أن قال وإن نازعتك نفسك إلى شيء من ذلك فاعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قوته الشعير وحلواه التمر إذا وجده ووقوده السعف وإذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن الناس لن يصابوا بمثله أبدا (١).

١٣ ـ أعلام الدين ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام للحارث الأعور ثلاثة بهن يكمل المسلم التفقه في الدين والتقدير في المعيشة والصبر على النوائب.

ومنه وروي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام سمع إنسانا يقول « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » فقال قولنا « إِنَّا لِلَّهِ » إقرار له منا بالملك وقولنا « إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » إقرار على أنفسنا بالهلك.

١٤ ـ مجالس الشيخ ، عن جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن جعفر الرزاز عن أيوب بن نوح عن محمد بن أبي عقيلة عن الحسين بن زيد عن أبيه عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال سمعته يقول من تعزى عن الدنيا بثواب الآخرة فقد تعزى عن حقير بخطير وأعظم من ذلك من عد فائته سلامة نالها وغنيمة أعين عليها (٢).

١٥ ـ ومنه ، عن الحسين بن إبراهيم عن محمد بن وهبان عن محمد بن أحمد بن زكريا عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن أبي كهمش عن عمرو بن سعيد بن هلال عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن الناس لم يصابوا بمثله ولن يصابوا بمثله أبدا (٣).

١٦ ـ دعوات الراوندي ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام الجزع أتعب من الصبر.

__________________

(١) مجالس المفيد ص ١٢٢.

(٢) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٢٦.

(٣) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٩٤.

١٣١

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول الله عز وجل من لم يرض بقضائي ولم يشكر لنعمائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سواي.

وقال من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على الله ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو الله عز وجل.

وأوحى الله إلى عزير يا عزير إذا وقعت في معصية فلا تنظر إلى صغرها ولكن انظر من عصيت وإذا أوتيت رزقا مني فلا تنظر إلى قلته ولكن انظر إلى من أهداه وإذا نزلت إليك بلية فلا تشك إلى خلقي كما لا أشكوك إلى ملائكتي عند صعود مساويك وفضائحك.

وروي عن الحسن البصري أنه قال : بئس الشيء الولد إن عاش كدني وإن مات هدني فبلغ ذلك زين العابدين عليه‌السلام فقال كذب والله نعم الشيء الولد إن عاش فدعاء حاضر وإن مات فشفيع سابق.

وعن أم سلمة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أصيب بمصيبة فقال كما أمره الله « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » اللهم أجرني من مصيبتي وأعقبني خيرا منه فعل الله ذلك به.

قالت فلما توفي أبو سلمة قلته ثم قلت ومن مثل أبي سلمة فأعقبني الله برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتزوجني.

وقال الباقر عليه‌السلام ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته إلا غفر الله له ما مضى من ذنوبه.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من مسلم يصاب بمصيبة وإن قدم عهدها فأحدث لها استرجاعا إلا أحدث الله له منزلة وأعطاه مثل ما أعطاه يوم أصيب بها وما من نعمة وإن تقادم عهدها تذكرها العبد فقال الحمد لله إلا جدد الله له ثوابه كيوم وجدها.

وقال إن أهل المصيبة لتنزل بهم المصيبة فيجزعون فيمر بهم مار من الناس فيسترجع فيكون أعظم أجرا من أهلها.

١٣٢

وكان أبو عبد الله عليه‌السلام يقول عند المصيبة الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني والحمد لله الذي لو شاء أن تكون مصيبتي أعظم مما كانت لكانت.

وكان للصادق عليه‌السلام ابن فبينا هو يمشي بين يديه إذ غص فمات فبكى وقال لئن أخذت لقد بقيت ولئن ابتليت لقد عافيت ثم حمل إلى النساء فلما رأينه صرخن فأقسم عليهن أن لا يصرخن فلما أخرجه للدفن قال سبحان من يقتل أولادنا ولا نزداد له إلا حبا فلما دفنه قال يا بني وسع الله في ضريحك وجمع بينك وبين نبيك.

وقال عليه‌السلام إنا قوم نسأل الله ما نحب فيمن نحب فيعطينا فإذا أحب ما نكره فيمن نحب رضينا وقال عليه‌السلام نحن صبر وشيعتنا والله أصبر منا لأنا صبرنا على ما علمنا وصبروا على ما لم يعلموا.

بيان : على ما علمنا أي نزوله قبل وقوعه وذلك مما يهون المصيبة أو قدر الأجر الذي يترتب على الصبر عليها بعلم اليقين ولعل الأول أظهر.

١٧ ـ دعوات الراوندي ، قال الصادق عليه‌السلام يصبح المؤمن حزينا ويمسي حزينا ولا يصلحه إلا ذاك وساعات الغموم كفارات الذنوب.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام من قصر عمره كانت مصيبته في نفسه ومن طال عمره تواترت مصائبه ورأى في نفسه وأحبائه ما يسوؤه.

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام المؤمن صبور في الشدائد وقور في الزلازل قنوع بما أوتي لا يعظم عليه المصائب ولا يحيف على مبغض ولا يأثم في محب الناس منه في راحة والنفس منه في شدة.

وقال زين العابدين عليه‌السلام ما أصيب أمير المؤمنين عليه‌السلام بمصيبة إلا صلى في ذلك اليوم ألف ركعة وتصدق على ستين مسكينا وصام ثلاثة أيام وقال لأولاده إذا أصبتم بمصيبة فافعلوا بمثل ما أفعل فإني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا يفعل فاتبعوا أثر نبيكم ولا تخالفوه فيخالف الله بكم إن الله تعالى يقول

١٣٣

« وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » ثم قال زين العابدين عليه‌السلام فما زلت أعمل بعمل أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وقال عليه‌السلام الرضا بالمكروه أرفع درجات المتقين.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام المصائب بالسوية مقسومة بين البرية.

وقال عليه‌السلام من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع.

وروي أن موسى عليه‌السلام قال يا رب دلني على عمل إذا أنا عملته نلت به رضاك فأوحى الله إليه يا ابن عمران إن رضاي في كرهك ولن تطيق ذلك قال فخر موسى عليه‌السلام ساجدا باكيا فقال يا رب خصصتني بالكلام ولم تكلم بشرا قبلي ولم تدلني على عمل أنال به رضاك فأوحى الله إليه أن رضاي في رضاك بقضائي.

١٨ ـ نهج البلاغة ، قال أمير المؤمنين وقد عزى الأشعث بن قيس عن ابن له يا أشعث إن تحزن على ابنك فقد استحقت ذلك منك الرحم وإن تصبر ففي الله من كل مصيبة خلف يا أشعث إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور (١) سرك وهو بلاء وفتنة وحزنك وهو ثواب ورحمة (٢).

وقال عليه‌السلام على قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساعة دفن إن الصبر لجميل إلا عنك وإن الجزع لقبيح إلا عليك وإن المصاب بك لجليل وإنه قبلك وبعدك لجلل (٣).

بيان : قال الجوهري الوزر الإثم والثقل قال الأخفش تقول منه وزر يوزر ووزر يزر ووزر يوزر فهو موزور وإنما قال في الحديث مأزورات لمكان مأجورات ولو أفرد لقال موزورات انتهى.

__________________

(١) في المصدر : يا أشعث ابنك سرك.

(٢) نهج البلاغة تحت الرقم ٢٩١ من قسم الحكم.

(٣) نهج البلاغة تحت الرقم ٢٩٢ من قسم الحكم.

١٣٤

قوله عليه‌السلام وهو بلاء وفتنة لقوله تعالى « إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ » (١) قوله عليه‌السلام لجلل قال في النهاية الجلل من الأضداد يكون للعظيم والحقير انتهى إن كل مصيبة قبلك وبعدك سهل هين بالنسبة إلى مصابك وقيل أراد به أن المصاب به قبله عظيم على المسلمين لحذرهم منه وبعده عظيم لاختلال أمرهم وأمر الدين بفقده والأول أظهر.

١٩ ـ النهج ، نهج البلاغة سمع عليه‌السلام رجلا يقول « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » فقال إن قولنا « إِنَّا لِلَّهِ » إقرار على أنفسنا بالملك وقولنا « إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » إقرار على أنفسنا بالهلك (٢).

وقال عليه‌السلام ينزل الصبر على قدر المصيبة ومن ضرب يده على فخذه عند مصيبة حبط أجره (٣).

وقال عليه‌السلام من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء الله ساخطا ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه (٤) وعزى عليه‌السلام قوما عن ميت مات لهم فقال إن هذا الأمر ليس بكم بدء ولا إليكم انتهى وقد كان صاحبكم هذا يسافر فعدوه في بعض سفراته فإن قدم عليكم وإلا قدمتم عليه (٥).

وقال عليه‌السلام من صبر صبر الأحرار وإلا سلا سلو الأغمار (٦).

وفي خبر آخر إنه عليه‌السلام قال للأشعث بن قيس معزيا إن صبرت صبر الأكارم

__________________

(١) التغابن : ١٥.

(٢) نهج البلاغة تحت الرقم ٩٩ من قسم الحكم.

(٣) نهج البلاغة تحت الرقم ١٤٤ من قسم الحكم.

(٤) نهج البلاغة تحت الرقم ٢٨٨ من قسم الحكم.

(٥) نهج البلاغة تحت الرقم ٣٥٧ من قسم الحكم.

(٦) نهج البلاغة تحت الرقم ٤١٣ من قسم الحكم.

١٣٥

وإلا سلوت سلو البهائم (١).

بيان : قال في القاموس سلاه وعنه كدعاه ورضيه سلوا وسلوا نسيه فتسلى وفي النهاية الأغمار جمع غمر بالضم وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور.

٢٠ ـ نهج البلاغة ، ودعوات الراوندي ، قال عليه‌السلام من عظم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها (٢).

بيان : قوله بكبارها أي في الدنيا أو أعم من الدنيا والعقبى فإن تعظيم المصيبة يوجب الجزع الموجب للنار أو لحبط الأعمال المنجية منها.

٢١ ـ كنز الكراجكي ، روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : الصبر ستر من الكروب وعون على الخطوب.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله الصبر صبران صبر عند البلاء وأفضل منه الصبر عند المحارم.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام من كنوز الإيمان الصبر على المصاب.

وقال عليه‌السلام الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له.

وقال عليه‌السلام اطرح عنك الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين.

وقال عليه‌السلام من صبر ساعة حمد ساعات.

وقال عليه‌السلام الصبر على ثلاثة أوجه صبر على المعصية وصبر على المصيبة وصبر على الطاعة.

وقال عليه‌السلام من جعل له الصبر واليا لم يكن بحدث مباليا.

٢٢ ـ مسكن الفؤاد ، للشهيد الثاني قدس سره أوحى الله تعالى إلى داود تريد وأريد وإنما يكون ما أريد فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد.

__________________

(١) نهج البلاغة تحت الرقم ٤١٤ من قسم الحكم.

(٢) نهج البلاغة تحت الرقم ٤٤٨ من قسم الحكم.

١٣٦

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : الصبر نصف الإيمان.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ومن أعطي حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار ولأن تصبروا على مثل ما أنتم عليه أحب إلي من أن يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم ولكني أخاف أن يفتح عليكم الدنيا بعدي فينكر بعضكم بعضا وينكركم أهل السماء عند ذلك فمن صبر واحتسب ظفر بكمال ثوابه ثم قرأ « ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ » (١) الآية.

وسئل عليه‌السلام ما الإيمان قال الصبر.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله الصبر كنز من كنوز الجنة.

وقيل أوحى الله إلى داود عليه‌السلام تخلق بأخلاقي وإن من أخلاقي الصبر.

وعن ابن عباس لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأنصار فقال أمؤمنون أنتم فسكتوا فقال رجل نعم يا رسول الله فقال وما علامة إيمانكم فقالوا نشكر على الرخاء ونصبر على البلاء ونرضى بالقضاء فقال مؤمنون ورب الكعبة.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصبر على ما نكره خير كثير.

وقال المسيح عليه‌السلام إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون.

وقال علي عليه‌السلام بني الإيمان على أربع دعائم اليقين والصبر والجهاد والعدل.

وقال عليه‌السلام الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا جسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له.

وقال عليه‌السلام عليكم بالصبر فإن به يأخذ الحازم وإليه يعود الجازع.

وعن الحسن بن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن في الجنة شجرة يقال

__________________

(١) النحل : ٩٦.

١٣٧

لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة فلا يرفع لهم ديوان ولا ينصب لهم ميزان يصب عليهم الأجر صبا وقرأ « إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » (١).

وعنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها رجل أو جرعة صبر على مصيبة وما من قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرة دمع من خشية الله أو قطرة دم أهريقت في سبيل الله.

وعن زين العابدين عليه‌السلام قال : إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد أين الصابرون ليدخلوا الجنة جميعا بغير حساب قال فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين يا بني آدم فيقولون إلى الجنة فيقولون وقبل الحساب فقالوا نعم قالوا ومن أنتم قالوا الصابرون قالوا وما كان صبركم قالوا صبرنا على طاعة الله وصبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله عز وجل قالوا أنتم كما قلتم ادخلوا الجنة « فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ».

وعن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : ثلاث من رزقهن فقد رزق خير الدارين الرضا بالقضاء والصبر على البلاء والدعاء في الرخاء.

وعن ابن عباس قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن فقلت بلى فقال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله فإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن في الصبر على ما نكره خيرا كثيرا وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن « مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ».

وعنه عليه‌السلام إذا أدخل الرجل القبر قامت الصلاة عن يمينه والزكاة عن شماله والبر يظلل عليه والصبر ناحية يقول دونكم صاحبي فإني من ورائه يعني إن استطعتم أن تدفعوا عنه العذاب وإلا فأنا أكفيكم ذلك وأدفع عنه العذاب.

__________________

(١) الزمر : ١٠.

١٣٨

وعنه عليه‌السلام عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله الصبر خير مركب ما رزق الله عبدا خيرا له ولا أوسع من الصبر ـ.

وسئل صلى‌الله‌عليه‌وآله هل من رجل يدخل الجنة بغير حساب قال نعم كل رحيم صبور.

وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن الحر حر على جميع أحواله إن نابته نائبة صبر لها وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسرا كما كان يوسف الصديق الأمين صلوات الله عليه لم يضرر حريته أن استعبد وقهر ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته وما ناله أن من الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبدا بعد أن كان مالكا فأرسله ورحم به أمه وكذلك الصبر يعقب خيرا فاصبروا ووطئوا أنفسكم على الصبر تؤجروا.

بيان : النوب نزول الأمر والتداكك الازدحام قوله أن من الله أي إلى أن أو في أن من الله.

٢٣ ـ المسكن ، عن علي عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصبر ثلاثة صبر عند المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ست مائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش.

وعن أم سلمة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول

١٣٩

ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف علي خيرا منها إلا آجره الله عز وجل في مصيبته وأخلف له خيرا منها قالت فلما مات أبو سلمة رضي الله عنه قلت وأي رجل خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قالت أرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحاطب بن أبي بلتعة يخطبني فقلت له إن لي بنتا وأنا غيور فقال أما بنتها فأدعو الله أن يغنيها عنها وأدعو الله أن يذهب بالغيرة عنها.

وفي آخر قالت أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قولا سررت به قال لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته فيقول اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا فعل ذلك به قالت أم سلمة فحفظت ذلك منه فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منه ثم رجعت إلى نفسي فقلت من أين لي خير من أبي سلمة فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أدبغ إهابا لي فغسلت يدي من القرظ وأذنت له فوضعت له وسادة من أدم حشوها ليف فقعد عليها فخطبني إلى نفسي فلما فرغ من مقالته قلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بي إلا أن يكون بك الرغبة ولكني امرأة في غيرة شديدة فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به وأنا امرأة قد دخلت في السن وأنا ذات عيال فقال أما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي قالت فقد سلمت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتزوجها رسول الله فقالت أم سلمة فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

بيان : في مصباح اللغة القرظ حب معروف يخرج في غلف كالعدس من الشجر الغضاة وبعضهم يقول القرظ ورق السلم يدبغ به الأديم وهو تسامح فإن الورق لا يدبغ به وإنما يدبغ بالحب.

١٤٠